ملتقى قلعة الشهيد سميح المدهون ( بيت أمر )

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أهلا وسهلا بكل أعضاء وزوار شبكة الملتقى الخاص بالشهيد سميح المدهون


    مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:43 pm

    واحب ان ابدأ بحياة الشاعر القدير


    محمود درويش

    محمود درويش ، أحد أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة و الوطن المسلوب . يعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث و إدخال الرمزية فيه . في شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى .
    بداية حياته
    محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات ، ولد عام 1942 في قرية البروة ، وفي عام 1948 لجأ إلى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد ، عاد بعدها متسللا إلى فلسطين وبقي في قرية دير الأسد شمال بلدة مجد كروم في الجليل لفترة قصيرة، استقر بعدها في قرية الجديدة شمال غرب قريته الأم البروة.


    تعليمه


    أكمل تعليمه الإبتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة دير الأسد وهي قريه عربية فلسطينية تقع في الجليل الأعلى متخفيا ، فقد كان يخشى أن يتعرض للنفي من جديد إذا كشف اليهود أمر تسلله ، وعاش تلك الفترة محروماً من الجنسية ، أما تعليمه الثانوي فتلقاه في قرية كفر ياسيف


    حياته


    انضم محمود درويش إلى الحزب الشيوعي في فلسطين ، وبعد إنهائه تعليمه الثانوي ، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الإتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي أصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر .
    لم يسلم من مضايقات الإحتلال ، حيث أُعتقل أكثر من مرّة منذ العام 1961 بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية ، حتى عام 1972 حيث نزح إلى مصر وانتقل بعدها إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاق أوسلو.
    شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر في مجلة الكرمل ، وأقام في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث أنه دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه ، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه ، وقد سمح له بذلك.


    حصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها:
    جائزة لوتس عام 1969.
    جائزة البحر المتوسط عام 1980.
    درع الثورة الفلسطينية عام 1981.
    لوحة أوروبا للشعر عام 1981.
    جائزة ابن سينا في الإتحاد السوفيتي عام 1982.
    جائزة لينين في الإتحاد السوفييتي عام 1983.
    شعره


    يُعد محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينية، ومر شعره بعدة مراحل منها.

    بعض قصائده ومؤلفاته
    عصافير بلا أجنحة (شعر) - 1960.
    أوراق الزيتون (شعر).
    عاشق من فلسطين (شعر).
    آخر الليل (شعر).
    مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).
    يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).
    يوميات جرح فلسطيني (شعر).
    حبيبتي تنهض من نومها (شعر).
    محاولة رقم 7 (شعر).
    أحبك أو لا أحبك (شعر).
    مديح الظل العالي (شعر).
    هي أغنية ... هي أغنية (شعر).
    لا تعتذر عما فعلت (شعر).
    عرائس.
    العصافير تموت في الجليل.
    تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.
    حصار لمدائح البحر (شعر).
    شيء عن الوطن (شعر).
    ذاكرة للنسيان.
    وداعاً أيها الحرب وداعا أيها السلم (مقالات).
    كزهر اللوز أو أبعد
    في حضرة الغياب (نص) - 2006
    لماذا تركت الحصان وحيداً
    بطاقة هوية (شعر)
    أثر الفراشة (شعر) - 2008


    عدل سابقا من قبل إيرفن رومل في الأحد يونيو 13, 2010 12:21 am عدل 1 مرات
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:43 pm

    أحمد شوقي






    تمثال أحمد شوقي بإيطاليا


    أحمد شوقي بك هو شاعرمصري من مواليد القاهرة عام 1868 لاب كردي و أم تركية و كانت جدته لأبيه شركسية و جدته لأمه يونانية، دخل مدرسة "المبتديان" و أنهى الابتدائية و الثانوية بإتمامه الخامسة عشرة من عمره ، فالتحق بمدرسة الحقوق ، ثم بمدرسة الترجمة ثم سافر ليدرس الحقوق في فرنسا على نفقة الخديوي توفيق بن إسماعيل . لقب بأمير الشعراء في سنة 1927 و توفي في 23 أكتوبر1932، خلد في إيطاليا بنصب تمثال له في إحدى حدائق روما، و هو أول شاعر يصنف في المسرح الشعري.

    من شعره

    من أشهر قصائده قصيدة نهج البردة التي نظمها في مدح النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ومطلعها:

    ريم على القاع بين البان والعلَم أحَل سفكْكَ دمى في الأشهر الحُرُملما رَنا حدثتني النفسُ قائلة يا ويح جنبِكَ بالسهم المُصيبِ رُمىجحدتُها وكتمتُ السهم في كبدي جٌرْحُ الأحبة عندي غير ذي ألــــم

    مثال من قصائده القصيرة التي تخرج عن عادة شعر العرب لذا سميت بالشوقيات:

    سقط الحمار من السفينة في الدجى فبكى الرفاق لفقده وترحمواحتى إذا طـلـع النـهـار أتت به نحو الســفينة موجة تتقدمقـالــت خذوه كما أتاني سـالما لم ابتلـعـه لأنـه لا يهضم
    ومن شعره ايضا :

    خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء أتراها تناست اسمي لما كثرت في غرامها الأسماءإن رأتني تميل عني كأن لم تكن بيني وبينها أشياء نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء يوم كنا ولا تسل كيف كنا نتهادى من الهوا ما نشاءوعلينا من العفاف رقيب تعبت في مراسه الأهواءجاذبتني ثوب العصي وقالت أنتم الناس أيها الشعراءفاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء


    مثال اخر من نثره : قف حى شبان الحمى: "نظمها في الطلاب المصريين الذين يطلبون العلم في أوروبا"

    قف حـى شبان الحمـى قبـل الرحيـل بقافيـــه عودتهم أمثالهـــــا في الصالحـات الباقيــه من كل ذات إشـــارة ليسـت عليـهم بخافيــهقل ياشباب نصيحـــة ممـا يـزود غاليــــههل راعكم أن رس في الكنـانة خاويـه هجرت فكل خليــــة من كل شهـد خاليـــه وتعطلت هالاتهــــا منكـم وكانت حاليـــه غدت السياسة وهــى آ مرة عليـها ناهيــــه فهجرتمو الوطن العــز يز إلى البلاد القاصيــه


    ايضا من شعره(( أحرام على بلابله الدوح )) :

    اختلاف النهار والليل ينسى اذكر لى الصبا وايام أنسى وصفا لى ملاوة من شباب صورت من تصورات ومس عصفت كالصبا اللعوب ومرت سنة حلوة ولذة خلس وسلا مصر هل سلا القلب عنها أو أسا جرحه الزمان المؤسى كلما مرت الليالى عليه رق والعهد بالليالى تقسى أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس ؟ كل دار أحق بالأهل الا في خبيث من المذاهب رجس وطنى لو شغلت بالخلدعنه نازعتنى اليه في الخلد نفسى شهد الله لم يغب عن جفونى شخصه ساعة ولم يخل حسى وعظ البحتيرى ايوان كسرى وشفتنى القصور من عبد شمس لم يرعنى سوى ثرى قرطبى لمست فيه عبرة الدهر خمسى مرمر قامت الاسود عليه كلة الظفر لينات المجس اخر العهد بالجزيرة كانت بعد عرك من الزمان وضرس ومفاتيحها مقاليد ملك باعها الوارث المضيع ببخس خرج القوم في كتائب صم عن حفاظ كموكب الدفن خرس ركبوا بالبحار نعشا وكانت تحت آبائهم هى العرش امس امرة الناس همة لاتاتى لجبان ولا تسنى لحبس


    ومن شعره ايضا(( علموه )) علموه كيف يجفو فجفا ظالم لاقيت منه ما كفى مسرف في هجره ما ينتهى اتراهم علموه السرفا؟ جعلوا ذنبى لديه سهرى ليت بدرى اذ درى الذنب عفا عرف الناس حقوقى عنده وغريمى ما درى ما عرفا صح لى في العمر منه موعد ثم ما صدقت حتى اخلفا ويرى لى الصبر قلب مادرى ان ما كلفنى ما كلفا مستهام في هواه مدنف يترضى مستهاما مدنفا يا خليلى صفالى حيلة وارى الحيلة ان لاتصفا انا لو ناديته في ذلة هى ذى روحى فخذها ما احتفى


    له آثار منهم :
    ديوان "الشوقيات" الشعري - من أربعة اجزاء.
    مسرحية "مصرع كليوبترا"
    مسرحية "مجنون ليلى"
    مسرحية "قمبيز"
    مسرحية "علي بك الكبير"
    مسرحية "عنترة"
    ملهاة "الست هدى"
    رواية "عذراء الهند"
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:44 pm

    نزار قباني
    نزار قباني نزار توفيق القباني (21 مارس/آذار 1923 - 30 ابريل/نيسان 1998)، يوصف بأنه من رواد الشعر الحديث في العالم العربي
    نبذة

    كانت أسرة نزار قباني ذات أصل دمشقي عريق، عمل أبوه في صناعة الحلويات و كان يساعد المقاومين في نضالهم ضد الفرنسيين – في عهد الانتداب الفرنسي لسوريا. عمه أبو خليل القباني هو من أوائل المبدعين في فنالمسرح العربي.
    كان لانتحار أخته بسبب رفضها الزواج من رجل لا تحبه، أثر عميق في نفسه و شعره، فعرض قضية المرأة و العالم العربي في العديد من قصائده، رافضا شوفينية الرجال.
    نقلت هزيمة 1967 شعر نزار قباني نقلة نوعية : من شعر الحب إلى شعر السياسة والرفض والمقاومة ؛ فكانت قصيدته " هوامش على دفتر النكسة " 1967 التي كانت نقدا ذاتيا جارحا للتقصير العربي ، مما آثار عليه غضب اليمين واليسار معا.
    جمع في شعره كُلاّ من البساطة و البلاغة اللّتان تميزان الشعر الحديث، و أبدع في كتابة الشعر الوطني و الغزلي. غنى العديد من الفنانين أشعاره، أبرزهم أم كلثوم عبد الحليم حافظ و نجاة الصغيرة و فيروز و ماجدة الرومي و كاظم الساهر و محمد عبد الوهاب، و اكتسب محبة واسعة بين القراء في العالم العربي. كان يتقن اللغة الإنجليزية ، خاصة وأنه تعلّم تلك اللغة على أصولها ، عندما عمل سفيراً لسوريا في لندن بين عامي 1952- 1955.

    قصته مع الشعر

    بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة ، وأصدر أول دواوينه " قالت لي السمراء " عام 1944 وكان طالبا بكلية الحقوق ، وطبعه على نفقته الخاصة . له عدد كبير من دواوين الشعر ، تصل إلى 35 ديواناً ، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن أهمها " طفولة نهد ، الرسم بالكلمات ، قصائد ، سامبا ، أنت لي " . لنزار عدد كبير من الكتب النثرية أهمها : " قصتي مع الشعر ، ما هو الشعر ، 100 رسالة حب " . ويعتبر قصتي مع الشعر السيرة الذاتية لنزار قباني .. حيث كان رافضا مطلق الرفض ان تكت سيرته على يد أحد سواه ! وقد طبعت جميع دواوين نزار قباني ضمن مجلدات تحمل اسم ( المجموعة الكاملة لنزار قباني ).

    الدراسة و العمل

    نال نزار القباني شهادة البكالوريا من الكلية العلمية الوطنية في دمشق، و تخرج في العام 1945 من كلية الحقوق في الجامعة السورية. عمل بعد تخرجه كدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية كسفير في عدة مدن منها بيروت، القاهرة، مدريد، و لندن. و في العام 1959 بعد اتمام الوحدة بين مصر و سوريا، عُين سكرتيراً ثانياً للجمهورية المتحدة في سفارتها بالصين. بقي في الحقل الدبلوماسي إلى ان قدم استقالته في العام 1966.
    أسس دار نشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني "

    حياته
    تزوج نزار مرتين في حياته. الأولى من ابنة عمه "زهراء آقبيق" و لديه منها هدباء، توفيق. توفي توفيق عن عمر 17 عاماً بنوبة قلبية و هو طالب في كلية الطب في القاهرة. فرثاه بقصيدة شهيرة عنوانها "الأمير الخرافي توفيق قباني"، و أوصى ان يدفن إلى جانبه بعد موته. وأما ابنته هدباء فهي متزوجة الآن من طبيب في إحدى بلدان الخليج من أسرة بيهم.
    أما زواجه الثاني فكان من العراقية بلقيس التي لاقت حتفها في انفجار السفارة العراقية في بيروت أثناء الحرب اللبنانية في العام 1982، ما ترك في نفسه اثرا سيئاً فرثاها بقصيدة "بلقيس" الشهيرة التي حمّل فيها العالم العربي كله مسؤوليّة موتها. و له منها عمر و زينب.
    بعد وفاة بلقيس رفض الزواج مجدداً، و أمضى سنينه الأخيرة في لندن وحيداً. وافته المنية يوم 30 ابريل/نيسان 1998 في لندن عن عمر 75 عاماً، بعدما أصيب بنوبة قلبية.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:45 pm

    أبو القاسم الشابي

    أبو القاسم الشابي (24 فبراير1909 - 9 أكتوبر1934م) شاعر تونسي من العصر الحديث ولد في بلدة توزر في تونس .

    حياته

    أبو القاسم الشابي هو شاعر الخضراء، وهو القائل في مطلع قصيدته 'إرادة الحياة' (من بحر المتقارب):
    إذا الشعب يوماً أراد الحيـاة فلا بدّ أن يستجيب القدر</ولا بدّ للــــيل أن ينجلـــي ولا بدّ للقيد أن ينكسـر</ومن لم يُعانــقه شوق الحيــاة</تبخّر في جوّهـا واندثــر</فويلٌ لمن لم تشُقْه الحيـــاة</من صفعة العدم المنتصــر</كذلك قالـت لي الكائنـــــات</وحدّثني روحهـا المستتــر</بدأ تعلّمه في المدارس التقليدية "الكتاتيب" وهو في الخامسة من عمره، وأتمّ حفظ القرآن بكامله في سنّ التاسعة. ثم أخذ والده يعلّمه بنفسه أصول العربية ومبادئ العلوم الأخرى حتى بلغ الحادية عشرة. التحق بالكلية الزيتونية في 11 أكتوبر1920 وتخرّج سنة 1928 نائلاً شهادة "التطويع" وهي أرفع شهاداتها الممنوحة في ذلك الحين. ثم التحق بمدرسة الحقوق التونسية وتخرج منها سنة 1930.

    اّثاره
    ديوان أغاني الحياة
    رواية في المقبرة
    رواية صفحات داميه
    مسرحيةالسكير
    الخيال الشعري عند العرب
    رسائل إلى البشروش ، الحليوي ، أبو شادي ،ابراهيم ناجي
    قصيدةُ إلى طغاة العالم
    قصيدةُ ايهاَ الحُبُّ
    قصيدةُ إرَادةُ الحياةِ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:45 pm

    جبران خليل جبران بن ميخائيل بن سعد، من أحفاد يوسف جبران الماروني البشعلاني، شاعر لبناني امريكي، ولد في 6 يناير1883 م في بلدة بشري شمال لبنان وتوفي في نيويورك10 ابريل1931 م بداء السل، سافر مع أمه وإخوته إلى أمريكا عام 1895، فدرس فن التصوير وعاد إلى لبنان، وبعد أربع سنوات قصد باريس لمدة ثلاث سنوات، وهناك تعمق في فن التصوير. عاد إلى الولايات الامريكية المتحدة مرة أخرى وتحديدا إلى نيورك، وأسس مع رفاقه "الرابطة القلمية" وكان رئيسها. جمعت بعض مقالاته في كتاب "البدائع والطرائف".
    جبران خليل جبران







    أدبه

    كان في كتاباته اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على العقائد والدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة.

    مؤلفاته

    ألّف باللغة العربية:
    دمعة وابتسامة .
    الأرواح المتمردة.
    الأجنحة المتكسرة.
    [[العواصف].
    البدائع والطرائف: مجموعة من مقالات وروايات تتحدث عن مواضيع عديدة لمخاطبة الطبيعة ومن مقالاته "الأرض". نشر في مصر عام 1923.
    ألّف بال[انجليزية|للغة الانجليزية]:
    النبي مكون من 26 قصيدة شعرية وترجم إلى ما يزيد على 20 لغة.
    المجنون .
    رمل وزبد.
    يسوع ابن الانسان .
    حديقة النبي.
    أرباب الأرض.
    الأعلام للزركلي.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:46 pm

    امرؤ ألقيس هو حندج بن حجر بن الحارث الكندي. من أشهر شعراءالعرب، أبوه حجر بن الحارث ملك مملكة كندة هي إحدى الممالك العربية القديمة قبل الإسلام في نجد وعلى أسد وغطفان، وخاله المهلهل الشاعر.

    نشأته وحياته

    هو حندج بن حجر من قبيلة كنده اليمانية إما امرؤ ألقيس هو الاسم الذي عرف واشتهر به,فهو لقب لًقب به ويعني الرجل الشديد. ولد امرؤ ألقيس في نجد حوالي سنه 500م،ونشأ في أسرة ملك وسيادة وترف, فقد كان والده حجر ملكا على بني أسد وغطفان, ودام ملكه ما يقارب ستين عاماً.
    كان أصغر إخوته وعاش في كنف والده الملك, كما عاش أبناء الملوك في ذلك الزمان ، وتعلم الفروسية ووسائل النجدة والشجاعة, وكان كثير التردد على أخواله في بني تغلب, فتعلم الشعر من خاله الشاعر المشهور المهلهل, الذي كان على اطلاع ومعرفة بذكائه وتوقد ذهنه وطلاقه لسانه.
    تمكن من قول الشعر وهو في عنفوان الشباب, وميعه الصبا, وأكثر من التغزل في فتيات بني أسد والتشبيب بهن, مما أدى إلى إغضاب والده الذي زجره، ولكنه لم يزدجر, وإنما واصل قول الشعر فيما يغضب والده الملك، الأمر الذي أدى إلى طرده وخروجه من كنف والده ورعايته, فالتفت حوله زمرة من الصعاليك, والشذاذ, واللصوص, وكان يغير على إحياء العرب، ويسطون على ممتلكاتهم، ثم يتقاسمون الغنائم فيما بينهم ويشربون الخمر ويلعبون النرد وينشدون الشعر ويتغنون القيان.
    ولكن الصفاء لا يدوم والفرح لا يستمر والزمان لا يؤمن جانبه، فينما كان غارقاً في اللذات كعادته يعاقر الخمر ويلعب النرد جاءه الخبر بمقتل والده على يد بعض رجال بني أسد، فقال قولته المشهورة التي حفظها الزمان في ذاكرته وهي"ضيعني أبي صغيرا, وحملني دمه كبيرا,ولا صحو اليوم ولا سكر غدا ،اليوم خمر وغدا أمر".
    نعم لقد ودع امرؤ ألقيس ذلك اليوم اللهو و والترف، وبدا بالاستعداد للأخذ بالثار واسترجاع الملك الضائع وقد حرضه على ذلك بنو تغلب وبكر, وأصاب ثارة من قاتل أبيه.
    لقد واصل امرؤ ألقيس رحله التشرد في الحياة طلبا لمزيد من الثار وانتهى به المطاف في القسطنطينية طالبا من القيصر جوستنياس المساعدة لأدراك هدفه ولكن جهوده لم تتكلل بالنجاح, فعاد من عاصمة الروم يائسا, وعندما وصل مدينه أنقرة تفشى في جسده الجدري, فسبب له القروح التي أودت بحياته, ولما بلغ خير وفاته امر القيصر ملك القسطنطينية بنحت له تمثال وان ينصب على ضريحه.

    شعره

    نشأ امرؤ ألقيس منذ صغره وفي أعماقه شاعرية فياضة, تسندها عاطفة شديدة الانفعال, وظروف بيئيه أسهمت في تغذية هذه الشاعرية وتعميق مجراها. لقد عاش امرؤ ألقيس موزعا بين فترتين مختلفتين، صنعت كل واحدة منها شاعرا متميزاً، فقبل مقتل والده كان ذلك الشاعر اللاهي العابث الذي انطلق مع المتع والشراب والغزل دون حدود أو ضوابط، ولكن مقتل والده قلبَ حياته رأسا على عقب, فادى إلى انهيار الماضي اللاهي الذي كان مسكوناً به، ليحل مكانه حاضر جديد صنع منه شاعر العزم والبأس والثبات والصبر على الشدائد.
    نعم لقد أمسى خمراً إما حاضره ومستقبله بعد مقتل والده الملك فقد أصبح امرأ وحربا وأخذا للثار فجاء شعره في المرحلة الثانية من عمره متسماً بصبغه الثورة والشدة.
    وكما جاء شعره صدى لنوعين من الحياة: حياة اللهو والترف والعبث و حياة الجد والعزم والثأر فقد جاء شعره صدى لنوعين من البيئة: بيئة البداوة التي أكسبت شعره مسحه القوة والصفاء, وبيئة الحضارة التي منحت شعره سمه الرقة واللين.
    لقد قال الشعر في كل ما يحتاج إليه الشاب المترف العابث الماجن,وقال في الخمر والنساء وفي كل أنواع المتع الجسدية وقال في وصف الطبيعة في كل مظاهرها وصنوفها ، وقال الشعر في الحرب والثار والتهديد واستنهاض الهمم والعزائم.
    قال كل ذلك بألفاظ جمعت بين خشونة البادية ورقة الحاضر وبموسيقى شعرية جذابة امتزج فيها رنين الحزن ولوعه الحنين ، مع اندفاع الشباب وطيش اللهو وبعاطفة جارفة جمعت بين نجوى الوجدان ونبض الفؤاد. ولذلك كانت إحدى قصائده ضمن المعلقات الشعرية التي كتبها العرب في جاهليتهم بماء الذهب وعلقوها على أستار الكعبة وهي ألقصيده التي مطلعها:
    قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
    لم تكن حياة امرؤ ألقيس طويلة بمقياس عدد السنين ولكنها كانت طويلة وطويلة جدا بمقياس تراكم الإحداث وكثرة الإنتاج ونوعية الإبداع. لقد طوف في معظم إرجاء ديار العرب وزار كثيرا من مواقع القبائل بل ذهب بعيدا عن جزيرة العرب ووصل إلى بلاد الروم إلى القسطنطينية ونصر واستنصر وحارب وثأر بعد حياة ملأتها في البداية باللهو والشراب ثم توجها بالشدة والعزم إلى أن تعب جسده وأنهك وتفشى فيه وهو في ارض الغربة داء كالجدري او هو الجدري بعينه فلقي حتفه هناك في أنقرة في سنة لا يكاد يجمع على تحديدها المؤرخون وان كان بعضهم يعتقد أنها سنه 540م.
    لقد ترك خلفه سجلا حافلا من ذكريات الشباب وسجلا حافلا من بطولات الفرسان وترك مع هذين السجلين ديوان شعر ضم بين دفتيه عددا من القصائد والمقطوعات التي جسدت في تاريخ شبابه ونضاله وكفاحه, وعلى الرغم من صغر ديوان شعره الذي يضم ألان ما يقارب من مئة قصيدة ومقطوعة إلا انه جاء شاعرا متميزا فتح أبواب الشعر وجلا المعاني الجديدة ونوع الإغراض واعتبره القدماء مثالا يقاس عليه ويحتكم في التفوق أو التخلف إليه.

    ولذلك فقد عني القدماء بشعره واحتفوا به نقداً ودراسة وتقليداً كما نال إعجاب المحدثين من العربوالمستشرقين, فاقبلوا على طباعته منذ القرن الماضي, القرن التاسع عشر في سوريةومصروفرنساوألمانيا وغيرها من البلدان التي تهتم بشؤون الفكر والثقافة.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:47 pm

    الشاعرة فدوى طوقان
    حياة الشاعرة:
    هي فدوى عبد الفتاح آغا طوقان . ولدت عام 1917 بفلسطين، وتحمل الجنسية الأردنية. تلقت تعليمها الابتدائي في نابلس ثم ثقفت نفسها بنفسها، والتحقت بدورات اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي. وفدوى طوقان كانت عضوا في مجلس أمناء جامعة النجاح بنابلس. وحضرت العديد من المهرجانات والمؤتمرات العربية والأجنبية.

    حصلت فدوى طوقان الشاعرة على عدد كبير من الجوائز، فقد جائزة رابطة الكتاب الأردنيين 1983، وجائزة سلطان العويس 1987، وجائزة ساليرنو للشعر من إيطاليا، ووسام فلسطين، وجائزة مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري 1994.[1] وجائزة كافاتيس الدولية للشعر عام 1996.[2]

    فدوى والشعر :

    تعرفت إلى عالم الشعر عن طريق أخيها الشاعر إبراهيم طوقان. وقد عالج شعرها الموضوعات الشخصية والاجتماعية، وهي من أوائل الشعراء الذين عملوا على تجسيد العواطف في شعرهم، وقد وضعت بذلك أساسيات قوية للتجارب الأنثوية في الحب والثورة، واحتجاج المرأة على المجتمع. ولشعرها مراحل، فقد تحولت من الشعر الرومانسي إلى الشعر الحر ثم هيمنت على شعرها موضوعات الماومة بعد سقوط بلدها.



    ما صدر عنهــا من دراسات وبحوث :

    - صدرت عنها دراسات أكاديمية (للماجستير والدكتوراة) في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، كما كتبت عنها دراسات متفرقة في الصحف والمجلات العربية، إلى جانب كتابات أخرى لكل من إبراهيم العلم، وخليل أبو أصبع، وبنت الشاطئ وروحية القليني، وهاني أبو غضيب، وعبير أبو زيد وغيرها . [3]

    ومن الكتب الجديدة حول الشاعرة فدوى طوقان كتاب : ( من إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى) ، وهو كتاب جديد يكشف دور الشاعر إبراهيم طوقان في تثقيف أخته عبر الرسائل. وفيه يطالب بها الشاعر إبراهيم أخته الشاعرة فدوى - بمطالب تتعلق باللغة والوزن والصورة، وفي سبيل تطوير أدواتها، وكان المصدر الأول الذي يحقق ذلك هو القرآن .

    وصدر عن دار الهجر للنشر والتوزيع-بيت الشعر-في مدينة رام الله بفلسطين كتاب آخر " رسائل إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى".[4] وعلى هذا الصعيد تكشف الرسائل مدى العنت والجهد الذي يبذله الطرفان للوصول الى الهدف فهو يرشدها الى قواعد اللغة والى قوانين الشعر، ويقترح لها فيما تقرأ ، وفيما تكتب ويصحح لها، وحين يطمئن إلى مستوى معقول يدفعها لتدفع بشعرها للنشر.


    الشعر من 1948- 1967



    - كانت فدوى طوقان أشهر من عرف في عهد الانتداب من الشعراء وكذلك أبو سلمى الذي استقر في دمشق، وقد تميزت قصائد أبو سلمى بعد 48 باهتزاز الرؤية وفقدان الثقة، أما فدوى طوقان فقد تطورت بشكل مختلف فأغنت الشعر العربي بالشعر الرشيق الذي يعبر عن اكتشاف الأنثى لذاتها.[5]



    مراحل شعـر فدوى طوقـان


    - فقد نسجت في المرحلة الأولى على منوال الشعر العمودي وقد ظهر ذلك جليا في ديواني(وحدي مع الأيام) و(وجدتها) وشعرها يتسم بالنزعة الرومانسية.



    -وفي المرحلة الثانية اتسمت أشعارها بالرمزية والواقعية وغلبه الشعر الحر وتتضح هذه السمات في ديوانيها (أمام الباب المغلق)و (والليل و الفرسان).



    - بدأت الشاعرة فدوى طوقان مع القصيدة التقليدية العمودية، لتقتنع بعدها بقصيدة التفعيلة، مشيرة إلى أنها تعطي للشاعر فسحة ومجالا أكثر. كما إنها تقول إن قصيدة التفعيلة سهلت وجود شعر المسرح.





    إحدى الأمسيات الشعرية التي حضرتها فدوى طوقان في الإمارات


    - للشاعرة فدوى طوقان نشاطات على الصعيد العربي والعالمي، وتتحدث الشاعرة فدوى طوقان في أمسياتها عن المعاناة التي لازمتها منذ احتلال اليهود للأرض العربية الفلسطينية، حتى إن كثيرا من قصائدها خرج إلى الوجود من خلال هذه المعاناة.وفي هذه الندوة تقول: إنها مازالت تشعر بالمهانة والإذلال كلما رأت الأراضي العربية تدنس بأقدام اليهود.[6]


    من قصائدهـــا:

    بعض القصائد للشاعرة فدوى طوقان.

    يا نخلتي يحبني اثنان

    كلاهما كـورد نيسان

    كلاهما أحلى من السكر

    وتاه قلبي الصغير بينهما

    أيهما أحبة أكثر؟؟

    أيهما يا نخلتي أجمل؟

    قولي لقلبي ، إنه يجهل

    في الرقصة الأولى

    بين ظلال وهمس موسيقى

    وشوشني الأول

    وقال لي ما قال

    رفّ جناحا قلبي المثقل بالوهم، بالأحلام، بالخيال

    لم أدر ماذا أقول أو أفعل

    في الرقصة الأخرى

    حاصرني الثاني وطوقت خصري ذراعان

    نهران من الشوق وتحنان

    وقال لي قال

    رفّ جناحا قلبي المثقل

    بالوهم، بالأحلام، بالخيال

    واحيرتي! يحبني اثنان كلاهما كورد نيسان

    كلاهما أحلى من السكر أيهما أحبة أكثر؟[7]


    - وفي ملحمتها (نداء الأرض) تصور فدوى طوقان شيخاً فلسطينياً في لحظة التساؤل المرير عن المصير الذي آل إليه حاله وحال شعبه:

    أتغصب أرضي؟

    أيسلب حقي وأبقى أنا حليف التشرد أصبحت ذلة عاري هنا

    أأبقى هنا لأموت غربياً بأرض غريبة

    أأبقى ؟ ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة

    سأنهي بنفسي هذه الرواية
    فلا بد ، لا بد من عودتي

    كان بعينه يرسب شيء

    ثقيل كآلامه مظلم

    لقد كان يرسب سبع سنين

    انتظار طواها بصبر ذليل

    تخدره عصبة المجرمين

    وترقد تحت حلم ثقيل

    أهوى على أرضه في انفعال يشم ثراها

    يعانق أشجارها ويضم لآلى حصاها

    ومرغ كالطفل في صدرها الرحب خداً وفم

    وألقى على حضنها كل ثقل سنين الألم

    وهزته أنفاسها وهي ترتعش رعشة حب

    وأصغى إلى قلبها وهو يهمس همسة عتب

    رجعت إلي

    وكانت عيون العدو اللئيم على خطوتين

    رمته بنظرة حقد ونقمة

    كما يرشق المتوحش سهمه

    ومزق جوف السكوت المهيب صدى طلقتين.



    - وتقول فدوى طوقان في قصيدة الأفضال:

    إلي أين أهرب منك وتهرب مني؟

    إلي أين أمضي وتمضي؟

    ونحن نعيش بسجن من العشق

    سجن بنيناه، نحن اختياراً

    ورحنا يد بيد..

    نرسخ في الأرض أركانه.





    **وفاة الشاعرة فدوى طوقان**

    فلسطين الحبيبة كيف أغفو ************ وفي عيني أطياف العذاب


    انتقلت الشاعرة العربية الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان الى جوار ربها مساء أمس الجمعة 13-12-2003 في مدينة نابلس .

    رحم الله الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان وأسكنها فسيح جناته
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:48 pm

    الشاعر ابراهيم طوقان
    إبراهيم عبد الفتاح طوقان هو شاعر فلسطيني من مدينة نابلس. ولد عام 1905، درس في المدرسة الرشادية الغربية في نابلس وفلسطين ما زالت تحت الحكم العثماني. ، اكمل دراسته في مدرسة المطران الثانوية ثم التحق بالكلية الإنجليزية في القدس. وعاصر الحرب العالمية الاولى 1914 ـ 1918، وعاش ايام تفكك الدولة العثمانية وهزيمتها ومن ثم عانى من الانتداب البريطاني الذي رعى الهجرة الصهيونية ودعمها بكل الوسائل والذي ساعدها على الاستيلاء على فلسطين ، كما عانى الشاعر من عوامل داخلية تمثلت في التناحر والفرقة والتفكك وتلاعب السماسرة وباعة الارض وغير ذلك، فانفجرت شاعريته منددة بكل هذه العوامل، ومحذرة منها. بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1929 عمل كمدرس في كلية النجاح الوطنية في مدينة نابلس ، توفي في 2 مايو 1941.


    · أتم دراسته الابتدائية في المدرسة الرشادية الغربية في نابلس، ثم انتقل إلى مدرسة المطران في القدس.

    · انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1923 ، وأنهى دراسته سنة 1929.

    · عمل مدرساً للغة العربية في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس، ثم أستاذاً في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم مسؤولاً عن البرنامج العربي في إذاعة القدس.

    · في أيار(مايو) سنة 1941 اشتد عليه المرض و توفي بعد أيام قليلة.

    · كان إبراهيم طوقان الأبرز بين شعراء جيله في فلسطين

    · تراوحت مواضيع شعره بين التجربة الذاتية والتجربة الوطنية الواسعة.

    · نشر شعره في الصحف والمجلات العربية ، وقد نشر ديوانه بعد وفاته تحت عنوان: " ديوان إبراهيم طوقان".



    زيادة الطيّـن




    من كان ينكر نوحاً أو سفينته فإن نوحاً بأمر الله قد عادا!!

    حلَّ الوبالُ "بعيبال" فمال به يا هيبة الله إبراقاً وإرعادا

    في جارفٍ كعجيج البحر طاغيةٍ أمواجه تحمل الأسواق إمدادا

    ولا تزال من الزلازل باقيةٌ تذكارها يوقد الأكبادَ إيقادا

    منذ احتللتم العيش يرهقنا فقراً وجوراً وإتعاساً وإفساداً

    بفضلكم قد طغى طوفانُ"هجرتهم" وكان وعداً تلقينَّاه إيعاداً

    واليوم، من شؤمكم، نُبلى بكارثةٍ هذا هو الطين والماء الذي زادا


    البَلـدُ الْكَئِيـب

    "بمناسبة إضراب فلسطين يوم وعد بلفور"


    بَلفُور كأسك من دَمِ الشُّهداء لا ماء العِنَبْ

    لا يخدعـنَّك أَنَّهَـا راقت وكَلَّـلهَا الحَبَبْ

    فَحبَابُها الأرواح قد وثبت إليْكَ كَمَا وَثَبْ

    فانْظُرْ لوَجْهِكَ إنَّهُ في الكأس لَوَّحهُ الغَضَبْ

    وَانْظُرْ، عَمِيتَ، فإنَّهُ مِنْ صَرْخَةِ الحَقَّ التَهَبْ

    ****
    بِلْفُورُ يَوْمُكَ في السَّمَاءِ: عليْك صَاعقةُ السَّمَاءْ

    مَا أَنْتَ إلاّ الذِّئبُ قَد صُوَّرْتَ مِنْ طِينِ الشَّقَاءْ

    والذِّئبُ وَحشٌ لَمْ يَزَلْ يَضْرَى بِرائحةِ الدِّماءْ

    اِخْسأْ بوعْدكَ، إنَّ وعدك دُونَهُ رَبُّ القَضــاءْ

    وإلى جَهنّــَم أنْتـُما حَطبٌ لها طولُ البَقاءْ

    ****
    اِخسأ بوعدك لن يضير الوعدُ شَعباً هبَّ ناهِضْ

    لا تنقضِ الوعْدَ الذي أبرَمتهُ فَلَهُ نواقــض

    ويلٌ لوعْدِ الشَّيخِ منْ عزمات آسادٍ روابضْ

    أتضيعُ يا وطني وهَا عِرقُ العروبةِ فيَّ نابضْ

    فلأذهبنَّ فداءَ قومي في غمار الموت فائض




    إبراهيم طوقان 1929




    من قصاثد ابراهيم طوقان
    الثلاثاء الحمراء - الفداثي - غاده اشبيليه - الحبشي الدبيح - مصرع بلبل - الشاعر المعلم- في المكتبة- مَوطِنی- تَفاؤلٌ وَ أمَلٌ- نشيد البلبل للوردة- نشيد فلسطين -



    هذه بذرة مقالة عن حياة شخصية تحتاج للنمو والتحسين؛ فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها
    هذه بعض القصائد مع روابط

    تحيتي
    قصيدة الشاعر المعلم

    غريرة بالمكتبة

    ملائكة الرحمة
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:49 pm







    ولد عبد الرحيم محمود سنة 1913 في بلدة عنبتا التي تقع قرب طولكرم
    في فلسطين، ويلقّب بالشاعر الفلسطيني الشهيد وهو يتمتع باحترام
    الأجيال الشعرية الفلسطينية وتقديرها الكبير.
    درس المرحلة الثانوية في مدرسة النجاح
    (التي أصبحت الآن جامعة النجاح)
    في نابلس حيث علّم
    اللغة والأدب العربيين
    حتى عام 1936

    عندما اشتعلت ثورة 1936 ترك عبد الرحيم محمود التعليم وانضم إلى المجاهدين
    الذين يقاومون الاحتلال البريطاني، ولقد استمرّ يكتب الشعر الحماسي الذي
    يدعو فيه شعبه إلى الجهاد من أجل حقوقه الوطنية
    درس ما بين عامي 1939 و 1942 في
    الكليّة الحربيّة في العراق وتخرّج
    برتبة ضابط. وقد دعته الحكومة
    العراقية فيما بعد ليدرس في
    بغداد أولاً ثم في البصرة حيث
    انضم إلى ثورة رشيد
    عالي الكيلاني ضد الاستعمار البريطاني
    عاد إلى فلسطين بعدها وظلّ إلى يوم
    استشهاده نشطاً على الصعيدين
    السياسي والشعري.
    انضم إلى صفوف المدافعين عن فلسطين ضد الزحف
    الصهيوني ما بين عامي 1947 – 1948 وذلك
    بعد صدور قرار التقسيم.
    استشهد في معركة الشجرة في 13 تموز 1948

    يحفظ عشرات الآلاف من الفلسطينيين
    والعرب شعره الذي يتمتع
    بنظرة رؤيوية لمستقبل فلسطين
    الأليم الذي تحقق بعد استشهاده
    جمع شعره وصدرت مجموعته الشعرية


    من اشعاره
    يا ايها الشعب العظيم أجدت للمجد الطلاب
    من عاش ما بين الوحوش يكن له ظفر وناب
    والنار تضمن والحديد لمن تساءل ان يجاب
    حكمها فيما تريد ففيهما فصل الخطاب

    نحن لم نحمل المشاعل للحرق ولكن للهدى والتنوير
    نحن لم نحمل السيوف لهدر بل لاحقاق ضائع مهدور
    أمتي ان تجر عليك الزعامات فلا تيأسي ذريها وسيري
    رتلي سورة السلام على الارض وغني انشودة التحرير
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:49 pm





    سيرة حافلة

    حسب المصادر الفلسطينية الموثوقة. ولد جبرا إبراهيم جبرا مسعود في بيت لحم يوم 28/8/1920. لكنني عندما اطلعت على جواز سفره العراقي، رأيته مسجلاً من مواليد تركيا 1919. وهو أمر غريب لأن مكان الميلاد يكون، في الأوراق الرسمية، محدداً باسم قرية أو مدينة لا اسم دولة. فضلاً عن أنني، شأن الكثيرين، أعرف منه شخصياً أنه مولود في بيت لحم، كما أنه أشار في معظم كتبه إلى أنه مولود عام 1920, ولا أدري سر هذا التدبير الإداري العراقي.

    درس جبرا في مدرسة طائفة السريان في بيت لحم خلال المرحلة الابتدائية، ثم في مدرسة بيت لحم الوطنية، فالمدرسة الرشيدية في القدس التي أتاحت له التعرف على "الأستاذة" الكبار من أمثال إبراهيم طوقان واسحق موسى الحسيني وأبى سلمى (عبد الكريم الكرمي) ومحمد خورشيد (العدناني)، ثم التحق بالكلية العربية في القدس. وخلال هذه الفترة كان قد تمكن من اللغتين العربية والإنجليزية بشكل ممتاز، إضافة إلى لغة السريان التي هي طائفة أسرته.

    ويذكر في "البئر الأولى" وقائع طريفة مما جرى له في مصر التي سافر إليها، ليتوجه منها بحراً إلى بريطانيا حيث التحق بجامعة كامبردج، وحصل منها على الماجستير في النقد الأدبي عام 1948. إلا أننا نستطيع القول إنه وصل إلى هذه الجامعة أديباً، فقد بدأ كتابة القصة القصيرة في فلسطين، ونشر بعض نتاجه المبكر في مجلات نوعية مثل "الرسالة" و"الهلال" المصريتين، و"الأمالي" اللبنانية. ولكن أهم ما أنجزه في تلك المرحلة المبكرة، هي الرواية التي كتبها باللغة الإنجليزية عام 1946 بعنوان "passage in the Silent Night" وقد حملها معه إلى كامبردج مطبوعة على الآلة الكاتبة، ووزع نسخاً منها على زملائه في الجامعة. ولم تصدر طبعتها الأولى إلا بالعربية، عام 1955، وكان قد أعاد كتابتها بالعربية وهو يدرس في جامعة هارفارد. وقد كتب لي هذا بخط يده على النسخة التي أهدانيها، وقد أعطى الرواية بالعربية اسمها الشهير "صراخ في ليل طويل".

    بعد دراسته في كامبريدج وهارفارد توجه إلى العراق لتدريس الأدب الإنجليزي. وهناك تعرف على الآنسة لميعة برقي العسكري التي شكلت انعطافاً في مسار حياته. فقد تزوجا وانجبا ولدين، هما سدير وياسر، وحمل جبرا الجنسية العراقية التي ما كان لها أن تفصله عن جنسيته الفلسطينية التي حافظ على لهجتها، إلا من كلمة هنا أو هناك باللهجة العراقية، حتى آخر لحظة في حياته. وكان لجبرا شأن كبير في الحياة الثقافية العراقية، حيث أنشأ مع الفنان الكبير جواد سليم "جماعة بغداد للفن الحديث" عام 1951. وكتب مقدمة المجموعة المبكرة "أغاني المدينة الميتة" للشاعر بلند الحيدري. وأثرت صداقته في بدر شاكر السياب الذي أطلع من جبرا على فصول من كتاب "الغصن الذهبي" للسير جيمس فريزر، وهو مما أسهم في اقتناع السياب بالمدرسة التموزية في الشعر. وإلى ذلك كان لنتاج جبرا نفسه من رواية وقصة قصيرة ورسوم ونقد وترجمة أثر كبير في الأجيال العربية المتلاحقة.

    نال جوائز وأوسمة عربية ودولية كثيرة ونقلت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية والسلوفاكية والصربية وغيرها.

    وذات يوم جاءه طرد بريدي من لندن، فوجد فيه ثلاث نسخ من ديوانه "لوعة الشمس" ولكن.. باللغة العبرية. وكان المترجم الذي قام بهذا العمل، من غير استشارة جبرا، قد سطا على صورة الغلاف، فكان غلاف النسخة العبرية هو ذاته الذي يزين الطبعة العربية الأولى.

    كان أبو سدير يشكو، في أيامه الأخيرة، من طنين حاد في الأذنين. وكتب لي مرة أنه أصيب بدوار ووقع أرضاً. ثم علمت أنه دخل العناية المركزة. ويوم الأحد 11/12/1994 أغمض عينيه إلى الأبد. تاركاً زهاء خمسة وستين كتاباً بين مؤلف ومترجم.



    القصة والرواية

    أصدر جبرا مجموعة قصص واحدة، بعنوان "عرق". وأصدر ست روايات، هي "صراخ في ليل طويل" و"صيادون في شارع ضيق" و"السفينة" و"البحث عن وليد مسعود" و"الغرف الأخرى" و"يوميات سراب عفان".

    كما أصدر، بالاشتراك مع د. عبد الرحمن منيف، رواية بعنوان "عالم بلا خرائط" وقبل أن يرحل كان يعمل على قصة قصيرة ـ طويلة تدور حول موضوع فلسفي، لكنه لم يوضح طبيعة ذلك الموضوع في رسائله.

    كتب الشاعر توفيق صايغ، صديق عمر جبرا، مقدمة نوعية لمجموعة "عرق" بحيث يبدو التطرق إلى هذه المجموعة تكراراً لما كتبه الشاعر الراحل نظراً لإحاطته الدقيقة بالأسئلة التي كانت تؤرق جبرا، وتؤرقه بطبيعة الحال، وهي تتصل بالمدينة، والغربة الداخلية، والحب، والفن، والفقر، والسأم والبطالة والفراغ، والزمالة والرفقة، وينتهي توفيق صايغ من هذه الأشياء كلها إلى أن "الفن الذي يلجأ إليه البطل حين يرفض المدينة ويهجرها، سيكون هو الأداة لإحياء المدينة، طريق الفن التي يسلكها ليعبر الأرض البوار". وقد أضاف جبرا، في طبعة لاحقة، حوارية إلى هذه المجموعة اعتبرها قصة بعنوان "بدايات من حرف الياء". ويلاحظ في قصصه أنها مقدمات لروايته أو استمرار لها. حتى أن "قصة "المغنون في الظلال" مثبتة كفصل مستقل في روايته "صيادون في شارع ضيق". وليس معنى هذا أنه يخلط بين الجنسين الأدبيين. ولكنه يدرج مختلف أشكال نتاجه، بما فيها الشعر والرسم، ضمن مشروع كبير ينطلق من موقع أوتوبيوغرافي ثم يصل الذات بالعالم من خلال الأسئلة النظرية والاشتباك العملي. وربما كانت هذه الصبوة الكونية لدى جبرا، وراء تحرير معظم رواياته من التحديد الجغرافي منذ "صراخ في ليل طويل" التي أسهب الناقد الكبير مارون عبود في التعبير عن افتتانه بها، ملاحظاً أن الكاتب وإن لم يحدد المدينة التي تدور فيها الأحداث، إلا أنها تذكره بمدينتين: القدس وحلب. أما د. محمد عصفور، وهو ناقد فلسطيني متميز من تلاميذ جبرا، فقد تابع الرحلة الداخلية في هذه المدينة من أقصاها إلى أقصاها، بما يذكرنا برحلة بلوم في رائعة جيمس جويس "عوليس"، ليستخلص من أحداث الرواية رؤيا تتصل بفهم العالم والسعي إلى تغييره. على النقيض من ذلك، ظاهرياً، تبدو رواية "صيادون في شارع ضيق" تؤرخ درامياً للتحولات العميقة التي تشهدها المدينة العربية ـ بغداد، تحديداً ـ إثر نكبة فلسطين. وقد اهتم النقاد بالعلاقة بين جميل فران، بطل الرواية، وبين تجربة جبرا الشخصية، إلا أنه وظف هذه التجربة ليرصد واقعاً مركباً على المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية. وسيصعد بهذه التجربة إلى ذروة نوعية في "السفينة" التي أفاد فيها من المدرسة القوطية في الأدب. حيث يمكن "اصطياد" عدد من الشخصيات ووضعهم في مكان محدد ضمن فترة زمنية محددة. فهؤلاء ركاب السفينة، فيهم العراقي والإيطالي ووديع عساف الفلسطيني المسيحي الذي لم يخلصه نجاحه التجاري وتفوقه الاجتماعي من ذكريات سقوط فلسطين وسقوط زميله شهيداً بين يديه. وقد كانت ثنائية العراقي الفلسطيني تلازم جبرا درامياً بما يتجاوز الفصام إلى عملية التوحد. فهو العراقي، نجم المجتمع الناجح، المثقف، المسيطر، ولكنه في الأعماق، ذلك الفلسطيني المسيحي الخليط من فلاح ومدني والمجروح وطنياً إلى حد أن أصبح الجرح شخصياً. وهذا سيظهر أوضح ما يكون في "البحث عن وليد مسعود"، رائعة جبرا التي حار في شأنها ناقد هام مثل د. فيصل دراج، فقد يأخذ عليها البطولة الكاملة المعطاة لوليد مسعود "والكمال ينبئ بالغياب" على حد تعبير د. دراج، إلا أنه يعود فيؤكد أهمية هذه الرواية في أسئلة الكينونة والهوية ومعنى التفوق. واختفاء وليد مسعود، الفلسطيني المسيحي طبعاً، من العراق لغير ما سبب هو أمر يحير معارفه جميعاً. لكن الجذر موجود في فلسطين. وقد برع جبرا في استخدام الموروث الديني وتوظيفه في نسيج هذا العمل. كما أفاد من الاسم الأصلي لأسرته: مسعود. فالبحث عن وليد مسعود هو البحث عن جبرا بن مسعود، وهو ما يعيدنا إلى قول توفيق صايغ حول هجران المدينة لإعادة إحيائها عبر الفن. فوليد مسعود لم يطلق بغداد، ولكنه ابتعد عنها ليعرف كيف يراها ويرى نفسه داخلها بعينيه الفلسطينيتين.

    أما "الغرف الأخرى" فهي أكبر من أن تكون "نزوة كافكاوية" كما ذهب الناقد المعروف فاروق عبد القادر. ولكنها تكثيف لاغتراب المثقف، وربما الإنسان العادي، المدعو إلى استبدال شخصيته ليتمكن من معايشة عالم ليس راغباً في معايشته أصلاً. فهذا رجل مدعو إلى محاضرة بوصفه شخصاً آخر مختلفاً عنه اسماً واختصاصاً. الإغراء كبير والضغوط كثيرة. وهو لا يريد أن يكون إلا نفسه. وبشيء من التأويل الذي تحتمله مسيرة جبرا الروائية، يمكن أن نلحظ الفلسطيني الذي يعترف الآخرون بقدراته كشخص ولكنه ينشد الاعتراف به كاملاً. باسمه وهويته وهمومه المختلفة. إن امّحاء المكان ـ بالمعنى الجغرافي للكلمة ـ في هذه الرواية يعيد إنتاج السؤال عن جدوى المكان إذا كنت مسكوناً بهاجس مكان آخر، المكان الأصل الذي تم اقتلاعك منه في وضح النهار. وستغيب ملامح المكان الجغرافية أيضاً في رواية "يوميات سراب عفان" لتدخل اللغة والتاريخ وعلم النفس عناصر مؤثرة في بنية العمل. فسراب عفان، كان اسمها الأصلي "مي". ولنا أن نقيم علاقة طباقية بين المي (الماء؟) والسراب. ثم ان كنيتها تحيلنا إلى الخليفة الثالث عثمان. أما بطل الرواية نائل عمران، وهو كاتب مرموق. فاسمه الأول يذكرنا بنائلة بنت الفرافصة وهي أحب زوجات الخليفة عثمان إلى قلبه. وهكذا تندمج الشخصيتان نائل وسراب ليأخذ هو جانباً من أنوثتها (الأنيموس) وتأخذ هي جانباً من رجولته (الأنيما) وليس في ذلك نشوء جنس ثالث ولكنهما الرجل والمرأة وقد اتحدا ليكونا جسداً واحداً. وغني عن القول أن جبرا سيجد في تراث سراب عفان جدة مسيحية فلسطينية. واشتباك سراب مع نائل مناسبة لطرح أسئلة تتعلق بالثقافة والتماهي وعقدة التملك وثنائية الشرق والغرب فضلاً عن السؤال الفرويدي المتصل بفارق العمر بينهما. فسراب في مقتبل الشباب ونائل في العقد السادس من العمر. أما رواية "عالم بلا خرائط" فلا نستطيع أن نستخلص صوت جبرا منها مجرداً، ولكننا نلاحظ تعويم المكان، فهو بلا خرائط. وليست عمورية التي تدور الأحداث فيها إلا مجال الحلم والتخييل الذي شغل كلاً من الكاتبين الكبيرين جبرا وعبد الرحمن منيف.



    الرسم فلسطيني والتنظير عراقي

    يذكر زوار بيت جبرا في بغداد، منذ ثلاثة عقود بل تزيد بالتأكيد، أن صورة زيتية كانت تستقبلهم لشاب في العشرين يداعب حصاناً. كانت تلك واحدة من رسوم جبرا الأثيرة، وقد أطلق عليها اسماً موحياً "سدير والحصان". وسدير هو الابن البكر لجبرا. وقد تخيله شاباً في العشرين منذ أن كان طفلاً.. وسيكبر سدير ويتزوج وينجب. وذات يوم تأتي طفلته القمورة، ديمة فتأخذ الرسمة إلى بيت أبيها: إنها صورة أبي ويجب أن تعود إليه...!

    هذه الواقعة المثبتة تشير إلى دلالات ملموسة. فالرسم عند جبرا، وهو متحمس للزيتي، يأخذ طابع الرؤيا. وإلى ذلك لم يفارق تلك المسافة الواقعة بين الواقعية والتعبيرية. ثم أن علاقته بالرسم قديمة. فقد فتح عينيه في بيت لحم والقدس على بعض الأديرة التي كانت تشجع استنساخ الصور وتكبيرها لأسباب دينية. وقد كتب جبرا رسالة في هذا المعنى للفنان إسماعيل شموط مشيراً إلى جرف حجري ظل محتفظاً به منذ الطفولة. وفيها رسم منحوت لفنان من حيفا اسمه عبد الله عجينة: "إنه موضوع فلسطيني". وقد بدأ جبرا الرسم، كما يقول في تلك الرسالة، قبل 1948، وبالزيت. وظلت تلك الرسوم في بيت لحم مع أنه لم يقدمها في معرض فردي أو جمعي. ويعيد جبرا الفضل في تعلمه الرسم إلى الفنان الحيفاوي الكبير جمال بدران الذي لفت اهتمامه إلى الزخرفة وتشكيل الألوان. إلا أن وعيه التشكيلي حقق نقلة نوعية حيث تعرف، كما يقول إسماعيل شموط "عن كثب على فن التصوير والرسم".

    وفي بغداد، لم تكن الحيوية الثقافية التي أشاعها جبرا مقصورة على العمل الكتابي. بل ان إسهامه في تأسيس "جماعة بغداد للفن الحديث" كان ذا أثر ملموس في تطوير هذا الفن على مستوى العراق. والواقع أن جبرا في السنوات الثلاثين الأخيرة من حياته قد أولى الرسم والتصوير اهتماماً كبيراً على المستوى النظري بصورة خاصة. فبعد كتابه الذي أصدره عام 1961 بالإنجليزية "الفن في العراق اليوم"، عاد فأصدر بالعربية كتاباً حقق شهرة كبيرة بعنوان "جواد سليم ونصب الحرية" وذلك عام 1974. ثم أصدر عام 1983 بالإنجليزية كتابه "جذور الفن العراقي" وعاد فنشره بالعربية بعد عامين، ليصدر عام 1985 كتاب "الفن والحلم والفعل". حتى ليمكن القول إن حضور جبرا لمعرض فنان عراقي كان يعني تزكية لهذا المعرض. بمعنى أنه كان فناناً ومنظراً محكماً. وإذا كانت رسومه الشخصية تدور في الفلك الواقعي التعبيري، فإن دعوته النظرية كانت تشمل مختلف المدارس وكان انحيازه إلى الجديد لا حدود له. وان كان ـ وهذا شأنه في النقد الأدبي أيضاً ـ يعطي الأولوية للإبداع بما هو إبداع. ومن الطريف أن رسوم جبرا الشخصية ذات لهجة بصرية فلسطينية، لكن تأثيره الأساس كان في الفن العراقي. ومع أن الفن، بما هو موهبة ومهارة، لا جنسية له، إلا أن الرسالة الفنية ذات جنسية بالضرورة. ولقد فتنت بغداد، والعراق عموماً، حس الباحث الفنان في جبرا فكان ما كتبه في هذا المجال بمثابة بعض الوفاء لوطنه الثاني.



    الشاعر التموزي

    أصدر جبرا إبراهيم جبرا ثلاث مجموعات شعرية. وعندما جمعها في ديوان يشتمل على الأعمال الشعرية الكاملة، عام 1990، أضاف إليها مجموعة فيصبح نتاجه الشعري المنشور في حياته على النحو الآتي: تموز في المدينة ـ 1959. المدار المغلق ـ 1964. لوعة الشمس ـ 1979. سبع قصائد ـ 1990.

    ولكننا نستطيع أن نضيف مجموعة لم تصدر في كتاب، ولم تضمها الأعمال الشعرية الكاملة. ولكنه نشر معظمها في مجلة "بيادر" التي كنت رئيساً لتحريرها في تونس. ونشر بعضها الآخر، على ما يبدو، في مجلات وصحف مختلفة. وقد أعطى هذه المجموعة عنواناً طويلاً نسبياً "قصائد بعضها لليل وبعضها للنهار".

    وإذا كانت المقدمة التي كتبها جبرا لمجموعة بلند الحيدري عام 1943، إيذاناً بالدعوة إلى التجديد، فإن المقدمة التي كتبها لمجموعته "تموز في المدينة" كانت بمثابة مانفستو للشعر الحديث. يقول: "إن إدخال نغمة جديدة على فن قديم يعتمد على الموسيقى التقليدية، أمر يحتاج إلى جرأة كبيرة، له القدرة والبراعة، وأنا قد لا أملك الأخيرتين، ولكنني مندفع في سبيلي مهما اعترض عليه الناس".

    وكانت القصيدة الحرة هي السبيل. فهو، كما قال، يعنى بالوزن ولا يعنى. ولكن هذا كلام ملتبس. فقصيدة جبرا خالية من الوزن. وإذا اتفق لبعض السطور الشعرية ـ التي يسميها أبياتاً من باب المناكفة مع التقليديين ـ أن أتت موزونة فإن ذلك على سبيل المصادفة. ولكنها مصادفة مدروسة إذا جاز التعبير. فقد كان معنياً بمنح قصيدته حالة من الموسيقى التي لا تشكل التفعيلة مفتاحاً لها. كما أكد "أنني أمقت النعوت، فالحالات العاطفية من حزن أو فرح أو غضب أو يأس، يجب أن تثار بالألفاظ المجسدة، ومصادر الأفعال أيضاً أرفض استعمالها على وجه الإجمال". أما على مستوى الرؤيا الشعرية، فيمكن القول من غير مبالغة إن جبرا هو واضع ركائز القصيدة التموزية العربية. والتموزية نسبة إلى تموز، إله الخصب القديم في بلاد الشام وما بين النهرين. وقد قتله الخنزير البري، أو إله الشر "موت"، لكنه سرعان ما انبعث من جديد في الصيف فكانت شقائق النعمان هي دمه المتجدد. ومع أن اللحظة التموزية، في مستواها الميثيولوجي، هي لحظة زراعية مرتبطة بالتربة، إلا أن تموزية القصيدة العربية ركزت على المدينة التي تميت البطل الباحث عن الحياة له وللجموع، فينتصر عليها بعودته ظافراً. ويجب ألا نغفل عما تركته الثقافة المسيحية بمحمولاتها الرمزية الخاصة بالفداء، في هذه المدرسة الشعرية. وقد وجد جبرا في موضوع الاستشهاد الفلسطيني مادة لتعميق المعاني التموزية في شعره. ويلاحظ أن مجموعته الأولى قد حفلت بعدد غير قليل من القصائد ذات الصلة المباشرة بالتراجيديا الفلسطينية. لكن مجموعة "المدار المغلق" سترث التموزية من المجموعة الأولى لتعمق فيها الرمز المسيحي. وفي هذه المجموعة قصيدة نوعية بعنوان "لعنة بروميثيوس" مكرسة لاستلهام ثورة الجزائر.

    أما فلسطين التي لا يمكن أن تغيب عن روح جبرا، فإنها تطل من خلال قصيدة "مارجيروم في بيت لحم" وكذلك في "ما بعد الجلجلة" وفي مجمل الإحالات والرموز المسيحية التموزية. وهذا ما ينسحب على مجموعة لوعة الشمس الذي جعل جبرا قصيدتها الأولى تحية إلى القدس "مدينة المعراج والجلجلة". أما قصائده بعد ذلك فهي في معظمها قصائد حب. ولكننا ندرك أن الشعر الحضاري يفيض عن موضوعه المحدد ليمسّ الهموم الإنسانية على مختلف المستويات.

    بين إبداعات جبرا، كان الشعر موضع إشكال. فحين يتحمس الراحل الكبير توفيق صايغ له إلى حد إعلانه أنه لو كان في جزيرة منقطعة وكان له أن يقتني كتاباً واحداً لاختار "تموز في المدينة"، نرى من جهة ثانية شعراء كباراً جادين يبدون حيرتهم من شعر جبرا الذي ظل محكوماً بالمعاني والموضوعات، مع أنه المبشر بالثورة والتجديد وإطلاق حرية اللغة إلى أبعد مدى... ولكن مهما كان الرأي في شعر جبرا فلا أحسب أن هناك من ينكر دوره في دفع الشعر العربي الحديث خطوات نوعية إلى منطقة الحداثة.



    السيرة والسيناريو

    وضع جبرا كتابين في السيرة الذاتية، هما "البئر الأولى" و"شارع الأميرات" ونستطيع أن نضيف إليهما الكتاب المكمل "حوار في دوافع الإبداع" وهو سلسلة حوارات أجراها معه الناقد العراقي المعروف ماجد السامرائي. فكشف عن مناطق في دخيلته من شأنها أن تضيء شخصية جبرا في طريق دراسية.

    كان لكتاب "البئر الأولى" وقع السحر على القراء. وترجم إلى الفرنسية والإيطالية وسمعت أنه ترجم إلى الانجليزية مؤخراً. لم يكتب جبرا في هذا الكتاب سيرة متصلة كالتي كتبها ميخائيل نعيمة عن جبران، أو د. طه حسين عن نفسه في "الأيام". ولكنه التقط لحظات نوعية في طفولته تكشف البيئة والثقافة والوعي الاجتماعي والتربوي وترصد براءة اكتشاف الموجودات المحيطة بابن العاشرة بين القدس وبيت لحم. ومع أن الكتاب فصول مستقلة، إلا أنه معطى بأسلوب يحرض القارئ على إكمال ما بين الفصل والفصل، بحيث يقع في النهاية على ما يشبه رواية النوستالجيا. بل إن بعض النقاد تعاملوا مع هذا الكتاب والذي تلاه "شارع الأميرات" بوصفهما روايتين، أو رواية من فصلين. وكان لشارع الأميرات نكهة مختلفة، حيث تدور فصوله وقد أصبح جبرا شاباً يدرس في بريطانيا، ثم كاتباً معروفاً. فكان الكتاب بمثابة شهادة، متممة لما بدأه في روايته "صيادون في شارع ضيق" عن بغداد ما بعد الحرب العالمية الثانية. وجاء الحوار الذي أجراه معه ماجد السامرائي ليضع الكثير من النقاط فوق الحروف. وإذا كنا مع الكتابين السابقين في مقاربة مع نص روائي ساحر، فإن الحوار مع ماجد يضعنا أمام حالة شبيهة بالسيناريو السينمائي أو التلفزيوني على مبدأ الاسترجاع. فقد كان ماجد يسأل وجبرا يفتح ذاكرته فنرى على الورق عالماً مركباً من العلاقات الثقافية والمعرفية والإنسانية. وليس هذا غريباً على كاتب موسوعي تعامل مع أجناس فنية وأدبية مختلفة، بما فيها السيناريو السينمائي. فقد أصدر في هذا المجال كتابين، هما "الملك الشمس" و"أيام العُقاب". والسيناريو الروائي الأول يتناول شخصية الملك الآشوري العراقي نبوخذ نصر، أما الثاني فيتناول معركة اليرموك وعبقرية القائد الصحابي خالد بن الوليد. ونعرف كذلك أن جبرا كتب الحوار لفيلم "عمر المختار" الذي أخرجه بنجاح كبير، السوري مصطفى العقاد. وطبيعي أن يكتب جبرا المعاصر عن شخصيات تاريخية بهدف قراءة الحاضر. فهو صاحب رؤيا عربية إنسانية تغذيها التراجيديا الفلسطينية بأسباب الثورة والدعوة إلى الوحدة الوطنية. من غير أن يغفل عن الأسئلة الوجودية التي تؤرق قائداً مثل نبوخذ نصر يحلم بالقبض على المستحيل. إلا أن النزعة التنويرية عند جبرا تحثه على الشرح والتفسير. فقد كان ينصح بالتقاط هذا المشهد أو ذاك، وفق هذا النوع من الإنارة أو ذاك. أو ببطء التصوير، أو سرعة الإيقاع، علماً بأن السيناريوهين لم يتحولا إلى فيلمين سينمائيين. ولعله كان يتعامل معهما بوصفهما روايتين على نحو ما. فقد وصف كل سيناريو منهما بأنه روائي. وأدرج ـ على الصفحات الأخيرة لكتبه ـ سيناريو "الملك الشمس" بين أعماله الروائية.





    الترجمة والنقد

    كان لابد من الربط بين الترجمة والنقد في مسار مشروع جبرا الثقافي، لتلازمهما في المهمة التنويرية التي نذر نفسه لها. وإنه لأمر لافت أن هذين النشاطين قد شغلا أكثر من نصف مجمل مشروعه الثقافي. وإذا استثنينا كتبه النقدية التي أشرنا إليها في مجال الفن، فإننا نذكر، على أمل ألا يفوتنا شيء، عناوين كتبه النقدية الأدبية الفكرية، كما يلي: "الحرية والطوفان ـ 1960" و"الرحلة الثامنة ـ 1967" و"ينابيع الرؤيا ـ 1979" و"تمجيد الحياة ـ 1989" و"تأملات في بنيان مرمري ـ 1989" و"معايشة النمرة ـ 1991". وتحفل هذه الكتب بمراجعات نقدية لروايات ومجموعات شعرية عربية وعالمية لتدخل عالم المعرفة في مسارين: الأول هو مسار الحداثة ومعاركها في الساحة العربية من خلال قراءات نوعية لأعمال أدونيس ويوسف الخال وتوفيق صايغ وغيرهم. وإعادة قراءة شعراء ذوي شعبية لكنهم كانوا مقروئين غالباً بعين تقليدية فأعاد جبرا اكتشافهم من منظور الحداثة، مثل الجواهري ونزار قباني وعبد الرحيم والشعر الفلسطيني الحديث. ونلاحظ أنه لم يتطرق لبعض الشعراء العراقيين من أمثال عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف.

    أما المسار الثاني فهو تنويري بحت. يضع في حسابه أنه متوجه إلى جمهور قد لا يكون مطلعاً بالضرورة على أحدث المدارس الأدبية في العالم. بل كثيراً ما يكون مشكوكاً في فهم هذا الجمهور للمصطلحات الأدبية المستعملة. فكتب مقالات قد تبدو في وقت لاحق أنها مدرسية أو ما أشبه. لكن القارئ المتابع يدرك فائدتها الميدانية. فهو لم يتحرج من التعريف بالمونولوج والديالوج والبرولوج والمدرسة القوطية والأسلوب الباروكي والأليغوريا. كما أنه "يشرح" بعض الأعمال الصعبة كما فعل مع رواية وليم فوكنر الخالدة "الصخب والعنف". وضمن هذين المسارين كان مشروع جبرا واضحاً: "في صلب التراث.. في صلب الحداثة" ـ وهو عنوان وضعته أنا لأول حوار نشره ماجد السامرائي معه في مجلة "بيادر" وقد سعدت بماجد الذي تبنى هذا العنوان فثبته في كتابه حوار في دوافع الإبداع، وليس معنى ذلك أن جبرا كان توفيقياً أو وسيطاً. ولكنه باختيار الحداثة التي قطعت مع الماضي كان معنياً باستنقاذ كل ما هو مضيء في هذا الماضي. وقد شدد جبرا على حرية المبدع وتخففه من الحسابات التي تقع خارج الإبداع من جهة، وتخلصه من سلطة الثقافة السائدة من جهة ثانية. وقد يؤخذ عليه أحياناً ـ ولا سيما في سنواته الأخيرة ـ أنه كان يجامل أحياناً. ولكن القارئ الحصيف يدرك متى يكون الكلام جاداً ومتى يكون مجاملة. إلا أن جبرا كان يحرص بشكل عام ألا يثبت في كتبه تلك الكلمات العابرة التي يقولها من باب الإخوانيات. وقد لاحظت عتاباً من نوع ما، أبداه رياض نجيب الريس لأن جبرا لم يضع في أي من كتبه نص المقدمة التي كتبها لمجموعة رياض "موت الآخرين". وكانت هذه المقدمة موضوع نقد من أدونيس أدى إلى فتور بين هذين المبدعين الكبيرين. ولكن رياضاً نفسه صرح في مقابلة تلفزيونية متأخرة بأنه لا يعتبر مجموعته "موت الآخرين" شعراً جيداً. وهذا يعني أن جبرا كان يعرف ما يفعل عندما استبعد مقدمته لتلك المجموعة. لكن هذا لا يعني أن ما لم يصدر في كتاب لجبرا هو دون المستوى. إذ ربما يكون الموت قد سبقه إلى تثبيت نتاجه كله في كتب، ولا أدل على ذلك من مقدمته الباهرة التي تعد مقالة نقدية نوعية لأعمال الشهيد غسان كنفاني المسرحية.

    وقد كان الهاجس التنويري هو الدافع الأساس لمشروع جبرا في الترجمة كما هو في النقد. ويستوي في ذلك ما ترجمه من فكر أو إبداع. وسنلاحظ أن ما نقله إلى العربية من نصوص إبداعية ـ باستثناء الشكسبيريات ـ كان قليل العدد نسبياً. فقد ترجم رائعة صموئيل بيكيت "في انتظار غودو". هذه المسرحية التي كان لها أثر كبير في مسرح العبث وفي المسرح عموماً، بل وفي أسئلة المثقفين بشأن الحاضر والميتافيزيقا. وكان طبيعياً أن يكون جبرا المنحاز إلى الحداثة في طليعة المثقفين العرب الذين يهتمون بهذا العلم النوعي. تماماً كما كان طبيعياً أن يكون هو، ولا أحد غيره، من ترجم رواية وليم فوكنر "الصخب والعنف" وزوّدها بمقدمة وضع فيها خلاصة رؤيته لهذا الكاتب الأمريكي الصعب. وفكك الرواية بحيث أصبح فهمها ممكناً عند الكثيرين الذين كانت ستعسر عليهم بالتأكيد. وقد تأثر شهيدنا غسان كنفاني بترجمة جبرا لهذه الرواية، وظهر ذلك واضحاً في روايته "ما تبقى لكم". واختار جبرا أيضاً اثنتي عشرة قصة أمريكية وإنجليزية، فترجمها ضمن كتاب "أيلول بلا مطر" بعد أن قام بالتعريف اللازم بكل كاتب. وشغفته الكتابات الموجهة إلى الفتيان فترجم اثنين من أشهر النصوص العالمية في هذا المجال. هما رواية "الأمير السعيد، وحكايات أخرى" لأوسكار وايلد. ومجموعة من حكايات الفرنسي "لافونتين". أما سمة الكتب التي ترجمها خلال مسيرته. فهي الفكر والفلسفة المتصلة بالعملية الإبداعية. وقد كان رائداً في ترجمة فصل "أدونيس أو تموز" من كتاب الغصن الذهبي للسير جيمس فريزر. كما ترجم أيضاً:

    ما قبل الفلسفة لهنري فرانكفورت وآخرين.

    آفاق الفن ـ ألكسندر إليوت.

    الأديب وصناعته لعشرة نقاد أمريكيين.

    الحياة في الدراما ـ أريك بنتلي.

    الأسطورة والرمز ـ لعدد من النقاد.

    قلعة أكسل ـ أدمود ويلسون.

    مقالات حول الشاعر الأمريكي ديلان توماس لأربعة عشر ناقداً.

    ألبير كامو ـ لجيرمين بري. وقد نقل في هذا الكتاب، الشذرات المقتبسة من كامو، عن الفرنسية مباشرة.

    برج بابل ـ أندريه بارو.

    إلا أن إسهامه المدوي كان في الشكسبيريات. حيث ترجم المآسي الكبرى: مأساة هملت، مأساة الملك لير، مأساة مكبث. ثم أضاف إليها مأساة كريولانس ومسرحية العاصفة ومسرحية الليلة الثانية عشرة وخمسين سونيتة. وكعادته، لم يكتف جبرا بالترجمة الباهرة التي قيل فيها أنها لا تقل عن ترجمة بوريس باسترناك الروسي لأعمال وليم شكسبير. بل استقصى كل مسرحية ترجمها، وكذلك السونيتات، واستقرأ المصادر والمراجع. وترجم مختارات من الدراسات المكتوبة عن هذه الأعمال، فضلاً عما كتبه شخصياً وثبته داخل الكتب التي اشتملت على المسرحيات. ولم يكتف جبرا بهذا الجهد الجبار، بل ترجم بعض الكتب النوعية المتخصصة بشكسبير مثل "شكسبير معاصرنا ـ ليان كوت" و"ما الذي يحدث في هاملت ـ لجون دوفرولسون" و"شكسبير والإنسان المتوحد ـ لجانيت ديلون". وقد اعترضته مشكلات خلال ترجمة شكسبير، أساسها بعض الترجمات غير الدقيقة التي سبقه إليها بعض الرواد فأصبح الخطأ وكأنه هو الأصل. من ذلك اسم "أوتلو" الذي تحول عند الشاعر الكبير خليل مطران وغيره إلى "عطيل". وعالج الأمر جبرا بأن أبقى على الاسم الخطأ ـ بسبب شيوعه ـ مع الإشارة إلى الصحيح في مقدمته. لكن الأخطاء الأقل شهرة لم تبق على حالها. فقد نقل المترجمون اسم "دزدمونة" بأنه "ديدمونة"، فأعاد الاسم إلى نطقه السليم. وكثيراً ما كان يفسر موقعاً غريباً لجملة شكسبيرية من السياق العام، فيضعها في إطارها التاريخي. من ذلك أن أم هملت وصفت ابنها ـ في إحدى الطبعات ـ بأنه بدين. وهذا لا يتماشى مع شخصية هملت. ففسر جبرا ذلك بأن شكسبير كان يراعي، في أحد العروض، أن الممثل كان بديناً، وكان هذا الممثل عزيزاً على الملكة اليزابيث، فوضع تلك الإشارة على لسان أم هملت ليظهر الوضع طبيعياً.

    ومع ذلك فإن ترجمة جبرا لم تنج من النقد. فقد أشاد بها الناقد الكبير غالي شكري بما هي أهل، إلا أنه لاحظ أن جبرا، في حالات قليلة، لم يكن دقيقاً. وهذا ما ذهب إليه الشاعر العراقي سركون بولص الذي انتقد جبرا لأنه حذف جملة على لسان عطيل، هي: "ذلك التركي.. الكلب المختون". وفي رأيه أن جبرا هرب من هذا السطر لأن فيه غمزاً طائفياً من الإسلام. كما أخذ عليه ما يعتبره عدم التمثل الكامل لروح شكسبير في السونيتات. وضرب مثالاً على ذلك، فلم يكن مقنعاً. لقد كانت ترجمة جبرا هي:

    .. فإلى يوم القيام حين تبعث من ترابك

    في هذا القصيد ستحيا، وفي أعين العشاق تقيم.

    أما ترجمة سركون بولص فهي:

    لذا، ستحيا، حتى انبعاثك يوم القيامة

    في شعري هذا، وتبيت في عيون العشاق.

    والقارئ المنصف يرى أن ترجمة جبرا أقرب إلى الروح الانجليزية بانخطافاتها وجملها المتوازية. بينما كانت ترجمة سركون ـ وهي جميلة ـ أقرب إلى البيان العربي العباسي.

    ذلكم هو جبرا إبراهيم جبرا. ابن مسعود التلحمي، الوفي للعراق.. والرمز النوعي في الثقافة العربية خلال القرن العشرين. إنه بحر في العمق وصخب الروح ووداعة المشهد. متى نعطيه بعض ما يستحق. وهل تشفع لي هذه المحاولة العجلى عن تقصير كبير؟.. لا أدري.. ورحمه الله.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:50 pm

    طرفة بن العبد


    طرفة بن العبد شاعر جاهلي من شعراء المعلقات،
    وقيل اسمه عمرو بن العبد لُقّب بطرفة، وهو من بني قيس بن ثعلبة من بني بكر بن وائل ، ولد حوالي سنة 543 في البحرين من أبوين شريفين و كان له من نسبه العالي ما يحقق له هذه الشاعرية فجده و أبوه و عماه المرقشان و خاله المتلمس كلهم شعراء
    مات أبوه و هو بعد حدث فكفله أعمامه إلا أنهم أساؤوا تريبته و ضيقوا عليه فهضموا حقوق أمه و ما كاد طرفة يفتح عينيه على الحياة حتى قذف بذاته في أحضانها يستمتع بملذاتها فلها و سكر و لعب و بذر و أسرف فعاش طفولة مهملة لاهية طريدة راح يضرب في البلاد حتى بلغ أطراف جزيرة العرب ثم عاد إلى قومه يرعى إبل معبد أخيه ثم عاد إلى حياة اللهو بلغ في تجواله بلاط الحيرة فقربه عمرو بن هند فهجا الملك فأوقع الملك به مات مقتولاً و هو دون الثلاثين من عمره سنة 569 .
    فهرس

    [إخفاء]
    <LI class=toclevel-1>1 من آثاره<LI class=toclevel-1>2 شهرة المعلقة و قيمتها<LI class=toclevel-1>3 نموذج لمعلقته
    4 وصلات خارجية
    //

    [تحرير] من آثاره

    ديوان شعر أشهر ما فيه المعلقة نظمها الشاعر بعدما لقيه من ابن عمه من سوء المعاملة و ما لقيه من ذوي قرباه من الاضطهاد
    في المعلقة ثلاثة أقسام كبرى
    ( 1 ) القسم الغزالي من ( 1 ـ 10 ) ـ
    ( 2 ) القسم الوصفي ( 11 ـ 44 ) ـ
    ( 3 ) القسم الإخباري ( 45 ـ 99 ) .
    و سبب نظم المعلقة ( إذا كان نظمها قد تم دفعة واحدة فهو ما لقيه من ابن عمه من تقصير و إيذاء و بخل و أثرة و التواء عن المودة و ربما نظمت القصيدة في أوقات متفرقة فوصف الناقة الطويل ينم على أنه وليد التشرد و وصف اللهو و العبث يرجح أنه نظم قبل التشرد و قد يكون عتاب الشاعر لابن عمه قد نظم بعد الخلاف بينه و بين أخيه معبد .

    [تحرير] شهرة المعلقة و قيمتها

    بعض النقاد فضلوا معلقة طرفة على جميع الشعر الجاهلي لما فيها من الشعر الإنساني ـ العواصف المتضاربة ـ الآراء في الحياة ـ و الموت جمال الوصف ـ براعة التشبيه ، و شرح لأحوال نفس شابة و قلب متوثب .
    في الخاتمة ـ يتجلى لنا طرفة شاعراً جليلاً من فئة الشبان الجاهليين ففي معلقته من الفوائد التاريخية الشيء الكثير كما صورت ناحية واسعة من أخلاق العرب الكريمة و تطلعنا على ما كان للعرب من صناعات و ملاحة و أدوات

    [تحرير] نموذج لمعلقته

    1 لخِولة أَطْلالٌ بِيَرْقَةِ ثَهْمَدِ تَلُوحُ كَبَاقي الْوَشْمِ في طَاهِرِالْيَدِ
    2 وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مطِيَّهُمْ يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ
    3 كأنَّ حُدُوجَ الَمْالِكِيَّةِ غُدْوَةً خَلا يا سَفِين بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ
    4 عَدُو لِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ يَجُوز بُهَا الْمّلاحُ طَوراً وَيَهْتَدِي
    5 يَشُقُّ حَبَابَ الَماءِ حَيْزُ ومُها بها كما قَسَمَ التِّرْبَ الْمَفايِلُ باليَدِ
    6 وفِي الَحيِّ أَخْوَى يَنْفُضُ المرْ دَشادِنٌ مُظَاهِرِ سُمْطَيْ لُؤْلؤٍ وَزَبَرْجَدِ
    7 تَنَاوَلُ أَطْرَافَ الَبريرِ وَتَرْتَدِي خَذُولٌ تُراعي رَبْرَباً بِخَميلَةٍ
    8 تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهُ نَدِ وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمى كأَنَّ مُنَوّراً
    9 أُسِفّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمدِ سَقَتْهُ إِيَاُة الشَّمْس إِلا لِثَاتِهِ
    10 عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ وَوَجْهٌ كأنَّ الشَّمْسَ أَلفَتْ رِداءَهَا

    11 بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
    12 على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها
    13 سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها
    14 وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ
    15 حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
    16 بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي
    17 حِفا فيهِ شُكّا في العَسِيبِ بِمسْرَدِ كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّ تَكَنَّفَا
    18 على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً
    19 كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما
    20 وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ
    21 وَأَطْرَ قِسِيِّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَبَّدِ كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يُكْنِفانِها
    22 تَمُرُّ بِسَلْمَيْ داِلجٍ مُتَشَدِّدِ لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كأنّها
    23 لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرْمَدِ كقَنْطَرَةِ الرُّوِميّ أَقْسَمَ ربّها
    24 بعيدةُ وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ صُهابِيّةُ الْعُثْنُونِ مُو جَدَةُ الْقَرَا
    25 لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ أُمِرَّتْ يَدَاها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ
    26 لها كتِفَاها في مُعالي مُصَعَّدِ جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثمَّ أُفْرِعَتْ
    27 مَوَارِدُ من خَلْقاءَ في ظهرِ قَرْدَدِ كأَنَّ عُلوبَ النَّسْعِ في دَأَيَاتِها
    28 بَنائِقُ غَرِّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ تَلاقَى وَأَحْياناً تَبينُ كأنّها
    29 كسُكّانِ بُوِصيِّ بِدْجِلَةَ مُصْعِدِ وَأَتْلَغُ نَهَّاضٌ صَعَّدَتْ بِهِ
    30 وَعى الُمْلَتقى منها إِلى حرْفِ مِبْرَدِ وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ الْعَلاةِ كأنّما
    31 كسِبْتِ الْيَماني قَدُّهُ لم يُجَرَّدِ وَخَد كقِرْطاسِ الشّآمي ومِشْفَرٌ
    32 بكهفَي حجَاجَي صَخْرَةٍ قلْتِ مَوْرِدِ وَعَيْنَانِ كالَماوِيَتَيْنِ اسْتَكَنّتا
    33 كمِكْحَلَتَيْ مذعورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ طَحورانِ عُوّارَ الْقَذَى فَتَراهُما
    34 لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ وَصَادِفَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّرى
    35 كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ مُوَلّلتانِ تَعْرِف الْعِتْقَ فيهِما
    36 كمِرْداةِ صَخْرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ وَأرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحدُّ مُلَمْلمٌ
    37 عَتيقٌ متى تَرْجُمْ به اْلأَرْضَ تَزْددِ وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ من اْلأَنفِ مارِنٌ
    38 مَخَافَةَ مَلْوِيِّ مِنَ الْقَدِّ مُحْصَدِ وَإِنْ شئتُ لم تُرْقِلْ وَإِنْ شئتُ أَرْقَلَتْ
    39 وَعامَتْ بضَبْعَيها نجاءَا الخَفَيْدَدِ وَإِنْ شئتُ سلمى وَاسطَ الكورِ رَأسهَا
    40 أَلا لَيْتَني أَفديكَ منها وَأفْتَدي على مِثْلِهَا أَمْضي إِذَا قالَ صاحبي،
    41 مُصَاباً وَلَوْ أمْسَى على غيرِ مَرْصَدِ وَجاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوفْاً وَخاَله
    42 عُنِيتُ فلَم أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ إِذَا الْقَوْمُ قالوا مَنْ فَتًىِ خلْتُ أَنَّني
    43 وَقَدْ خَبَّ آلُ اْلأَمْعَزِ اُلمتوَقِّدَّ أَحلْتُ عَلَيْها بالقطيع فأجِذَمَت
    44 تُرِي رَبَّهَا أَذيالَ سَحلٍ مَمددِ فَذالتْ كما ذالتْ وَليدَة مَجْلِسٍ

    45 وَلكِنْ متى يَسْتَرْفِدِ الْقَوْمُ أَرْفِدِ وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافَةً
    46 وَإِنْ تَلْتَمِسْني في الَحْوَانِيتِ تَصْطَدِ فَإِنْ تَبْغِني في حَلْقَةِ القَوْمِ تلِقَني
    47 إِلى ذِرْوَةِ البَيْتِ الشَّرِيفِ الُمصَمَّدِ وَإِنْ يَلْتَقِ الَحْيُّ الَجْمِيعُ تُلاِقني
    48 تَرُوحُ عَليْنَا بينَ بُرْدٍ وَمَجْسَدِ نَدَامايَ بيضٌ كالنجوم وَقَيْنَةٌ
    49 بِجَسِّ النَّدامَى بَضَّةُ اُلمتَجَردِ رَحيبٌ قِطَابُ الَجْيْبِ منْهَا رَقِيقةٌ
    50 على رِسْلِها مَطْرُوقَةً لم تَشَدَّدِ إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمعِينا انْبَرَتْ لَنَا
    51 تَجاوُبَ أَظْآرٍ على رُبَعٍ رَدِ إِذَا رَجَعَتْ في صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَها
    52 وَبَيْعِي وَإِنْفَاقي طَريفي وَمُتْلَدِي وَمَا زالَ تَشْرابي الُخْمورَ وَلَذَّتي
    53 وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ الْبَعِيرِ الُمعَبَّدِ إِلى أَنْ تَحامَتْني الْعَشيرَةُ كُلّهَا
    54 وَلا أَهْلُ هذاكَ الِّطرافِ الُممَددِ رَأَيتُ بَنِي غَبْراء لا يُنْكِرُونَني
    55 فَدَعْني أبادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي فإِنْ كنتَ لا تسْتطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي
    56 وَجدِّكَ لم أَحفِلْ مَتى قامَ عُوْدي ولَولا ثَلاثٌ هُنَّ من عيشةِ الْفَتى
    57 كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ باَلماءِ تُزْبِدِ فَمِنْهُنّ سَبْقِي الْعاذِلاتِ بِشَربَةٍ
    58 كَسِيدِ الْغَضا نَبّهْتَهُ الُمتَوَرِّدِ وَكَرِّي إِذَا نادَى اُلمضافُ مُحَنَّباً
    59 بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِباءِ الُمعَمَّدِ وَتقصيرُ يوم الدَّجنِ والدجنُ مُعجِبٌ
    60 على عُشَرٍ أو خِروَعٍ لم يُخَضَّدِ كَأَنّ الْبُريَنَ وَالدَّماليجَ عُلِّقَتْ
    61 سَتَعْلَمُ إِن مُتْنا غَداً أَيّنا الصدي كَرِيمٌ يروِّي نَفْسَهُ في حَيَاتِه
    62 كقَبْرِ غوِيِّ في البطالَةِ مُفْسِدِ أَرَى قَبْرَ نَحّامٍ بَخَيلٍ بِمَاله
    63 صَفَائحُ صُمِّ من صَفيحٍ مُنَضَّدِ تَرَىَ جشوَتَيْنِ من تُراب عَلَيْهمَا
    64 عَقِيَلةَ مَالِ الْفَاِحشِ اُلمتَشَدِّدِ أَرى اَلموت يَعْتامُ الكِرَامَ ويَصْطفي
    65 وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدّهرُ يَنْفَدِ أرَى الْعَيْشَ كنزاً ناقصاً كلّ ليْلَةٍ
    66 لكَالطَّوَلِ اُلمرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَدِ لَعَمْرُكَ إِنّ اَلموَتَ مَا أَخْطأَ الْفَتى
    67 مَتَى أَدْنُ مِنْه يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ فمالي أرَاني وَابْنَ عَمِّيَ مَالِكاً
    68 كما لامني في الحيّ قُرْطُ بنُ مَعْبدِ يَلُومُ ومَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُوُمني
    69 كأنَّا وَضَعنَاهُ إِلى رَمْسِ مُلْحَدِ وأَيْأَسَنيِ من كل خَيْرٍ طَلَبتُهُ
    70 نَشَدْتُ فلم أُغْفِل حَمولَةَ مَعْبَدِ على غَيْرِ شيءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّني
    71 متى يَكُ أَمْرٌ لِلنّكيثَةِ أَشْهَدِ وَقَرّبْتُ بالقُرْبَى وَجدَّكَ إِنَّني
    72 وإِنْ يَأَتِكَ الأَعْدَاءُ بالجَهْدِ أَجْهَدِ وإِنْ أُدْعَ للجُلىَّ أَكنْ مِنْ حُماتِها
    73 بكَأْسِ حِيَاضِ الموتِ قبلَ التهدُّدِ وإِنْ يَقذِفُوا بالقذعِ عِرْضَك أَسْقِهِمْ
    74 هِجائي وقَذْفي بالشَّكَاةِ ومُطْرَدِي بِلاَ حدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وكَمُحْدَثٍ
    75 لَفَرَّجَ كَرْبي أَوْ لأنظَرَني غَدِي فَلَوْ كان مَوْلايَ أمْرُءٌا هُوَ غَيْرَهُ
    76 على الشُّكْرِ والتَّسْآل أَوْ أَنَا مُفْتَدِ وَلكِنّ مَوْلايَ آمْرُءٌ هُوَ خانقي
    77 على الَمرءِ مِن وَقْعِ الُحسامِ الُمهَنَّدِ وظُلْمُ ذَوي الْقُرْبَى أَشَدُّ مضاضَةً
    78 وَلوْ حَلّ بَيْتي نائباً عند ضَرْغَدِ فَذَرْني وَخُلْقي، إِنَّني لَكَ شَاكِرٌ
    79 وَلَوْ شَاءَ رَبي كُنْتُ عَمرو بن مَرْثَدِ فَلَوْ شَاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خَالِدٍ
    80 بَنونٌ كرامٌ سادَةٌ لُمِسَوَّدِ فأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كثيرٍ وَزَارَني
    81 خَشاشٌ كرَأْسِ الَحيّة الُمَتَوقّدِ أَنا الرّجُلُ الضَّرْب الَّذِي تَعْرِفُوَنهُ
    82 لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ فَآليْتُ لا يَنْفَكُّ كشْجِي بطانَةً
    83 كفى الْعَوْدَ منه الْبَدءُ ليسَ بِمعْضَدِ حُسَامٍ إِذَا ما قُمتُ مُنتَصِراً به
    84 إِذَا قِيلَ مَهْلاً قالَ حاِجزُهُ قَدِي أَخِيِ تقَةٍ لا يَنْثَنيِ عَنْ ضَرِيبةٍ
    85 مَنيعاً إِذَا بَلّتْ بقَائِمِهِ يَدِي إِذَا ابتدَرَ الْقَوْمُ السِّلاَحَ وَجدْتَني
    86 بَوَادِيَهَا، أَمشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ وبَرْكُ هُجُودٍ قَد أَثَارتْ مَخَافتي
    87 عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالوَبيلِ يَلَنْدَدِ فَمرّتْ كَهاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلالَةٌ
    88 أَلَستَ تَرى أَن قَد أَتَيْتَ بمؤْيِدِ يَقُولُ وقَدْ تَرّ اْلوَظِيفُ وَسَاقُهَا
    89 شَدِيدٍ عَلَيْنا بَغْيُهُ مُتَعَمِّدِ وقَالَ، ألا ماذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ
    90 وإِلاّ تكُفّوا قاصيَ الْبَرْكِ يَزْدَدِ وقَالَ، ذَرُوهْ إِنَّما نَفْعُها لَهُ
    91 وَيُسْعَى بها بالسّديفِ اُلمسَرْهَدِ فَظَلّ اْلإِماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا
    92 وَشُقِّي عَلَيَّ الَجَيْب يَا أبْنَةَ مَعْبَدِ فإِنْ مِتُّ فانْعِيني بِما أنَا أَهْلُةُ
    93 كهَمِّي وَلا يُغْنِي غَنائي ومَشْهَدِي وَلا تَجْعَلِيني كامرِىءٍ لَيْسَ هَمُّهُ
    94 ذَلُولٍ بأَجماعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ بَطِيءٍ عَن الُجْلَّي سَرِيع إلى الخَنا
    95 عَدَاوَةُ ذِي اْلأَصْحَابِ وَالُمَتوَحِّدِ فَلوْ كُنْتُ وَغلاً في الرِّجالِ لَضَرَّني
    96 عَلَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْفي وَمحْتَدِي ولكِنْ نَفَى عني الرِّجالَ جَراءَتي
    97 نَهاري وَلا لَيْلي عَلَيِّ بسَرْمَدِ لَعَمْرُكَ ما أمْري عَلَيَّ بغُمَّةٍ
    98 حِفَاظاً عَلى عَوْراتِهِ والتَّهَدُّدِ ويَومٍ حَبَسْتْ النَّفْسَ عندَ عراكهِ
    99 متى تَعْتَرِكْ فيهِ الْفَراِئصُ تُرْعَدِ على مَوْطِنٍ يَخْشَى الْفْتَى عِندَهُ الرَّدى
    100 على النارِ واستَوْدَعْتُهْ كَفَّ مُجْمِدِ وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ
    101 وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ستُبْدِي لكَ الأَيَّامُ ما كُنْتَ جاهِلاً
    102 بَتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعدِ وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبارِ مَنْ لَمْ تَبعْ لَهُ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:51 pm










    شاعرة وقاصّة فلسطينيّة
    من مواليد النـّاصرة
    حاصلة على شهادة اللقب الأول * في اللغة الانجليزية والأدب المقارن

    //

    ! صَـــدر لــهــا!

    ! ثورة على الصمت (قصائد نثرية) 1994
    !يوميات غجرية عاشقة (ومضات شعريـّة) 2001
    !قبل الإختناق بدمعة ( أمواج دمعيّة )2004

    //

    ! خمس ُ لوحات ٍ لجنون ِ لحظة !

    أفـْـتـ(1)ـَقـِدُكَ

    وأشعرُ أنــّي بدأتُ أفقِدُ

    بَعـْضَ نَـبـْضَ إحساسي بكَ

    وأنـــَّكَ

    تتسربُ منَ الذ ّاكرة

    كما الرّمل

    فأتورط بالتفكير بكَ

    للتكفير عن

    غيابِ وشم ِ ملامـِحِكَ

    عن جسدِ الحُلم

    أفـْـتـ(2)ـَقـِدُكَ

    وأكبــِتُ وَخــْزَ حنينـِي

    وأكتبُ جنونَ اللحظة

    رموزا هيلوغرافيــّة

    على جناحيّ سنونوة ٍعاشقة

    تحملها إليكَ

    وترحل

    تبحثُ لكَ عن عُنوان

    خلفَ الطرقات ِ المستحيلة

    والنوافذ المُوْصَدة

    وأنتظرْ ..

    أخشى أنْ ..

    تكونَ قـَدْ ..

    أسقــَطــْتَ جنينَ حُبــّي

    من رَحـِم ِ العاطفة


    أفـْـتـ(3)ــَقـِدُكَ

    ويهزمــُنـــِي ضعفي

    وحاجتي إليكَ

    لتكونَ لي وطنـــًا

    يُهدينـــــي مساحاتــِهِ

    من جنوبــِها لشمالـِها

    ويدًا

    تأتينــــي كلَّ غروب ٍ

    بعِقــْدِ فــُلّ


    أفـْـتـ(4)ـَقـِدُكَ

    وأجتهدُ أنْ

    أمحو بصماتِكَ

    عن خلايا شغفي بــِكَ

    فتنبعثُ ذبذباتُ صوتــِكَ

    من حضن ِ الماضي :

    " أ ح ِ بُّ كِ "

    لـِتــُبـَعـْـثـــِرَنــــِي

    " أحـِبـــُّــكِ "

    وتــُلــَمـْـلــِمـَنـــِي !


    أفـْـتـ(5)ـَقـِدُكَ

    وأتأرجحُ هذي اللحظة

    ما بينَ لونــَيّ الفرح ِ والحُزن

    أستجديكَ وأدْعـُوكَ :

    تعالَ

    لتأتي معكَ ألوانُ الطـّيف

    ِ تعالَ

    لم نَعُدْ أنا وأنتَ

    خطــَّين ِ متوازيين

    نحنُ قلبان تائهان

    حولَ محور دائرة

    تعالَ

    لستَ حُـلمــًا

    أنتَ أكبرُ من كُلّ أحلامي

    لستَ لــُغتي

    أنتَ أكبرُ من كلِّ اللغاتِ

    تعالَ

    قد تكونُ المسافة ُ شاسعة

    ما بينَ حلمنــا والواقع

    مع ذلك

    ها أنا أمارسُ أولى الخطواتِ

    فتعالَ .. تعالَ .. تعالْ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:51 pm

    سيرة ذاتية مختصرة لتميم البرغوثي


    تميم البرغوثي شاعر فلسطيني ولد بالقاهرة عام 1977. له أربعة دواوين باللغة العربية الفصحى وبالعاميتين الفلسطينية والمصرية، هي:

    ميجنا، عن بيت الشعر الفلسطيني برام الله عام 1999

    المنظر، عن دار الشروق بالقاهرة عام 2002

    قالوا لي بتحب مصر قلت مش عارف، عن دار الشروق بالقاهرة عام 2005

    مقام عراق، عن دار أطلس للنشر بالقاهرة عام 2005

    نشر قصائده في عدد من الصحف والمجلات العربية كأخبار الأدب، والدستور، والعربي القاهريات، والسفير اللبنانية، والرأي الأردنية والأيام والحياة الجديدة الفلسطينيتين.

    حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2004

    عمل أستاذاً مساعداً للعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم عمل ببعثة الأمم المتحدة في السودان. كتب مقالاً أسبوعياً عن التاريخ العربي والهوية في جريدة الديلي ستار اللبنانية الناطقة بالإنجليزية لمدة سنة من 2003-2004

    له كتابان في العلوم السياسية: الأول بعنوان: الوطنية الأليفة: الوفد وبناء الدولة الوطنية في ظل الاستعمار صدر عن دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، عام 2007، والثاني بالإنجليزية عن مفهوم الأمة في العالم العربي وهو تحت الطبع في دار بلوتو للنشر بلندن.





    ومن شعره
    في القدس



    مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها

    فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها

    تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها

    وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها

    فإن سرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه فليسَ بمأمونٍ عليها سرُورُها

    متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها



    في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته

    يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في في طلاءِ البيتْ

    في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا

    يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها

    في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ،

    رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،

    قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى

    وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً

    تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً

    مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ

    في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ

    في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ

    في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ



    وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماً

    أَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم، وتبصرُ غيرَهم

    ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌ

    أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ يابُنَيَّ

    حجابَ واقِعِها السميكَ لكي ترى فيها هَواكْ

    في القدسِ كلًّ فتى سواكْ

    وهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها

    ما زِلتَ تَرْكُضُ إثْرَهَا مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِها

    رفقاً بِنَفسكَ ساعةً إني أراكَ وَهَنْتْ

    في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ



    يا كاتبَ التاريخِ مَهْلاً،

    فالمدينةُ دهرُها دهرانِ

    دهر مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ

    وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ



    والقدس تعرف نفسها،

    إسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُ

    فكلُّ شيئ في المدينةِ

    ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ



    في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ

    حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِ

    تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ



    في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْ

    في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِ أزرقُ،

    فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ،

    تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيها

    تُدَلِّلُها وَتُدْنِيها

    تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيها

    إذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها

    وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميها

    ونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً

    إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ



    في القدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُ

    كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْ

    ونوافذٌ تعلو المساجدَ والكنائس،

    أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُ بالألوانِ،

    وَهْوَ يقول: "لا بل هكذا"،

    فَتَقُولُ: "لا بل هكذا"،

    حتى إذا طال الخلافُ تقاسما

    فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْ

    إن أرادَ دخولَها

    فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ



    في القدس مدرسةٌ لمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ،

    باعوهُ بسوقِ نِخَاسَةٍ في إصفهانَ لتاجرٍ من أهلِ بغدادٍ أتى حلباً فخافَ أميرُها من زُرْقَةٍ في عَيْنِهِ اليُسْرَى،

    فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراً، فأصبحَ بعدَ بضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِ وصاحبَ السلطانْ



    في القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ

    واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ

    وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: "لا تحفل بهم"

    وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: "أرأيتْ!"



    في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ،

    كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمها وَجَدِيدَها،

    والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ



    في القدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةً

    لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ

    يابْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ



    في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،

    فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ



    في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِ والكتابُ ترابُها

    الكل مرُّوا من هُنا

    فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أو مؤمنا

    أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ

    فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ

    والتاتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ،

    فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى

    كانوا الهوامشَ في الكتابِ فأصبحوا نَصَّ المدينةِ قبلنا

    يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا

    يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْ



    العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ، مالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابها

    والقدس صارت خلفنا

    والعينُ تبصرُها بمرآةِ اليمينِ،

    تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْ

    إذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:52 pm

    ابن خلدون.. سيرة ومسيرة





    ابن خلدون

    يعد "ابن خلدون" عبقرية عربية متميزة، فقد كان عالمًا موسوعيًا متعدد المعارف والعلوم، وهو رائد مجدد في كثير من العلوم والفنون، فهو المؤسس الأول لعلم الاجتماع، وإمام ومجدد في علم التاريخ، وأحد رواد فن "الأتوبيوجرافيا" ـ فن الترجمة الذاتية ـ كما أنه أحد العلماء الراسخين في علم الحديث، وأحد فقهاء المالكية المعدودين، ومجدد في مجال الدراسات التربوية، وعلم النفس التربوي والتعليمي، كما كان له إسهامات متميزة في التجديد في أسلوب الكتابة العربية.

    نشأة "ابن خلدون" وشيوخه

    ولد "ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي" بتونس في [ غرة رمضان 732هـ= 27 من مايو 1332م]، ونشأ في بيت علم ومجد عريق، فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته، وقد كان أبوه هو معلمه الأول، كما درس على مشاهير علماء عصره، من علماء الأندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث، فدرس القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي، والأصول والتوحيد، كما درس علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، ودرس كذلك علوم المنطق والفلسفة والطبيعية والرياضيات، وكان في جميع تلك العلوم مثار إعجاب أساتذته وشيوخه.

    ومن أبرز هؤلاء الأساتذة والمشايخ: محمد بن عبد المهيمن الحضرمي، ومحمد بن سعد بن برال الأنصاري، ومحمد بن الشواشي الزرزالي، ومحمد بن العربي الحصايري، وأحمد بن القصار، ومحمد بن جابر القيسي، ومحمد بن سليمان الشظي، ومحمد بن إبراهيم الآبلي، وعبد الله بن يوسف المالقي، وأحمد الزواوي، ومحمد بن عبد السلام وغيره.

    وكان أكثر هؤلاء المشايخ تأثيرا في فكره وثقافته: محمد بن عبد المهيمن الحضرمي، إمام المحدثين والنحاة في المغرب، ومحمد بن إبراهيم الآبلي الذي أخذ عنه علوم الفلسفة والمنطق والطبيعة والرياضيات.

    وباء الطاعون يعصف بشيوخ "ابن خلدون"

    وعندما حدث وباء الطاعون الذي انتشر عام [ 749هـ= 1348م] وعصف بمعظم أنحاء العالم شرقًا وغربًا، كان لهذا الحادث أثر كبير في حياة "ابن خلدون"؛ فقد قضى على أبويه كما قضى على كثير من شيوخه الذين كان يتلقى عنهم العلم في "تونس"، أما من نجا منهم فقد هاجر إلى المغرب الأقصى سنة [ 750هـ= 1349م] فلم يعد هناك أحد يتلقى عنه العلم أو يتابع معه دراسته.

    فاتجه إلى الوظائف العامة، وبدأ يسلك الطريق الذي سلكه أجداده من قبل، والتحق بوظيفة كتابية في بلاط بني مرين، ولكنها لم تكن لترضي طموحه، وعينه السلطان "أبو عنان" ـ ملك المغرب الأقصى ـ عضوًا في مجلسه العلمي بفاس، فأتيح له أن يعاود الدرس على أعلامها من العلماء والأدباء الذين نزحوا إليها من "تونس" و"الأندلس" و"بلاد المغرب".

    في بلاط أبي سالم

    ولكن سرعان ما انقلبت الأحوال بابن خلدون حينما بلغ السلطان "أبو عنان" أن "ابن خلدون" قد اتصل بأبي عبد الله محمد الحفصي ـ أمير "بجاية" المخلوع ـ وأنه دبر معه مؤامرة لاسترداد ملكه، فسجنه أبو عنان، وبرغم ما بذله ابن خلدون من شفاعة ورجاء فإن السلطان أعرض عنه، وظل "ابن خلدون" في سجنه نحو عامين حتى توفي السلطان سنة [ 759هـ= 1358م].

    ولما آل السلطان إلى "أبي سالم أبي الحسن" صار "ابن خلدون" ذا حظوة ومكانة عظيمة في ديوانه، فولاه السلطان كتابة سره والترسيل عنه، وسعى "ابن خلدون" إلى تحرير الرسائل من قيود السجع التي كانت سائدة في عصره، كما نظم الكثير من الشعر في تلك المرحلة التي تفتحت فيها شاعريته.

    طموح ابن خلدون

    وظل "ابن خلدون" في تلك الوظيفة لمدة عامين حتى ولاه السلطان "أبو سالم" خطة المظالم، فأظهر فيها من العدل والكفاية ما جعل شأنه يعظم حتى نَفَسَ عليه كثير من أقرانه ومعاصريه ما بلغه من شهرة ومكانة، وسعوا بالوشاية بينه وبين السلطان حتى تغير عليه.

    فلما ثار رجال الدولة على السلطان أبي سالم وخلعوه، وولوا مكانه أخاه "تاشفين" بادر "ابن خلدون" إلى الانضمام إليه، فأقره على وظائفه وزاد له في رواتبه.

    ولكن طموح "ابن خلدون" كان أقوى من تلك الوظائف؛ فقرر السفر إلى "غرناطة" بالأندلس في أوائل سنة [764هـ- 1362م].

    ابن خلدون في غرناطة

    وفي "غرناطة" لقي "ابن خلدون" قدرًا كبيرًا من الحفاوة والتكريم من السلطان "محمد بن يوسف بن الأحمر" ـ سلطان "غرناطة" ـ ووزيره "لسان الدين بن الخطيب" الذي كانت تربطه به صداقة قديمة، وكلفة السلطان بالسفارة بينه وبين ملك قشتالة بِطْرُه بن الهنشة بن أذقونش لعقد الصلح بينهما، وقد أدى ابن خلدون مهمته بنجاح كبير، فكافأه السلطان على حسن سفارته بإقطاعه أرضًا كبيرة، ومنحه كثيرًا من الأموال، فصار في رغد من العيش في كنف سلطان "غرناطة".

    ولكن لم تدم سعادة "ابن خلدون" طويلا بهذا النعيم، إذ لاحقته وشايات الحاسدين والأعداء، حتى أفسدوا ما بينه وبين الوزير "ابن الخطيب" الذي سعى به بدوره لدى السلطان، وعندئذ أدرك "ابن خلدون" أنه لم يعد له مقام بغرناطة بل و"الأندلس" كلها.

    وفي تلك الأثناء أرسل إليه "أبو عبد الله محمد الحفصي" ـ أمير "بجاية" الذي استطاع أن يسترد عرشه ـ يدعوه إلى القدوم إليه، ويعرض عليه أن يوليه الحجابة وفاء لعهده القديم له، فغادر ابن خلدون الأندلس إلى بجاية فوصلها في منتصف عام [ 766هـ= 1365م]، فاستقبله أميرها، وأهلها استقبالا حافلا في موكب رسمي شارك فيه السلطان وكبار رجال دولته، وحشود من الجماهير من أهل البلاد.

    الفرار من جديد

    وظل ابن خلدون في رغدة من العيش وسعة من الرزق والسلطان حتى اجتاح "أبو العباس أحمد" ـ صاحب "قسطنطينة" ـ مملكة ابن عمه الأمير "أبي عبد الله" وقتله واستولى على البلاد، فأقر "ابن خلدون" في منصب الحجابة حينا، ثم لم يلبث أن عزله منها.

    فعرض عليه الأمير "أبو حَمُّو" ـ سلطان "تلمسان" ـ أن يوليه الحجابة على أن يساعده في الاستيلاء على "بجاية" بتأليب القبائل واستمالتها إليه؛ لما يعلمه من نفوذه وتأثيره، ولكن ابن خلدون اعتذر عن قبول الوظيفة، وعرض أن يرسل أخاه يحيى بدلا منه، إلا أنه استجاب إلى ما طلبه منه من حشد القبائل واستمالتها إليه.

    ولكن الأمور انتهت بهزيمة "أبي حمو" وفراره، وعاد "ابن خلدون" إلى الفرار من جديد بعد أن صار مطاردًا من كل حلفائه.

    مولد "المقدمة" في "قلعة ابن سلامة"

    ترك ابن خلدون أسرته بفاس ورحل إلى الأندلس من جديد، فنزل في ضيافة سلطانها "ابن الأحمر" حينًا، ثم عاد إلى "المغرب" مرة أخرى، وقد عقد العزم على أن يترك شئون السياسة، ويتفرغ للقراءة والتصنيف.

    واتجه "ابن خلدون" بأسرته إلى أصدقائه من "بني عريف"، فأنزلوه بأحد قصورهم في "قلعة ابن سلامة" ـ بمقاطعة ـ"وهران" بالجزائر ـ وقضى "ابن خلدون" مع أهله في ذلك المكان القصي النائي نحو أربعة أعوام، نعم خلالها بالهدوء والاستقرار، وتمكن من تصنيف كتابه المعروف "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، والذي صدره بمقدمته الشهيرة التي تناولت شئون الاجتماع الإنساني وقوانينه، وقد فرغ "ابن خلدون" من تأليفه وهو في نحو الخامسة والأربعين بعد أن نضجت خبراته، واتسعت معارفه ومشاهداته.

    ابن خلدون في مصر

    وأراد "ابن خلدون" العودة إلى "تونس" فكتب إلى أبي حمو يستأذنه ويرجو صفحه، فأذن له السلطان، فعاد إلى مسقط رأسه، وظل عاكفًا على البحث والدراسة حتى أتم تنقيح كتابه وتهذيبه، وخشي ابن خلدون أن يزج به السلطان إلى ميدان السياسة الذي سئمه وقرر الابتعاد عنه، فعزم على مغادرة تونس، ووجد في رحلة الحج ذريعة مناسبة يتوسل بها إلى السلطان ليخلي سبيله، ويأذن له في الرحيل.

    وصل "ابن خلدون" إلى الإسكندرية في [ غرة شوال 784هـ= 8 من ديسمبر 1382م] فأقام بها شهرًا ليستعد لرحلة السفر إلى "مكة"، ثم قصد ـ بعد ذلك ـ إلى "القاهرة" ، فأخذته تلك المدينة الساحرة بكل ما فيها من مظاهر الحضارة والعمران، وقد وصف "ابن خلدون" وقعها في نفسه وصفا رائعًا، فقال: "فرأيت حضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم، وكرسي الملك، تلوح القصور والأواوين في جوه، وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه، وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة، ومدفع مياه السماء، يسقيهم النهل والعلل سيحه، ويحيي إليهم الثمرات والخيرات ثجة، ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزجر بالنعم...".

    حفاوة المصريين بابن خلدون

    ولقد لقي "ابن خلدون" الحفاوة والتكريم من أهل "القاهرة" وعلمائها، والتف حوله طلاب العلم ينهلون من علمه، فاتخذ "ابن خلدون" من "الأزهر" مدرسة يلتقي فيها بتلاميذه ومريديه، وقد تلقى عنه عدد كبير من الأعلام والعلماء، منهم "تقي الدين المقريزي"، و"ابن حجر العسقلاني".

    ولقي "ابن خلدون" تقدير واحترام "الظاهر برقوق" ـ سلطان "مصر" ـ الذي عينه لتدريس الفقه المالكي بمدرسة القمصية، كما ولاه منصب قاضي قضاة المالكية، وخلع عليه ولقبه "ولي الدين" فلم يدخر "ابن خلدون" وسعًا في إصلاح ما لحق بالقضاء ـ في ذلك العهد ـ من فساد واضطراب، وقد أبدى صرامة وعدلا شهد له بهما كثير من المؤرخين، وكان حريصًا على المساواة، متوخيًا للدقة، عازفًا عن المحاباة.

    وقد جلب له ذلك عداء الكثيرين فضلا عن حساده الذين أثارتهم حظوته ومكانته لدى السلطان، وإقبال طلاب العلم عليه، ولم يبد "ابن خلدون" مقاومة لسعي الساعين ضده، فقد زهدت نفسه في المناصب خاصة بعد أن فقد زوجته، وأولاده وأمواله حينما غرقت بهم السفينة التي أقلتهم من "تونس" إلى "مصر" بالقرب من"الإسكندرية"، وقبل أن يصلوا إليها بمسافة قصيرة.

    ملاحقة الوشاة لابن خلدون

    وترك "ابن خلدون" منصبه القضائي سنة [ 787هـ= 1385م] بعد عام واحد من ولايته له، وما لبث السلطان أن عينه أستاذًا للفقه المالكي بالمدرسة "الظاهرية البرقوقية" بعد افتتاحها سنة [ 788هـ= 1386م].

    ولكن وشايات الوشاة ومكائدهم لاحقته حتى عزله السلطان، واستأذن "ابن خلدون" في السفر إلى فلسطين لزيارة بيت المقدس، وقد بجل ابن خلدون رحلته هذه ووصفها وصفًا دقيقًا في كتابه التعريف.

    ابن خلدون يقابل تيمورلنك

    وحينما جاءت الأنباء بانقضاض جيوش تيمور لنك على الشام واستيلائه على "حلب"، وما صاحب ذلك من ترويع وقتل وتخريب، خرج الناصر فرج في جيوشه للتصدي له، وأخذ معه ابن خلدون فيمن أخذهم من القضاة والفقهاء.

    ودارت مناوشات وقتال بين الفريقين، ثم بدأت مفاوضات للصلح، ولكن حدث خلاف بين أمراء "الناصر فرج"، وعلم السلطان أنهم دبروا مؤامرة لخلعه، فترك دمشق ورجع إلى القاهرة.

    وذهب ابن خلدون لمقابلة "تيمور لنك" يحمل إليه الهدايا، ويطلب منه الأمان للقضاة والفقهاء على بيوتهم وحرمهم.

    العودة إلى القضاء

    وعندما عاد "ابن خلدون" إلى "مصر" سعى لاستيراد منصب قاضي القضاة، حتى نجح في مسعاه، ثم عزل منه بعد عام في [ رجب 804هـ= فبراير 1402م]، ولكنه عاد ليتولاه مرة أخرى في [ ذي الحجة 804هـ= يناير 1402م] انتهت بوفاته في [ 26 من رمضان 808هـ= 16 من مارس 1405م] عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا.

    ابن خلدون.. مؤسس علم الاجتماع

    يعد ابن خلدون المنشئ الأول لعلم الاجتماع، وتشهد مقدمته الشهيرة بريادته لهذا العلم، فقد عالج فيها ما يطلق عليه الآن "المظاهر الاجتماعية" ـ أو ما أطلق عليه هو "واقعات العمران البشري"، أو "أحوال الاجتماعي الإنساني".

    وقد اعتمد ابن خلدون في بحوثه على ملاحظة ظواهر الاجتماع في الشعوب التي أتيح له الاحتكاك بها، والحياة بين أهلها، وتعقب تلك الظواهر في تاريخ هذه الشعوب نفسها في العصور السابقة.

    وقد كان "ابن خلدون" ـ في بحوث مقدمته ـ سابقًا لعصره، وتأثر به عدد كبير من علماء الاجتماع الذين جاءوا من بعده مثل: الإيطالي "فيكو"، والألماني " ليسنج"، والفرنسي"فوليتر"، كما تأثر به العلامة الفرنسي الشهير "جان جاك روسو" والعلامة الإنجليزي "مالتس" والعلامة الفرنسي "أوجيست كانط".

    ابن خلدون "وعلم التاريخ"

    تبدو أصالة ابن خلدون وتجديده في علم التاريخ واضحة في كتابه الضخم "العبر وديوان المبتدأ والخبر" وتتجلى فيه منهجيته العلمية وعقليته الناقدة والواعية، حيث إنه يستقرئ الأحداث التاريخية، بطريقة عقلية علمية، فيحققها ويستبعد منها ما يتبين له اختلاقه أو تهافته.

    أما التجديد الذي نهجه "ابن خلدون" فكان في تنظيم مؤلفه وفق منهج جديد يختلف كثيرًا عن الكتابات التاريخية التي سبقته، فهو لم ينسج على منوالها مرتبًا الأحداث والوقائع وفق السنين على تباعد الأقطار والبلدان، وإنما اتخذ نظامًا جديدًا أكثر دقة، فقد قسم مصنفه إلى عدة كتب، وجعل كل كتاب في عدة فصول متصلة، وتناول تاريخ كل دولة على حدة بشكل متكامل، وهو يتميز عن بعض المؤرخين الذين سبقوه إلى هذا المنهج كالواقدي، والبلاذري، وابن عبد الحكم، والمسعودي بالوضوح والدقة في الترتيب والتبويب، والبراعة في التنسيق والتنظيم والربط بين الأحداث. ولكن يؤخذ عليه أنه نقل روايات ضعيفة ليس لها سند موثوق به.

    ابن خلدون رائد فن الترجمة الذاتية

    كذلك فإن ابن خلدون يعد رائدًا لفن الترجمة الذاتية ـ الأوتوبيوجرافيا ـ ويعد كتابه "التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا" ـ من المصادر الأولى لهذا الفن، وبرغم أنه قد سبقته عدة محاولات لفن الترجمة الذاتية مثل "ابن حجر العسقلاني" في كتابه "رفع الإصر عن قضاة مصر" ولسان الدين بن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، وياقوت في كتابه "معجم الأدباء". فإنه تميز بأنه أول من كتب عن نفسه ترجمة مستفيضة فيها كثير من تفاصيل حياته وطفولته وشبابه إلى ما قبيل وفاته.

    ابن خلدون شاعرًا

    نظم ابن خلدون الشعر في صباه وشبابه وظل ينظمه حتى جاوز الخمسين من عمره، فتفرغ للعلم والتصنيف، ولم ينظم الشعر بعد ذلك إلا نادرًا.

    ويتفاوت شعر ابن خلدون في الجودة، فمنه ما يتميز بالعذوبة والجودة ودقة الألفاظ وسمو المعاني، مما يضعه في مصاف كبار الشعراء، وهو القليل من شعره، ومنه ما يعد من قبيل النظم المجرد من روح الشعر، ومنه ما يعد وسطًا بين كلا المذهبين، وهو الغالب على شعره.

    وبعد، فلقد كان ابن خلدون مثالا للعالم المجتهد والباحث المتقن، والرائد المجدد في العديد من العلوم والفنون، وترك بصمات واضحة لا على حضارة وتاريخ الإسلام فحسب، وإنما على الحضارة الإنسانية عامة، وما تزال مصنفاته وأفكاره نبراسًا للباحثين والدارسين على مدى الأيام والعصور.

    * أهم مصادر الدراسة:

    ابن خلدون حياته وتراثه الفكري، محمد عبد الله عنان، دار الكتب المصرية ـ القاهرة [ 1352هـ= 1933م]

    أعمال مهرجان ابن خلدون، [ المنعقد في القاهرة ـ من 2 إلى 6 يناير 1962م]، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ القاهرة [ 1382هـ= 1962م]

    عبد الرحمن بن خلدون [ أعلام العرب ـ 4]، د. علي عبد الواحد وافي،
    مكتبة مصر ـ القاهرة [ 1382هـ= 1962م]

    العمران البشري في مقدمة ابن خلدون، د. سنتيلانا باتسييفا ـ ترجمة: رضوان إبراهيم مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة [ 1406هـ = 1986م].
    قال ابن خلدون: ((أول ملك كان في فلسطين -في فجر التاريخ- كان للعرب ))
    وقال ((وفلسطين كسائر البقاعرالمجاورة لها خضعت لاحتلالات من قبل شعوب طارئة ومحاربة,مكثت على أرض فلسطين فترات زمنية:قصرت أم طالت...غير أنها كانت دائما طارئة..وظلت فلسطين خلالها موسومة بالسمة العربية منذ الموجة المعروفة باسم ((الأمورية-الكنعانية)) التي تعاظم أمرها قبل عام 2500 ق.م حيث نزل الأموريون داخل بلاد الشام وجنوبها الشرقي (( شرق الأردن)).
    (0واستوطن الكنعانيون ساحلها وجنوبها الغربي ((فلسطين)).
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:53 pm



    أَبو طالِب
    540 619– م


    هو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم من قريش. شاعر جاهلي ولد في مكة المكرمة. أمه فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم. كنيته أبو طالب. والد الإمام علي وعم النبي وكافله ومربيه ومناصره.


    نشأ أبو طالب في بيت كريم، فرأى في أبيه عبد المطلب ذلك الزعيم فانتهج منهجه بعد وفاته، وورث منه ملامحه وخصائصه، فقام بواجبه من سقاية الحاج، وكان المعطاء بغير منّة، والوَصول للرحم، ذو العقل الراجح والنظر البعيد، وله بالتشريع دراية، وقد حرّم الخمر على نفسه قبل أن يحرمها القرآن الكريم.. عميق الإيمان، رفض أن يسجد لصنم.


    أبو طالب من أبطال بني هاشم ورؤسائهم، ومن الخطباء العقلاء الأباة. وله تجارة كسائر قريش.
    كان أبو طالب كافل النبي محمد ونصيره الرسول وحاميه والمؤمن برسالته بعد موت جده عبد المطلب. فلما بلغ النبي اثنتي عشرة سنة أخذه أبو طالب معه إلى الشام ليعرفه على عالم وأمم لم يعرف عنها شيئا، وفي هذه السفرة اجتمعا مع الرهبان ومن جملتهم الراهب بحيرا الذي أخبر أبا طالب أن كتبهم أخبرتهم عن نبي عظيم الشأن ودلت على علاماته … وكانت تلك العلامات موجودة بابن أخيه. ولما بلغ النبي أربع عشرة سنة أحضره عمّه معه في حرب الفجار والتي كانت بين كنانة وقيس وكانت قريش تساعد كنانة.
    ولما بلغ النبي الخامسة والعشرين فكّر أبو طالب أن يجعله مستقلاً في الشؤون التي تؤمن مستقبله وكانت في ذلك الوقت خديجة بنت خويلد تاجرة معروفة بصدقها وأمانتها ووجها من وجوه مكة المحبوبة الموثوقة، فجعل أبو طالب علاقة تجارية بينها وبين ابن أخيه ومكنها بينهما.
    ظل أبو طالب مع ابن أخيه على تلك التربية لا يترك فرصة من الفرص التي يستفيد منها النبي إلا اغتنمها وبصّره بأحوالها..
    تزوج أبو طالب من فاطمة بنت أسد بن هاشم التي تجتمع معه في النسب في هاشم، وكانت من الهاشميات الفواضل في الكمال والتربية ولم يتزوج غيرها.
    أبو طالب هو من حفر بئر زمزم بين الوثنين . .
    توفي في مكة المكرمة.


    من أشهر قصائده :..


    تَطاولَ ليلي بهمٍّ وَصِبْ ِ
    أبو طالب



    تَطاولَ ليلي بهمٍّوَصِبْ



    ودَمعٍ كسَحٍّ السِّقاءِالسَّرِبْ



    للعبِ قُصَيٍّبأحلامِها



    وهل يَرجِعُ الحلمُ بعدَاللَّعِبْ؟



    ونفيِ قُصَيٍّ بنيهاشمٍ



    كنفيِ الطُّهاة ِ لطافَالخَشَبْ



    وقولٍ لأحمدَ: أنتَامرؤٌ



    خَلوفُ الحديثِ، ضَعيفُالسَّبَبْ



    وإنْ كانَ أحمدُ قدجاءَهُمْ



    بحقٍّ ولم يأتِهِمْبالكذِبْ



    على أنَّ إخوانَناوازَروا



    بني هاشمٍ وبنيالمطَّلِبْ



    هُما أخوانِ كعظمِاليمينِ



    أمراً علينا بعقدِالكَرَبْ



    فَيالَ قُصَيٍّ، ألمْتُخْبَروا



    بما حلَّ مِن شؤونٍ فيالعربْ



    فلا تُمْسكُنَّبأَيديكُمو



    بُعيدَ الأنوف بعجْبِالذَّنَبْ



    ورُمتُمْ بأحمدَ مارمتمُو



    على الأصراتِ وقربِالنسَبْ



    إلامَ إلامَتَلاقَيْـتُمو



    بأمرِ مُزاحٍ وحلمٍعَزَبْ؟



    زَعَمتُم بأنَّكمو جِيرةٌ



    وأَنَّكمو إخوَة ٌ فيالنَّسَبْ



    فكيفَ تُعادونَأبناءَهُ



    وأهلَ الدِّيانة ِ بيتَالحَسَبْ ؟



    فإنَّا ومن حَجَّ مِنراكبٍ



    وكعبة ِ مكَّة َ ذاتِالحُجَبْ



    تَنالون أحمدَ أوتَصْطلوا



    ظُباة َ الرِّماحِ وحَدَّالقُضُبْ



    وتَعْتَرفوا بينَأبياتِكُمْ



    صُدورَ العَوالي وخَيلاًعُصَبْ



    إذِ الخيلُ تَمْزَعُ فيجَرْيِها



    بسَيرِ العَنيقِ وحثِّالخَبَبْ



    تَراهُنَّ مِن بينِ ضافيالسَّبيبِ



    قَصيرَ الحزامِ طويلَاللَّبَبْ



    وجَرْداءَ كالظَّبِي سَيموحَةٍ



    طَواها النَّقائعُ بعدَالحَلَبْ



    عَليها كرامُ بنيهاشمٍ



    هُمُ الأَنجَبون معَالمُنْتَخبْ







    أرقتُ ودمعُ العينِ في العَينِغائرُ
    أبو طالب



    أرقتُ ودمعُ العينِ في العَينِغائرُ



    وجادَتْ بما فيها الشُّؤونُالأعاوِرُ



    كأنَّ فِراشي فوقَهُ نارُمَوقِدٍ



    منَ الليلِ أو فوقَ الفراشِالسَّواجِرُ



    على خيرِ حافٍ من قريشٍوناعلٍ



    إذا الخَيرُ يُرجى أو إذاالشَّرُّ حاضِرُ



    ألا إنَّ زادَ الركبِ غيرَمُدافَعٍ



    بسروِ سُحَيمٍ غَيَّبَتْهُالمقابرُ



    بسروِ سُحيمٍ عازفٌومُناكِرٌ



    وفارسَ غاراتٍ خطيبٌوياسِرُ



    تَنادَوا بأنْ لا سيِّدَ الحيِّفيهمِ



    وقد فُجعَ الحيَّانِ: كعبٌوعامرُ



    وكانَ إّذا يأتي منَ الشامقافلاً



    تقدَّمَه تَسعَى إليناالبشائرُ



    فيصبحُ أهلُ اللهِ بيضاًكأنَّما



    كسَتْهُم حَبيرا رَيْدة ٌومَعافِرُ



    تَرى دارة ً لا يبرحُ الدَّهرَعندَها



    مُجَعْجِعَة ً كومٌ سِمانٌوباقرُ



    إذا أكلتْ يوما أتَى الغدَمثلَها



    زواهقُ زُهْمٌ أو مَخاضٌبَهازِرُ



    ضَروبٌ بنصلِ السَّيفِ سُوقَسِمانِها



    إذا عَدِموا زاداً فإنَّكعاقرُ



    فإنْ لا يكُنْ لحمٌ غَريضٌفإنَّهُ



    تُكبُّ على أفواهِهنَّالغرائرُ



    فيا لك من ناعٍ حُبيتَ بأَلَّةٍ



    شِراعية ٍ تَصْفرُّ منهاالأظافرُ







    ألا ليتَ شِعري كيفَ فيالنَّأْيِ جَعفرٌ
    أبو طالب



    ألا ليتَ شِعري كيفَ فيالنَّأْيِ جَعفرٌ



    وعَمروٌ وأعداءُ النبيِّالأقاربُ؟



    فهل نالَ أفعالَ النَّجاشيِّجعفرا



    وأصحابَهُ أو عاقَ ذلكشاعِبُ؟



    تَعلَّمْ أبيتَ اللَّعْنَأنَّكَ ماجِدٌ



    كريمٌ، فلا يَشقى لديكَالمُجانبُ



    تَعلَّمْ بأنَّ اللهَ زادَكبَسْطَة ً



    وأفعالَ خيرٍ كلُّها بكَلازِبُ



    وأنَّكَ فَيضٌ ذو سِجالٍ غَزيرةٍ



    ينالُ الأَعادي نفعَهاوالأقارِبُ






    أَلا مَن لهمٍّ آخِرَ الليلِمُنْصِبِ
    أبو طالب



    أَلا مَن لهمٍّ آخِرَ الليلِمُنْصِبِ



    وشِعْبِ العصا من قومكِالمتَشَعِّبِ



    وجَرْبى أراها من لؤيِّ بنِغالبٍ



    مَتى ما تُزاحِمُها الصَّحيحة ُلجربِ



    إذا قائمٌ في القومِ قامَبِخُطَّة ٍ



    أقاموا جميعاَ ثمَّ صاحواوأَجْلَبوا



    وما ذنبُ من يَدْعو إلى اللهوحدَهُ



    ودينٍ قديمٍ أهلُه غيرُخُيَّبِ؟



    وما ظُلْمُ مَن يَدْعو إلىالبِرِّ والتُّقَى



    ورأبُ الثأَي في يومِ لاحينَمَشْعَبِ؟



    وقد جُرِّبوا فيما مَضى غِبَّأمرِهِمْ



    وما عالمٌ أمرا كَمَنْ لميُجَرِّبِ



    وقد كانَ في أمرِ الصَّحيفة ِعِبرَة ٌ



    أتاكَ بِها مِن عائبٍمُتَعَصِّبِ



    مَحا اللهُ مِنها كُفْرَهُموعُقُوقَهُمْ



    وما نَقَموا مِن صادِق القَوْلِمُنْجِبِ






    على ساخطٍ مِنْ قَومِنا غيرِمُعتَبِ



    فأمسى ابنُ عبدِ اللهِ فينا مُصَدَّقاً



    فلا تحسِبُونا خاذِلينَمحمَّداً



    لِذي غُرْبة ٍ منَّا ولامُتَقرِّبِ



    سَتَمنَعُه منَّا يدٌهاشِمِيَّة ٌ



    مُركَّبُها في المجدِ خيرُمركَّبِ



    ويَنصُرُهُ الله الذي هوَربُّهُ



    بأهلِ العُقَيْرِ أو بسكَّانِيَثْربِ



    فلا والذي يَخْدي لهُ كلَّمُرْتَمٍ



    طَليحٍ بجنَبيْ نخلة ٍفالمُحَصَّبِ



    يميناً صَدَقْنا اللهَ فيها ولمنكُنْ



    لنحلِفَ بُطلاً بالعتيقِالمُحَجَّبِ



    نُفارقُهُ حتى نُصرَّعَحَوْلَهُ



    وما بالُ تكذيبِ النبيِّالمُقَرَّبِ؟



    فيا قَومَنا لا تَظْلمونافإنَّنا



    متى ما نَخَفْ ظُلَمَ العَشيرةِ نَغْضبِ



    وكُفُّوا إليكُمْ من فُضولِحلومِكُمْ



    ولا تَذْهبوا من رأيِكم كلَّمَذْهَبِ



    ولا تبدؤونا بالظُّلامة ِوالأذى



    فَنَجْزيكمُو ضِعْفاً معَالأمِّ والأبِ





    أَلا أَبلغا عنِّي على ذاتِ بَيْنِنا
    أبو طالب



    أَلا أَبلغا عنِّي على ذاتِبَيْنِنا



    لُؤَّيا وخُصَّا من لؤيٍّ بنيكعبِ



    ألم تَعْلموا أنّا وَجَدْنامحمداً



    نبياًّ كموسى خُطَّ في أوّلِالكُتْبِ؟



    وأنّ عليه في العباد مَحَبَّةً



    ولا خيرَ مَمَّنْ خَصَّهُ اللهبالحُبِّ



    وأنَّ الذي أّلْصَقتموا منكتابِكُم



    لكُمْ كائنٌ نَحْسا كراغية ِالسَّقْبِ



    أَفِيقوا أفيقوا قبلَ أنْيُحفرَ الثَّرى



    ويُصبحَ مَن لم يَجْنِ ذنبا كذيالذَّنبِ



    ولا تَتْبَعوا أمرَ الوُشاةوتَقْطعوا



    أواصرَنا بعدَ المودَّة ِوالقُربِ



    وتَسْتَجْلبوا حربا عَواناوربَّما



    أَمَرَّ على مَن ذاقَهُ جلَبُالحرْبِ



    فلسنا وربِّ البيتِ نُسلمُأحمداً



    لعزَّاءِ من عضِّ الزَّمانِ ولاكَرْبِ



    ولمّا تَبِنْ منّا ومنكُمْسَوالفٌ



    وأيدٍ أُتِرَّتْ بالقُسَاسِّيةالشُّهْبِ



    بمُعْتَرَكٍ ضَنْكٍ تُرى كِسرُالقَنا



    به والنسورُ الطُّخم يَعْكِفْنَكالشَّرْبِ



    كأنّ صُهالَ الخيلِ فيحَجَراتهِ



    ومَعْمعَة َ الأبطالِ مَعركة ٌالحَرْبِ



    أليسَ أبونا هاشمٌ شَدَّأَزْرَهُ



    وأوصى بَنيهِ بالطِّعانِوبالضَّرْبِ؟



    ولسنا نَمَلُّ الحرْبَ حتَّىتَمَلَّنا



    ولا نَشْتكي ما قَدْ يَنُوبُمنَ النَّكْبِ



    ولكنَّنا أهلُ الحفائظِوالنُّهى



    إذا طارَ أرواحُ الكماة ِ منَالرُّعْبِ






    ألا هَلْ أتَى بَحْريِّنا صُنعُ ربِّنا
    أبو طالب



    ألا هَلْ أتَى بَحْريِّنا صُنعُربِّنا



    على نَأْيِهمْ ، واللهُ بالناسِأرْوَدُ؟



    فيُخبرَهُمْ أنَّ الصَّحيفَة َمُزِّقَتْ



    وأنْ كلُّ ما لم يَرْضَهُ اللهُمُفْسَدُ



    تَرَاوَحَها إفكٌ وسِحرٌمُجمَّعٌ



    ولم يُلفَ سِحْرٌ آخرَ الدَّهرِيَصعدُ



    تَداعَى لها مَن ليسَ فيهابِقَرْقَرٍ



    فطائرُها في رأسهايَتَردَّدُ



    وكانت كفاءً وقعة ٌ بأثيمةٍ



    لِقُطَعَ منها سَاعدٌومُقلَّدُ



    ويظعَنُ أهلُ المكَّتَينِفيهرُبوا



    فرائصُهم من خَشْية ِ الشرِّتُرعَدُ



    ويُتْرَكَ حرَّاثٌ يقلِّبُأمرَهُ



    أَيُتْهِمُ فيها عندَ ذاكَويُنجِدُ؟



    وتصعَدُ بينَ الأخْشَبينٍ كتيبةٌ



    لها حَدَجٌ سَهمٌ وقوسٌومِرْهَدُ



    فمن يَنْشَ مِن حُضَّارِ مكَّةَ عزُّهُ



    فعزَّتُنا في بطنِ مكَّة َأتلَدُ



    نَشأنا بها والناسُ فيهاقلائلٌ



    فلم نَنْفكِكْ نزدادُ خِيراونُحمدُ



    ونُطعِمُ حتى يَتْرُكَ الناسُفضلَهُم



    إذا جُعِلتْ أيدي المُفِيضينَتُرْعَدُ



    جَزى اللهُ رهطا بالحَجونِتَتَابَعوا



    على مَلأ يهدي لحزمٍويُرشِدُ



    قُعودا لدى حَطْمِ الحَجونكأنَّهُمْ



    مَقاولة ٌ بل هُمْ أعزُّوأمجَدُ



    أعانَ عليها كلُّ صَقرٍكأنَّه



    إذا ما مشَى في رَفْرفِالدِّرعِ أجْرَدُ



    جريءٌ على جُلَّى الخُطوبِكأنّه



    شهابٌ بكفَّيْ قابسٍيَتوَقَّدُ



    منَ الأكرمينَ في لؤيِّ بنِغالبٍ



    إذا سِيمَ خَسْفاً وجهُهُيَتَربَّدُ



    طويلُ النِّجادِ خارجٌ نصفُساقِه



    على وجههِ يُسقَى الغَمامُويُسعَدُ



    عظيمُ الرَّمادِ سَيِّدٌ وابنُسيدٍ



    يَحضُّ على مَقْرَى الضُّيوفِويحشُدُ



    ويَبْني لأبناءِ العَشيرة ِصالحا



    إذا نحنُ طُفنا في البلادِويُمْهِدُ



    ألظَّ بهذا الصُّلح كلُّمُبرَّأٍ



    عظيمُ اللواءِ أَمْرُهُ ثَمَّيُحمَدُ



    قَضَوا ما قَضوا في ليلهِم ثمأصبحوا



    على مَهَلٍ وسائرُ الناسِرُقَّدُ



    هُمو رَجَعوا سَهْلَ ابنَبيضاءَ راضياً



    وسُرَّ أبو بكرٍ بهاومحمَّدُ



    متى شُرِكَ الأقوامُ في جِلِّأمرنا



    وكنّا قديماً قَبلَهانَتَوَدّدُ؟



    وكنا قديماً لا نُقِرُّ ظُلامةً



    وندركُ ما شِئنا ولانَتَشدَّدُ



    فيا لَقُصيٍّ هَل لكُمْ فينفوسِكُمْ



    وهَل لكُمو فيما يجيُ بهِالغدُ؟



    فإنّي وإيَّاكم كما قالَقائل:



    لدَيْكَ البَيانُ لو تكلمتَأسْوَدُ






    أنتَ النبيُّ محمدُ
    أبو طالب



    أنتَ النبيُّ محمدُ



    قرْمٌ أغرُّمُسَوَّدُ



    لمسوَّدين أكارمٍ



    طابوا وطابَالمَوْلدُ



    نعمَ الأرومة ُأصلُها



    عَمْرُو الخِضمُّالأَوحَدُ



    هشَمَ الرِّبيكَة َ فيالجفا



    نِ وعيشُ مكَّة َأنكَدُ



    فَجَرتْ بذلك سُنَّةً



    فيها الخبيزة ُتُثْردُ



    ولنا السقاية ُللحَجيـ



    ـجِ بها يُماثُالعُنجُدُ



    والمأزمانِ وماحَوتْ



    عَرفاتُهاوالمسجدُ



    أنَّى تُضامُ ولمأمُتْ



    وأنا الشجاعُالعِرْبِدُ



    وبطاحُ مكة لا يُرى



    فيها نَجيعٌأسْوَدُ



    وبنو أبيكَكأنَّهُمْ



    أُسْدُ العرينِتَوقَّدُ



    ولقد عَهدتُكصادقاً



    في القَوْلِ لاتَتَزَيَّدُ



    ما زلتَ تنطقُبالصَّوا



    بِ وأنتَ طفلٌأمْرَدُ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:54 pm

    المرقش الاكبر
    تو نحو 552م
    هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضُبيعة ، ينتهي الى بكر بن وائل ، الى عدنان . لقب بالمرقش لأنه قال : "كما رقِش في ظهر الأديم قلم " . هو عم المرقش الاصغر.

    المرقش الأكبر من الشعراء الجاهليين الذين جعلوا من شعرهم نتاج عفويتهم المبدعة فأغنى التفاعل الخلاق بين شخصيته ووقائعها شبه الاسطورية وبين الموضوع الفني الذي كاد يقتصر عليه شعره . فهو لم يبرح حدود معاناته الشخصية الى ذلك الشعر الاجتماعي الذي تميز بالمديح والفخر والرثاء . بدت نفسه مترفعة عن سياسة الصراعات اليومية من تبجح وغرور وطعن وشتم ، مشتغلاً بمسألة الوجود في الحب والحرمان وسواهما .

    قصة المرقش الاكبر المتيم بابنة عمه ومعاندة عمه لأمر زواجهما تحولت الى واحدة من أساطير الميثولوجيا العربية الجاهلية . فلقد قام الدهر كعقبة كبيرة بينه وبين تحقيق امنيته بالزواج من ابنة العم بفعل تصلب عمه في طلبه شبه المستحيل اذ قال لابن أخيه : " لن ازوجكما حتى ترأس وتأتي الملوك " . فكان على المرقش ان يقبل التحدي فيمضي في رحلة الكشف والبحث عمن يحقق له واقعية التفوق . وتقول اسطورة المرقش إنه استطاع ، بعد ارتحال وطلب للمجد ، ان يحقق التفوق في بلاط الملوك ، فامتدح احد ملوك اليمن وفاز منه بالتقدير المرجو . وعندما عاد الى قومه وعمه منتصراً وجد ان العم قد زوج ابنته من سواه . أما الغريب في الامر أن العم بدل ان يخبره بهذا الزواج ادعى ان الفتاة قد ماتت وجعل لها قبراً مزيفاً في أرضه. لكن الشاعر لا يلبث ان يكشف الحقيقة ويعرف بأمر الصفقة التي عقدها عمه اذ زوج ابنته من رجل آخر غني خلال سني الجدب والقحط التي مرت بقومه .

    إنطلق المرقش في رحلة بحث عن الحبيبة المباعة يرافقه خادمين ما لبثا ان غدرا به عندما اقعده المرض في احد الكهوف فتخليا عنه . لكن الشاعر تحامل على مرضه وخرج من كهفه ووصل الى بيت حبيبته التي استقبلته بالرغم من اعتراض الزوج . لكن البطل لا يصل الى الحبيبة الا ليموت بين احضانها .

    كان الارقش الاكبر طليعة فرسان العشق العذري . ولقصته مع الحبيبة الممنوعة والضائعة أبعادها التي سوف تتكرر مع غيره من شعراء التتيم من الجاهليين . من هذه الابعاد الشعور بجحود العالم وبخيانة الآخرين وبالعقبات اللامتناهية التي تقوم في وجه تحقيق حب حقيقي . فكأن هذا الحب لا يحيا الا في نطاق النفس ولا يلقى تحقيقه الا في خيال المعاني . من هنا يصبح هذا الحب شمولياً يرقى فوق العلاقات الثنائية بين حبيبين . وهنا يلقى هذا الحب سعادة خاصة .

    وحين يقف المرقش الاكبر في أكثر مطالع قصائده على الآثار الدوارس ، فانه يبكي حقاً طلول الحبيبة في نفسه وفي الارض من حوله واينما سار واتجه . ولذلك كانت رنة التفجع بالاطلال ، وان كانت تقليدية ، ذات ارتباط عضوي بتجربة الجحود والضياع لدى شاعرنا .

    لم يبرّز المرقش الأكبر بالقصائد المطولة ولا باسلوب البناء الفخم . الا ان انطلاقته الوجدانية التي حملت الحان تجربته العاطفية ونشرتها في الصحارى وأنعشت قلوب أجيال ، تضج للحب وألم التضحية والحنين الى ارتواء ضائع لن يتم .
    قال عنه أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((المرقش لقب غلب عليه بقوله:
    الدار وحش والرسوم كما

    رقش في ظهر الأديم قلم

    وهو أحد من قال شعراً فلقب به. واسمه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني عمرو. وقال غيره: عوف بن سعدبن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكربن وائل. وهو أحد المتيمين. كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وكان المرقش الأصغر ابن أخي المرقش الأكبر. واسمه فيما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك. وقال غيره: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. وهو أيضاً أحد المتيمين، كان يهوى فاطمة بنت المنذر الملك ويتشبب بها. وكان للمرقشين جميعاً موقع في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدم في المشاهد ونكاية في العدو وحسن أثر. كان عوف بن مالك بن ضبيعة عم المرقش الأكبر من فرسان بكر بن وائل. وهو القائل يوم قضة: يا لبكر بن وائل، أفي كل يوم فرارا ومحلوفي لا يمر بي رجل من بكر بن وائل منهزماً إلا ضربته بسيفي. وبرك يقاتل فسمي البرك يومئذ.
    عمر بن مالك وأسره لمهلهل: وكان أخوه عمرو بن مالك أيضاً من فرسان بكر، وهو الذي أسر مهلهلاً، التقيا في خيلين من غير مزاحفة في، بعض الغارات بين بكر وتغلب، في موضع يقال له نقا الرمل، فانهزمت خيل مهلهل وأدركه عمرو بن مالك فأسره فانطلق به إلى قومه، وهم في نواحي هجر، فأحسن إساره. ومر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر، وكان صديقاً لمهلهل يشتري منه الخمر، فأهدى إليه وهو أسير زق خمرة فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكراً وشربوا عند مهلهل في بيته وقد أفرد له عمرو بيتاً يكون فيه فلما أخذ فيهم الشراب لغنى مهلهل فيما كان يقوله من الشعر وينوح به على كليب، فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريان، والله لا يشرب ماء حتى يرد ربيب يعني جملاً كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدهاس من أجواف هجر فيرعى فيها غبا بعد عشر في حمارة القيظ فطلبت ركبان بني مالك ربيباً وهم حراص على ألا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشاً. ونحر عمرو بن مالك يومئذ ناباً فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلل أحد بني لغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسيرة فقال يذكرها:
    ظبية ما ابنة المحلل شنبا

    ء لعوب لذيذة في العناق

    فلفا بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنقة القيسي أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول وكان محمقاً وهو الذي تضرب به العرب المثل في الحمق: لا؟ يكون لي جمل أبداً إلا سميته ربيباً يعني أن ربيباً كان مباركاً لقتله مهلهلاً. ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميمية التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:
    بل هل شجتك الظعن باكرةً

    كأنها النخيل من ملـهـم

    قال أبو عمرو ووافقه المفضل الضبي: وكان من خبر المرقش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها، فقال: لا أزوجك حتى تعرف بالبأس وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك فكان عنده زماناً ومدحه فأجازه. وأصاب عوفاً زمان شديدث فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف ، فأرغبه في المال فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك.
    ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشاً وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبرة فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هدا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الدي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش، عن رأسه ودعا الغلام وكان قد ضني ضناً شديداً فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المرادي أسماء فدعا مرقش وليدة له ولها زوج من غفيلة كان عسيفاً لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المرادي عليها، فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضاً. وإنهما نزلا كهفاً بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش فسمع مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه فقد هلك سقماً وهلكنا معه ضراً وجوعاً. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة وكانا أحب ولده إليه إلى نصراني من أهل الحيرة فعلمهما الخط. فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب مرقش على مؤخرة الرحل هذه الأبيات:
    يا صاحبي تلبـثـا لا تـعـجـلا

    إن الرواح رهين ألا تـفـعـلا
    فلعل لبـثـكـمـا يفـرط سـيئا

    أو يسبق الإسراع سيباً مـقـبـلا
    ياراكباً إما عرضت فـبـلـغـن

    آنس بن سعد إن لقيت وحرمـلا
    للـه دركـمـا ودرأبـيكـمــا

    إن أفلت العبدان حتـى يقـتـلا
    من مبلغ الأقـوام أن مـرقـشـاً

    أضحى على الأصحاب عبئاً مثقلا
    وكأنما ترد السـبـاع بـشـلـوه

    إذ غاب جمع بني ضبيعة منهـلا

    قال: فانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش. ونظر حرملة إلى الرحل وجعل يقلبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أن مرقشاً كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك. فقال له مرقش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي : من أنت؟ قال: راعي فلان، وإذا هو راعي زوج أسماء. فقال له مرقش: أتستطيع أن تكلم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزاً فتأتيها بلبنها.
    فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيراً لم يصبه راع قط إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه، فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا الخاتم. قالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف بنجران، فأقبل فزعاً فقال لها: لم دعوتني؟ قالت له: ادع عبدك راعي غنمك فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم قال: وجدته مع رجل في كهف خبان .قال: ويقال كهف جبار فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيراً، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم؟ قالت: خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:
    سرى ليلاً خيال من سليمـى

    فأرقني وأصحابي هجـود
    فبت أديرأمري كـل حـال

    وأذكر أهلها وهـم بـعـيد
    على أن قد سما طرفي لنار

    يشب لها بذي الأرطى وقود
    حواليها مها بيض التراقـي

    وآرام وغـزلان رقــود
    نواعم لاتعالج بـؤس عـيش

    أوانس لاتـروح ولاتـرود
    يرحن معاً بطاء المشيء بدًا

    عليهن المجاسد والـبـرود
    سكن ببلدة وسكنت أخـرى

    وقطعت المواثق والعهـود
    فما بالي أفي ويخان عهـدي

    ومابالي أصـاد ولا أصـيد
    ورب أسـيلة الـخـــدين

    بكير منعمة لها فرع وجيد
    وذو أشر شتيت النبت عذب

    نقي اللـون بـراق بـرود
    لهوت بها زماناً في شبابـي

    وزارتها النجائب والقصـيد
    أناس كلما أخلقـت وصـلاً

    عناني منهم وصـل جـديد

    ثم مات عند أسماء، فدفن في أرض مراد.
    وقال غير أبي عمرو والمفضل: أتى رجل من مراد يقال له قرن الغزال، وكان موسراً، فخطب أسماء وخطبها المرقش وكان مملقاً، فزوجها أبوها من المرادي سراة فظهر على ذلك مرقش فقال: لئن ظفرت به لأقتلنه. فلما أراد أن يهتديها خاف أهلها عليها وعلى بعلها من مرقش، فتربصوا بها حتى عزب مرقش في إبله، وبنى المرادي بأسماء واحتملها إلى بلده. فلما رجع مرقش إلى الحي رأى غلاما يتعرق عظماً، فقال له: يا غلام، ما حدث بعدي في الحي. وأوجس في صدره خيفةً لما كان، فقال الغلام: اهتدى المراثي امرأته أسماء بنت عوف. فرجع المرقش إلى حيه فلبس لأمته وركب فرسه الأغر، واتبع آثار القوم يريد قثل المرادي. فلما طلع لهم قالوا للمرادي: هذا مرقش، وإن لقيك فنفسك دون نفسه. وقالوا لأسماء: إنه سيمر عليك، فأطلعي رأسك إليه واسفري، فإنه لا يرميك ولا يضرك، ويلهو، بحديثك عن طلب بعلك، حتى يلحقه إخوته فيردوه. وقالوا للمرادي: تقدم فتقدم. وجاءهم مرقش. فلما حاذاهم أطلعت أسماء من خدرها ونادته، فغض من فرسه وسار بقربها، حتى أدركه أخواه أنس وحرملة فعذلاه ورداه عن القوم. ومضى بها المرادي فألحقها بحيه. وضني مرقش لفراق أسماء. فقال في ذلك:
    أمن آل أسماء الرسوم الدوارس

    تخطط فيها الطير قفر بسابس

    وهي قصيدة طويلة. وقال في أسماء أيضاً:
    أغالبك القلب اللجوج صـبـابةً

    وشوقاً إلى أسماء أم أنست غالبه

    يهيم ولايعيا بأسـمـاء قـلـبـه

    كذاك الهوى إمراره وعواقبـه
    أيلحى امرؤ في حب أسماءقد نأى

    بغمز من الواشين وازور جانبه
    وأسماء هم النفس إن كنت عالماً

    وبادى أحاديث الفؤاد وغـائبـه
    إذا ذكرتها النفس ظلت كأنـنـي

    يزعزعني قفقاف ورد وصالبـه

    كان مع المجالد بن ريان في غارته على بني تغلب وقال شعراً: وقال أبو عمرو: وقع المجالد بن ريان ببني تغلب بجمران فنكى فيهم وأصاب مالاً وأسرى، وكان معه المرقش الأكبر، فقال المرقش في ذلك:
    أتتني لسسان بني عـامـر

    فجلى أحاديثها عن بصـر
    بأن بني الوخم ساروا معـا

    بجيش كضوء نجوم السحر
    بكل خبوب السسرى نهـدة

    وكل كميت طـوال أغـر
    فما شعرالحي حـتـى رأوا

    بريق القوانس فوق الغرر
    فأقبلنهـم ثـم أدبـرنـهـم

    وأصدرنهم قبل حين الصدر
    فيا رب شلو تخطر فـنـه

    كريم لدى مزحف أو مكر
    وكائن بجمران من مزعف

    ومن رجل وجهه قد عفـر

    المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:54 pm

    أوس بن حَجَر
    530 - 620 م

    هو أوس بن حجر بن مالك التميمي الملقب بـأبو شريح.

    شاعر تميم في الجاهلية، أو من كبار شعرائها، أبوه حجر هو زوج أم زهير بن أبي سلمى.

    كان كثير الأسفار، وأكثر إقامته كانت عند عمرو بن هند في الحيرة. عمّر طويلاً ولم يدرك الإسلام.

    في شعره حكمة ورقة، وكانت تميم تقدمه على سائر الشعراء العرب. وكان غزلاً مغرماً بالنساء.

    قال الاصمعي أوس أشعر من زهير الا أن النابغة طأطأ منه، وهو صاحب الابيات المشهورة التي أولها أيتها النفس أجملي جزعا. له ديوان شعر .

    صبوتَ وهل تصبُو ورأسكَ أشيبُ
    أوس بن حجر

    صبوتَ وهل تصبُو ورأسكَأشيبُ
    وَفَاتَتْكَ بِالرَّهْنِالمُرَامِقِ زَينَبُ
    وغيرَها عنْ وصلها الشيبُإنهُ
    شَفيعٌ إلى بِيضِ الخُدورِمُدَرّبُ
    فَلَمّا أتى حِزّانَ عَرْدَة َدُونَهَا
    ومِنْ ظَلَمٍ دون الظَّهيرَة ِمَنْكِبُ
    تَضَمّنَها وارْتَدّتِ العَيْنُدونَهَا
    طريقُ الجواءِ المستنيرُفمذهبُ
    وصبّحنَا عارٌ طويلٌبناؤهُ
    نسبُّ بهِ ما لاحَ في الأفقِكوكبُ
    فلمْ أرَ يوماً كانَ أكثرَباكياً
    ووجهاً تُرى فيهِ الكآبة ُتجنبُ
    أصَابُوا البَرُوكَ وابنَ حابِسعَنْوَة ٌ
    فَظَلّ لَهُمْ بالْقاعِ يوْمٌعَصَبصَبُ
    وإنّ أبَا الصّهْبَاءِ فيحَوْمة ِ الوَغَى
    إذا ازورّت الأبطالُ ليثٌمحرّبُ
    ومثلَ ابنِ غنمِ إنْ ذحولٌتذكرتْ
    وقَتْلى تَياسٍ عَنْ صَلاحٍتُعَرِّبُ
    وَقَتْلى بِجَنْبالقُرْنَتَيْنِ كَأنّهَا
    نسورٌ سقاهَا بالدّماءِمقشّبُ
    حلفتُ بربِّ الدّامياتِنحورُها
    وما ضمّ أجمادُ اللُّبينِوكبكبُ
    أقُولُ بِما صَبّتْ عَليّغَمامتي
    وجهدي في حبلِ العشيرة ِأحطبُ
    أقولُ فأمّا المنكراتِفأتّقِي
    وأمّا الشّذا عنّي المُلِمَّفَأشْذِبُ
    بَكيْتم على الصُّلحِ الدُّماجِومنكمُ
    بِذي الرِّمْثِ من وادي تَبالةَ مِقْنَبُ
    فَأحْلَلْتُمُ الشَّرْبَ الذيكان آمِناً
    محلاً وخيماً عُوذُهُ لاتحلّبُ
    إذا مَا عُلوا قالوا أبونَاوأُمُّنَا
    وليس لهم عالينَ أمّ ولاأبُ
    فتحدرُكُمْ عبسٌ إلينَاوعامرٌ
    وترفعُنا بكرٌ إليكموتغلبُ


    ألمْ ترَ أنّ اللهَ أنزلَ مزنة
    أوس بن حجر

    ألمْ ترَ أنّ اللهَ أنزلَ مزنةٌ
    وَعُفْرُ الظِّبَاءِ فيالكِناسِ تَقَمَّعُ
    فَخُلّيَ للأذْوادِ بَيْنَعُوَارِضٍ
    وبَينَ عَرَانينَ اليَمامَة ِمَرْتَعُ
    تكنّفنَا الأعداءُ منُ كلّجانبٍ
    لِينْتَزِعوا عَرْقاتِنَا ثمّيَرْتَعوا
    فَمَا جَبُنوا أنّا نسُدُّعَلَيْهِمُ
    ولكنْ لقوا ناراً تحسُّوتسفعُ
    وجاءتْ سليمٌ قضُّهَاوقضيضُها
    بأكثرِ ما كانوا عديداًوأوكَعوا
    وَجِئْنَا بها شَهْباءَ ذاتَأشِلّة ٍ
    لها عارضٌ فيهِ المنيّة ُتلمعُ
    فودّ أبو ليلى طُفيلُ بنُمالكٍ
    بمُنْعَرَجِ السُّؤْبَانِ لوْيَتَقَصّعُ
    يلاعبُ أطرافَ الأسنّة ِعامرٌ
    وصارَ لهُ الكتيبة ِأجمعُ
    كأنّهُمُ بينَ الشُّميطِ وصارةٍ
    وَجُرْثُمَ والسّؤبانِ خُشْبٌمُصرَّعُ
    فمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تثوبُوَتَدّعي
    ويلحقُ منها لاحقٌوتقطّعُ
    لدى كلِّ أخدودٍ يغادرنَدارعاً
    يجرُّ كما جُرّ الفصيلُالمقرعُ
    فَما فَتِئَتْ حَتى كأنَّغُبارَها
    سُرادقُ يومٍ ذي رياحٍترفَّعُ
    تَثُوبُ عَلَيهِمْ مِن أبانٍوشُرْمَة ٍ
    وتركبُ من أهلِ القنانِوتفزعُ
    لدنْ غدوة ٍ حتّى أغاثَشريدهُم
    طويلُ النَّباتِ والعيونُوضلفعُ
    ففارتْ لهُمْ يوماً إلى الليلِقدْرُنَا
    تصُكّ حَرَابيَّ الظّهورِوَتَدْسَعُ
    وكنتُم كعظمِ الرِّيمِ لمْ يدرِجازرٌ
    على أيّ بَدْأي مَقْسِم اللحميوضَعُ
    وجاءتْ على وحشيِّها أمُّجابرٍ
    على حين سَنُّوا في الرّبيعوأمْرَعوا


    تنكّرَ بعدي منْ أميمة َصائفُ
    أوس بن حجر

    تنكّرَ بعدي منْ أميمة َصائفُ
    فبِرْكٌ فَأعْلى تَوْلَبٍفَالمَخالِفُ
    فقوٌّ فرهبى فالسَّليلُفعاذبٌ
    مطافيلُ عوذِ الوحشِ فيهعواطفُ
    فَبَطْنُ السُّلَيِّ فالسِّخالُتَعَذّرَتْ
    فَمَعْقُلَة ٌ إلى مُطَارفَوَاحِفُ
    كأنَّ جديدَ الدّارِ يبليكَعنهُمُ
    تقيُّ اليمينِ بعدَ عهدكَحالفُ
    بِها العِينُ والآرامُ تَرْعىسِخالُهَا
    فطيمٌ ودانٍ للفطامِوناصفُ
    وقدْ سألتْ عنّي الوُشاة ُفخُبِّرَتْ
    وَقدْ نُشِرَتْ منها لَدَيّصَحائِفُ
    كعهدكِ لا عهدُ الشبابِيُضلّني
    ولا هَرِمٌ ممّنْ توَجّهَدالِفُ
    وقد أنتحي للجهلِ يوماًوتنتحي
    ظَعائِنُ لَهْوٍ وُدُّهُنّمُساعِفُ
    نَوَاعِمُ ما يضْحَكنَ إلاتَبَسّماً
    إلى اللَّهْوِ قد مالتْ بهِنّالسّوالِفُ
    وأدْماءَ مثلِ الفَحْلِ يوْماًعَرَضْتُها
    لِرَحْلي وفيهَا جُرْأة ٌوَتَقَاذُفُ
    فإنْ يهوَ أقوامٌ ردايَفإنّما
    يقيني الإلهُ ما وقَىوأُصادفُ
    وعنسٍ أمونٍ قد تعلّلتُمتنَها
    على صِفَة ٍ أوْ لم يصِفْ ليَوَاصِفُ
    كُمَيتٍ عصاها النَّقْرُ صَادقةِ السُّرَى
    إذا قيلَ للحَيران أينتُخالفُ
    عَلاة ٍ كِنازِ اللّحْمِ مابينَ خُفِّهَا
    وَبينَ مَقِيلِ الرّحْلِ هَوْلٌنَفانِفُ
    عَلاة ٍ من النّوقِالمَرَاسِيلِ وَهْمَة ٍ
    نجاة ٍ علَتْها كَبرة ٌ فهيشارفُ
    جُماليّة ٍ للرَّحْلِ فيهامُقَدَّمٌ
    أمونٍ ومُلْقى ً للزّمِيلِورَادِفُ
    يُشَيّعُها في كلّ هَضْبٍوَرَمْلَة ٍ
    قَوائمُ عُوجٌ مُجْمَرَاتٌمُقاذِفُ
    تَوَائِمُ أُلاّفٌ تَوَالٍلَوَاحِقٌ
    سَوَاهٍ لَوَاهٍ مُرْبِذاتٌخَوَانِفُ
    يزلّ قُتودُ الرَّحلِ عندأياتها
    كما زَلّ عن رَأس الشَّجيجالمحارِفُ
    إذا ما رِكابُ القوْمِ زَيّلَبَيْنَها
    سُرَى الليلِ منها مستكينٌوصَارِفُ
    عَلا رَأسَها بعدَ الهِبابِوَسامَحتْ
    كَمَحلوجِ قُطْنٍ ترْتميهالنّوَادِفُ
    وأنحَتْ كما أنحى المحالة َماتِحٌ
    على البئرِ أضحى حوضهُ وهوَناشفُ
    يخالطُ منها لينَها عجرفيّةٌ
    إذا لمْ يكنْ في المقرفاتِعجارفُ
    كأنّ وَنًى خانَتْ بهِ مننِظامِها
    معاقِدُ فارْفَضّتْ بهنّالطّوَائِفُ
    كأنَّ كُحيلاً معقداً أو عنيّةً
    على رجْعِ ذفرَاها من اللِّيتِواكفُ
    يُنفِّرُ طيرَ الماءِ منْهاصريفُها
    صَريفَ مَحالٍ أقْلقتْهُالخَطاطِفُ
    كأنّي كَسَوْتُ الرّحلَ أحقبَقارِباً
    لهُ بجُنوبِ الشَّيِّطَيْنِمَساوِفُ
    يقلِّبُ قيدوداً كأنَّسراتَها
    صفا مُدهنٍ قد زحلفتْهُالزَّحالفُ
    يقلّبُ حقباءَ العجيزة ِسمحجاً
    بها ندبُ منْ زرهٍومناسفُ
    وأخلفَهُ من كلّ وقطٍومُدْهنٍ
    نطافٌ فمشروبٌ يبابٌوناشفُ
    وَحَّلأهَا حَتّى إذا هيَأحْنَقَتْ
    وأشْرَفَ فوْقَ الحالِبَيْنِالشراسِفُ
    وَخَبّ سَفَا قُرْيانِهِوَتَوَقّدَتْ
    عليهِ من الصّمّانتينِالأصالفُ
    فأضحى بقاراتِ السِّتارِكأنَّهُ
    ربيئة ُ جيشٍ فهوَ ظمآنُخائفُ
    يقولُ لهُ الرّاءون هذاكَراكبٌ
    يؤبِّنُ شخصاً فوق علياءَواقفُ
    إذا استقبلتْهُ الشمسُ صَدّبوَجههِ
    كما صدّ عنْ نارِ المهوِّلِحالفُ
    تَذَكّرَ عَيْناً مِن غُمازَة َماؤها
    لَهُ حَبَبٌ تسْتَنّ فيهِالزّخارِفُ
    لهُ ثأدٌ يهتزُّ جعدٌكأنّهُ
    مُخالطُ أرجاء العيونِالقراطفُ
    فأوردها التّقريبُ والشَّدُّمنهلاً
    قَطاهُ مُعِيدٌ كرّة َ الورْدِعاطِفُ
    فَلاقَى عَلَيْها من صُباحَمُدَمِّراً
    لِناموسِهِ مِنَ الصَّفِيحِسَقائفُ
    صدٍ غائرُ العينينِ شقَّقَلحمَهُ
    سمائمُ قيظٍ فهوَ أسودُشاسفُ
    أزبُّ ظُهورِ السَّاعدينِعظامُهُ
    على قدرٍ شثنُ البنانِجُنادفُ
    أخُو قُتُرَاتٍ قَدْ تَيَقّنَأنّهُ
    إذا لم يُصِبْ لحماً منَالوَحشِ خاسِفُ
    مُعَاوِدُ قَتْلِ الهادياتِشِوَاؤهُ
    منَ اللّحم قُصْرَى بادِنٍوَطفاطِفُ
    قصيُّ مبيتِ الليلِ للصَّيدِمُطعمٌ
    لأسهمِهِ غارٍ وبارٍوراصفُ
    فَيَسّرَ سَهْماً رَاشَهُبِمَناكِبٍ
    ظُهَارٍ لُؤامٍ فَهْوَ أعْجَفُشارِفُ
    على ضالة ٍ فزعٍ كأنَّنذيرَها
    إذا لمْ تخفّضْهُ عن الوحشِعازفُ
    فأمهلَهُ حتّى إذا أنْكأنَّهُ
    مُعَاطي يَدٍ مِن جَمّة ِالماءِ غَارِفُ
    فَأرْسَلَهُ مُسْتَيْقِنَالظّنِّ أنّهُ
    مُخالطُ ما تحتَ الشَّراسيفِجائفُ
    فَمَرّ النَّضِيُّ للذّرَاعِونَحْرِهِ
    وللحَينِ أحياناً عنِ النّفسِصارفُ
    فعضَّ بإبهامِ اليمينِ ندامةً
    ولهّفَ سرّاً أمَّهُ وهوَلاهفُ
    وَجَالَ وَلمْ يَعْكِمْوَشَيّعَ إلْفَهُ
    بِمُنْقَطَعِ الغَضْرَاءِ شَدٌّمُؤالِفُ
    فما زالَ يفري الشدَّ حتّىكأنّما
    قَوَائِمُهُ في جَانِبَيْهِالزّعَانفُ
    كأنّ بجنبيهِ جنابَينِ منحصَى
    إذا عدوُهُ مرّا بهِمتضايفُ
    تُوَاهِقُ رِجْلاهَا يَدَيْهِوَرَأسَهُ
    لها قتبٌ فوقَ الحقيبة ِرادفُ
    يُصَرِّفُ لِلأصْوَاتِوَالرّيحِ هادياً
    تمِيمَ النَّضِيِّ كَدَّحَتْهُالمناسِفُ
    ورأساً كدنَّ التَّجرِ جأباًكأنَّما
    رمَى حاجبيه بالحجارة ِقاذفُ
    كلا منخريْهِ سائفاً أوْمعشِّراً
    بما انفضَّ منْ ماءِ الخياشيمِراعفُ
    وَلَوْ كُنْتُ في رَيْمانَتحرُسُ بَابَهُ
    أرَاجِيلُ أُحْبوشٍ وأغْضَفُآلِفُ
    إذنْ لأتتني حيثُ كنتُمنيّتي
    يَخُبّ بِهَا هادٍ لإثْرِيَقَائِفُ
    إذِ النّاسُ نَاسٌ والزّمانُبِعِزَّة ٍ
    وإذْ أُمُّ عَمّارٍ صَدِيقٌمُسَاعِفُ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:55 pm

    المرقِش الأصغر
    تو.نحو 50 ق. هـ

    إسمه ربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة. هو ابن أخي المرقش الأكبر وعم طرفة بن العبد . وهو أشعر المرقشين وأطولهم عمراً وأشهر عشاق العرب المشهورين وفرسانهم المعدودين . كانت له مواقع في بكر بن وائل وحروبها مع تغلب .

    كان المرقش الاصغر جميل الوجه . علقت به هند بن عجلان جارية فاطمة بن المنذر ، وكذلك فعلت سيدتها فاطمة ، الا انه كان أميل الى جاريتها .

    المرقش الاصغر شاعر وجْد أكثر منه شاعر فروسية . أمعن في وصف الطّلل الخالي المتهدم الموحش ، كنفسه . تصحب تجربة الطّلل في شعره ، تجربة الطيف ، وهو تجسيد لشوقه ووجده في إطار حسي تتراءى له به الحبيبة مقبلة عليه ، مواصلة له ، حتى اذا انقشع وهمه، عاد الى واقع الخيبة والمرارة ، شاعراً بالوحشة والمنفى والفراغ . وقلما نقع له على قصيدة لا يذكر فيها الطيف مفصحاً بذلك عن نوع من القنوط والسويداء . وهو بذلك يدنو الى واقع الشعراء العذريين الذين بنوا لانفسهم عالماً من الذكريات العاطفية تنطفي فيه أحداقهم عن الحاضر الذي يعيشون فيه .

    يخلع المرقش الأصغر على حبيبته وهو يصفها ، صفات الكمال والنعيم ، رامزاً بها الى عهد من السعادة الضائعة والى نعيم بعيد المنال .
    وتحت وطأة هذا التشاؤم والشعور بالخيبة ، نرى الشاعر يتصدى للحياة ذاتها ، مسيئاً الظن بها ، ناعياً عليها تقلباتها وغدرها . فهي تغتال كل خير وتخلّف كل شر .



    هلْ تعْرِفُ الدَّارِ عَفا رَسْمُهـا
    المرقش الأصغر


    هلْ تعْرِفُ الدَّارِ عَفا رَسْمُهـا إلاَّ الأَثافِـيَّ ومَبْنـى الخِـيَـمْ
    أَعْرِفُهـا داراً لأَسْمـاءَ فـالـ ـدَّمْعُ عَلى الخَدَّيْنِ سَحٌّ سَجَـمْ
    أَمْسَتْ خَـلاءً بعـدَ سُكَّانِهـا مُقْفِرَةً مـا إنْ بهـا مِـنْ إرَمْ
    إِلاَّ مِـنَ العِيـنِ تَرَعَّـى بهـا كالفارسييَّنَ مَشَوْا فـي الكُمَـمْ
    بَعْدَ جَمِيـعٍ قـد أَراهُـمْ بهـا لهُـمْ قِبـابٌ وعليهـمْ نَـعَـمْ
    فَهَـلْ تُسَلِّـي حُبَّهـا بــازِلٌ ما إنْ تُسَلَّى حُبَّها مِـنْ أَمَـمْ
    عَرْفـاءُ كالفَـحْـلِ جُمالِـيَّـةٌ ذاتُ هِبابٍ لا تَشكَّـى السَّـأمْ
    لـم تَقْـرإ القَيْـظَ جَنِينـاً وَلا أَصُرُّهـا تَحْمِـل بَهْـمَ الغَنَـمْ
    بَلْ عَزَبَتْ في الشَّوْلِ حَتَّى نَوَتْ وسُوِّغَـتْ ذا حُبُـكٍ كـالإِرَمْ
    تَعْـدُو إذا حُـرِّكَ مِجْدافُِـهـا عَـدْوَ رَبـاعٍ مُفْـرَدٍ كالزُّلَـمْ
    كأَنَّـهُ نِصْـعُ يَمـانٍ وبِـالْــ أَكَرُعِ تَخْنِيفٌ كَلَـوْنِ الحُمَـمْ
    بـاتَ بغَيْـبٍ مُعْشِـبٍ نَبتُـهُ مُخْتَـلِـطٍ حُرْبُـثُـهُ باليَـنَـمْ




    آذَنَتْ جارَتِي بِوَشْكِ رَحيلِ
    المرقش الأصغر


    آذَنَتْ جارَتِي بِوَشْكِ رَحيلِ باكِراً جاهَرَتْ بخَطْبِ جَلِيلِ
    أَزْمَعَتْ بالفِراقِ لَمَّا رَأَتْنِـي أُتْلِفُ المالَ لا يَذُمُّ دَخِيلِـي
    ارْبعِي، إنَّما يَرِيبُـكِ مِنِّـي إِرْثُ مجْدٍ وجَِدُّ لُبٍّ أَصِيـلِ
    عجباً ما عَجِبْت لِلْعاقِدِ الما لِ ورَيْبُ الزَّمانِ جَمُّ الخُبُولِ
    ويَضِيعُ الذي يَصِيرُ إليـهِ مِنْ شَقاءٍ أَو مُلْكِ خُلْدٍ بجِيلِ
    أَجْمِلِ العيْشَ إنَّ رِزْقَكَ آتٍ لا يَرُدُّ التَّرْقِيحُ شَرْوى فَتِيلِ




    أغالِبُكَ القلـبُ اللَّجـوج صَبَابَـةً
    المرقش الأصغر


    أغالِبُكَ القلـبُ اللَّجـوج صَبَابَـةً وشوقاً إلى أسماءَ أمْ أنتَ غالُبُـهْ
    يهيـمُ ولا يعْيـا بأسمـاء قلبُـه كذاك الهـوى إمـرارُه وعواقِبُـهْ
    أيُلحى امرؤ في حبِّ أسماء قد نأى بِغَمْزٍ من الواشين وازورَّ جانبُـهْ
    وأسماءُ هَمُّ النفس إن كنتَ عالماً وبادي أحاديـثِ الفـؤادِ وغائبـهْ
    إذا ذكرَتْها النفسُ ظَلْـتُ كأنَّنـي يُزعزعني قفقـاف وِرْدٍ وصالبُـهْ





    ألا بانَ جِيرانِي ولَسْـتُ بِعائِـفِ
    المرقش الأصغر


    ألا بانَ جِيرانِي ولَسْـتُ بِعائِـفِ أَدانٍ بِهِمْ صَرْفُ النَّوى أَمْ مُخالِفي
    وفي الحَيِّ أَبْكارٌ سَبَيْـنَ فُـؤادَهُ عُلالةَ ما زَوَّدْنَ، والحُبُّ شاغِفي
    دِقاقُ الحُضُورِ لم تُعَفَّـرْ قُرُونُهـا لِشَجْوِ ولم يَحْضُرْنَ حُمَّى المَزالِفِ
    نَواعِـمُ أبْكـارٌ سَرائِـرُ بُــدَّن حِسانُ الوُجُوهِ لَيِّنـاتُ السّوالِـفِ
    يُهَدِّلْنَ في الآذانِ من كُلِّ مُذْهَـبٍ لهُ رَبَذٌ يَعْيـا بـهِ كُـلُّ واصِـفِ
    إذا ظَعَنَ الحَيُّ الجميعُ اجْتَنَبْتُهُـ ممكانَ النَّدِيمِ لِلنَّجـيِّ المُساعِـفِ
    فَصُرْنَ شَقِيّـاً لا يُبالِيـنَ غَيَّـهُ يُعُوِّجنَ مِنْ أَعْناقِهـا بالمَواقِـفِ
    نَشَرْنَ حَدِيثـاً آنِسـاً فَوَضْعْنَـهُ خَفِيضاً فَلا يَلْغَى بهِ كـلُّ طائِـفِ
    فلما تَبَنَّـى الحَـيّ جِئْـنَ إلَيْهِـم ْفكانَ النُّزُولُ في حُجُور النَّواصِفِ
    تَنَزَّلْنَ عـن دَوْمٍ تَهِـفُّ مُتُونُـهُ مُزَيَّنَـةٍ أَكْنافُـهـا بالـزَّخـارِفِ
    بِوَدِّكِ ما قَوْمِي عَلى أَنْ هَجَرْتُهُمْ إذا أَشْجَذَ الأقْوامَ ريـحُ أُظائِـفِ
    وكانَ الرِّفـادُ كـلَّ قِـدْحٍ مُقَـرَّمٍ وعادَ الجميـعُ نُجْعـةً لِلزَّعانـفِ
    جَدِيرُونَ أَنْ لا يَحْبِسُوا مُجْتَدِيهـمُ لِلَحْمٍ وأَنْ لا بَدْروؤُوا قِدْحَ رادِفِ
    عِظامُ الجفانِ بالعَشِيَّاتِ والضُّحى مَشاييطُ للأَبْدانِ، غَيْرُ التَّـوارِفِ
    إذا يَسـرُوا لـم يُـورِثِ بَيْنَـه فَواحِشَ يُنعى ذِكْرُها بالمَصايِـفِ
    فهل تُبْلِّغَنِّي دارَ قَوْمِـيَ جَسْـرَةٌ خَنُوفٌ عَلَنْدَى جَلْعدٌ غَيرُ شارفِ
    سَدِيسُ علَتْها كَبْـرَةٌ أَو بُوَيْـزِ لٌجُمالِيَّةٌ فـي مَشْيِهـا كالتَّقـاذُفِ



    أَلا يا اسْلَمِي لا صُرْمَ لِي اليومَ فاطِما
    المرقش الأصغر


    أَلا يا اسْلَمِي لا صُرْمَ لِي اليومَ فاطِما ولا أَبَـداً مـا دامَ وَصْلُـكِ دائِمـا
    رمَتْكَ ابْنَةُ البَكْرِيِّ عَنْ فَرْعِ ضالَـةٍ وهُنَّ بنـا خُـوصٌ يُخَلْـنَ نَعائِمـا
    تَراءَتْ لَنـا يـومَ الرَّحِيـلِ بِـوارِدٍ وعَذْبِ الثَّنايـا لـم يَكُـنْ مُتَراكِمـا
    سَقاهُ حَبِـيُّ المُـزْنِ فـي مُتَهـدِّلٍ مِنَ الشَّمسِ رَوَّاهُ رَبابـاً سَواجِمـا
    أَرَتْكَ بِذاتِ الضَّالِ منهـا مَعاصِمـاً وخَـدّاً أَسِيـلاً كالوَذِيلَـةِ ناعـمـاً
    صحا قَلْبُهُ عنهـا عَلـى أنَّ ذِكْـرَةً إذا خَطَرَتْ دارتْ به الأَرضُ قائِمـا
    تبَصَّرْ خَلِيلي هل تَرى مِنْ ظَعائِـنٍ خَرَجْنَ سِراعاً واقْتَعَـدْنَ المَفائِمـا
    تَحَمَّلْنَ مِنْ جَوِّ الوَريعـةِ بَعْـدَ مـا تَعالى النَّهارُ واجْتَزَعَـنْ الصَّرائِمـا
    تَحَلَّيْـنَ ياقُوتـاً وشَـذراً وصِيغَـةً وجَزْعـاً ظَفـارِيّـاً ودُرّاً تَوائِـمـا
    سَلَكْنَ القُرى والجزْعِ تُحْدى جِمالُهُمْ ووَرَّكْنَ قَوّاً واجْتَزَعْـنَ المُخارِمـا
    أَلا حَبَّـذا وَجْـهُ تُرِينـا بَيـاضَـهُ ومُنْسَـدِلاتٍ كالمَثـانِـي واحِـمـا
    وإنِّـي لأَسْتَحْيِـي فُطَيْمـةَ جائِعـاً خَمِيصاً، وأستحيِي فُطَيْمـةَ طاعِمـا
    وإنِّـي لأَسْحْييـكِ والخَـرْقُ بَيْنَنـا مخافةَ أَنْ تَلْقَيْ أَخـاً لِـيَ صارِمـا
    وإِنِّي وإِنْ كَلَّـتْ قَلُوصِـي لَراجِـمٌ بِها وبَنَفْسِي، يا فُطَيْـمَ، المَراجِمـا
    أَفاطِمَ إِنَّ الحُبَّ يَعْفُـو عـن القِلـى ويُجْشِمُ ذا العِرْضِ الكرِيمَ المَجاشِما
    أَلا يا اسْلَمي بالكَوْكَبِ الطَّلْقِ فاطِمـا وإنْ لم يَكُنْ صَرْفُ النَّوى مُتَلائِمـا
    أَلا يا اسْلَمِي ثمَّ اعْلَمِي أَنَّ حاجَتِـي إليكِ، فَـرُدِّي مِـنْ نَوالِـكِ فاطِمـا
    أَفاطِـمَ لَـوْ أَن النِّـسـاءَ بِبَـلْـدَةٍ وأَنْـتِ بأُخْـرى لاتَّبَعْتُـكِ هائِمـا
    متى ما يَشَأْ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَـهُ ويَعْبَـدْ عليـهِ لا مَحالَـةَ ظالِـمـا
    وآلـى جَنـابٌ حِلْـفَـةً فأَطعْـتَـهُ فَنفْسَكَ وَلِّ اللَّـومَ إِنْ كُنْـتَ لائِمـا
    كـأنَّ عليـه تــاجَ آلِ مُـحَـرِّقٍ بِأَنْ ضَر مَـوْلاهُ وأَصْبَـحَ سالِمـا
    فمن يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدِ النَّـاسُ أَمْـرَهُ ومن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَـيِّ لائِمـا
    أَلَـمْ تَـرَ أَنَّ المَـرْءَ يَجْـذِمُ كفَّـهُ ويَجْشَمُ مِنْ لَوْمِ الصَّدِيقِ المَجاشِمـا
    أَمِنْ حُلُمٍ أَصْبَحْـتَ تَنْكُـتُ واجِمـا وقَد تَعتَرِي الأَحلامُ مَن كـانَ نائِمـا
    أخوك الـذي إنْ أَحْوَجَتْـكَ مُلِمَّـةٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يَبْرَحْ لها الدَّهْر واجما
    وليس أَخـوك بالـذي إنْ تَشَعَّبَـتْ عليكَ أمـورٌ ظـلّ يلحـاك دائمـا
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:55 pm

    طفيل الغنوي
    توفي 609 م
    طُفَيل بن عوف بن كعب، من بني غني، من قيس عيلان.
    شاعر جاهلي، فحل، من الشجعان وهو أوصف العرب للخيل وربما سمي (طفيل الخيل) لكثرة وصفه لها.
    ويسمى أيضاً (المحبّر) لتحسينه شعره، عاصر النابغة الجعدي وزهير بن أبي سلمى.
    كان معاوية يقول: خلوا لي طفيلاً وقولوا ما شئتم في غيره من الشعراء. ، ومات بعد مقتل هرم.
    قال أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((قال ابن الكبي: هو طفيل بن عوف بن كعب بن خلف بن ضبيس بن خليف بن مالك بن سعد بن عوف بن كعب بن غنم بن غني بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان.
    ووافقه ابن حبيب في النسب إلا في خلف بن ضبيس فإنه لم يذكر خلفاً وقال: هو طفيل بن عوف بن ضبيس. قال أبو عبيدة: اسم غني عمرو ، واسم أعصر منبه، وإنما سمي أعصر لقوله:
    قالت عميرة ما لرأسك بعدما

    فقد الشبباب أتعى بلون منكر
    أعمير إن أباك غـير راسـه

    مر الليالي واختلاف الأعصر

    فسمي بذلك.
    وطفيل شاعر جاهلي من الفحول المعدودين، ويكنى أبا قران، يقال إنه من أقدم شعراء قيس. وهو من أوصف العرب للخيل.
    أخبرني هاشم بن محمد بن هارون بن عبد الله بن مالك أبو دلف الخزاعي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب الأنصاري قال: قال لي عمي: إن رجلاً من العرب سمع الناس يتذاكرون الخيل ومعرفتها والبصر بها، فقال: كان يقال إن طفيلاً ركب الخيل ووليها لأهله، وإن أبا دواد الأيادي ملكها لنفسه ووليها لغيره، كان يليها للملوك، وان النابغة الجعدي لما أسلم الناس وآمنوا اجتمعوا وتحدثوا ووصفوا الخيل، فسمع ما قالوه فأضافه إلى ما كان سمع وعرف قبل ذلك في صفة الخيل. وكان هؤلاء نعات الخيل.
    أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عبد الرحمن، قال حدثني عمي قال: كان طفيل أكبر من النابغة: وليس في قيس فحل أقدم منه.
    قال: وكان معاوية يقول: خلوا لي طفيلاً وقولوا ما شئتم في غيره من الشعراء.
    أخبرني عبد الله بن مالك النحوي قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: كان طفيل الغنوي يسمى طفيل الخيل لكثرة وصفه إياها.
    أخبرني محمد بن الحسين الكندي خطيب مسجد القادسية، قال: حدثني الرياشي قال: حدثني الأصمعي قال: كان أهل الجاهلية يسمون طفيلاً الغنوي المحبر؛ لحسن وصفه الخيل .
    أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثني محمد بن يزيد قال: قال أبو عبيدة: طفيل الغنوي، والنابغة الجعدي، وأبو دواد الإبادي، أعلم العرب بالخيل وأوصفهم لها.
    أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال: حدثنا العمري عن لقيط قال: قتيبة بن مسلم للأعرابي من غني قدم عليه من خراسان: أي بيت قالته العرب أعف؟ قال: قول طفيل الغنوي:
    ولا أكون وكاء الزاد أحبسه

    لقد علمت بأن الزاد مأكول

    قال: فأي بيت قالته العرب في الحرب أجود؟ قال: قول طفيل:
    بحي إذا قيل اركبوا لم يقل لـهـم

    عوارير يخشون الردى أين نركب

    قال: فأي بيت قالته العرب في الصبر أجود؟ قال: قول نافع بن خليفة الغنوي:
    ومن خير ما فينا من الأ مر أنـنـا

    متى ما نوافي موطن الصبر نصبر

    قال: فقال قتيبة: ما تركت لأخوانك من بالهلة؟ قال: قول صاحبهم:
    وإنا أناس ما تزال سوامـنـا

    تنور نيرآن العدو مناسـمـه
    وليس لنا حي نضاف إلـيهـم

    ولكن لنا عود شديد شكائمـه
    حرام وإن صليته ودهـنـتـه

    تأوده ما كان في السيف قائمه

    وهذه القصيدة المذكورة فيها الغناء يقولها طفيل في وقعة أوقعها قومه بطيىء، وحرب كانت بينه وبينهم.
    وذكر أبو عمرو الشيباني والطوسي فيما رواه عن الأصمعي وابي عبيدة: أن رجلاً من غني يقال له قيس الندامى ، وفد على بعض الملوك، وكان قيس شيداً جواداً، فلما حفل المجلس أقبل الملك على من حضره من وفود العرب فقال: لأضعن تاجي على أكرم رجل من العرب، فوضعه على رأس قيس وأعطاه ما شاء، ونادمه مدة، ثم أذن له في الانصراف إلى بلده، فلما قرب من بلاد طيىء خرجوا إليه وهم لا يعرفونه، فلقوه برمان فقتلوه، فلما علموا أنه قيس ندموا لأ ياديه كانت فيهم، فدفنوه وبنوا عليه بيتاً.
    ثم إن طفيلاً جمع جموعاً من قيس فأغار على طيىء فاستاق من مواشيهم ما شاء، وقتل منهم قتلى كثيرة. وكانت هذه الوقعة بين القنان وشرقي سلمى ، فذلك قول طفيل في هذه القصيدة:
    فذوقوا كما ذقنا غادة محجـرٍ

    من الغيظ في أكبادنا والتحوب
    فبالقتل قتل والسوام بمـثـلـه

    وبالشل شل الغائطالمتصوب

    أخبرني علي بن الحسن بن علي قال: حدثنا الحارث بن محمد، عن المدائني، عن سلمة بن محارب قال: لما مات محمد بن يوسف جزع عليه الحجاج جزعاً شديداً، ودخل الناس عليه يعزونه ويسلونه، وهو لا يسلو ولا يزداد إلا جزعاً وتفجعاً، وكان فيمن دخل عليه رجل كان الحجاج قتل ابنه يو الزاوية، فلما رأى جزعه وقة ثباته للمصيبة شمت به وسر لما ظهر له منه، وتمثل بقول طفيل:
    فذوقوا كما ذقنا غداة محجـرٍ

    من الغيظ في أكبادنا والتحوب

    وفي هذه القصيدة يقول طفيل:
    ترى العين ما تهوى وفيها زيادة

    من اليمن إذا تبدو وملهى لملعب
    وبيت تهب الريح في حجراتـه

    بأرض فضاء بابه لم يحـجـب
    سماوته أسمال بـردٍ مـحـبـرٍ

    وصهوته من اتحمي معصـب

    أخبرني عيسى بن الحسين بن الوراق قال: حدثنا الرياشي عن العتبي عن أبيه قال: قال عبد الملك بن مروان لولده وأهله: أي بيت ضربته العرب على عصابة ووصفته أشرف جواء، وأهلاً وبناء؟ فقالوا فأكثروا، وتكلم من حضر فأطلوا، فقال عبد الملك: اكرم بيت وصفته العرب بيت طفيلٍ الذي يقول فيه:
    وبيت تهب الريح في حجـراتـه

    بأرض فضاء بابه لـم يحـجـب
    سماوته أسمـال بـردٍ مـحـبـرٍ

    وصهوته من أتحمي معـصـب
    وأطنابه أرسان جـردٍ كـأنـهـا

    صدور القنا من بادىء ومعقـب
    نصبت على قومٍ تدر رماحـهـم

    عروق الأعادي من غريرٍ وأشيب

    وقال أبو عمرو الشيباني: كانت فزارة لقبت بني أبي بكر بن كلاب وجيرانهم من محارب، فأوقعت بهم وقعةً عظيمة، ثم ادركتهم عني فاستنقذتهم، فلما قتلت طيىء قيس الندامى، وقتلت بنو عبس هريم بن سنان بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشةٍ بن عبيد بن سعد بن كعب بن جلان بن غنم بن غني، وكان فارسا حسيباً قد ساد ورأس، قتله ابن هدم العبسي طريد الملك، فقال له الملك ،: كيف قتلته؟ قال: حملت عليه في الكبة، وطعنته في السبة، حتى خرج الرمح من اللبة . وقتل أسماء بن واقد بن رفيد بن رياح بن يربوع بن ثعلبة بن سعد بن عوف بن كعب بن جلان، وهو من النجوم، وحصن بن يربوع بن طريف وأمهم جندع بنت عمرو بن الأغر بن مالك بن سعد بن عوف. فاستغاثت غني ببني أبي بكر وبني محارب فقعدوا عنهم، فقال طفيل في ذلك يمن عليهم بما كان منهم في نصرتهم، ويرثي القتلى، قال:
    تأوبني هم من الليل مـنـصـب

    رجاء من الأ خبار ما لا أكـذب
    تتابعن حتى لم تـكـن لـي ريبة

    ولم يك عما خبروا متـعـقـب
    وكان هريم من سنـان خـلـيفةً

    وحصن ومن أسماء لما تغيبـوا
    ومن قيس الثاوي برمان بـيتـه

    ويوم حقيل فا آخر مـعـجـب
    أشم طويل السـاعـدين كـأنـه

    فنيق هجان في يديه مـركـب
    وبالسهب ميمون النقيبة قـولـه

    لملتمس المعروف أهل ومرحب
    كواكب دجنٍ كلما انقض كوكب

    بدا وانجلت عنه الدجنةكوكـب

    الغناء لسليم أخي بابويه، ثاني ثقيل عن الهشامي. وهي قصيدة طويلة، وذكرت منها هذه الأبيات من أجل الغناء الذي فيها. ومن مختار مرثيته فيها قوله:
    لعمري لقد خلى ابن جندع ثلمةً

    ومن أين إن لم يرأب الله ترأب
    نداماي أمسوا قد تخليت عنـهـم

    فكيف ألد الخمر أم كيف أشرب
    مضوا سلفاً قصد السبيل عليهـم

    وصرف المنايا بالرجال تقلـب
    فديت مـن بـات يغـنـينــي

    وبـت أسـقـيه ويسـقـينـي
    ثم اصطبحنا قهـوة عـتـقـت

    من عهـد سـابـور وشـيرين

    الشعر والغناء لمحمد بن حمزة بن نصير وجه القرعة، ولحنه فيه رمل أول بالبنصر، لا نعرف له صنعة غيره)).
    المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:56 pm

    الأعشى الأكبر
    تو 729م – 7 هـ

    هو ميمون بن قيس بن جندل من قبيلة بكر بن وائل. لقّب بالاعشى لضعف بصره الذي تحول الى ظلمة في عينيه في نهاية عمره . نشأ وترعرع في اليمامة . زار اليمن ونجران وعدن وعرّج على الحجاز ثم انتقل الى المشرق والبحرين والعراق ووصل الى بلاد فارس ، كما زار بلاد الشام ورحل الى الحبشة . إتصل بعظماء العرب آنذاك فأكرموه خوفاً من لسانه . أعتبر من أوائل الشعراء الذين استخدموا الشعر سبيلاً لكسب المال لدى الملوك . كان من ألمع الوجوه كل عام في عكاظ . أكبره النقاد القدامى لكنهم أخذوا عليه فنه وسلوكه الاباحي . إشتهر بأنه صناجة العرب لكثرة مراودته لمجالس الشرب والطرب ولما في شعره من موسيقى الغزل والتغني بالمرأة والخمرة والمتعة .

    جال الاعشى الاكبر بين أطراف الجزيرة العربية فتقرب من ملوك الغساسنة والمناذرة واليمن والحبش واختلط بالفرس والروم والاحباش ، وقال الشعر في قضايا عصره الجاهلي من حرب وصراع بين القبائل والمفاخرة والمصاولة في الميادين التقليدية . كانت شاعريته جامعة ، تحيط بأوصاف الجزالة ، تقدر على إعادة خلق المنظر والمعاناة الذاتية . حوّل الموضوعات المتوارثة الى لوحات فنية جديدة ، وحاول ان يقاوم طغيان تقاليد الشعر الجاهلي ، فابتكر لنفسه منجاة في شعر الخمر والغزل . وهنا انطلقت قريحته وتفتقت عن كثير من المبتكرات التي اعتبرت منطلقاً لفن الشعر الخمري عند العرب .

    فجر الاعشى الاكبر شخصية الفنان الجاهلي ومنحه حرية المعاناة من دون رقابة من القيم العامة . كانت مطالع قصائده صريحة في غزلها. فهو لا يفتنه من المرأة إلا جسدها وأنوثتها. وقصصه مع النساء قصص إتصال وانفصال واقبال وتمتع . يعرض لحبه للمرأة وادمانه للخمرة وكأن ذلك سبباً للحياة ذاتها . فهو يُقبل على المتعة ببساطة تصل الى حد السطحية وبموقف الامبالاة .

    واذا كان ثمة ما يميزه حقاً فهو ولعه بالخمرة وتلذذه بها ، وكذلك ولعه بالمرأة ومراودتها ومطاردتها ولذة الانتصار عليها . وكانت القصيدة الجاهلية هي المستفيد الاكبر في هذا الولع اذ أدخل عليها الاعشى حركة الحوار وتتابع الصور ومواقف الجذب والنبذ بين الحبيبين . وهكذا خطا الاعشى بالشعر الجاهلي خطوات كبيرة ، إن في الصياغة ام في فن البلاغة والتشبيه التصويري.
    جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني: ((الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. ويكنى أبا بصير.
    لقب أبيه قتيل الجوع: وكان يقال لأبيه قيس بن جندل قتيل الجوع، وسمي بذلك لأنه دخل غارا يستظل فيه من الحر، فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدت فم الغار فمات فيه جوعاً. فقال فيه جهنام واسمه عمرو وهو من قومه من بني قيس بن ثعلبة يهجوه وكانا يتهاجيان:
    أبوك قتيل الجوع قيس بن جندلٍ

    وخالك عبدٌ من خماعةراضعٌ

    شاعر جاهلي: وهوأحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم وتقدم على سائرهم، وليس ذلك بمجمع عليه لا فيه ولا في غيره.
    أشعر الناس إذا طرب: أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال سألت يونس النحوي: من أشعر الناس؟ قال: لا اوميء إلى رجل بعينه ولكني أقول: امرؤ القيس إذا غضب، والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب.
    قبيلته أشعر القبائل عند حسان: أخبرني ابن عمار عن ابن مهرويه عن حذيفة بن محمد عن ابن سلام بمثله.
    أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه وأبي مسكين.
    أن حسان سئل: من أشعر الناس؟ فقال: أشاعر بعينه أم قبيلة؟ قالوا: بل قبيلة. قال: الزرق من بني قيس بن ثعلبة، وهذا حديث يروى أيضاً عن غير حسان.
    فاخر ابن شفيع بقبيلته بني ثعلبة عبد العزيز بن زرارة: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن ابن مهرويه قال حدثنا عبدة بن عصمة عن فراس بن خندف عن علي بن شفيع قال: إني لواقفٌ بسوق حجر إذ أنا برجل من هيئته وحاله عليه مقطعات خزٍ وهو على نجيب مهري عليه رحل لم أر قط أحسن منه وهو يقول: من يفاخرني من ينافرني ببني عامر بن صعصعة فرساناً وشعراء وعدداً وفعالاً ؟! قلت: أنا. قال: بمن؟ قلت: ببني ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. فقال: أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنافرة؟ ثم ولى هارباً. قلت: من هذا؟ قيل: عبد العزيز بن زرارة بن جزء بن سفيان الكلابي.
    هو صناجة العرب: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال: قال أبو عبيدة: من قدم الأعشى يحتج بكثرة طواله الجياد وتصرفه في المديح والهجاء وسائر فنون الشعر، وليس ذلك لغيره. ويقال: هو أول من سأل بشعره، وانتجع به أقاصي البلاد. وكان يغنى في شعره، فكانت العرب تسميه صناجة العرب.

    أخبرني المهلبي والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال: سمعت خلاداً الأرقط يقول سمعت خلفاً الأحمر يقول: لا يعرف من أشعر الناس كما لايعرف من أشجع الناس ولا من كذا ولا من كذا، لأشياء ذكرها خلفٌ ونسيتها أنا. أبو زيد عمر بن شبة يقول هذا.

    كان أبو عمرو بن العلاء يقدمه: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي يوسف قال حدثني عمي إسماعيل بن أبي محمد قال أخبرني أبي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقدم الأعشى.
    سئل مروان بن أبي حفصة عن أشعر الناس فقدمه بشعره: وقال هشام بن الكلبي أخبرني أبو قبيصة المجاشعي أن مروان ابن أبي حفصة سئل: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:
    كلا أبويكم كان فرع دعـامةٍ

    ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصاً

    يعني الأعشى.
    قدمه حماد على جميع الشعراء حين سأله المنصور عن ذلك: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي قال قال سلمة بن نجاح أخبرني يحيى بن سليم الكاتب قال: بعثني أبو جعفر أمير المؤمنين بالكوفة إلى حماد الراوية أسأله عن أشعر الشعراء. قال: فأتيت باب حماد فاستأذنت وقلت: يا غلام ! فأجابني إنسانٌ من أقصى بيتٍ في الدار: فقال: من أنت؟ فقلت: يحيى بن سليم رسول أمير المؤمنين. قال: ادخل رحمك الله ! فدخلت أتسمت الصوت حتى وقفت على باب البيت، فإذا حمادٌ عريانٌ على فرجه دستجة شاهسفرم. فقلت: إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس. فقال: نعم ! ذلك الأعشى صناجها.
    أوصى أبو عمرو بن العلاء الناس بشعره: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال سمعت أبا عبيدة يقول سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: عليكم بشعر الأعشى، فإني شبهته بالبازي يصيد ما بين العندليب إلى الكركي.
    وضعه جني في المرتبة الثالة بعد امرئ القيس وطرفة: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال سمعت أبا عبيدة يقول: بلغني أن رجلاً من أهل البصرة حج وروى هذا الحديث ابن الكلبي عن شعيب بن عبد الرحمن أبي معاوية النحوي عن رجلاٍ من أهل البصرة أنه حج قال فإني لأسير في ليلةٍ إضحيانةٍ إذ نظرت إلى رجلٍ شاب راكبٍ على ظليم قد زمه بخطامه وهو يذهب عليه ويجيء، وهو يرتجز ويقول:
    هل يبلغنيهم إلى الصباح

    هقلٌ كأن رأسه جماح

    الجماح: أطراف النبت الذي يسمى الحلي وهو سنبلة، إلا أنه ليس بخشن يشبه أذناب الثعالب . قال: والجماح أيضاً سهيم يلعب به الصبيان يجعلون مكان زجه طيناً قال: فعلمت بأنه ليس بإنسي، فاستوحشت منه. فتردد علي ذاهباً وراجعاً حتى أنست به؛ فقلت: من أشعر الناس يا هذا؟ قال: الذي يقول:
    وما ذرفت عيناك إلى لتضربي

    بسهميك في أعشار قلب مقتل

    قلت: ومن هو؟ قال: امرؤ القيس. قلت: فمن الثاني؟ قال: الذي يقول:
    تطرد القر بحرً سـاخـنٍ

    وعكيك القيظ إن جاء بقر

    قلت: ومن يقوله؟ قال: طرفة. قلت: ومن الثالث؟ قال الذي يقول:
    وتـبـرد بـرد رداء الـعـرو

    س بالصيف رقرقت فيه العبيرا

    قلت: ومن يقوله؟ قال: الأعشى، ثم ذهب به.
    هو أستاذ الشعراء في الجاهلية وجرير أستاذهم في الإسلام: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبو عدنان قال وقال لي يحيى بن الجون العبدي راوية بشار: نحن حاكة الشعر في الجاهلية والإسلام ونحن أعلم الناس به، أعشى بني قيس بن ثعلبة أستاذ الشعراء في الجاهلية. وجرير بن الخطفي أستاذهم في الإسلام.
    حديث الشعبي عنه: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال: قال الشعبي: الأعشى أغزل الناس قي بيت، وأخنث الناس في بيت، وأشجع الناس قي بيت. فأما أغزل بيتٍ فقوله:
    غراء فرعاء مصقولٌ عـوارضـهـا

    تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

    وأما أخنث بيت فقوله:
    قالت هريرة لما جئت زائرها

    ويلي عليك وويلي منك يارجلٌ

    وأما أشجع بيت فقوله:
    قالوا الطراد فقلنا تلك عاداتنا

    أو تنزلون فإنا معشرٌ نزل

    حماد الراوية يسأل عن أشعر العرب فيجيب من شعره: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد قال ذكر الهيثم بن عدي أن حماد الراوية سئل عن أشعر العرب، قال الذي يقول:
    نازعتهم قضب الريحان متئكاً

    وقهوة مزةٌ راووقها خضل

    كان قدرياً وكان لبيد مثبتاً: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أبو علي العنزي قال حدثني محمد بن معاوية الأسدي قال حدثني رجلٌ عن أبان بن تغلب عن سماك بن حرب قال قال لي يحيى بن متى راوية الأعشى وكان نصرانياً عبادياً وكان معمراً قال: كان الأعشى قدرياً وكان لبيد مثبتاً. قال لبيد:
    من هداه سبل الخير اهتدى

    ناعم البا ومن شاء أضـل

    وقال الأعشى.
    إستأثر الله بالوفـاء وبـال

    عدل وولى الملانة الرجلا

    قلت: فمن أين أخذ الأعشى مذهبه؟ قال: من قبل العباديين نصارى الحيرة، كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقنوه ذلك.
    هريرة عشيقته: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أبو شراعة في مجلس الرياشي قال حدثنا مشايخ بني قيس بن ثعلبة قالوا: كانت هريرة التي يشبب بها الأعشى أمةً سوداء لحسان بن عمرو بن مرثد.
    وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن فراس بن الخندف قال: كانت هريرة وخليدة أختين قينتين كانتا لبشر بن عمرو بن مرثد، وكانتا تغنيانه النصب ، وقدم بهما اليمامة لما هرب من النعمان. قال ابن دريد فأخبرني عمي عن ابن الكلبي بمثل ذلك.
    مدح المحلق الكلابي وذكر بناته فتزوجن: وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن الرياشي مما أجازه له عن العتبي عن رجل من قيس عيلان قال: كان الأعشى يوافي سوق عكاظ في كل سنة، وكان المحلق الكلابي مئناثاً مملقاً. فقالت له امرأته: يا أبا كلاب، ما يمنعك من التعرض لهذا الشاعر! فما رأيت أحداً اقتطعه إلى نفسه إلا وأكسبه خيراً. قال: ويحك! ما عندي إلا ناقتي وعليها الحمل !. قالت: الله يخلفها عليك. قال: فهل له بد من الشراب والمسوح ؟ قالت: إن عندي ذخيرةً لي ولعلي أن أجمعها. قال: فتلقاه قبل أن يسبق إليه أحدٌ وابنه يقوده فأخذ الخطام؛ فقال الأعشى: من هذا الذي غلبنا على خطامنا؟ قال: المحلق. قال: شريفٌ كريم، ثم سلمه إليه فأناخه؛ فنحر له ناقته وكشط له عن سنامها وكبدها، ثم سقاه، وأحاطت بناته به يغمزنه ويمسحنه. فقال: ما هذه الجواري حولي؟ قال: بنات أخيك وهن ثمانٍ شريدتهن قليلة. قال: وخرج من عنده ولم يقل فيه شيئاً. فلما وافى سوق عكاظ إذا هو بسرحةٍ قد اجتمع الناس عليها وإذا الأعشى ينشدهم.
    لعمري لقد لاحت عيونٌ كثـيرةٌ

    إلى ضوء نار باليفاع تحـرق
    تشب لمقرورين يصطليانـهـا

    وبات على النار الندى والمحلق
    رضيعي لبان ثدي أمٍ تحالـفـا

    بأسحم داجٍ عوض لا نتفـرق

    فسلم عليه المحلق؛ فقال له: مرحباً يا سيدي بسيد قومه. ونادى: يا معاشر العرب، هل فيكم مذكارٌ يزوج ابنه إلى الشريف الكريم !. قال: فما قام من مقعده وفيهن مخطوبةٌ إلا وقد زوجها. وفي أول القصيدة عناء وهو: صوت
    أرقت وما هذا السهاد الـمـؤرق

    وما بي من سقمٍ وما بي معشـق
    ولكن أرانـي لا أزال بـحـادثٍ

    أغادى بما لم يمس عندي وأطرق

    غناه ابن محرز خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لحنٌ ليونس من كتابه غير مجنس. وفيه لابن سريج ثقيلٌ بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو.
    اسم المحلق الكلابي وسبب كنيته وسبب اتصاله بالأعشى: أخبرني أبو العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: اسم المحلق عبد العزى بن حنتم بن شداد بن ربيعة بن عبد الله بن عبيد وهو أبو بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وإنما سمي محلقاً لأن حصاناً له عضه في وجنته فحلق فيه حلقة.
    قال: وأنشد الأعشى قصيدته هذه كسرى ففسرت له؛ فلما سمعها قال: إن كان هذا سهر لغير سقم ولا عشق فما هو إلا لص.
    وذكر علي بن محمد النوفلي في خبر المحلق مع الأعشى غير هذه الحكايات، وزعم أن أباه حدثه عن بعض الكلابيين من أهل البادية قال: كان لأبي المحلق شرفٌ فمات وقد أتلف ماله، وبقي المحلق وثلاث أخواتٍ له ولم يترك لهم إلا ناقةً واحدة وحلتي برودٍ حبرة كان يشهد فيهما الحقوق . فأقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة، فنزل الماء الذي به المحلق، فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه. فأقبلت عمة المحلق فقالت: يابن أخي ! هذا الأعشى قد نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء، والعرب تزعم أنه لم يمدح قوماً إلا رفعهم، ولم يهج قوماً إلا وضعهم؛ فانظر ما أقول لك واحتل في زقٍ من خمر من عند بعض التجار فأرسل إليه بهذه الناقة والزق وبردي أبيك؛ فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البردين، ليقولن فيك شعراً يرفعك به. قال: ما أملك غير هذه الناقة، وأنا أتوقع رسلها . فأقبل يدخل ويخرج ويهم ولا يفعل؛ فكلما دخل على عمته حضته؛ حتى دخل عليها فقال: قد ارتحل الرجل ومضى. قالت: الآن والله أحسن ما كان القرى ! تتبعه ذلك مع غلام أبيك مولىً له أسود شيخٍ فحيثما لحقه أخبره عنك أنك كنت غائباً عن الماء عند نزوله إياه، وأنك لما وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه؛ فإن هذا أحسن لموقعه عنده. فلم تزل تحضه حتى أتى بعض التجار فكلمه أن يقرضه ثمن زق خمرٍ وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه؛ فوجه بالناقة والخمر والبردين مع مولى أبيه فخرج يتبعه؛ فكلما مر بماء قيل: ارتحل أمس عنه، حتى صار إلى منزل الأعشى بمنفوحة اليمامة فوجد عنده عدة من الفتيان قد غداهم بغير لحم وصب لهم فضيخاً فهم يشربون منه، إذ قرع الباب فقال: انظروا من هذا؟ فخرجوا فإذا رسول المحلق يقول كذا وكذا. فدخلوا عليه وقالوا: هذا رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت. فقال: ويحكم ! أعرابيٌ والذي أرسل إلي لا قدر له ! والله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفي لأقولن فيه شعراً لم أقل قط مثله. فواثبه الفتيان وقالوا: غبت عنا فأطلت الغيبة ثم أتيناك فلم تطعمنا لحماً وسقيتنا الفضيخ واللحم والخمر ببابك، لا نرضى بدا منك. فقال: ائذنوا له؛ فدخل فأدى الرسالة وقد أناخ الجزور بالباب ووضع الزق والبردين بين يديه. قال: أقره السلام وقل له: وصلتك رحمٌ، سيأتيك ثناؤنا. وقام الفتيان إلى الجزور فنحروها وشقوا خاصرتها عن كبدها وجلدها عن سنامها ثم جاءوا بهما، فأقبلوا يشوون، وصبوا الخمر فشربوا، وأكل معهم وشرب ولبس البردين ونظر إلى عطفيه فيهما فأنشأ يقول:
    أرقت وما هذا السهاد المؤرق

    حتى انتهى إلى قوله:
    أيا مسمعٍ سار الذي قد فعلـتـم

    فأنجد أقوامٌ به ثـم أعـرقـوا
    هب تعقد الأحمال في كل منزلٍ

    وتعقد أطراف الحبالوتطلـق

    قال: فسار الشعر وشاع في العرب. فما أتت على المحلق سنةٌ حتى زوج أخواته الثلاث كل واحدة على مائة ناقة، فأيسر وشرف.

    وذكر الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن معقل عن أبي بكر الهلالي قال: خرج الأعشى إلى اليمن يريد قيس بن معد يكرب، فمر ببني كلاب، فأصابه مطرٌ في ليلة ظلماء، فأوى إلى فتىً من بني بكر بن كلاب، فبصر به المحلق وهو عبد العزى بن حنتم بن شداد بن ربيعة بن عبد الله بن عبيد بن كلاب وهو يومئذ غلامٌ له ذؤابة، فأتى أمه فقال: يا أمه رأيت رجلاً أخلق به أن يكسبنا مجداً. قالت: وما تريد يا بني؟ قال: نضيفه الليلة. فأعطته جلبابها فاشترى به عشيراً من جزور وخمراً؛ فأتى الأعشى، فأخذه إليه، فطعم وشرب واصطلى، ثم اصطبح فقال فيه:

    أرقت وما هذا السهاد المؤرق

    والرواية الأولى أصح.
    سألته امرأة أن يشبب ببناتها فشبب بهن فزوجهن: أخبرني أحمد بن عمار قال حدثنا يعقوب بن نعيم قال حدثنا قعنب بن المحرز عن الأصمعي قال حدثني رجلٌ قال: جاءت امرأة إلى الأعشى فقالت: إن لي بناتٍ قد كسدن علي، فشبب بواحدة منهن لعلها أن تنفق. فشبب بواحدة منهن، فما شعر الأعشى إلا بجزور قد بعث به إليه. فقال: ما هذا؟ فقالوا: زوجت فلانة. فشبب بالأخرى فأتاه مثل ذلك، فسأل عنها فقيل: زوجت. فما زال يشبب بواحدة فواحدة منهن حتى زوجن جميعاً.
    أسره رجل من كلب كان قد هجاه فاستوهبه منه شريح بن السموءل: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن أبي سعيد الأموي عن محمد بن السائب الكلبي قال: هجا الأعشى رجلاً من كلب فقال:
    بنو الشهر الحرام فلست منهم

    ولست من الكرام بني عبيد
    ولا من رهط جبار بن قرطٍ

    ولا من رهط حارثة بن زيد

    - قال: وهؤلاء كلهم من كلب فقال الكلبي: لا أبا لك ! أنا أشرف من هؤلاء. قال: فسبه الناس بعد بهجاء الأعشى إياه، وكان متغيظاً عليه. فأغار على قوم قد بات فيهم الأعشى فأسر منهم نفراً وأسر الأعشى وهو لا يعرفه، ثم جاء حتى نزل بشريح بن السموءل بن عادياء الغساني صاحب تيماء بحصنه الذي يقال له الأبلق. فمر شريحٌ بالأعشى؛ فناداه الأعشى:
    شريح لا تتركني بعد ما علـقـت

    حبالك اليوم بعد القد أظـفـاري
    قد جلت ما بين بانقيا إلـى عـدنٍ

    وطال في العجم تردادي وتسياري
    فكان أكرمهم عهداً وأوثـقـهـم

    مجداً أبوك بعزفٍ غير إنـكـار
    كالغيث ما استمطروه جاد وابلـه

    وفي الشدائد كالمستأسد الضـاري
    كن كالسموءل إذ طاف الهمام بـه

    في جحفلٍ كهزيع اللـيل جـرار
    إذ سامه خطتي خسفٍ فقـال لـه

    قل ما تشاء فإني سـامـعٌ حـار
    فقال غدرٌ وثكلٌ أنت بـينـهـمـا

    فاختر وما فيهما حظٌ لمخـتـار
    فشك غير طـويلٍ ثـم قـال لـه

    اقتل أسيرك إني مانـعٌ جـاري
    وسوف يعقبنيه إن ظـفـرت بـه

    ربٌ كريمٌ وبيضٌ ذات أطـهـار
    لا سرهن لـدينـا ذاهـبٌ هـدراً

    وحافظات إذا استودعن أسراري
    فاختار أدراعه كي لا يسب بـهـا

    ولم يكن وعده فيهـابـخـتـار

    قال: وكان امرؤ القيس بن حجر أودع السموءل بن عادياء أدراعاً مائةً، فأتاه الحارث بن ظالم ويقال الحارث بن أبي شمر الغساني ليأخذها منه، فتحصن منه السموءل؛ فأخذ الحارث ابناً له غلاماً وكان في الصيد، فقال: إما أن سلمت الأدراع إلي وإما أن قتلت ابنك. فأبى السموءل أن يسلم إليه الأدراع؛ فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه قطعتين، فيقال: إن جريراً حين قال للفرزدق:
    بسيف أبي رغوان سيف مجـاشـعٍ

    ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم

    إنما عني هذه الضربة. فقال السموءل في ذلك:
    وفيت بذمة الكنـدي إنـي

    إذا ما ذم أقـوامٌ وفـيت
    وأوصى عاديا يوماً بأن لا

    تهدم يا سموءل ما بنـيت
    بنى لي عاديا حصناً حصيناً

    وماءً كلما شئت استقـيت

    قال: فجاء شريح إلى الكلبي فقال له: هب لي هذا الأسير المضرور. فقال: هو لك، فأطلقه. وقال: أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك. فقال له الأعشى: إن من تمام صنيعتك أن تعطيني ناقةً نجيبة وتخليني الساعة. قال: فأعطاه ناقةً فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكلبي أن الذي وهب لشريح هو الأعشى. فأرسل إلى شريح: ابعث إلى الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه. فقال: قد مضى. فأرسل الكلبي في أثره فلم يلحقه.
    تزوج امرأة من عنزة ثم طلقها وقال فيها شعراً: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله قال حدثني محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل وغيره من أصحابه: أن الأعشى تزوج امرأة من عنزة ثم من هزان قال: وعنزة هو ابن أسد بن ربيعة بن نزار فلم يرضها ولم يستحسن خلقها، فطلقها وقال فيها:
    بيني حصان الفرج غير ذمـيمةٍ

    وموموقةً فينا كذاك ووامـقـه
    وذوقي فتى قـومٍ فـإنـي ذائقٌ

    فتاة أناسٍ مثل ما أنـت ذائقـه
    لقد كان في فتيان قومك منكـحٌ

    وشبان هزان الطوال الغرانقه
    فبيني فإن البين خيرٌ من العصا

    وإلا تري لي فوق رأسك بارقه
    وما ذاك عندي أن تكوني دنـيئةً

    ولا أن تكوني جئت عندي ببائقه
    ويا جارتا بيني فإنك طـالـقـه

    كذاك أمور الناس غادٍوطارقه
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:57 pm

    عـنترة بـن شـدّاد
    525 -615م
    هو عنترة بن شدّاد بن قراد العبسي. أمّه زبيبة، حبشية سوداء، سباها أبوه في إحدى غزواته. كان لها أولاد من غير شدّاد.
    كان عنترة أسود اللّون، أخذ السّواد من أمه، وكان يُكنّى بأبي المغلس، لِسَيْره إلى الغارات في الغلس وهو ظلمة الليل. ويُلَقّب بعنترة الفلحاء.
    وعنترة من فرسان العرب المعدودين. ولم يُلقّب عن عبث بعنترة الفوارس، إذ قال ابن قتيبة: "كان عنترة من أشدّ أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده، وقد فرّق بين الشّجاعة والتّهور".
    لكن العرب، بالرّغم من شجاعته، كانوا يستبعدونه، وذلك لأنهم كانوا يستبعدون أبناء الإماء، ولا يعترفون بهم إلاّ إذا نجبوا. وهكذا كان شأن عنترة، فلم يعترف به أبوه إلاّ بعد أن ظهرت شجاعته وفروسيّته.
    وفي ادعاء أبيه إياه روايات منها: إن السّبب في ادعاء أبيه إياه أنّ عبسا أغاروا على طيء، فأصابوا نعمًا، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: "لا نقتسم إلا نصيبًا مثل أنصبائنا لأنّك عبد". فلمّا طال الخطب بينهم، كرّت عليهم طيئ فاعتزلهم عنترة، وقال: "دونكم القوم". فقال له أبوه: "كُرّ يا عنترة"! فقال: "أَوَيَحسن العبد الكرّ ؟" فقال له أبوه: "العبد غيرك". فاعترف به، فَكرّ واستنقذ النَّعم.
    أحبّ عنترة عبلة بنت عمه مالك بن قرّاد العبسي. وكان عمّه قد وعده بها ولكنه لم يف بوعده، وإنّما كان يتنقل بها في قبائل العرب ليبعدها عنه. وحُبّ عبلة كان له تأثير عظيم في نفس عنترة وشعره، وهي التي صيّرته بحبها، ذلك البطل المغامر في طلب المعالي، وجعلته يزدان بأجمل الصّفات وأرفعها. وهي التي رقّقت شعره كما رقّقت عاطفته، ونفحته بتلك العذوبة؛ وكان سبب تلك المرارة واللّوعة اللّتين ربما لم تكونا في شعره لولا حرمانه إيّاها.
    لعنترة شخصية محبوبة لأنّ كلّ ما فيها من الصّفات يجعل صاحبها قريبًا من القلوب. فهو بطل شجاع جريء الفؤاد، حليم الطّباع، رقيق القلب، يشكو في حظّه العاثر في الحب وظلم قومه له وإنكارهم جميل فعله نحوهم.
    أما في موت عنترة، فهناك روايات كثيرة، أشهرها ما رواه صاحب الأغاني، من أنه قُتِل بسهمٍ رماه به وُزْرٌ بن جابر النَّبهاني، الملقّب بالأسد الرّهيص.
    وعنترة شاعر من فحول شعراء الجاهلية؛ وهو من أصحاب المعلّقات السّبع. ومطلع معلّقته:
    هَلْ غَادَرَ الْشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ أم هل عرفْتَ الدار بعد تَوَهُّمِ
    جاء في "الاغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: ((أمه أمة حبشية، كان أبوه نفاه ثم ألحقه بنسبه: هو عنترة بن شداد، وقيل: ابن عمرو بن شداد، وقيل: عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة، وقيل: مخزوم بن عوف بن مالك ابن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. وله لقبٌ يقال له عنترة الفلحاء، وذلك لتشقق شفتيه. وأمه أمةٌ حبشية يقال لها ربيبة، وكان لها ولدٌ عبيدٌ من غير شداد، وكانوا إخوته لأمه. وقد كان شداد نفاه مرةً ثم اعترف به فألحق بنسبه. وكانت العرب تفعل ذلك، تستعبد بني الإماء، فإن أنجب اعترفت به وإلا بقي عبداً.

    حرشت عليه امرأة أبيه فضربه أبوه فكفته عنه فقال فيها شعراً: فأخبرني علي بن سليمان النحوي الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني، قالا: كان عنترة قبل أن يدعيه أبوه حرشت عليه امرأة أبيه وقالت: إنه يراودني عن نفسي، فغضب من ذلك شداد غضباً شديداً وضربه ضرباً مبرحاً وضربه بالسيف، فوقعت عليه امرأة أبيه وكفته عنه. فلما رأت ما به من الجراح بكت - وكان اسمها سمية وقيل: سهية - فقال عنترة: صوت

    أمن سمية دمع الـعـين مـذروف

    لو أن ذا منك قبل اليوم معـروف
    كأنها يوم صدت ما تـكـلـمـنـي

    ظبيٌ بعسفان ساجي العين مطروف
    تجللتنى إذ أهوى العصـا قـبـلـي

    كأنها صنمٌ يعـتـاد مـعـكـوف
    العبد عبدكـم والـمـال مـالـكـم

    فهل عذابك عني اليوم مصـروف
    تنسى بلائي إذا ما غارةٌ لـحـقـت

    تخرج منها الطوالات السراعـيف
    يخرجن منها وقد بلت رحـائلـهـا

    بالماء تركضها الشم الغـطـاريف
    قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرضٍ

    تصفر كف أخيها وهو مـنـزوف

    غنى في البيت الأول والثاني علوية، ولحنه من الثقيل الأول مطلق في مجرى البنصر، وقيل: إنه لإبراهيم. وفيهما رملٌ بالوسطى يقال: إن لابن سريج، وهو من منحول ابن المكي. قوله مذروف: من ذرفت عينه، يقال: ذرفت تذرف ذريفاً وذرفاً، وهو قطرٌ يكاد يتصل. وقوله: لو أن ذامنك قيل اليوم معروف. أي قد أنكرت هذا الحنو والإشفاق منك، لأنه لو كان معروفاً قبل ذلك لم ينكره. ساجي العين. ساكنها. والساجي: الساكن من كل شيء. مطروف: أصابت عينه طرفةٌ، وإذا كان كذلك فهو أسكن لعينه. تجللتني: ألقت نفسها علي. وأهوى: اعتمد. صنم يعتاد أي يؤتى مرةً بعد مرة. ومعكوف: يعكف عليه. والسراعيف: السراع، واحدتها سرعوفة. والطوالات: الخيل. والرحائل: السروج. والشمم: ارتفاع في الأنف. والغطاريف: الكرام والسادة أيضاً. والغطرفة: ضرب من السير والمشيء يختال فيه. والنجلاء: الواسعة. يقال: سنانٌ منجلٌ: واسع الطعنة: عن عرض أي عن شقٍّ وحرف. وقال غيره: أعترضه اعتراضاً حين أقاتله.
    سبب ادعاء أبيه إياه: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي، وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال قال ابن الكلبي: شدادٌ جد عنترة غلب على نسبه، وهو عنترة بن شداد، وقد سمعت من يقول: إنما شداداً عمه، كان نشأ في حجره فنسب إليه دون أبيه. قال: وإنما ادعاه أبوه بعد الكبر، وذلك لأن أمه كانت أمةً سوداء يقال لها ربيبة، وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولدٌ من أمةٍ استعبدوه. وكان لعنترة إخوةٌ من أمة عبيدٌ. وكان سبب ادعاء أبي عنترة إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلاً، فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم وعنترة يومئذٍ فيهم، فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر. فقال: كر وأنت حر. فكر وهو يقول:
    أنا الهجين عـنـتـره

    كل امرىء يحمي حره
    أسـوده وأحـمــره

    والشعرات المشعـره
    الواردات مشـفـره



    وقاتل يومئذ قتالاً حسناً، فادعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه.
    وحكى غير ابن الكلبي أن السبب في هذا أن عبساً أغاروا على طيىء، فأصابوا نعماً، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا نقسم لك نصيباً مثل أنصبائنا لأنك عبد. فلما طال الخطب بينهم كرت عليهم طيىء، فاعتزلهم عنترة وقال: دونكم القوم، فإنكم عددهم. واستنقذت طيىء الإبل. فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال: أو يحسن العبد الكر! فقال له أبوه: فاعترف به، فكر واستنقذ النعم. وجعل يقول:
    أنا الهجين عـنـتـره

    كل امرىء يحمي حره

    الأبيات.

    قال ابن الكلبي: وعنترة أحد أغربه العرب، وهم ثلاثة: عنترة وأمه ربيبة، وخفاف بن عمير الشريدي وأمه ندبة، والسليك بن عمير السعدي وأمه السلكة، وإليهن ينسبون. وفي ذلك يقول عنترة:

    إني امرؤٌ من خير عبسٍ منصبـاً

    شطري وأحمي سائري بالمنصل
    وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظـت

    ألفيت خيراً من معمٍّمـخـول

    يقول: إن أبي من أكرم عبس بشطري، والشطر الآخر ينوب عن كرم أمي فيه ضربي بالسيف، فأنا خيرٌ في قومي، ممن عمه وخاله منهم وهو لا يغني غنائي. وأحسب أن في القصيدة هي التي يضاف إليها البيتان اللذان يغنى فيهما، وهذه الأبيات قالها في حرب داحس والغبراء.
    حامى عن بني عبس حين انهزمت أمام تميم، فسبه قيس بن زهير فهجاه: قال أبو عمرو الشيباني: غزت بنو عبس بني تميم وعليهم قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة، ولحقتهم كبكبةٌ من الخيل، فحامى عنترة عن الناس فلم يصب مدبرٌ. وكان قيس بن زهير سيدهم، فساءه ما صنع عنترة يومئذ، فقال حين رجع: والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء. وكان قيس أكولا. فبلغ عنترة ما قال، فقال يعرض به قصيدته التي يقول فيها: صوت
    بكرت تخوفني الحتـوف كـأنـنـي

    أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
    فأجبتهـا أن الـمـنـية مـنـهـلٌ

    لا بد أن أسقى بكأس الـمـنـهـل
    فاقنى حياءك لا أبالـك واعـلـمـي

    أني امرؤ سأمـوت إن لـم أقـتـل
    إن المنية لـو تـمـثـل مـثـلـث

    مثلي إذا نزلوا بضنـك الـمـنـزل
    إني امرؤ من خير عبسٍ منـصـبـاً

    شطري وأحمي سائري بالمنـصـل
    وإذا الكتيبة أحجمت وتـلاحـظـت

    ألفيت خيراً مـن مـعـمٍّمـخـول
    والخيل تعلم والفوارس أنـنـي

    فرقت جمعهم بصربة فيصـل
    إذا لا أبادر في المضيق فوارسي

    أو لا أوكل بـالـرعـيل الأول
    إن يلحقوا أكرر وإن يستلحمـوا

    أشدد وإن يلفوا بضنـكٍ أنـزل
    حين النزول يكون غاية مثلـنـا

    ويفر كل مضللٍ مسـتـوهـل
    والخيل ساهمة الوجوه كأنـمـا

    تسقى فوارسها نقيع الحنـظـل
    ولقد أبيت على الطوى وأظلـه

    حتى أنال به كريمالـمـأكـل

    عروضه من الكامل. غنت في الأربعة الأبيات الأول والبيت الثاني عريب خفيف رمل بالبنصر من رواية الهشامي وابن المعتز وأبي العبيس.
    الحتوف: ما عرض للإنسان من المكاره والمتالف. عن عرض أي ما يعرف منها. بمعزل أي في ناحية معتزلة عن ذلك. ومنهل: مورد. وقوله: فاقني حياءك. أي احفظيه ولا تضيعيه. والضنك: الضيق. يقول: إن المنية لو خلقت مثالاً لكانت في مثل صورتي. والمنصب: الأصل. والمنصل: السيف، ويقال منصل أيضاً بفتح الصاد. وأحجمت: كعت. والكتيبة: الجماعة إذا اجتمعت ولم تنتشر. وتلاحظت: نظرت من يقدم على العدو. وأصل التلاحظ النظر من القوم بعضهم إلى بعض بمؤخر العين. والفيصل: الذي يفصل بين الناس. وقوله: لا أبادر في المضيق فوارسي أي لا أكون أول منهزم ولكني أكون حاميتهم. والرعيل: القطعة من كل شيء. ويستلحموا: يدركوا. والمستلحم: المدرك، وأنشد الأصمعي:
    نجى علاجاً وبشراً كل سلـهـبةٍ

    واستلحم الموت أصحاب البراذين

    وساهمة: ضامرة متغيرة، قد كلح فوارسها لشدة الحرب وهولها. وقوله: ولقد أبيت على الطوى وأظله. قال الأصمعي: أبيت بالليل على الطوى وأظل بالنهار كذلك حتى أنال به كريم المأكل أي ما لا عيب فيه علي، ومثله قوله: إنه ليأتي علي اليومان لا أذوقهما طعاماً ولا شراباً أي لا أذوق فيهما. والطوى: خمص البطن، يقال: رجل طيان وطاوي البطن.

    أنشد النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً من شعره فود لو رآه: وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا ابن عائشة قال: أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قول عنترة:

    ولقد أبيت على الطوى وأظله

    حتى أنال به كريم المأكـل

    فقال صلى الله عليه وسلم: ما وصف لي أعرابيٌّ قط فأحببت أن أراه إلا عنترة.
    كيف ألحق أخوته لأمه بنسب قومه: أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة: أن عنترة كان له إخوة من أمه، فأحب عنترة أن يدعيهم أقومه، فأمر أخاً له كان خيرهم في نفسه يقال له حنبل، فقال له: أرو مهرك من اللبن ثم مر به علي عشاءً. فإذا قلت لكم: ما شأن مهركم متخدداً مهزولاً ضامراً، فاضرب بطنه بالسيف كأنك تريهم أنك قد غضبت مما قلت: فمر عليهم، فقال له: يا حنبل، ما شأن مهركم متخدداً أعجر من اللبن؟ فأهوى أخوه بالسيف إلى بطن مهره فضربه فظهر اللبن. فقال في ذلك عنترة:
    أبني زبيبة ما لمهركم

    متخدداً وبطونكم عجر
    ألكم بإيغال الوليد على

    أثر الشياه بشدةٍ خبـر

    وهي قصيدة. قال: فاستلاظه نفرٌ من قومه ونفاه آخرون. ففي ذلك يقول عنترة:
    ألا يا دار عبلة بـالـطـوي

    كرجع الوشم في كف الهدي

    وهي طويلة يعدد فيها بلاءه وآثاره عند قومه.
    جوابه حين سئل أنت أشجع العرب: أخبرني عمي قال أخبرني الكراني عن النضر بن عمرو عن الهيثم بن عدي قال: قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدها؟ قال لا. قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل إلا موضعاً أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.
    أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدثنا عمر بن شبة قال: قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازمٍ. قال: وكيف يكون ذلك؟ قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازماً فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم. وكان فينا الربيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره، فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت.
    أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد السكري قال قال محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل عن أبي عبيدة وابن الكلبي قالا: موته واختلاف الروايات في سببه: أغار عنترة على بني نبهان من طيىء فطرد لهم طريدةً وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
    آثار ظلمانٍ بقاعٍ محرب

    قال: وكان زر بن جابر النبهاني في فتوة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:
    وإن ابن سلمى عنده فاعلمـوه دمـي

    وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
    يحل بأكناف الشـعـاب وينـتـمـي

    مكان الثريا ليس بالـمـتـهـضـم
    رماني ولم يدهـش بـأزرق لـهـذمٍ

    عشية حلوا بين نـعـفٍومـخـرم

    قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقب بالأسد الرهيص. وأما أبو عمرو الشيباني فذكر أنه غزا طيئاً مع قومه، فانهزمت عبس، فخر عن فرسه ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب، فدخل دغلاً، وأبصره ربيئة طيىء فنزل إليه، وهاب أن يأخذه أسيراً فرماه وقتله.
    وذكر أبو عبيدة أنه كان قد أسن واحتاج وعجر بكبر سنه عن الغارات. وكان له على رجل من غطفان بكرٌ، فخرج يتقاضاه إياه، فهاجت عليه ريح ٌ من صيف وهو بين شرجٍ وناظرة، فأصابته فقتلته.
    كان أحد الذين يباليهم عمرو بن معد يكرب قال أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: كان عمرو بن معدي كرب يقول: ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها. يعني بالحرين عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة والسليك بن السلكة.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:57 pm



    حاتم الطائي
    توفي 577 م
    هو حاتم بن عبد الله بن سعد الحشرج بن طىء . أمه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم . كانت ذات يسار وسخاء، حجر عليه إخوتها ومنعوها مالها لمنعها من تبذيره. نشأ ابنها حاتم على غرارها بالجود والكرم .
    كان حاتم من ابرز شعراء الجاهلية ، وكان جوّاداً يشبه شعره جوده . وكان حيثما حلّ عرف منزله ، واذا قاتل ظفر، وذا غنم أنهب ، وذا سئل لم يبخل جواباً ، واذا سابق سبق ، واذا أسر أطلق . وقد تداول الرواة نوادر عديدة في عفته وشجاعته وكرمه . فهو لا يغزو غزوة ولا يخطو خطوة الا ويجد لها سبيلاً من سبل الكرم والانفاق . ولم يزل على حاله في إطعام الطعام وإنهاب ماله حتى ولى . ويذكر الرواة ان اولاده كانوا على كرمه ونبل أخلاقه .
    يدور معظم شعر الطائي حول الكرم والعطاء والانفة وبعد الهمة والحفاظ على الجار . فهو يحفظ الود ولا يظلم احداً، أكان قريباً ام بعيداً . وهو الى ذلك فارس شجاع وصعلوك فذّ ، يجمع الصعاليك ويغدق عليهم ويتولى رعايتهم. ولعل شعره ، كما تصرفاته ، يصدر عن موقف نفسي خاص من الحياة وقيمها . فالانسان في نظره اعظم من ان يكتفي بامور الطعام والملبس فحسب ، بل يجب ان تكون له غاية مثل اقتحام الصعاب والنهوض الى المطامح الكبرى .
    حاتم الطائي شاعر إيجابي من الناحية الخلقية ، يعبر عن الايمان بالحياة وحكمتها ولا يقف منها موقف الرفض . فهو شاعر اليقين . وقد جاء شعره رديفاً للفروسية يتوسل به ليطلق آراء الناس . وقد تغلبت في شعره الصفة النفسية على الصفة الفنية ، تتعاظم لديه الهموم البشرية فيما تتضاءل الهموم الجمالية . الفاظه ابنة نفسه وحدسه المباشر . هي اقرب الى البديهة منها الى الصفة ، والى الطبع وليس التطبع .
    قال ابن كثير في "البداية والنهاية": ((وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أحزم بن أبي أحزم واسمه هرومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء أبو سفَّانة الطائي والد عدي بن حاتم الصحابي، كان جواداً ممدحاً في الجاهلية، وكذلك كان ابنه في الإسلام، وكانت لحاتم مآثر وأمور عجيبة وأخبار مستغربة في كرمه يطول ذكرها، ولكن لم يكن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، وإنما كان قصده السمعة والذكر‏.‏
    قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده‏:‏ حدثنا محمد بن معمر، حدثنا عبيد بن واقد القيسي، حدثنا أبو نصر هو الناجي عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال‏:‏ ذكر حاتم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
    ‏(‏‏(‏ذاك أراد أمراً فأدركه‏)‏‏)‏‏.‏ حديث غريب‏.‏
    قال الدارقطني‏:‏ تفرد به عبيد بن واقد عن أبي نصر الناجي، ويقال‏:‏ إن اسمه حماد‏.‏
    قال ابن عساكر‏:‏ وقد فرق أبو أحمد الحاكم بين أبي نصر الناجي، وبين أبي نصر حماد ولم يسم الناجي، ووقع في بعض روايات الحافظ ابن عساكر عن أبي نصر شيبة الناجي، والله أعلم‏.‏
    وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن مري بن قطري، عن عدي بن حاتم قال‏:‏ قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن أبي كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل فهل له في ذلك‏؟‏ يعني من أجر‏.‏
    قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أباك طلب شيئاً فأصابه‏)‏‏)‏‏.‏
    وهكذا رواه أبو يعلى عن القواريري عن غندر، عن شعبة، عن سماك به‏.‏
    وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أباك أراد أمراً فأدركه‏)‏‏)‏‏.‏
    يعني الذكر‏.‏
    وهكذا رواه أبو القاسم البغوي، عن علي بن الجعد، عن شعبة به سواء‏.‏
    وقد ثبت في الصحيح في الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم منهم‏:‏ الرجل الذي ينفق ليقال إنه كريم فيكون جزاؤه أن يقال ذلك في الدنيا، وكذا في العالم والمجاهد‏.‏
    وفي الحديث الآخر في الصحيح أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فقالوا له‏:‏ كان يقري الضيف، ويعتق ويتصدق فهل ينفعه ذلك‏؟‏ فقال‏:‏
    ‏(‏‏(‏إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين‏)‏‏)‏‏.‏
    هذا وقد كان من الأجواد المشهورين أيضاً، المطعمين في السنين الممحلة والأوقات المرملة‏.‏
    وقال الحافظ أبو بكر البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن يوسف العماني، حدثنا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي قال‏:‏
    قال علي بن أبي طالب‏:‏ يا سبحان الله‏!‏ ما أزهد كثيراً من الناس في خير عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخشى عقاباً لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاح‏.‏
    فقام إليه رجل وقال‏:‏ فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وما هو خير منه‏:‏ لما أتى بسبايا طيء وقعت جارية حمراء لعساء زلفا عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خدلجة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين‏.‏
    قال‏:‏ فلما رأيتها أعجبت بها وقلت‏:‏ لأطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعلها في فيئي، فلما تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت‏:‏ يا محمد‏:‏ إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، وأنا ابنة حاتم طيء‏.‏
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً لو كان أبوك مؤمناً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله تعالى يحب مكارم الأخلاق‏.‏
    فقام أبو بردة بن ينار فقال يا رسول الله‏:‏ والله يحب مكارم الأخلاق‏؟‏
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق‏)‏‏)‏‏.‏
    وقال أبو بكر ابن أبي الدنيا‏:‏ حدثني عمر بن بكر، عن أبي عبد الرحمن الطائي - هو القاسم بن عدي - عن عثمان، عن عركي بن حليس الطائي، عن أبيه، عن جده، وكان أخا عدي بن حاتم لأمه قال‏:‏ قيل لنوار امرأة حاتم حدثينا عن حاتم قالت‏:‏ كل أمره كان عجباً، أصابتنا سنة حصت كل شيء فاقشعرت لها الأرض واغبرت لها السماء، وضنت المراضع على أولادها، وراحت الإبل حدباً حدابير ما تبض بقطرة، وحلقت المال، وأنا لفي ليلة صنّبر بعيدة ما بين الطرفين إذ تضاغى الأصبية من الجوع‏:‏ عبد الله، وعدي، وسفانة، فوالله إن وجدنا شيئاً نعللهم به، فقام إلى أحد الصبيان فحمله وقمت إلى الصبية فعللتها، فوالله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل‏.‏ ‏
    ثم عدنا إلى الصبي الآخر فعللناه حتى سكت وما كاد، ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل، فأضجعنا الصبيان عليها، ونمت أنا وهو في حجرة والصبيان بيننا، ثم أقبل علي يعللني لأنام وعرفت ما يريد فتناومت، فقال‏:‏ مالك أنمت‏؟‏ فسكت‏.‏ فقال‏:‏ ما أراها إلا قد نامت، وما بي نوم‏.‏
    فلما ادلهم الليل، وتهورت النجوم، وهدأت الأصوات، وسكنت الرجل، إذ جانب البيت قد رفع فقال من هذا‏؟‏ فولى حتى قلت إذاً قد أسحرنا أو كدنا‏.‏ عاد فقال من هذا‏؟‏ قالت‏:‏ جارتك فلانة يا أبا عدي، ما وجدت على أحد معولاً غيرك، أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع‏.‏
    قال‏:‏ أعجليهم عليّ‏.‏ قالت النوار‏:‏ فوثبت فقلت ماذا صنعت أضطجع والله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم فكيف بهذه وبولدها‏؟‏ فقال‏:‏ اسكتي فوالله لأشبعنك إن شاء الله‏.‏
    قالت‏:‏ فأقبلت تحمل اثنين، وتمشي جنبتيها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ بحربته في لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عن جلده، ثم دفع المدية إلى المرأة، ثم قال‏:‏ دونك‏.‏
    ثم قال‏:‏ ابعثي صبيانك فبعثتهم، ثم قال‏:‏ سوءة أتأكلون شيئاً دون أهل الصرم، فجعل يطوف فيهم حتى هبوا وأقبلوا عليه، والتفع في ثوبه ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا، والله ما ذاق مزعة وإنه لأحوجهم إليه، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم وحافر‏.‏
    وقال الدارقطني‏:‏ حدثني القاضي أبو عبد الله المحاملي، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، وحدثنا عثيم بن ثوابة بن حاتم الطائي، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ قالت امرأة حاتم لحاتم‏:‏ يا أبا سفانة أشتهي أن آكل أنا وأنت طعاماً وحدنا ليس عليه أحد، فأمرها فحولت خيمتها من الجماعة على فرسخ، وأمر بالطعام فهيأ وهي مرخاة ستورها عليه وعليها، فلما قارب نضج الطعام كشف عن رأسه ثم قال‏:‏
    فلا تطبخي قدري وسترك دونها * علي إذن ما تطبخين حرام
    ولكن بهذاك اليفاع فأوقدي * بجزل إذا أوقدت لا بضرام
    قال‏:‏ ثم كشف الستور، وقدم الطعام، ودعى الناس فأكل وأكلوا، فقالت‏:‏ ما أتممت لي ما قلت فأجابها لا تطاوعني نفسي، ونفسي أكرم علي من أن يثنى علي هذا، وقد سبق لي السخاء ثم أنشأ يقول‏:‏
    أمارس نفسي البخل حتى أعزها * وأترك نفس الجود ما أستثيرها
    ولا تشتكيني جارتي غير أنها * إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
    سيبلغها خيري ويرجع بعلها * إليها ولم تقصر عليها ستورها
    ومن شعر حاتم‏:‏
    إذا ما بت أشرب فوق ري * لسكر في الشراب فلا رويت
    إذا ما بت أختل عرس جاري * ليخفيني الظلام فلا خفيت
    أأفضح جارتي وأخون جاري * فلا والله أفعل ما حييت
    ومن شعره أيضاً‏:‏
    ما ضر جاراً لي أجاوره * أن لا يكون لبابه ستر
    أغضي إذا ما جارتي برزت * حتى يواري جارتي الخدر
    ومن شعر حاتم أيضاً‏:‏
    وما من شيمتي شتم ابن عمي * وما أنا مخلف من يرتجيني
    وكلمة حاسد من غير جرم * سمعت وقلت مري فأنقذيني
    وعابوها علي فلم تَعِبْني * ولم يعرَق لها يوما جبيني
    وذي وجهين يلقاني طليقاً * وليس إذا تغيب يأتسيني
    ظفرت بعيبه فكففت عنه * محافظة على حسبي وديني
    ومن شعره‏:‏
    سلي البائس المقرور يا أم مالك * إذا ما أتاني بين ناري ومجزري
    أأبسط وجهي إنه أول القِرى * وأبذل معروفي له دون مُنْكَري
    وقال أيضاً‏:‏
    وإنك إن أعطيت بطنك سؤله * وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
    وقال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكرياء الجريري‏:‏ حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أبو العباس المبرد، أخبرني الثوري، عن أبي عبيدة قال‏:‏ لما بلغ حاتم طيء قول المتلمس‏:‏
    قليل المال تصلحه فيبقى * ولا يبقى الكثير على الفساد
    وحفظ المال خير من فناه * وعسف في البلاد بغير زاد
    قال‏:‏ ماله قطع الله لسانه حمل الناس على البخل فهلا قال‏:‏
    فلا الجود يفني المال قبل فنائه * ولا البخل في مال الشحيح يزيد
    فلا تلتمس مالاً بعيش مقتر * لكل غد رزق يعود جديد
    ألم ترَ أن المال غاد ورائح * وأن الذي يعطيك غير بعيد
    قال القاضي أبو الفرج ولقد أحسن في قوله‏:‏ وإن الذي يعطيك غير بعيد، ولو كان مسلماً لرجي له الخير في معاده، وقد قال الله في كتابه‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 32‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 186‏]‏‏.‏
    وعن الوضاح بن معبد الطائي قال‏:‏ وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرمه وأدناه، ثم زوده عند انصرافه جملين ذهباً، وورقاً غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيء، فقالت‏:‏ يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر‏!‏ فقال حاتم‏:‏ هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه، فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه‏.‏
    فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له‏:‏ اتق الله وأبق ِعلى نفسك، فما يدع هؤلاء ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً‏.‏ فأنشأ يقول‏:‏
    قالت طريفة ما تبقي دراهمنا * وما بنا سرف فيها ولا خرق
    إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا * ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق
    ما يألف الدرهم الكاري خِرقَتَنا * إلا يمر عليها ثم ينطلق
    إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا * ظلت إلى سبل المعروف تستبق
    وقال أبو بكر ابن عياش‏:‏ قيل لحاتم هل في العرب أجود منك‏؟‏ فقال‏:‏ كل العرب أجود مني‏.‏ ثم أنشأ يحدث قال‏:‏ نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي شاة منها وأتاني بها، فلما قرّب إليّ دماغها قلت‏:‏ ما أطيب هذا الدماغ‏!‏
    قال‏:‏ فذهب فلم يزل يأتيني منه حتى قلت‏:‏ قد اكتفيت، فلما أصبحت إذا هو قد ذبح المائة شاة وبقي لا شيء له‏؟‏ فقيل‏:‏ فما صنعت به‏؟‏ فقال‏:‏ ومتى أبلغ شكره ولو صنعت به كل شيء‏.‏ قال‏:‏ على كل حال فقال أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي‏.‏
    وقال محمد بن جعفر الخرائطي في كتاب ‏(‏مكارم الأخلاق‏)‏‏:‏ حدثنا العباس بن الفضل الربعي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني حماد الراوية، ومشيخة من مشيخة طيء قالوا‏:‏ كانت عنترة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس أم حاتم طيء لا تمسك شيئاً سخاءً وجوداً‏.
    وكان إخوتها يمنعونها فتأبى، وكانت امرأة موسرة فحبسوها في بيت سنة، يطعمونها قوتها لعلها تكف عما تصنع، ثم أخرجوها بعد سنة وقد ظنوا أنها قد تركت ذلك الخلق، فدفعوا إليها صرمة من مالها وقالوا‏:‏ استمتعي بها، فأتتها امرأة من هوازن وكانت تغشاها فسألتها فقالت‏:‏ دونك هذه الصرمة، فقد والله مسني من الجوع ما آليت أن لا أمنع سائلاً ثم أنشأت تقول‏:‏
    لعمري لقِدماً عضني الجوع عضة * فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا
    فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني * وان أنت لم تفعل فعض الأصابعا
    فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم * سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
    وماذا ترون اليوم إلا طبيعة * فكيف بتركي يا ابن أمي الطبائعا
    وقال الهيثم بن عدي، عن ملحان بن عركي بن عدي بن حاتم، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ شهدت حاتماً يكيد بنفسه فقال لي‏:‏ أي بني إني أعهد من نفسي ثلاث خصال، والله ما خاتلت جارة لريبة قط، ولا أوتمنت على أمانة إلا أديتها، ولا أوتي أحد من قبلي بسوء‏.‏
    وقال أبو بكر الخرائطي‏:‏ حدثنا علي بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى العدوي، حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي مسكين - يعني جعفر بن المحرر بن الوليد - عن المحرر مولى أبي هريرة قال‏:‏ مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم طيء فنزلوا قريباً منه، فقام إليه بعضهم يقال له‏:‏ أبو الخيبري فجعل يركض قبره برجله‏.‏ ويقول‏:‏ يا أبا جعد اقرنا‏.‏ فقال له بعض أصحابه‏:‏ ما تخاطب من رمة وقد بليت‏؟‏ وأجنهم الليل فناموا، فقام صاحب القول فزعاً يقول‏:‏ يا قوم عليكم بمطيكم فإن حاتماً أتاني في النوم وأنشدني شعراً وقد حفظته يقول‏:‏
    أبا الخيبري وأنت امرؤ * ظلوم العشيرة شتّامها
    أتيت بصحبك تبغي الِقرى * لدى حفرة قد صَدَت هَامَها
    أتبغي لي الذنب عند المبيت * وحولك طيء وأنعامها
    وإنا لنشبع أضيافنا * وتأتي المطي فنعتامها
    قال‏:‏ وإذا ناقة صاحب القول تكوس عقيراً فنحروها، وقاموا يشتوون ويأكلون‏.‏ ‏
    وقالوا‏:‏ والله لقد أضافنا حاتم حياً وميتاً‏.‏ قال‏:‏ وأصبح القوم وأردفوا صاحبهم وساروا، فإذا رجل ينوه بهم راكباً جملاً ويقود آخر‏.‏ فقال‏:‏ أيكم أبو الخيبري‏؟‏ قال‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ إن حاتماً أتاني في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابك ناقتك، وأمرني أن أحملك وهذا بعير فخذه، ودفعه إليه))‏.‏
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:58 pm



    الحارث بن حلزة
    توفي 570 م

    الحارث بن حِلِّزَة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي. شاعر جاهلي من أهل بادية العراق. وهو من عظماء قبيلة بكر بن وائل، وأحد أصحاب المعلقات.

    كان أبرص شديد الفخر بقومه حتى صار مضرب المثل في الافتخار، فقيل فيه: أفخر من الحارث بن حلّزة. ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك بالحيرة، ومطلعها:

    آذَنَتْنا ببَيْنهِا أَسْماء رب ثاو يمل منه الثواء

    جمع بها كثيراً من أخبار العرب ووقائعهم. إلا أنه لم يبق لنا من أخبارالحارث بن حلزة إلا ما كان من أمر الاحتكام إلى عمرو بن هند سنة (554 ـ 569 ) لأجل حل الخلاف الذي وقع بين القبيلتين بكر و تغلب. أنشد الشاعر هذه المعلقة في حضرة الملك عمرو بن هند رداً على عمرو بن كلثوم و قيل أنه قد أعدّها و روّاها جماعة من قومه لينشدوها نيابة عنه لأنه كان به برص و كره أن ينشدها من وراء سبعة ستور ثم يغسل أثره بالماء كما كان يفعل بسائر البرص ثم عدل عن رأيه و قام بإنشادها بين يدي الملك و بنفس الشروط السابقة فلما سمعها الملك وقد وقعت في نفسه موقعاً حسناً أمر برفع الستور و أدناه منه و أطمعه في جفنته و منع أن يغسل أثره بالماء ...
    قال عنه أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبد بن سعد بن جشم بن عاصم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار .
    السبب في قول قصيدته المعلقة: قال أبو عمرو الشيباني: كان من خبر هذه القصيدة والسبب الذي دعا الحارث إلى قولها أن عمرو بن هند الملك، وكان جباراً عظيم الشأن والملك، لما جمع بكراً وتغلب ابني وائل وأصلح بينهم، أخذ من الحيين رهناً من كل حي مائة غلام ليكف بعضهم عن بعض، فكان أولئك الرهن يكونون معه في مسيره ويغزون معه، فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامة التغلبيين وسلم البكريون. فقالت تغلب لبكر: أعطونا ديات أبنائنا، فإن ذلك لكم لازم، فأبت بكر بن وائل. فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم وأخبروه بالقصة. فقال عمرو بن كلثوم لتغلب: بمن ترون بكراً تعصب أمرها اليوم؟ قالوا: بمن عسى إلا برجل من أولاد ثعلبة. قال عمرو : أرى والله الأمر سينجلي عن أحمر أصلج أصم من بني يشكر. فجاءت بكر بالنعمان بن هرمٍ أحد بني ثعلبة بن غنم بن يشكر، وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم. فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم: يا أصم! جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك !. فقال النعمان: وعلى من أظلت السماء كلها يفخرون ثم لا ينكر ذلك. فقال عمرو بن كلثوم له: أما والله لو لطمتك لطمةً ما أخذوا لك بها. فقال له النعمان: والله لو فعلت ما أفلت بها قيس أير أبيك. فغضب عمرو بن هند وكان يؤثر بني تغلب على بكر، فقال: يا جارية أعطيه لحياً بلسان أنثى أي سبيه بلسانك . فقال: أيها الملك أعط ذلك أحب أهلك إليك. فقال: يا نعمان أيسرك أني أبوك؟ قال: لا! ولكن وددت أنك أمي فغضب عمرو بن هند غضباً شديداً حتى هم بالنعمان. وقام الحارث بن حلزة فارتجل قصيدته هذه ارتجالاً، توكأ على قوسه وأنشدها وانتظم كفه وهو لا يشعر من الغضب حتى فرغ منها. قال ابن الكلبي: أنشد الحارث عمرو بن هند هذه القصيدة وكان به وضح ، فقيل لعمرو بن هند: إن به وضحاً، فأمر أن يجعل بينه وبينه ستر. فلما تكلم أعجب بمنطقه، فلم يزل عمرو يقول: أدنوه أدنوه حتى أمر بطرح الستر وأقعده قريباً منه لإعجابه به. هذه رواية أبي عمرو. وذكر الأصمعي نحواً من ذلك وقال: أخذ منهم ثمانين غلاماً من كل حي وأصلح بينهم بذي المجاز ، وذكر أن الغلمان من بني تغلب كانوا معه في حرب فأصيبوا. وقال في خبره: إن الحارث بن حلزة لما ارتجل هذه القصيدة بين يدي عمرو قام عمرو بن كلثوم فارتجل قصيدته:
    قفي قبل التفرق يا ظعينا

    وغير الأصمعي ينكر ذلك وينكر أنه السبب في قول عمرو بن كلثوم . وذكر ابن الكلبي عن أبيه أن الصلح كان بين بكر وتغلب عند المنذر بن ماء السماء، وكان قد شرط: أي رجلٍ وجد قتيلاً في دار قومٍ فهم ضامنون لدمه، وإن وجد بين محلتين قيس ما بينهما فينظر أقربهما إليه فتضمن ذلك القتيل. وكان الذي ولي ذلك واحتمى لبني تغلب قيس ابن شراحيل بن مرةً بن همام. ثم إن المنذر أخذ من الحيين أشرافهم وأعلامهم فبعث بهم إلى مكة، فشرط بعضهم على بعض وتواثقوا على ألا يبقي على ألا يبقي واحد منهم لصاحبه غائلةً ولا يطلبه بشيء مما كان من الآخر من الدماء. وبعث المنذر معهم رجلاً من بني تميم يقال له الغلاق. وفي ذلك يقول الحارث بن حلزة:
    فهلا سعيت لصلح الصديق

    كصلح ابن مارية الأقصم
    وقيس تدارك بكر العراق

    وتغلب من شرها الأعظم
    وبيت شراحيل فـي وائلٍ

    مكان الثريا من الأنـجـم
    فأصلح ما أفسدوا بينـهـم

    كذلك فعل الفتى الأكـرم

    ابن مارية هو قيس بن شراحيل. ومارية أمه بنت الصباح بن شيبان من بني هند فلبثوا كذلك ما شاء الله، وقد أخذ المنذر من الفريقين رهناً بأحداثهم، فمتى التوى أحد منهم بحق صاحبه أقاد من الرهن. فسرح النعمان بن المنذر ركباً من بني تغلب إلى جبل طيئ في أمر من أمره، فنزلوا بالطرفة وهي لبنى شيبان وتيم اللات. فذكروا أنهم أجلوهم عن الماء وحملوهم على المفازة، فمات القوم عطشاً. فلما بلغ ذلك بني تغلب غضبوا وأتوا عمرو بن هند فاستعدوه على بكر، وقالوا: غدرتم ونقضتم العهد وانتهكتم الحرمة وسفكتم الدماء وقالت بكر: أنتم الذين فعلتم ذلك، قذفتمونا بالعضيهة وسمعتم الناس بها، وهتكتم الحجاب والستر بادعائكم الباطل علينا قد سقيناهم إذ وردوا، وحملناهم على الطريق إذ خرجوا، فهل علينا إذ حار القوم وضلوا !. ويصدق ذلك قول الحارث بن حلزة:
    لم يغروكم غروراً ولـكـن

    يرفع الآل جرمهم والضحاء

    كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجاله معلقته في موقف واحد، وشرح أبيات منها: وقال يعقوب بن السكيت: كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجال الحارث هذه القصيدة في موقف واحد ويقول: لو قالها في حول لم يلم. قال: وقد جمع فيها ذكر عدةٍ من أيام العرب عير ببعضها بني تغلب تصريحاً، وعرض ببعضها لعمرو بن هند، فمن ذلك قوله:
    أعلينا جناح كندة أن يغ

    نم غازيها ومنا الجزاء

    قال: وكانت كندة قد كسرت الخراج على الملك، فبعث إليهم رجالاً من بني تغلب يطالبونهم بذلك، فقتلوا ولم يدرك ثأرهم، فعيرهم بذلك. هكذا ذكر الأصمعي. وذكر غيره أن كندة غزتهم فقتلت وسبت واستاقت، فلم يكن في ذلك منهم شيء ولا أدركوا ثأراً. قال: وهكذا البيت الذي يليه وهو:
    أم علينا جرى قضاعة أم لي

    س علينا فيما جنوا أنـداء

    فإن عيره بأن قضاعة كانت غزت تغلب ففعلت بهم فعل كندة، ولم يكن منهم في ذلك شيءٍ ولا أدركوا منهم ثاراً. قال: وقوله:
    أم علينا جرى حنيفة أم مـا

    جمعت من محاربٍ غبراء

    قال: وكانت حنيفة محالفةً لتغلب على بكر، فأذكر الحارث عمرو بن هند بهذا البيت قتل شمر بن عمرو الحنفي أحد بني سحيم المنذر بن ماء السماء غيلةً لما حارب الحارث بن جبلة الغساني، وبعث الحارث إلى المنذر بمائة غلام تحت لواء شمر هذا يسأله الأمان على أن يخرج له عن ملكه ويكون من قبله، فركن المنذر إلى ذلك وأقام الغلمان معه، فاغتاله شمر بن عمرو الحنفي فقتله غيلةً، وتفرق من كان مع المنذر، وانتهبوا عسكره. فحرضه بذلك على حلفاء بني تغلب بني حنيفة. قال وقوله:
    وثمانون من تـمـيمٍ بـأيدي

    هم رماح صدورهن القضاء

    يعني عمراً أحد بني سعد بن زيد مناة، خرج في ثمانين رجلاً من تميم فأغار على قوم من بني قطنٍ من تغلب يقال لهم بنو رزاحٍ كانوا يسكنون أرضاً تعرف بنطاع قريبةً من البحرين، فقتل فيهم وأخذ أموالاً كثيرة، فلم يدرك منه بثأر. قال: وقوله:
    ثم خيل من بعد ذاك مع الغلاق ولا رأفة ولا إبقاء

    قال: الغلاق صاحب هجائن النعمان بن المنذر، وكان من بني حنظلة بن زيد مناة تميمياً . وكان عمرو بن هند دعا بني تغلب بعد قتل المنذر إلى الطلب بثأره من غسان، فامتنعوا وقالوا: لا نطيع أحداً من بني المنذر أبداً! أيظن ابن هند أنا له رعاء !. فغضب عمرو بن هند وجمع جموعاً كثيرة من العرب، فلما اجتمعت آلى ألا يغزو قبل تغلب أحداً، فغزاهم فقتل منهم قوماً، ثم استعطفه من معه لهم واستوهبوه جريرتهم، فأمسك عن بقيتهم، وطلت دماء القتلى. فذلك قول الحارث:
    من أصابوا من تغلبي فمطلو

    ل عليه إذا تولى العـفـاء

    ثم اعتد على عمرو بحسن بلاء بكرٍ عنده فقال:
    من لنا عنده من الـخـير آيا

    ت ثلاث في كلهن القضـاء
    آية شارق الشقـيقة إذ جـا

    ءوا جميعاً لكل حـيٍ لـواء
    حول قيسٍ مستلئمين بكبـشٍ

    قرظـي كـأنـه عـبـلاء
    فرددناهم بضرب كـمـا يخ

    رج من خربة المزاد الماء
    ثم حجراً أعني ابن أم قطـامٍ

    وله فـارسـية خـضـراء
    أسد في اللقـاء ذو أشـبـالٍ

    وربيع إن شنعت غـبـراء
    فرددناهم بطعن كـمـا تـن

    هز في جمة الطوي الدلاء
    وفككنا غل امرئ القيس عنه

    بعدما طال حبسه والعـنـاء
    وأقدناه رب غسان بالـمـن

    ذر كرهاً وما تكال الدمـاء
    وفديناهم بـتـسـعة أمـلا

    كٍ كرامٍ أسلابهـم أغـلاء
    ومع الجون جون آل بني الأو

    س عنود كـأنـهـا دفـواء

    يعني بهذه الأيام أياماً كانت كلها لبكر مع المنذر، فمنها يوم الشقيقة وهم قوم شيبان جاءوا مع قيس بن معد يكرب ومعه جمع عظيم من أهل اليمن يغيرون على إبل لعمرو بن هند، فردتهم بنو يشكر وقتلوا فيهم، ولم يوصل إلى شيء من إبل عمرو بن هند. ومنها يوم غزا حجر الكندي، وهو حجر بن أم قطام، امرأ القيس وهو ماء السماء بن المنذر، لقيه ومع حجر جمع كثير من كندة، وكانت بكر مع امرئ القيس، فخرجت إلى حجر فردته وقتلت جنوده. وقوله:
    ففككنا غل امرئ القيس عنه

    وكانت غسان أسرته يوم قتل المنذر أبيه، فأغارت بكر بن وائل على بعض بوادي الشام فقتلوا ملكاً من ملوك غسان واستنقذوا امرأ القيس بن المنذر، وأخذ عمرو بن هند بنتاً لذلك الملك يقال لها ميسون. وقوله: وفديناهم بتسعة ...، يعني بني حجر آكل المرار. وكان المنذر وجه خيلاً من بكر في طلب بني حجر، فظفرت بهم بكر بن وائل فأتوا المنذر بهم وهم تسعة، فأمر بذبحهم في ظاهر الحيرة فذبحوا بمكان يقال له جفر الأملاك. قال: والجون جون آل بني الأوس: ملك من ملوك كندة وهو ابن عم قيس بن معد يكرب. وكان الجون جاء ليمنع بني آكل المرار ومعه كتيبة خشناء، فحاربته بكر فهزموه، وأخذوا بني الجون إلى المنذر فقتلهم .
    قال: فلما فرغ الحارث من هذه القصيدة حكم عمرو بن هند أنه لا يلزم بكر بن وائل ما حدث على رهائن تغلب، فتفرقوا على هذه الحال. ثم لم يزل في نفسه من ذلك شيء حتى هم باستخدام أم عمرو بن كلثوم تعرضاً لهم وإذلالاً، فقتله عمرو بن كلثوم. وخبره يذكر هناك .
    قصيدة له دالية: قال يعقوب بن السكيت أنشدني النضر بن شميل للحارث بن حلزة وكان يستحسنها ويستجيدها ويقول: لله درة ما أشعره: صوت:
    من حـاكـم بـــينـــي وبـــي

    ن الـدهـر مـال عـلـي عـمــدا
    أودى بـســادتـــنـــا وقـــد

    تركـوا لـنـا حـلـقــاً وجـــردا
    خيلي وفارسها

    وربّ أبيك كان أعز فقدا
    فلو أن ما يأوي

    إلي أصاب من ثهلان هدا
    فضعي قناعك إن ري

    ب الـدهـر قـد أفـنـى مـعـــدا
    فلـكـم رأيت مـــعـــاشـــراً

    قد جـمـعـــوامـــالاً وولـــدا
    وهـــم زبـــاب حـــــــائر

    لا تـســـمـــع الآذان رعـــدا
    فعـــش بـــجـــد لا يضـــر

    ك الـنـوك مـا لاقـــيت جـــدا
    والـعـيش خــير قـــي ظـــلا

    ل الـنـوك مـمـن عـاشكـــذا

    في البيت الأول من القصيدة والبيتين الأخيرين خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى لعبد الله بن العباس الربيعي، ومن الناس من ينسبه إلى بابويه.
    صوت:
    ألا هبي بصحنك فأصبحينا

    ولا تبقي خمور الأندرينا
    مشعشعة كأن الحص فيها

    إذا ما الماء خالطها سخينا

    عروضه من الوافر. الشعر لعمر بن كلثوم التغلبي. والغناء لإسحاق ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى من روايته. وفيه لإبراهيم ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو .
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل السبت يونيو 12, 2010 11:59 pm



    أمية بن أبي الصلت
    توفي 5 هـ / 627هــ
    هو أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عبد عوف من ثقيف كان يقرأ الكتب المتقدمة من الله عز وجل ورغب عن عبادة الأوثان وكان يخبر بأن نبيً يبعث قد أظل زمانه ويُؤمل أن يكون ذلك النبي فلما بعث النبي كفراً حسداً له. ولما أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره قال (( آمن لسانه وكفر قلبه )) وكان يحكي في شعره قصص الأنبياء ويأتي بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب يأتي بها من الكتب المتقدمة.
    قال أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((أبو الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عمرو بن عقدة بن عنزة بن عوف بن قسي ، وهو ثقيف. شاعر من شعراء الجاهلية قديم. وهذا الشعر يقوله في سيف بن ذي يزن لما ظفر بالحبشة يهنيه بذلك ويمدحه.
    وكان السبب في قدوم الحبشة اليمن وغلبتهم عليها وخروج سيف بن ذي يزن إلى كسرى يستنجد عليهم أن ملكاً من ملوك اليمن يقال له: ذو نواس غزا أهل نجران، وكانوا نصارى، فحصرهم؛ ثم إنه ظفر بهم فخدد لهم الأخاديد، وعرضهم على اليهودية فامتنعوا من ذلك، فحرقهم بالنار، وحرق الإنجيل، وهدم بيعتهم، ثم انصرف إلى اليمن، وأفلت منه رجل يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس، فركضه حتى أعجزهم في الرمل.
    ومضى دوس إلى قيصر ملك الروم يستغيثه ويخبره بما صنع ذو نواس بنجران، ومن قتل من النصارى، وأنه خرب كنائسهم، وبقر النساء، وهدم الكنائس، فما فيها ناقوس يضرب به. فقال له قيصر: بعدت بلادي عن بلادكم، ولكن أبعث إلى قوم من أهل ديني، أهل مملكته قريب منكم فينصرونكم. قال دوس ذو ثعلبان؛ فذاك إذاً، قال قيصر: إن هذا الذي أصنعه بكم أذل للعرب أن يطأها سودان ليس ألوانهم على ألوانهم، ولا ألسنتهم على ألسنتهم، فقال الملك: أنظر لأهل دينه إنما هو خوله.
    فكتب إلى ملك الحبشة أن انصر هذا الرجل الذي جاء يستنصرني، واغضب للنصرانية، فأوطىء بلادهم الحبشة.
    فخرج دوس ذو ثعلبان بكتاب قيصر إلى ملك الحبشة، فلما قرأ كتابه أمر أرياط - وكان عظيماً من عظمائهم - أن يخرج معه فينصره. فخرج أرياط في سبعين ألفاً من الحبشة، وقود على جنده قواداً من رؤسائهم، وأقبل بفيله، وكان معه أبرهة بن الصباح. وكان في عهد ملك الحبشة إلى أرياط: إذا دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها، وخرب ثلث بلادها، وابعث إلي بثلث نسائها. فخرج أرياط في الجنود فحملهم في السفن في البحر، وعبر بهم حتى ورد اليمن، وقد قدم مقدمات الحبشة، فرأى أهل اليمن جنداً كثيراً، فلما تلاحقوا قام أرياط في جنده خطيباً فقال: يا معشر الحبشة، قد علمتم أنكم لن ترجعوا إلى بلادكم أبداً، هذا البحر بين أيديكم إن دخلتموه غرقتم، وإن سلكتم البر هلكتم، واتخذتكم العرب عبيداً، وليس لكم إلا الصبر حتى تموتوا أو تقتلوا عدوكم.
    فجمع ذو نواس جمعاً كثيراً، ثم سار إليهم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكانت الدولة للحبشة، فظفر أرياط، وقتل أصحاب ذي نواس، وانهزموا في كل وجه. فلما تخوف ذو نواس أن سيؤسر ركض فرسه، واستعرض به البحر، وقال: الموت بالبحر أحسن من إسار أسود، ثم أقحم فرسه لجة البحر، فمضى به فرسه، وكان آخر العهد به.
    ثم خرج إليهم ذو جدن الهمذاني في قومه، فناوشهم، وتفرقت عنه همدان، فلما تخوف على نفسه قال: ما الأمر ما صنع ذو نواس، فأقحم فرسه البحر، فكان آخر العهد به.
    ودخل أرياط اليمن، فقتل ثلثاً، وبعث ثلث السبي إلى ملك الحبشة، وخرب ثلثاً، وملك اليمن، وقتل أهلها، وهدم حصونها، وكانت تلك الحصون بنتها الشياطين في عهد سليمان لبلقيس، واسمها بلقمة، وكان مما خرب من حصونهم: سلحون، وبينون، وغمدان، حصوناً لم ير مثلها. فقال الحميري ، وهو بذكر ما دخل على حمير من الذل:
    هونك أين ترد العين ما فاتـا

    لا تهلكن أسفاً في إثر من فاتا
    أبعد بينون لا عـين ولا أثـر

    وبعد سلحون يبني الناس أبياتا!

    قال: فلما ظفر أرياط أخذ الأموال، وأظهر العطاء في أهل الشرف، فغضبت الحبشة حين أعطى أشرافهم، وترك أهل الفقر منهم، واستذلهم وأجاعهم وأعراهم وأتعبهم في العمل، وكلفهم ما لا يطيقون، فجزع من ذلك الفقراء، وشكا ذلك بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما نرانا إلا أذلة أشقياء أينما كنا، إن كان قتال قدمنا في نحور العدو، وإن كان قتل قتلنا، وإن كان عمل فعلينا، والبلايا علينا، والعطايا لغيرنا، مع ما يقصينا ويجفونا.
    فقال لهم عند ذلك رجل من الحبشة يقال له أبرهة من قواد أرياط: لو أن رجلاً غضب لغضبكم إذاً لأسلمتموه حتى يذبح كما تذبح الشاة. قالوا: لا والمسيح، ما كنا نسلمه أبداً، فواثقوه بالإنجيل ألا يسلموه حتى يموتوا عن آخرهم.
    فنادى مناديه فيهم، فاجتمعوا إليه فبلغ ذلك أرياط أن أصحم أبرهة جمع لك الجموع، ودعا الناس إلى قتالك. قال: أو قد فعل ذلك أبرهة، وهو ممن لا بيت له في الحبشة! وغضب أرياط غضباً شديداً، وقال: هو أدنى من ذلك نفساً وبيتاً، هذا باطل.
    قالوا: فأرسل إليه؛ فإن أتاك فهو باطل، وإن لم يأتك فاعلم أنه كما يقال، فأرسل إليه: أجب الملك أرياط. فجثا أبرهة على ركبتيه وخر لوجهه، وأخذ عوداً من الأرض فجعله في فيه، وقال للرسول: اذهب إلى الملك فأخبره بما رأيت مني، أنا أخلعه؟ أنا أشد تعظيماً له من ذلك! وأنا آتيه على أربع قوائم بحساب البهيمة.
    فرجع الرسول إلى الملك فأخبره بالخبر، فقال: ألم أقل لكم؟ قالوا: الملك أعقل وأعلم منا.
    فلما ولى الرسول من عند أبرهة وتوارى عنه صاح أبرهة في الفقراء من الحبشة، فاجتمعوا إليه معهم السلاح، والآلة التي كانوا يعملون بها ويهدمون بها مدن اليمن: المعاول والكرازين والمساحي، ثم صفوا صفاً، وصفوا خلفه آخر بإزائه. فلما أبطأ أبرهة على الملك وهو يرى أنه يأتيه على أربع قوائم كما قال، وأتى الرسول أرياط فأخبره بما صنع أبرهة، ركب في الملوك ومن تبعه من أتباعهم، فلبسوا السلاح وجاءوا بالفيلة، وكان معه سبعة فيلة، حتى إذا دنا بعضهم من بعض برز أبرهة بين الصفين، فنادى بأعلى صوته: يا معشر الحبشة، الله ربنا، والإنجيل كتابنا، وعيسى نبينا، والنجاشي ملكنا، علام يقتل بعضنا بعضاً في مذهب النصرانية؟ هذا رجل وأنا رجل فخلوا بيني وبينه، فإن قتلني عاد الملك إلى ما كان عليه من أثرة الأغنياء وإهلاك الفقراء، وإن قتلته سلمتم وعملت فيكم بالإنصاف بينكم ما بقيت. فقال الملوك لأرياط: قد أخبرناك أنه صنع ما قد ترى، وقد أبيت إلا حسن الرأي فيه، وقد أنصفك. وكان أرياط قد عرف بالشجاعة والنجدة، وكان جميلاً، وكان أبرهة قصيراً دميماً قبيحاً منكر الجمة ، فاستحيا أرياط من الملوك أن يجبن، فبرز بين الصفين، ومشى أحدهما إلى صاحبه، وحمل عليه أرياط فضرب أبرهة ضربة وقع منها حاجباه وعامة أنفه، ووقع بين رجلي أرياط، فعمد أبرهة إلى عمامته فشد بها وجهه، فسكن الدم والتأم الجرح، وأخذ عوداً وجعله في فيه، وقال: أيها الملك، إنما أنا شاة فاصنع ما أردت، فقد أبصرت أمري. ففرح أرياط بما صنع، وكان أبرهة قد سم خنجراً، وجعله في بطن فخذه، كأنه خافية نسر.
    فلما رأى أبرهة أن أرياط قد أفلت عنه، وهو ينظر يميناً وشمالاً؛ لئلا تراه ملوك الحبشة، استل خنجره فطعنه طعنة في فرج درعه فأثبته ، وخر أرياط على قفاه، وقعد أبرهة على صدره فأجهز عليه. فسمى أبرهة الأشرم بتلك الضربة التي شرمت وجهه وأنفه.
    فملك أبرهة عشرين سنة، ثم ملك بعد أبرهة ابنه يسكوم، ثم أخوه مسروق بن أبرهة، وأمه ريحانة امرأة ذي يزن أم سيف بن ذي يزن الحميري.
    فلما طال على أهل اليمن البلاء مشوا إلى سيف بن ذي يزن الحميري، فكلموه في الخروج، وقالوا إنا نجد فيما روت حمير عن خبر لسطيح أنه يوشك أن هذا البلاء يفرج بيد رجل من أهل بيتك ابن ذي يزن، وقد رجونا أن ندرك بثأرنا، فأنعم لهم. فخرج إلى قيصر ملك الروم، فكلمه أن ينصره على الحبشة، فأبى، وقال: الحبشة على ديني ودين أهل مملكتي، وأنتم على دين يهود، فخرج من عنده يائساً.
    فخرج عامداً إلى كسرى، فانتهى إلى النعمان بن المنذر بالحيرة فدخل عليه، فأخبره بما لقي قومه من الحبشة، فقال: أقم؛ فإن لي على الملك كسرى إذناً في كل سنة، وقد حان ذلك.
    فلما خرج أخرج معه سيف بن ذي يزن فأدخله على كسرى، فقال: غلبنا على بلادنا، وغلب الأحابيش علينا، وأنا أقرب إليك منهم، لأني أبيض وأنت أبيض، وهم سودان. فقال: بلادك بلاد بعيدة، ولا أبعث معك جيشاً في غير منفعة، ولا أمر أخافه على ملكي.
    فلما أيأسه من النصر أمر له بعشرة آلاف درهم واف، وكساه كساً.
    فلما خرج بها من باب كسرى نثرها على الصبيان والعبيد، فرأى ذلك أصحاب كسرى، فقالوا ذلك له؛ فأرسل إليه: لم صنعت بجائزة الملك؟ تنثرها للصبيان والناس؟ فقال سيف: وما أعطاني الملك! جبال أرضى ذهب وفضة، جئت إلى الملك ليمنعني من الظلم، ولم آته ليعطيني الدراهم، ولو أردت الدراهم كان ذلك في بلدي كثيراً.
    فقال كسرى: أنظر في أمرك. فخرج سيف على طمع، وأقام عنده فجعل سيف كلما ركب كسرى عرض له، فجمع له كسرى مرازبنه، وقال: ما ترون في هذا العربي، وقد رأيته رجلاً جلداً؟ فقال قائل منهم: إن في السجون قوماً قد سجنهم الملك في موجدة عليهم، فلو بعثهم الملك معه فإن قتلوا استراح منهم، وإن ظفروا بما يريد هذا العربي فهو زيادة في ملك الملك. فقال كسرى: هذا الرأي.
    وأمر بهم كسرى فأحضروا فوجد ثمانمائة رجل، فولى أمرهم رجلاً معهم يقال له وهرز، وكان رامياً شجاعاً مع مكانة في الفرس، وجهزهم، وأعطاهم سلاحاً، وحملهم في البحر في ثماني سفن، فغرقت سفينتان، وبقي من بقي وهم ستمائة رجل؛ فأرسلوا إلى ساحل عدن، فلما ارسوا قال وهرز لسيف: ما عندك، فقد جئنا بلادك؟ فقال: ما شئت من رجل عربي وفرس عربي، ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعاً أو نظرف جميعاً.
    قال وهرز: أنصفت. فاستجلب سيف من استطاع من اليمن، ثم زحفوا إلى مسروق بن أبرهة، وقد سمع بهم مسروق وبتعيبتهم، فجمع إليه جنده من الحبشة، وسار إليهم، والتقى العسكران، وجعلت أمداد اليمن تثوب إلى سيف، وبعث وهرز ابناً له كان معه على جريدة خيل، فقال: ناوشوهم القتال، حتى ننظر قتالهم، فناوشهم ابنه، وناوشوه شيئاً من قتال، ثم تورط ابنه في هلكة لم يستطع التخلص منها؛ فاشتملوا عليه فقتلوه، فازداد وهرز عليهم حنقاً. وسيء العرب، وفرحت الحبشة، فأظهروا الصليب، فوتر وهرز قوسه، وكان لا يقدر أن يوترها غيره.
    وقال وهرز والناس في صفوفهم: انظروا أين ترون ملكهم؟ قال سيف : أرى رجلاً قاعداً على فيل تاجه على رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء. قال: ذلك ملكهم. وقال وهرز: اتركوه. ثم وقف طويلاً، ثم قال: انظروا هل تحول؟ قالوا: قد تحول على فرس. قال: هذا منه اختلاط. ثم وقف طويلاً، وقال: انظروا هل تحول؟ قالوا: قد تحول على بغلة، فقال: ابنة الحمار، ذل الأسود وذل ملكه، ثم قال لأصحابه: نقتله في هذه الرمية، تأملوا النشابة، وأخذ النشابة وجعل فوقها في الوتر، ثم نزع فيها حتى ملأها، وكان أيداً ، ثم أرسلها فصحكت الياقوتة التي بين عيني ملكهم مسروق، فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه، وحملت عليهم الفرس، فانهزمت الحبشة في كل وجه، وجعلت حمير تقتل من أدركوا منهم، وتجهز على جريحهم.
    وأقبل وهرز يريد أن يدخل صنعاء، وكان موضعهم الذي التقوا فيه خارج صنعاء، وكان اسم صنعاء: أزال ، فلما قدمت الحبشة بنوها وأحكموها، فقالت: صنعة؛ فسميت صنعاء، وكانت صنعاء مدينة لها باب صغير يدخل منه، فلما دنا وهرز من باب المدينة رآه صغيراً، فقال: لا تدخل رايتي منكسة، اهدموا الباب، فهدم باب صنعاء، ودخل ناصباً رايته وسير بها بين يديه. فقال سيف بن ذي يزن: ذهب ملك حمير آخر الدهر، لا يرجع إليهم أبداً.
    فملك وهرز اليمن، وقهر الحبشة، وكتب إلى كسرى يخبره: إني قد ملكت للملك اليمن، وهي أرض العرب القديمة التي تكون فيها ملوكهم، وبعث بجوهر، وعنبر، ومال، وعود، وزباد ، وهو جلود لها رائحة طيبة.
    فكتب كسرى يأمره أن يملك سيفاً، ويقدم وهرز إلى كسرى.
    فخلف على اليمن سيفاً، فلحا خلا سيف باليمن وملكها عدا على الحبشة، فجعل يقتل رجالها ويبقر نساءها عما في بطونها، حتى أفناها إلا بقايا منها أهل ذلة وقلة، فاتخذهم خولاً، واتخذ منهم جمازين بحرابهم بين يديه.
    فمكث كذلك غير كثير، وركب يوماً وتلك الحبشة معه، ومعهم حرابهم يسعون بها بين يديه، حتى إذا كان وسطاً منهم مالوا عليه بحرابهم فطعنوه بها حتى قتلوه.
    وكان سيف قد آلى ألا يشرب الخمر، ولا يمس امرأة حتى يدرك ثأره من الحبشة، فجعلت له حلتان واسعتان فأتزر بواحدة، وارتدى الأخرى، وجلس على رأس غمدان يشرب، وبرت يمينه. وخرج بعد ذلك يتصيد فقتلته الحبشة.
    وكان ملك أرياط عشرين سنة، وملك أبرهة ثلاثاً وعشرين سنة، وملك يكسوم تسع عشرة سنة، وملك مسروق اثنتي عشرة سنة، فهذه أربع وسبعون سنة.
    وكان قدوم أهل فارس اليمن مع وهرز بعد الفجار بعشر سنين، وقبل بنيان قريش البيت بخمس سنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثلاثين سنة أو نحوها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد بعد قدوم الفيل بخمس وخمسين ليلة.
    وفود العرب تقدم على سيف لتهنئته بالنصر

    ونسخت خبر مديحه سيفاً بهذا الشعر من كتاب عبد الأعلى بن حسان، قال: حدثنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وحدثني به محمد بن عمران المؤدب بإسناد لست أحفظ الاتصال بينه وبين الكلبي فيه، فاعتمدت هذه الرواية، قال: لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة، وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها لتهنيه وتمدحه، وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه؛ فأتته وفود العرب من قريش، فأتوه بصنعاء، وهو على رأس قصر له يقال له: غمدان، فأخبره الآذن بمكانهم، فأذن لهم، فدخلوا عليه وهو على شرابه، وعلى رأس غلام واقف ينثر في مفرقه المسك، وعن يمينه ويساره الملوك والمقاول، وبين يديه أمية بن الصلت الثقفي ينشده قوله فيه هذه الأبيات :
    لا يطلب الثأر إلا كابن ذي يزن

    في البحر خيم للأعداء أحـوالا
    أتى هرقل وقد شالت نعامـتـه

    فلم يجد عنده النصر الذي سـالا
    ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشرة

    من السنين يهين النفس والمـالا
    حتى أتى ببني الأحرار يقدمهـم

    تخالهم فوق متن الأرض أجبالا
    لله درهم من فـتـية صـبـروا

    ما إن رايت لهم في الناس أمثالا
    بيض مـرازبة غـلـب أسـاورة

    أسد تربت في الغيضات أشـبـالا
    فالتط من المسك إذ شالت نعامتهم

    وأسبل اليوم في برديك إسـبـالا
    واشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقـاً

    في رأس غمدان داراً منك محلالا
    تلك المكارم لا قعبان مـن لـبـن

    شيباً بماء فعـادا بـعـدأبـوالا

    بنو الأحرار الذين عناهم أمية في شعره هم الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن، وهم إلى الآن يسمون بني الأحرار بصنعاء، ويسمون باليمن الأبناء، وبالكوفة الأحامرة؛ وبالبصرة الأساورة، وبالجزيرة الخضارمة، وبالشام الجراجمة.
    فبدأ عبد المطلب فاستأذن في الكلام، فقال له سيف بن ذي يزن: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك، فقد أذنا لك، فقال عبد المطلب: إن الله قد أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً، صعباً منيعاً، شامخاً باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعزت جرثومته، في أكرم موطن، وأطيب معدن؛ فأنت - أبيت اللعن - ملك العرب، وربيعها الذي به تخصب، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي إليه يلجأ العباد، فسلفك لنا خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلم يحمل من أنت خلفه، ولن يهلك من أنت سلفه نحن أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا؛ لكشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفود التهنية لا وفود المرزية.
    قال: وأيهم أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم، قال: ابن أختنا؟ قال: نعم. فأدناه حتى أجلسه إلى جنبه، ثم أقبل على القوم وعليه، فقال: مرحباً وأهلاً، وناقة ورحلاً، ومستناخاً سهلاً، وملكاً ربحلا ، يعطى عطاء جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، وأنتم أهل الشرف والنباهة، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم.

    سيف يسر اه أمارات ظهور النبي ثم استنهضوا إلى دار الضيافة والوفود، فأقاموا فيها شهراً لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم في الإنصراف، وأجرى لهم الأنزال . ثم انتبه لهم انتباهةً، فأرسل إلى عبد المطلب، فأدناه، وأخلى مجلسه، ثم قال: يا عبد المطلب، إني مفوض إليك من سر علمي أمراً لو يكون غيرك لم أبح به إليه، ولكني رأيتك موضعه، فأطلعتك طلعه؛ فليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره.

    إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا، واحتجناه دون غيرنا، خبراً عظيماً، وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاء للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.
    قال عبد المطلب: مثلك أيها الملك من سر وبر، فما هو فداك أهل الوبر، زمراً بعد زمر؟ قال ابن ذي يزن: إذا ولد غلام بتهامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة، إلى يوم القيامة.
    قال عبد المطلب: أيها الملك، لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد، ولولا هيبة الملك وإكرامه وإعظامه لسألته أن يزيدني في البشارة ما أزداد به سروراً. قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد؟ اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، يموت أبوه وأمه، ويكلفه جده وعمه، قد ولدناه مراراً، والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، يضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، يخمد النيران، ويدحر الشيطان، ويكسر الأوثان، ويعبد الرحمن، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
    فقال عبد المطلب: أيها الملك، عز جدك، وعلا كعبك، ودام ملكك، وطال عمرك، فهل الملك مخبري بإفصاح، فقد أوضح لي بعض الإيضاح.
    فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النصب، إنك يا عبد المطلب، لجده غير الكذب. فخر عبد المطلب ساجداً، فقال له: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا أمرك؛ فهل أحسست شيئاً مما ذكرته لك؟ فقال عبد المطلب: أيها الملك! كان لي ابن، وكنت به معجباً، وعليه رفيقاً، زوجته كريمة من كرائم قومي، اسمها آمنة بنت وهب؛ فجاءت بغلام سميته محمداً، مات أبوه وأمه؛ وكفلته أنا وعمه. قال: الأمر ما قلت لك؛ فاحتفظ بابنك، واحذر عليه من اليهود؛ فإنهم له أعداء، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلاً، واطو ما ذكرت لك عن هؤلاء الرهط الذين معك؛ فإني لا آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون له الرياسة؛ فينصبون له الحبائل، ويطلبون له الغوائل، وهم فاعلون وأبناؤهم، وبطيء ما يجيبه قومه؛ وسيلقى منهم عنناً، والله مبلج حجته؛ ومظهر دعوته، وناصر شيعته، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي؛ حتى أصير يثر دار ملكي؛ فإن أجد في الكتاب المكنون أن بيثرب استحكام أمره، وأهل نصرته، وموضع قبره؛ ولولا أن أتوقى عليه الآفات، وأحذر عليه العاهات، لأعلنت على حداثة سنه أمره، ولكني صارف ذلك إليك من غير تقصير مني بمن معك.
    يجزل العطاء لعبد المطلب وصحبه قال: ثم أمر لكل رجل بعشرة أعبد، وعشرة إماء، ومائة من الإبل وحلتين بروداً، وخمسة أرطال ذهباً، وعشرة أرطال فضة، وكرش مملوءة عنبراً، ثم أمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك.
    وقال: يا عبد المطلب، إذا حال الحول فائتني. فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول.
    وكان عبد المطلب كثيراً ما يقول: يا معشر قريش، لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك، وإن كثر؛ فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني بما بقي لي شرفه وذكره إلى يوم القيامة. فإذا قيل له: وما ذاك؟ قال: ستعلمون نبأ ما أقول، ولو بعد حين.
    وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس :
    جلبنا النصح تحمله المطـايا

    إلى أكوار أجمـال ونـوق
    مغلغلة مرافقـهـا ثـقـالاً

    إلى صنعاء من فج عمـيق
    تؤم بنا ابن ذي يزن ونهـدي

    مخاليها إلى أمم الطـريق
    فلما وافقت صنعاء صارت

    بدار الملك والحسب العريق

    أخبرني علي بن عبد العزيز، قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن خرداذبة، قال: كان أحمد بن سعيد بن قادم المعروف بالمالكي، أحد القواد مع طاهر بن الحسين بن عبد الله بن طاهر، فكان معه بالري، وكان مع محله من خدمة السلطان مغنياً حسن الغناء، وله صنعة، فحضر مجلس طاهر بن عبد الله، وهو متنزه بظاهر الري بموضع يعرف بشاذمهر، وقيل: بل حضره بقصره بالشاذياخ ، فغنى هذا الصوت:
    اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً

    في رأس غمدان.....البـيت

    فقال ابن عباد الرازي في وقته من الشعر مثل ذلك المعنى، وصنع فيه، وغنى فيه أحمد بن سعيد لحناً من خفيف الرمل وهو : صوت
    اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقـاً

    بالشاذياخ ودع غمدان للـيمـن
    فأنت أولى بتاج الملك تلبـسـه

    من هوذة بن علي وابن ذي يزن

    فطرب طاهر، فاستعاده مرات، وشرب عليه حتى سكر، وأسنى لأحمد بن سعيد الجائزة.
    أما ذكره هوذة بن علي ولبسه التاج؛ فإن السبب في ذلك أن كسرى توج هوذة بن علي الحنفي، وضم إليه جيشاً من الأساورة، فأوقع ببني تميم يوم الصفقة .
    يوم الصفقة أخبرني بالسبب في ذلك علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا أبو سعيد السكري، قال: حدثنا ابن حبيب ودماذ، عن أبي عبيدة، قال ابن حبيب: قال أبو سعيد: وأخبرنا إبراهيم بن سعدان، عن أبيه، عن أبي عبيدة، قال ابن حبيب: وأخبرني ابن الأعرابي، عن المفضل، قال أبو سعيد، قالوا جميعاً: كان من حديث يوم الصفقة أن باذام عامل كسرى باليمن بعث إلى كسرى عيراً تحمل ثياباً من ثياب اليمن، ومسكاً وعنبراً، وخرجين فيهما مناطق محلاة، وخفراء تلك العير فيما يزعم بعض الناس بنو الجعيد المراديون. فساروا من اليمن لا يعرض لهم أحد، حتى إذا كان بحمض من بلاد بني حنظلة بن يربوع وغيرهم، أغاروا عليها فقتلوا من فيها من بني جعيد والأساورة، واقتسموها، وكان فيمن فعل ذلك ناجية بن عقال، وعتبة بن الحارث بن شهاب، وقعنب بن عتاب، وجزء بن سعد، وأبو مليل عبد الله بن الحارث، والنطف بن جبير، وأسيد بن جنادة، فبلغ ذلك الأساورة الذين بهجر مع كزارجر المكعبر، فساروا إلى بني حنظلة بن يربوع، فصادفوهم على حوض، فقاتلوهم قتالاً شديداًن فهزمت الأساورة، وقتلوا قتلاً شديداً ذريعاً، ويومئذ أخذ النطف الخرجين اللذين يضرب بهما المثل .
    فلما بلغ كسرى استشاط غضباًن وأمر بالطعام فادخر بالمشقر ومدينة اليمامة، وقد أصابت الناس سنة شديدة، ثم قال: من دخلها من العرب فأميروه ما شاء .
    فبلغ ذلك الناس، قال: وكان أعظم من أتاهم بنو سعد، فنادى منادي الأساورة: لا يدخلها عربي بسلاح، فأقيم بوابون على باب المشقر، فإذا جاء الرجل ليدخل قالوا: ضع سلاحك، وامتر، واخرج من الباب الآخر؛ فيذهب به إلى رأس الأساورة فيقتله، فيزعمون أن خيبري بن عبادة بن النوال بن مرة بن عبيد - وهو مقاعس - قال: يا بني تميم؛ ما بعد السلب إلا القتل، وأرى قوماً يدخلون ولا يخرجون، فانصرف منهم من انصرف من بقيتهم، فقتلوا بعضهم وتركوا بعضاً محتبسين عندهم. هذا حديث المفضل.
    وأما ما وجد عن ابن الكلبي في كتاب حماد الراوية، فإن كسرى بعث إلى عامله باليمن بعير، وكان باذام على الجيش الذي بعثه كسرى إلى اليمن، وكانت العير تحمل نبعاً ، فكانت تبذرق من المدائن حتى تدفع إلى النعمان، ويبذرقها النعمان بخفراء من بني ربيعة ومضر حتى يدفعها إلى هوذة بن علي الحنفي، فيبذرقها حتى يخرجها من أرض بني حنيفة، ثم تدفع إلى سعد، وتجعل لهم جعالة، فتسير فيها، فيدفعونها إلى عمال باذام باليمن.
    فلما بعث كسرى بهذه العير قال هوذة للأساورة: انظروا الذي تجعلونه لبني تميم فأعطونيه؛ فأنا أكفيكم أمرهم، وأسير فيها معكم، حتى تبلغوا مأمنكم، فخرج هوذة والأساورة والعير معهم من هجر، حتى إذا كانو ابنطاع بلغ بني سعد ما صنع هوذة، فساروا إليهم، وأخذوا ما كان معهم، واقتسموه وقتلوا عامة الأساورة، وسلبوهم، وأسروا هوذة بن علي، فاشترى هوذة نفسه بثلاثمائة بعير، فساروا معه إلى هجر، فأخذوا منه فداءه، ففي ذلك يقول شاعر بني سعد:
    ومنا رئيس القوم ليلة أدلجـوا

    بهوذة مقرون اليدين إلى النحر
    وردنا به نخل اليمامة عـانـياً

    عليه وثاق القد والحلقالسمر

    فعمد هوذة عند ذلك إلى الأساورة الذين أطلقهم بنو سعد، وكانوا قد سلبوا، فكساهم وحملهم، ثم انطلق معهم إلى كسرى، وكان هوذة رجلاً جميلاً شجاعاً لبيباً، فدخل عليه فقص أمر بني تميم وما صنعوا، فدعا كسرى بكأس من ذهب فسقاه فيها، وأعطاه إياها وكساه قباء ديباج منسوجاً بالذهب واللؤلؤ، وقلنسوة قيمتها ثلاثون ألف درهم، وهو قول الأعشى :
    له أكاليل بالياقوت فصـلـهـا

    صواغها لا ترى عيباً ولا طبعا

    وذكر أن كسرى سأل هوذة عن ماله ومعيشته فأخبره أنه في عيش رغد، وأنه يغزو المغازي المغازي فيصيب.
    فقال له كسرى في ذلك: كم ولدك؟ قال: عشرة، قال: فأيهم أحب إليك؟ قال: غائبهم حتى يقدم، وصغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ. قال كسرى: الذي أخرج منك هذا العقل حملك على أن طلبت مني الوسيلة. وقال كسرى لهوذة: رأيت هؤلاء الذين قتلوا أساورتي، وأخذوا مالي، أبينك وبينهم صلح؟.
    قال هوذة: أيها الملك بيني وبينهم حساء الموت، وهم قتلوا أبي. فقال كسرى: قد أدركت ثأرك، فكيف لي بهم. قال هوذة: إن أرضهم لا تطيقها أساورتك، وهم يمتنعون بها، ولكن احبس عنهم الميرة، فإذا فعلت ذلك بهم سنة أرسلت معي جنداً من أساورتك، فأقيم لهم السوق؛ فإنهم يأتونها، فتصيبهم عند ذلك خيلك. ففعل كسرى ذلك، وحبس عنهم الأسواق في سنة مجدبة، ثم سرح إلى هوذة فأتاه، فقال: ائت هؤلاء فاشفني منهم، واشتف. وسرح معهم جوار بودار ورجلاً من أردشير خره. فقال لهوذة: سر مع رسولي هذا، فسار في ألف أسوار حتى نزلوا المشقر من أرض البحرين، هو حصن هجر.
    وبعث هوذة إلى بني حنيفة فأتوه، فدنوا من حيطان المشقر، ثم نودي: إن كسرى قد بلغه الذي أصابكم في هذه السنة، وقد أمر لكم بميرة، فتعالوا، فامتاروا. فانصب عليهم الناس، وكان أعظم من أتاهم بنو سعد، فجعلوا إذا جاءوا إلى باب المشقر أدخلوا رجلاً رجلاً، حتى يذهب به إلى المكعبر فتضرب عنقه، وقد وضع سلاحه قبل أن يدخل، فيقال له: ادخل من هذا الباب واخرج من الباب الآخر، فإذا مر رجل من بني سعد بينه وبين هوذة إخاء، أو رجل يرجوه، قال للمكعبر: هذا من قومي فيخليه له.
    فنظر خيبري بن عبادة إلى قومه يدخلون ولا يخرجون، وتؤخذ أسلحتهم، وجاء ليمتار، فلما رأى ما رأى قال: ويلكم! أين عقولكم! فوالله ما بعد السلب إلا القتل.
    وتناول سيفاً من رجل من بني سعد يقال له مصاد، وعلى باب المشقر سلسلة ورجل من الأساورة قابض عليها، فضربها فقطعها ويد الأسوار، فانفتح الباب، فإذا الناس يقتلون، فثارت بنو تميم.
    ويقال: إن الذي فعل هذا رجل من بني عبس يقال له: عبيد بن وهب، فلما علم هوذة أن القوم قد نذروا به أمر المكعبر فأطلق منهم مائة من خيارهم، وخرج هارباً من الباب الأول هو والأساورة، فتبعتهم بنو سعد والرباب، فقتل بعضهم، وأفلت من أفلت.
    صوت
    إذا سلكت حوران من رمل عالج

    فقولا لها: ليس الطريق هنالك
    دعوا فلجات الشام قد حيل دونها

    بضرب كأفواه العشارالأوارك

    عروضه من الطويل. الشعر لحسان بن ثابت، والغناء لابن محرز، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول، مطلق في مجرى البنصر.
    وهذا الشعر يقوله حسان بن ثابت لقريش حين تركت الطريق الذي كانت تسلكه إلى الشام بعد غزوة بدر، واستأجرت فرات بن حيان العجلي دليلاً، فأخذ بهم غيرها، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر، فأرسل زيد بن حارثة في سرية إلى العير فظفر بها، وأعجزه القوم.
    المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:00 am

    زهير بن أبي سلمى
    530- 627م

    هو شاعر جاهلي حكيم، اسمه زهير بن أبي سلمى. ولد في نجد، في الجزيرة العربية.

    مات أبوه وهو صغير، فترعرع يتيماً، غريباً في بني غطفان أخوال أبيه، وتخرج على شاعرهم خاله بشامة بن الغدير الذي أورثه ماله وأخلاقه، وأفاده بخبرته وشعره، كما أفاده زوج أمه أوس بن حجر الشاعر المشهور في الجاهلية، وصاحب الطريقة المعروفة باسمه، والتي تقوم على تنحّل الأشعار ومتانة السبك.

    قامت حرب دامية بين قبيلتي ذبيان وعبس، عرفت بحرب داحس والغبراء. وقد عاش زهير أحداثها، ورأى وشاهد ما خلفته هذه الحروب من يتم وهلاك وعذاب وفقر، مما ترك أبعد الأثر في نفسه.

    أضاف إلى شعوره باليتم والغربة شعوراً آخر بعدم الاستقرار والأسف للسفه والطيش والدم المسفوك، الأمر الذي وجه شعر زهير وجهة التفاعل مع أحداث عصره ومشاكل مجتمعه. كما أن عمه الطويل أكسب هذا الشعر صفة العمق والحكمة والانطباع بواقع العصر والحياة.

    وزهير من أصحاب المعلقات، ومطلع معلقته:

    أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌلَمْ تَكَلَّـمِ بحومانة الدّرّاج فالمتثلمِ

    وقد ضمّن معلقته أبياته الحكيمة المشهورة، التي بدأها متذمراً من طول عمره الذي جاوز الثمانين:

    سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أب لك يسأمِ

    ويدعو زهير في المعلقة إلى تجنب الحروب التي لا تنتج إلى الموت والدمار. ويبدو في حِكمه الرشيدة مصلحاً اجتماعياً وحكيماً رصيناً متعقلاً، الأمر الذي دفع الخليفة عمر بن الخطاب إلى الإعجاب بآرائه الحكيمة، ففضله بها على سائر شعراء الجاهلية، إذ قال فيه: "أَشعر الشعراء صاحب مَن ومَن ومَن".

    ومن حكمه الرائعة الخالدة:

    ومَن لم يذد عن حوضه بسلاحه يُهدَّم ومن لا يظلمِ الناس يـظلمِ
    لسان الفتى نصفّ ونصفٌ فؤاده فـلم يبقَ إلا صورة اللـحمِ والدمِ
    قال عنه أبو الفرج الأصفهاني في كتابه "الأغاني": ((هو زهير بن أبي سلمى . واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن الأصم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار. ومزينة أم عمرو بن أد هي بنت كلب بن وبرة.
    هو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء: وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، وإنما اختلف في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه. فأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم امرؤ قيس وزهير والنابغة الذبياني.
    قال جريرهو شاعر الجاهلية: أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن أبي قيس عن عكرمة بن جرير عن أبيه قال: شاعر أهل الجاهلية زهير.
    قال عمر لابن عباس إنه شاعر الشعراء: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا هارون بن عمر قال حدثنا أيوب بن سويد قال حدثنا يحيى بن يزيد عن عمر بن عبد الله الليثي " عن ابن عباس " قال: قال عمر بن الخطاب ليلة مسيره إلى الجابية : أين ابن عباس؟ فأتيته ؛ فشكا تخلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقلت : أو لم يعتذر إليك؟ قال بلى. قلت: فهو ما اعتذر به. ثم قال: أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر. إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة - ثم ذكر قصةً طويلةً ليست من هذا الباب فتركتها أنا - ثم قال: هل تروي لشاعر الشعراء؟ قلت: ومن هو؟ قال: الذي يقول:
    ولو أن حمداً يخلد الناس أخلدوا

    ولكن حمد الناس ليسبمخلـد

    قلت: ذاك زهير. قال: فذاك شاعر الشعراء. قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنه لا يعاظل في الكلام وكان يتجنب وحشي الشعر، ولم يمدح أحداً إلا بما فيه. قال الأصمعي: يعاظل بين الكلام: يداخل فيه . ويقال: يتبع حوشي الكلام، ووحشي الكلام، والمعنى واحد.
    كان قدامة بن موسى يقدمه على سائر الشعراء: أخبرنا أبو خليفة قال قال ابن سلام وأخبرني عمر بن موسى الجمحي عن أخيه قدامة بن موسى - وكان من أهل العلم -: أنه كان يقدم زهيراً. قلت: فأي شيء كان أعجب إليه؟ قال: الذي يقول فيه:
    قد جعل المبتغون الخير من هرمٍ

    والسائلون إلى أبوابه طـرقـا

    قال ابن سلام وأخبرني أبو قيس العنبري - ولم أر بدوياً يفي به - عن عكرمة بن جرير قال: قلت لأبي: يا أبت من أشعر الناس؟ قال: أعن الجاهلية تسألني أم عن الإسلام؟ قلت: ما أردت إلا الإسلام. فإذا ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها. قال: زهيرٌ أشعر أهلها. قلت: فالإسلام؟ قال: الفرزدق نبعة الشعر. قلت: فالأخطل؟ فقال: يجيد مدح الملوك ويصيب وصف الخمر. قلت: فما تركت لنفسك؟ قال: نحرت الشعر نحراً.
    قال عنه الأحنف بن قيس هو أشعر الشعراء: أخبرني الحسن بن علي قال أخبرنا الحارث بن محمد عن المدائني عن عيسى بن يزيد قال: سأل معاوية الأحنف بن قيسٍ عن أشعر الشعراء، فقال: زهير. قال: وكيف؟ قال: ألقى عن المادحين فضول الكلام. قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله:
    فما يك من خيرٍ أتوه فإنما

    توارثه آباء آبائهم قبـل

    مدح عمر بن الخطاب شعره وروى منه: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن عمرو القيسي قال حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان عن زيد بن ثابت عن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عباس، قال: وحدثنيه غيره وهو أتم من حديثه، قال قال ابن عباس: خرجت مع عمر في أول غزاةٍ غزاها. فقال لي ذات ليلة: يا بن عباس أنشدني لشاعر الشعراء. قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: ابن أبي سلمى. قلت: وبم صار كذلك؟ قال: لأنه لا يتبع حوشي الكلام. ، ولا يعاظل من المنطق، ولا يقول إلا ما يعرف، ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه. أليس الذي يقول:
    إذا ابتدرت قيس بن عيلان غايةً

    من المجد من يسبق إليها يسود
    سبقت إليها كل طلـقٍ مـبـرز

    سبوقٍ إلى الغايات غير مزنـد
    كفعل جوادٍ يسبق الخيل عفوه ال

    سراع وإن يجهد ويجهدن يبعـد
    ولو كان حمدٌ يخلد الناس لم تمت

    ولكن حمد الناس ليسبمخـلـد

    أنشدني له، فأنشدته حتى برق الفجر. قال: حسبك الآن، إقرأ القرآن. قلت: وما أقرأ؟ قال: اقرأ الواقعة، فقرأتها ونزل فأذن وصلى.
    أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن عبيد قال أخبرنا أبو عبيدة عن عيسى بن يزيد بن بكر قال قال ابن عباس: خرجت مع عمر، ثم ذكر الحديث نحو هذا.
    استعاذ منه النبي " صلى الله عليه وسلم " فما قال شعراً حتى مات: وجدت في بعض الكتب عن عبد الله بن شبيب عن الزبير بن بكار عن حميد بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن أخيه إبراهيم بن محمد يرفعه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى زهير بن أبي سلمى وله مائة سنة فقال: " اللهم أعذني من شيطانه " فما لاك بيتاً حتى مات.
    خرج أبوه أبو سلمى مع خاله وابن خاله لغزو طيء فمنعاه حقه في المغنم، وشعره في ذلك: قال ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني: كان من حديث زهير وأهل بيته أنهم كانوا من مزينة، وكان بنو عبد الله بن غطفان جيرانهم، وقدماً ولدتهم بنو مرة. وكان من أمر أبي سلمى أنه خرج وخاله أسعد بن العدير بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض وابنه كعب بن أسعد في ناسٍ من بني مرة يغيرون على طيء، فأصابوا نعماً كثيرةً وأموالاً فرجعوا حتى انتهوا إلى أرضهم. فقال أبو سلمى لخاله أسعد وابن خاله كعبٍ: أفردا لي سهمي، فأبيا عليه ومنعاه حقه، فكف عنهما؛ حتى إذا الليل أتى أمه فقال: والذي أحلف به لتقومن إلى بعيرٍ من هذه الإبل فلتقعدن عليه أو لأضربن بسيفي تحت قرطيك. فقامت أمه إلى بعير منها فاعتنقت سنامه، وساق بها أبو سلمى وهو يرتجز ويقول:
    ويلٌ لأجمال العجوز مني

    إذا دنوت ودنون منـي
    كأنني سمعمعٌ من جن



    - سمعمعٌ: لطيف الجسم قليل اللحم - وساق الإبل وأمه حتى انتهى إلى قومه مزينة.
    فذلك حيث يقول:
    ولتغدون إبلٌ مـجـنـبةٌ

    من عند أسعد وابنه كعب

    - مجنبة: مجنوبة -
    الآكلين صريح قومهـمـا

    أكل الحبارى برعم الرطب

    البرعم: شجرة ولها نور - قال: فلبث فيهم حيناً، ثم أقبل بمزينة مغيراً على بني ذبيان. حتى إذا مزينة أسهلت وخلفت بلادها ونظروا إلى أرض غطفان، تطايروا عنه راجعين، وتركوه وحده. فذلك حيث يقول:
    من يشتري فرساً لخيرٍ غزوها

    وأبت عشيرة ربها أن تسهلا

    يعني أن تنزل السهل. قال: وأقبل حين رأى ذلك من مزينة حتى دخل في أخواله بني مرة. قلم يزل هو وولده في بني عبد الله بن غطفان إلى اليوم.
    قال معلقته في مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف وقد حملا دية هرم بن ضمضم في مالهما: أمن أم أوفى دمنةٌ لم تكلم قالها زهير في قتل ورد بن حابس العبسي هرم بن ضمضم المري الذي يقول فيه عنترة وفي أخيه:
    ولقد خشيت بأن الموت ولم تـدر

    للحرب دائرةٌ على ابني ضمضم

    ويمدح بها هرم بن سنان والحارث بن عوف بن سعد بن ذبيان المريين لأنهما احتملا ديته في مالهما؛ وذلك قول زهير:
    سعى ساعياً غيظ بن مرة بعدما

    تبزل ما بين العشيرةبـالـدم

    يعني بني غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان.
    قال الأثرم أبو الحسن حدثني أبو عبيدة قال: كان ورد بن حابس العبسي قتل الهرم بن ضمضم المري، فتشاجر عبسٌ وذبيان قبل الصلح، وحلف حصين بن ضمضم ألا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلاً من بني عبس ثم من بني غالب، ولم يطلع على ذلك أحداً، وقد حمل الحمالة الحارث بن عوف بن أبي حارثة، وقيل بل أخوه حارثة بن سنان.
    فأقبل رجلٌ من بني عبس ثم أحد بني مخزوم، حتى نزل بحصين بن ضمضم. فقال له الحصين: من أنت أيها الرجل؟ قال: عبسي. قال: من أي عبس؟ فلم يزل ينتسب حتى انتسب إلى بني غالب، فقتله حصين. وبلغ ذلك الحارث بن عوف وهرم بن سنان فاشتد عليهما، وبلغ بني عبسٍ فركبوا نحو الحارث. فلما بلغه ركوبهم إليه وما قد اشتد عليهم من قتل صاحبهم وأنهم يريدون قتل الحارث. بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه. وقال للرسول: قل لهم: الإبل أحب إليكم أم أنفسكم؟ فأقبل الرسول حتى قال لهم ذلك. فقال لهم الربيع بن زياد: يا قوم إن أخاكم قد أرسل إليكم: " الإبل أحب إليكم أم ابني تقتلونه مكان قتيلكم " فقالوا نأخذ الإبل ونصالح قومنا، ونتم الصلح. فذلك حين يقول زهير يمدح الحارث وهرماً:
    أمن أم أوفى دمنةٌ لم تكلم

    وهي أول قصيدة مدح بها هرماً. ثم تابع ذلك بعد.
    قصة زواج الحارث بن عوف ببهيسة بنت أوس وتحمله الدية في ماله بين عبس وذبيان: وقد أخبرني الحسن بن علي بهذه القصة، وروايته أتم من هذه، قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: قال الحارث بن عوف بن أبي حارثة: أتراني أخطب إلى أحد فيردني؟ قال نعم. قال: ومن ذاك. قال: أوس بن حارثة بن لأم الطائي. فقال الحارث لغلامه: ارحل بنا، ففعل. فركبا حتى أتيا أوس بن حارثة في بلاده فوجداه في منزله. فلما رأى الحارث بن عوفٍ قال: مرحباً بك يا حار. قال: وبك. قال: ما جاء بك يا حار؟ قال: جئتك خاطباً. قال: لست هناك. فانصرف ولم يكلمه. ودخل أوسٌ على امرأته مغضباً وكانت من عبس فقالت: من رجلٌ وقف عليك فلم يطل ولم تكلمه؟ قال: ذاك سيد العرب الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري. قالت: فما لك لم تستنزله؟ قال: إنه استحمق. قالت: وكيف؟ قال: جاءني خاطباً. قالت: أفتريد أن تزوجك بناتك؟ قال: نعم. قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن؟ قال: قد كان ذلك. قالت: فتدارك ما كان منك. قال: بماذا؟ قالت: تلحقه فترده. قال: وكيف وقد فرط مني ما فرط إليه؟ قالت: تقول له: إنك لقيتني مغضباً بأمرٍ لم تقدم فيه قولاً، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ما سمعت، فانصرف ولك عندي كل ما أحببت فإنه سيفعل. فركب في أثرهما. قال خارجة بن سنان: فو الله إني لأسير إذ حانت مني التفاتةٌ فرأيته، فأقبلت على الحارث وما يكلمني غماً فقلت له: هذا أوس بن حارثة في أثرنا. قال: وما نصنع به ! امض !. فلما رآنا لا نقف عليه صاح: يا حار اربع علي ساعةً. فوقفنا له فكلمه بذلك الكلام فرجع مسروراً. فبلغني أن أوساً لما دخل منزله قال لزوجته أدعي لي فلانة " لأكبر بناته " فأتته، فقال: يا بنية، هذا الحارث بن عوف سيدٌ من سادات العرب، قد جاءني طالباً خاطباً، وقد أردت أن أزوجك منه فما تقولين؟ قالت: لا تفعل. قال: ولم؟ قالت: لأني امرأة في وجهي ردة ، وفي خلقي بعض العهدة ، ولست بابنة عمه فيرعى رحمي، وليس بجارك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي في ذلك ما فيه. قال: قومي بارك الله عليك. ادعي لي فلانة " لابنته الوسطى "؛ فدعتها، ثم قال لها مثل قوله لأختها؛ فأجابته بمثل جوابها وقالت: إني خرقاء وليست بيدي صناعة، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي في ذلك ما تعلم، وليس بابن عمي فيرعى حقي، ولا جارك في بلدك فيستحييك. قال: قومي بارك الله عليك. أدعي لي بهيسة " يعني الصغرى "، فأتي بها فقال لها كما قال لهما. فقالت: أنت وذاك. فقال لها: إني قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه. فقالت - ولم يذكر لها مقالتيهما - لكني والله الجميلة وجهاً، الصناع يداً، الرفيعة خلقاً، الحسيبة أباً، فإن طلقني فلا أخلف الله عليه بخير. فقال: بارك الله عليك. ثم خرج إلينا فقال: قد زوجتك يا حارث بهيسة بنت أوس. قال: قد قبلت. فأمر أمها أن تهيئها وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له، وأنزله إياه. فلما هيئت بعث بها إليه. فلما أدخلت إليه لبث هنيهةً ثم خرج إلي. فقلت: أفرغت من شأنك؟ قال: لا والله. قلت: وكيف ذاك؟ قال: لما مددت يدي إليها قالت: مه ! أعند أبي وإخوتي !! هذا والله ما لا يكون. قال: فأمر بالرحلة فارتحلنا ورحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء الله. ثم قال لي: تقدم فتقدمت، وعدل بها عن الطريق، فلما لبث أن لحق بي. فقلت: أفرغت؟ قال: لا والله. قلت: ولم؟ قال: قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة ! لا والله حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلي. قلت: والله إني لأرى همةً وعقلاً، وأرجو أن تكون المرأة منجبةً إن شاء الله. فرحلنا حتى جئنا بلادنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها وخرج إلي. فقلت: أفرغت؟ قال: لا. قلت: ولم؟ قال: دخلت عليها أريدها، وقلت لها قد أحضرنا من المال ما قد ترين، فقالت: والله لقد ذكرت لي من الشرف ما لا أراه فيك. قلت: وكيف؟ قالت: أتفرغ لنكاح النساء والعرب تقتل بعضها ! " وذلك في أيام حرب عبس وذبيان ". قلت: فيكون ماذا؟ قالت: اخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك. فقلت: والله إني لأرى همةً وعقلاً، ولقد قالت قولاً. قال: فاخرج بنا. فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيما بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى؛ فيؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحملنا عنهم الديات، فكانت ثلاثة الآف بعير في ثلاث سنين، فانصرفنا بأجمل الذكر. قال محمد بن عبد العزيز: فمدحوا بذلك، وقال فيه زهير بن أبي سلمى قصيدته:
    أمن أم أوفى دمنةٌ لم تكلم

    فذكرهما فيها فقال:
    تداركتما عبساً وذبيان بعدمـا

    تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
    فأصبح يجري فيهم من تلادكم

    مغانم شتىً من إفال المرنـم
    ينجمها قومٌ لـقـومٍ غـرامةً

    ولم يهريقوا بينهم ملء محجم

    وذكر قيامهم في ذلك فقال:
    " صحا القلب وقد كاد لا يسلو"

    وهي قصيدة يقول فيها:
    تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها

    وذبيان قد زلت بأقدامهاالنعـل

    وهذه لهم شرفٌ إلى الآن، ورجع فدخل بها، فولدت له بنين وبنات.
    مدح بقصيدته القافية هرماً وأباه وإخواته: ومما مدح به هرماً وأباه وإخواته وغني فيه قوله: صوت
    إن الخليط أجد البين فانفـرقـا

    وعلق القلب من أسماء ما علقا
    وأخلفتك ابنة البكري وما وعدت

    فأصبح الحبل منها واهناً خلقـا
    قامت تبدى بذي ضال لتحزنني

    ولا محالة أن يشتاق من عشقا
    بجيد مـغـزلةٍ أدمـاء خـاذلةٍ

    من الظباء تراعي شادناًخرقا

    انفرق: انفعل، من الفرقة. وأجد وجد بمعنىً واحد، من الجد خلاف اللعب. والواهن والواهي واحد. والحبل: السبب في المودة . والضال: السدر الصغار، واحدتها ضالة. والجيد: العنق. والمغزلة: الظبية التي لها غزال. والأدماء: البيضاء. والخاذلة: المقيمة على ولدها ولا تتبع الظباء. والشادن: الذي قد شدن أي تحرك ولم يقو بعد. والخرق: الدهش.
    غنى مالك في الأول والثاني من الأبيات خفيف رملٍ بالوسطى، وقيل إنه لابن جامع، وقيل بل لحن ابن جامع بالبنصر. وفي الثالث والرابع لابن المكي رملٌ صحيحٌ من رواية بذل والهشامي.
    وفي هذه القصيدة يقول يمدح هرماً:
    قد جعل المبتغون الخير من هـرمٍ

    والسائلون إلى أبوابـه طـرقـا
    من يلق يوماً على علاته هـرمـاً

    يلق السماحة منه والندى خلـقـا
    ليثٌ بعثر يصطـاد الـلـيوث إذا

    ما الليث كذب عن أقرانه صدقـا
    يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا

    ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا

    خرف سنان بن أبي حارثة ثم مات فرثاه: ومن مدائحه إياهم قوله يمدح أبا هرم سنان بن أبي حارثة. وذكر ابن الكلبي أنه هوي امرأةً فاستهيم بها؛ وتفاقم به ذلك حتى فقد فلم يعرف له خبر. فتزعم بنو مرة أن الجن استطارته فأدخلته بلادها، واستعجلته لكرمه. وذكر أبو عبيدة أنه قد كان هرم حتى بلغ مائةً وخمسين سنة؛ فهام على وجهه خرقاً ففقد. قال: فزعم لي شيخٌ من علماء بني مرة أنه خرج لحاجته باليل فأبعد، فلما رجع ضل فهام طول ليلته حتى سقط فمات، وتبع قومه أثره فوجدوه ميتاً فرثاه زهير بقوله:
    إن الرزية لا رزية مثـلـهـا

    ما تبتغي غطفان يوم أضلـت
    إن الركاب لتبتـغـي ذا مـرةٍ

    بجنوب نجد إذا الشهور أحلت
    ينعين خير الناس عنـد شـديدةٍ

    عظمت مصيبته هناك وجلت
    ومدفعٍ ذاق الهوان مـلـعـنٍ

    راخيت عقدة حبله فانحـلـت
    ولنعم حشو الدرع كان إذا سطا

    نهلت من العلق الرماح وعلت

    أشعار له غنى فيها: والذي فيه غناء من مدائح زهير قوله: صوت
    أمن أم سلمى عرفت الطلولا

    بذي حرض ما ثلاثٍ مثولا
    بلين وتـحـسـب آياتـهـن

    على فرط حولين رقاً محيلا

    الماثل ها هنا: اللاطىء بالأرض، وفي موضع آخر: المتنصب القائم. وذو حرضٍ: موضعٌ. والحرض: الأشنان. وآياتهن: علاماتهن. وفرط حولين: تقدم حولين، والفارط: المتقدم.
    غنى في هذين البيتين إسحاق، وله فيهما لحنان: أحدهما ثاني ثقيلٍ بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، من كتابه. والآخر ما خوريٌ من مجموع غنائه، وروايته عن الهشامي. وفيهما للزبير بن دحمان خفيف ثقيلٍ أول بالبنصر عن عمرو. يقول فيها:
    إليك سنان الـغـداة الـرحـي

    ل أعصي النهاة وأمضي الفؤولا

    جمع فأل، أي لا أتطير.
    فلا تأمنـي غـزو أفـراسـه

    بنـي وائلٍ واحـذريه جـديلا
    وكيف اتـقـاء امـرئٍ لا يؤو

    ب بالقوم في الغزو حتى يطيلا

    ومن الغناء في مدائح هرم قوله: صوت
    قف بالديار التي لم يعفها القدم

    بلى وغيرها الأرواح والـديم
    كأن عيني وقد سال السليل بهم

    وعبرة ما هم لو أنهـم أمـم
    غربٌ على بكرة أو لؤلؤٌ قلقٌ

    في السلك خان به رباته النظم

    الديم: جمع ديمة وهو المطر الذي يدوم يوماً أو يومين مع سكون. سال السليل بهم: أي ساروا فيه سيراً سريعاً. والسليل: وادٍ. وقوله وعبرة ما هم أي هم عبرة ، وما ها هنا صلة. لو أنهم أمم أي قصدٌ كنت أزوهم. والأمم: بين القريب والبعيد. والقلق: الذي لم يستقر لما انقطع الخيط. والنظم: جمعٌ واحدها نظام، شبه دموعه بلؤلؤ انقطع سلكه، وبماء سال من الغرب.
    الغناء في هذه الأبيات رملٌ لابن المكي بالوسطى عن عمرو. وذكر عمرو أن لإسحاق فيها لحناً أيضاً. وذكر يونس أن فيها لحناً لمالك.
    صوت
    لمن الديار بقنة الـحـجـر

    أقوين مذحججٍ ومـذدهـر
    لعب الرياح بها وغـيرهـا

    بعدي سوافي الريح والقطر
    دع ذا وعد القول في هـرمٍ

    خير الكهول وسيد الحضر
    لو كنت من شيءٍ سوى بشرٍ

    كنت المنور ليلةالـبـدر

    القنة: الجبل الذي ليس بمنتشر. أقوين: خلون. والسوافي: ما تسفي الرياح . قال: والقطر مخفوضةٌ بنسقه على الريح، والقطر لا سوافي له. وهذا تفعله العرب في المجاورة، وهو في مثل قولهم: حجر ضبٍ خربٍ.
    غنى في هذه الأبيات سائب خاثر من رواية حماد عن أبيه، ولم يجنسه. وفيه ثقيلٌ أول بالبنصر نسبه عمرو بن بانة إلى معبد، ونسبه غيره إلى سائب، وإلى الأوسية مما ذكر حبشٌ. قال: وهي من قيان الحجاز القدائم مولاةٌ للأوس.
    ومنها قوله يمدح سنان بن أبي حارثة: صوت
    صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو

    وأقفر من سلمى التعانيق فالـثـقـل
    وقد كنت من سلمى سنـين ثـمـانـياً

    على صير أمرٍ ما يمر وما يحـلـو
    وكنت إذا ما جـئت يومـاً لـحـاجة

    مضت وأجمت حاجة الغد ما تخلـو
    وكل محبٍ أحـدث الـنـأي عـنـده

    سلو فؤادٍ غير حـبـك مـا يسـلـو
    تأوبـنـي ذكـر الأحـبة بـعـدمـا

    هجعت ودوني قلة الحزن فالـرمـل
    فأقسمت جهداً بالمنازل مـن مـنـىً

    وما سحفت فيه المقاديم والـقـمـل
    لأرتحلـن بـالـفـجـر ثـم لأدأبـن

    إلى الليل إلا أن يعرجنـي طـفـل
    وهل ينبت الخـطـي إلا وشـيجـه

    وتغرس إلا منابـتـهـاالـنـخـل

    التعانيق والثقل: موضعان. ويروى: فالنخل. وقوله على صير أمرٍ: أي على شرف أمر. وأجمت: دنت. وتأوبني: أتاني ليلاً. والتأويب: سير يوم إلى الليل. سحفت: حلقت، يقال سحف رأسه وسبته وجلطه: حلقه. وقوله " يعرجني طفلٌ " قال يقال الطفل: الليل، ويقال الطفل: مغيب الشمس، وقال أبو عبيدة: الطفل: الحزن، وإيقاده نار التحيير. والخطي: رماحٌ نسبها إلى الخط وهي من جزيرة بالبحرين ترفأ إليها سفن الرماح. والوشيج: القنا واحدها وشيجةٌ. والوشوج: دخول الشيء بعضه في بعض.
    غنى إبراهيم الموصلي في الأول والثاني ثقيلاً أول بالبنصر من رواية الهشامي وعمرو. وغنى إبراهيم أيضاً في السادس والسابع والثامن خفيف ثقيلٍ. وفي الثالث لمعبد خفيف ثقيلٍ. ولعلويه في السابع والثامن خفيف رملٍ. وذكر حبشٌ أن لإبراهيم في الثامن لحناً ماخورياً.
    ومن الغناء في مدائحه هرماً قوله: صوت
    لمن طللٌ برامة لا يريم

    عفا وأحاله عهدٌ قـديم
    تطالعني خيالاتٌ لسلمى

    كما يتطالع الدين الغريم

    غناه دحمان ثاني ثقيلٍ بالبنصر عن عمرو. وعفا: درس ها هنا، وفي موضع آخر: كثر، وهو من الأضداد. وخيالاتٌ: جمع خيال.
    أنشد عمر رضي الله عنه شعراً له في هرم بن سنان فمدحه: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة، وقال المهلبي في خبرٍ له عن الأصمعي قال: أنشد عمر بن الخطاب قول زهير في هرم بن سنان يمدحه:
    دع ذا وعد القول في هرمٍ

    خير الكهول وسيد الحضر
    لو كنت من شيءٍ سوى بشرٍ

    كنت المنور لـيلة الـبـدر
    ولأنت أوصل منح سمعت به

    لشوابك الأرحام والصهـر
    ولنعم حشو الدرع أنـت إذا

    دعيت نزال ولج في الذعر
    وأراك تفري ما خلقت وبـع

    ض القوم يخلق ثم لا يفري
    أثني عليك بما علمـت ومـا

    أسلفت في النجدات من ذكر
    والستر دون الفاحشـات ولا

    يلقاك دون الخير من ستـر

    فقال عمر: ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
    قال عمر لبعض ولد هرم قد خلد ذكره لكم: قال وقال عمر لبعض ولد هرم: أنشدني بعض مدح زهيرٍ أباك، فأنشده. فقال عمر: إن كان ليحسن فيكم القول. قال: ونحن والله إن كنا لنحسن له العطاء. فقال: قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
    حلف هرم أن يعطيه كلما لقيه: قال: وبلغني أن هرم كان قد حلف ألا يمدحه زهير إلا أعطاه، ولا يسأله إلا أعطاه، ولا يسلم عليه إلا أعطاه: عبداً أو وليدة أو فرساً. فآستحيا زهيرٌ مما كان يقبل منه، فكان إذا رأه في ملأ قال: عموا صباحاً غير هرمٍ، وخيركم استثنيت. وروى المهلبي: وخيركم تركت.
    سأل عمر ابنه عن الحلل التي كساه إياها هرم فأجابه: أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبه قال: قال عمر لابن زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرمٌ أباك؟ قال: أبلاها الدهر. قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرماً لم يبلها الدهر. وقد ذكر الهيثم بن عدي أن عائشة خاطبت بهذه المقالة بعض بنات زهير.
    شعر له مدح به هرماً ولم يسبقه إليه أحد: وقال أبو زيد عمر بن شبة: ومما سبق فيه زهير في مدح هرمٍ ولم يسبقه إليه أحد قوله:
    قد جعل المبتغون الخير من هرمٍ

    والسائلون إلى أبوابه طـرقـا
    من يلق يوماً على علاته هرمـاً

    يلق السماحة منه والندى خلقـا
    يطلب شأو امرأين قدما حسـبـاً

    بذا الملوك وبذا هذه السـوقـا
    هو الجواد فإن يلحق بشأوهمـا

    على تكاليفه فمثلـه لـحـقـا
    أو يسبقاه على ما كان من مهلٍ

    فمثل ما قدما من صالحسبقـا

    مدح عبد الملك بن مروان شعره في مدح آل أبي حارثة: أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال قال المدائني: قال عبد الملك بن مروان: ما يضر من مدح بما مدح به زهيرٌ آل أبي حارثة من قوله:
    على مكثريهم رزق من يعتريهم

    وعند المقلين السماحةوالبـذل

    ألا يملك أمور الناس " يعني الخلافة ". قال ثم قال: ما ترك منهم زهيرٌ غنياً ولا فقيراً إلا وصفه ومدحه.
    مدح عثمان بن عفان شعراً له: وقال ابن الأعرابي قال أبو زياد الكلابي: أنشد عثمان بن عفان قول زهير:
    ومنهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ

    وإن خالها تخفى على الناس تعلم

    فقال: أحسن زهيرٌ وصدق، لو أن رجلاً دخل بيتاً في جوف بيت لتحدث به الناس. قال وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تعمل عملاً تكره أن يتحدث عنك به ".
    تمثل عروة بن الزبير ببيت له وقد استخلف به عبد الملك بن مروان: قال وقال علي بن محمد المدائني حدثني ابن جعدويه: أن عروة بن الزبير لحق بعبد الملك بن مروان بعد قتل أخيه عبد الله بن الزبير. فكان إذا دخل إليه منفرداً أكرمه، وإذا دخل عليه وعنده أهل الشام استخف به. فقال له يوماً: يا أمير المؤمنين، بئس المزور أنت، تكرم ضيفك في الخلا، وتهينه في الملا، وقال : لله در زهير حيث يقول:
    فقري في بلادك إن قوماً

    متى يدعوا بلادهم يهونوا

    ثم استأذنه في الرجوع إلى المدينة، فقضى حوائجه وأذن له. وهذا البيت من قصيدة لزهير قالها في بني تميم، وقد بلغه أنها حشدت لغزو غطفان؛ أولها:
    ألا أبلغ لديك بني تمـيمٍ

    وقد يأتيك بالخبر الظنون

    الظنون: الذي لست منه على ثقة. والظنين: المتهم.
    شعره في الحارث بن ورقاء وقد أخذ إبله وغلا: كان الحارث بن ورقاء الصيداوي من بني أسد أغار على بني عبد الله بن غطفان فغنم فاستاق إبل زهير وراعيه يساراً. فقال زهير:
    بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا

    وزودوك اشتياقاً أيةًسلـكـوا

    وهي طويلة يقول فيها:
    لئن حللت بجوٍ في بـنـي أسـدٍ

    في دين عمرو وحالت بيننا فدك
    ليأتينك منـي مـنـطـقٌ قـذعٌ

    باقٍ كما دنس القبطـية الـودك
    فاردد يساراً ولا تعنف عليه ولا

    تمعك بعرضك إن الغادر المعك
    ولا تكونن كأقوامٍ علـمـتـهـم

    يلوون ما عندهم حتى إذا نهكوا
    طابت نفوسهم عن حق خصمهم

    مخافة الشر وارتدوا لماتركوا

    وفي هذه القصيدة مما يغنى فيه: صوت
    أهوى لها أسفع الخدين مطـرقٌ

    ريش القوادم لم ينصب له شرك
    وقد أكون أمام الحي تحملـنـي

    جرداء لا فحجٌ فيها ولاصكك

    أهوى لها - يعني القطاة تقدم وصفه إياها - صقرٌ. ورواه الأصمعي: " هوى لها " وقال: هوى: انقض، وأهوى: أوفى. ومطرقٌ: ريشه بعضه على بعض ليس بمنتشر، وهو أعتق له. وقوله لم ينصب له شركٌ: أي لم يصطد ولم يذلل. والقوادم: العشر المتقدمات. والفحج: تباعد ما بين الفخذين. والصكك: اصطكاك العرقوبين في الدواب، وفي الناس الركبتين. قال: فلما أنشد الحارث هذا الشعر بعث بالغلام إلى زهير. وقيل: بل أنشد قول زهير:
    تعلم أن شر الناس حـيٌ

    ينادى في شعارهم يسار
    ولولا عبسه لرددتمـوه

    وشر منيحة أيرٌ معـار
    إذا جمحت نساؤكم إلـيه

    أشظ كأنه مسدٌ مغـار
    يبربر حين يعدو من بعيدٍ

    إليها وهو قبقابٌ قطار

    فرده عليه. فلامه قومه وقالوا له: اقتله ولا ترسل به إليه، فأبى عليهم. فقال زهير عند ذلك:
    أبلغ لديك بني الصيداء كلهـم

    أن يساراً أتانا غير مغلـول
    ولا مهانٍ ولكن عند ذي كرمٍ

    وفي حبال وفي العهد مأمول

    وهي قصيدة. فقال الحارث لقومه: أيما أصلح. ما فعلت أو ما أردتم ؟قالوا: بل ما فعلت.
    كان يذكر في شعره بنو غطفان وأحوال بني مرة ويمدحهم: قال ابن الأعرابي وحدثني أبو زياد الكلابي: إن زهيراً وأباه وولده كانوا في بني عبد الله بن غطفان، ومنزلهم اليوم بالحاجر ، وكانوا فيه في الجاهلية. وكان أبو سلمى تزوج إلى رجل من بني فهر بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان يقال له الغدير -والغدير هو أبو بشامة الشاعر - فولدت له زهيراً وأوساً، وولد لزهير من امرأة من بني سحيم. وكان زهير يذكر في شعره بني مرة وغطفان ويمدحهم. وكان زهير في الجاهلية سيداً كثير المال حليماً معروفاً بالورع.
    شكا إليه رجل من غطفان بني عليم بن جناب فهجاهم: قال وحدثني حماد الراوية عن سعيد الرواية عن سعيد بن عمرو بن سعيد: أنه بلغه أن زهيراً هجا آل بيتٍ من كلب من بني عليم بن جناب ، وكان بلغه عنهم شيءٌ من وراء وراء ،وكان رجل من بني عبد الله بن غطفان أتى بني عليم ، وأكرموه لما نزل بهم وأحسنوا جواره، وكان رجلاً مولعاً بالقمار فنهوه عنه، فأبى إلا المقامرة. قمر مرةً فردوا عليه، ثم قمر أخرى فردوا عليه، ثم قمر الثالثة فلم يردوا عليه، فترحل عنهم وشكا ما صنع به إلى زهير، والعرب حينئذٍ يتقون الشعراء اتقاءً شديداً. فقال: ما خرجت في ليلة ظلماء إلا خفت أن يصيبني الله بعقوبة لهجائي قوماً ظلمتهم. قال:والذي هجاهم به قوله:
    عفا من آل فاطمة الجـواء

    فيمنٌ فالقوام فالـحـسـاء
    فذو هاشٍ فميث عريتنـاتٍ

    عفتها الريح بعدك والسماء
    جرت سنحاً فقلت لها أجيزي

    نوىً مشمولةً فمتى اللقـاء
    كأن أوابد الثـيران فـيهـا

    هجائن في مغابنها الطـلاء
    لقد طالبتها ولـكـل شـيءٍ

    وإن طالت لجاجته انتهـاء
    وقد أغدو على شربٍ كـرامٍ

    نشاوى واجدين لما نـشـاء
    لهم طاسٌ وراووقٌ ومسـكٌ

    تعل به جلـودهـم ومـاء

    الجواء: أرض. ويمنٌ والقوادم: في بلاد غطفان. والميث: جمع ميثاء. قال أبو عمرو: إذا كان مسيل الماء مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي ميثاء. والسماء ها هنا: المطر. والسانح: ما أقبل من شمالك يريد يمينك. والبارح: ضده. وقال أبو عبيدة: سمعت يونس بن حبيب يسأل رؤبة عن السانح والبارح فقال: السانح: ما ولاك ميامنه. والبارح: ما ولاك مشائمه. وأجيزي: انفذي. قال الأصمعي: يقال أجزت الوادي إذ قطعته وخلفته، وجزته: إذا سرت فيه فتجاوزته. والأوابد: الوحشية. والهجائن: إبلٌ بيضٌ. والمغابن: الأرفاغ، واحدها مغبنٌ. ومشمولةٌ: سريعة الانكشاف. أخذه من الريح الشمال إذا كانت مع السحاب لم يلبث أن يذهب . وجعل مشمولة ها هنا في النوى لأن نيتهم كانت سريعة، فأحرى ذلك مجرى الذم، فهذه السنح.
    غنى في الأول والثاني والسابع معبدٌ ثقيلاً أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وذكر علي بن يحيى أن للغريض فيها خفيف ثقيل. وذكر حبشٌ أن فيه للهذلي ثاني ثقيلٍ بالوسطى. وفي الثالث والرابع مع بيت ليس لزهير أضيف إلى الشعر وهو:
    بنفسي من تذكره سقامٌ

    أعالجه ومطلبه عناء

    في هذه الأبيات الثلاثة خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها، ذكر إسحاق أنه للغريض، وغيره ينسبه إلى ابن سريج وإلى ابن عائشة. وفي الرابع والخامس لعلويه رمل لا يشك فيه من غنائه.
    طلب من خاله بشامة وهو يحتضر أن يقسم له من ماله فقال له أورثتك الشعر: وقال ابن الأعرابي حدثني أبو زياد، وذكر بعض هذا الخبر إسحاق الموصلي عن حماد الراوية وعن ابن الكلبي عن أبيه قال: وكان بشامة بن الغدير خال زهير بن أبي سلمى، وكان زهير منقطعاً إليه وكان معجباً بشعره. وكان بشامة رجلاً مقعداً ولم يكن له ولد، وكان مكثراً من المال، ومن أجل ذلك نزل إلى هذا البيت في غطفان لخئولتهم. وكان بشامة أحزم الناس رأياً، وكانت غطفان إذا أرادوا أن يغزوا أتوه فاستشاروه وصدروا عن رأيه، فإذا رجعوا قسموا له مثل ما يقسمون لأفضلهم، فمن أجل ذلك كثر ماله. وكان أسعد غطفان في زمانه. فلما حضره الموت جعل يقسم ماله في أهل بيته وبين بني إخوته. فأتاه زهيرٌ فقال: يا خالاه لو قسمت لي من مالك !! فقال: والله يابن أختي لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله. قال: وما هو. قال: شعري ورثتنيه، وقد كان زهيرٌ قبل ذلك قال الشعر، وقد كان أول ما قال. فقال له زهير: الشعر شيءٌ ما قلته فكيف تعتد به علي؟ فقال له بشامة: ومن أين جئت بهذا الشعر ! لعلك ترى أنك جئت به من مزينة، وقد علمت العرب أن حصاتها وعين مائها في الشعر لهذا الحي من غطفان ثم لي منهم، وقد رويته عني. وأحذاه نصيباً من ماله ومات.
    بشامة خاله شاعر مجيد وشيء من شعره: وبشامة شاعر مجيد وهو الذي يقول: صوت
    ألا ترين وقد قطعتني قـطـعـاً

    ماذا من الفوت بين البخل والجود
    إلا يكـن ورقٌ يومـاً أراح بـه

    للخابطين فإنـي لـينالـعـود

    الغناء لإسحاق ثقيلٌ أول بالبنصر، وقيل: إنه لإبراهيم.
    طلق زوجته أم أوفى ثم ندم فقال شعراً: قال ابن الأعرابي: أم أوفى التي ذكرها زهيرٌ في شعره كانت امرأته، فولدت منه أولاداً ماتوا، ثم تزوج بعد ذلك امرأةً أخرى، وهي أم ابنيه كعب وبجير؛ فغارت من ذلك وآذته، فطلقها ثم ندم فقال فيها:
    لعمرك والخطوب مغيراتٌ

    وفي طول المعاشرة التقالي
    لقد باليت مظعـن أم أوفـى

    ولكن أم أوفى ما تبـالـي
    فأما إذ نأيت فلا تـقـولـي

    لذي صهرٍ أذلت ولم تذالي
    أصبت بني منك ونلت منـي

    من اللذات والحلل الغوالي

    عانت امرأة ابنه سالماً فمات فرثاه: وقال ابن الأعرابي: كان لزهير ابنٌ يقال له سالم، جميل الوجه حسن الشعر. فأهدى رجلٌ إلى زهير بردين ، فلبسهما الفتى وركب فرساً له، فمر بامرأةٍ من العرب بماء يقال له النتاءة ، فقالت: ما رأيت كاليوم قط رجلاً ولا بردين ولا فرساً. فعثر به الفرس فاندقت عنقه وعنق الفرس وأنشق البردان . فقال زهير يرثيه:
    رأت رجلاً لاقى من العيش غبطةً

    وأخطأه فيها الأمور العـظـائم

    وشب له فيها بنون وتـوبـعـت

    سلامة أعـوامٍ لـه وغـنــائم

    فأصبح محبوراً ينظر حولـه

    بغبطتـه لـو أن ذلـك دائم
    وعندي من الأيام ما ليس عنده

    فقلت تعلم إنما أنت حـالـم
    لعلك يوماً أن تراعى بفاجـعٍ

    كما راعني يوم النتاءةسالـم







    قال ابن الأعرابي: هو وقومه شعراء: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، وكان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرةً، وابناه كعبٌ وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرةً، وهي القائلة ترثيه:
    وما يغني توقي الموت شيئاً

    ولا عقد التميم ولا الغضار

    - والغضار: كان أحدهم إذا خشي على نفسه يعلق في عنقه خزفاً أخضر -
    إذا لاقى منيته فأمـسـى

    يساق به وقد حق الحذار
    ولاقـاه مــن الأيام يومٌ

    كما من قبل لم يخلد قدار

    وابن ابنه المضرب بن كعب بن زهير شاعرٌ، وهو القائل:
    إني لأحبس نفسي وهـي صـاديةٌ

    عن مصعبٍ ولقد بانت لي الطرق
    رعوى عليه كما أرعى على هرمٍ

    جدي زهيرٌ وفينا ذلك الـخـلـق
    مدح الملوك وسعيٌ في مسرتهـم

    ثم الغنى ويد الممدوحتنطـلـق

    ما امتاز به شعره وكان سبب تقديمه: أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: من قدم زهيراً احتج بأنه كان أحسنهم شعراً، وأبعدهم من سخفٍ، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليلٍ من الألفاظ، وأشدهم مبالغةً في المدح، وأكثرهم أمثالاً في شعره.
    مرثية ابنه سالم: أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعي قال: كان لزهير ابنٌ يقال له سالم، وكان من أم كعب بن زهير؛ فمات أو قتل، فجزع عليه كعب جزعاً شديداً، فلامته امرأته وقالت: كأنه لم يصب غيرك من الناس ! فقال:
    رأت رجلاً لاقى من العيش غبطةً

    وأخطأه فيها الأمور العـظـائم
    وشب له فيها بنون وتـوبـعـت

    سلامة أعـوامٍ لـه وغـنــائم
    فأصبح محبوراً ينظـر حـولـه

    بغبـطـتـه لـو أن ذلـك دائم
    وعندي من الأيام ما ليس عـنـده

    فقلت له مهلاً فـإنـك حـالـم
    لعلك يوماً أن تراعي بـفـاجـعٍ

    كما راعني يوم النتـاءةسـالـم

    صوت
    عزفت ولم تصرم وأنت صـروم

    وكيف تصابي من يقال حـلـيم
    صددت فأطولت الصدود ولا أرى

    وصالاً على طول الصدوديدوم

    عروضه من الطويل. عزفت عن الشيء: إذا تركته وأبته نفسك. قال ابن الأعرابي: يقول لم تصرم صرم بتاتٍ. ولكن صرمت صرم دلالٍ.
    وأطولت الصدود أي أطلته. وإنما قال هذا ضرورةً . الشعر للمرار بن سعيد الفقعسي. والغناء لإسحاق رمل)).

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:23 pm