ملتقى قلعة الشهيد سميح المدهون ( بيت أمر )

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أهلا وسهلا بكل أعضاء وزوار شبكة الملتقى الخاص بالشهيد سميح المدهون


    مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:15 am



    البـحتري
    821 - 897م

    شاعر من العصر العباسي الثّاني، اسمه الوليد بن عبد الله، وكنيته أبو عبادة، ولقبه البُحتري نسبة إلى جدّه بحتر من قبيلة طيء.
    ولد في بلدة منبج من أعمال حلب، وفيها نشأ وترعرع متلقياً علومه الأولى، آخذًا إلى البادية صفاء اللّغة وصحّة الراوية الشعريّة وملَكة البلاغة.
    ترك بلده في مطلع شبابه وذهب إلى حلب حيث أحبّ علوة الحلبية المُغنيّة التي ذكرها كثيرًا في شعره. ومن حلب، اتّجه إلى حمص حيث لقي أبا تمام فتَتَلمذ عليه في الشّعر من دون أن يتأثر بنزعته إلى الفلسفة والمنطق.
    لما أتقن البحتري صناعة الشِّعر، ذهب إلى العراق فكان موطن شهرته، وفيه اتّصل بالخلفاء والوزراء وعظماء القوم. وقد لازم المتوكّل وأصبح شاعر بلاطه، فأحبه كما أحبه وزيره الفتح بن خاقان، فكان ينادمهما في مجالس أنسهما. قُتِلَ المتوكّل والفتح وكان البحتري حاضرًا فرثى الخليفة في قصيدته السّينيّة المشهورة، عبّر بها عن عاطفته الجيّاشة الصّادقة.
    قفل عائدًا إلى سوريا، ولكنّه حنّ إلى العراق ثانيةً، فعاد إليه واتّصل بالخلفاء، ثم رجع في آخر خلافة المعتمد إلى منبج حيث مات.
    برع البحتري في المديح وفي الوصف الذي تناول فيه مواضيع تَمُتُّ إلى الحضارة، كما له وصف بدويّ. فمن وصفه الحضاريّ: "بركة المتوكّل" و"إيوان كسرى"؛ ومن وصفه البدوي: "وصف الذئب".
    تجنّب البحتري الغوص في بحر المعاني، وتحاشى الخوض في أعماق العلوم التي توصّل إليها العصر العباسي، واكتفى بمداعبة الشاطئ مداعبةً لطيفةً بأسلوبٍ طغت فيه الموسيقى اللّفظية التي برز فيها الشعراء جميعاً، وامتلك ديباجةً عُرِفَت بإسمه، حتى قيل فيه: "أراد أن يشعر فغنّى".
    وبراعة البحتري الموسيقية تتجلى في تنوّع نغماتها وُفْق طبيعة الموضوع، فتراها في وصف "البِرْكة" ناعمةً تنساب بهدوء انسياب الماء في الغدير الرّقراق؛ وتراها في وصف "الذئب" قويةً صاخبةً، وفي "إيوان كسرى" تجدها أقرب إلى النغم الهامس.
    وجاء في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: هو الوليد بن عبيد الله بن يحيى بن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن خيثم ابن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر بن عتود بن عثمة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهو طيئ بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
    شاعريته وندرة هجائه: ويكنى أبا عبادة، شاعر فاضل فصيح حسن المذهب، نقي الكلام، مطبوع، كان مشايخنا رحمة الله عليهم يختمون به الشعراء، وله تصرف حسن فاضل نقي في ضروف الشعر، سوى الهجاء، فإن بضاعته فيه نزرة، وجيده منه قليل. وكان ابنه أبو الغوث يزعم أن السبب في قلة بضاعته في هذا الفن أنه لما حضره الموت دعابه، وقال له: اجمع كل شيء قلته في الهجاء. ففعل، فأمره بإحراقه، ثم قال له: يا بني، هذا شيء قلتُه في وقت، فشفيت به غيظي، وكافأت به قبيحاً فعل بي، وقد انقضى أربي في ذلك، وإن بقي روي، وللناس أعقاب يورثونهم العداء والمودة، وأخشى أن يعود عليك من هذا شيء في نفسك أو معاشك لا فائدة لك ولي فه، قال: فعلمت أنه قد نصحني وأشفق علي، فأحرقته.
    أخبرني بذلك علي بن سليمان الأخفش عن أبي الغوث.
    وهذا - كما قال أبو الغوث - لا فائدة لك ولا لي فيه، لأن الذي وجدناه وبقي في أيدي الناس من هجائه أكثره ساقط، مثل قوله في ابن شيرزاد:
    نفقت نفوق الحمار الذكر

    وبان ضراطك عنا فمر

    ومثل قوله في علي بن الجهم:
    ولو أعطاك ربك ما تمنـى

    لزادك منه في غلظ الأيور
    علام طفقت تهجوني ملـيا

    بما لفقت من كذب وزور

    وأشباه لهذه الأبيات، ومثلها لا يشاكل طبعه، ولا تليق بمذهبه، وتنبئ بركاكتها وغثاثة ألفاظها عن قلة حظه في الهجاء، وما يعرف له هجاء جيد إلا قصيدتان إحداهما قوله في ابن أبي قماش:
    مرت على عزمها ولم تقف

    مبدية للشنان والـشـنـف

    يقول فيها لابن أبي قماش:
    قد كان في الواجب المحقق أن

    تعرف ما في ضميرها النطف
    بما تعاطيت في العـيوب ومـا

    أوتيت من حكمة ومن لطـف
    أما رأيت المريخ قد مازج الز

    هرة في الجد منه والشـرف
    وأخبرتك النحـوس أنـكـمـا

    في حالتي ثابت ومنـصـرف
    من أين أعملت ذا وأنت علـى

    التقويم والزيج جد منعـكـف
    أما زجرت الطير العلا أو تعي

    فت المها أو نظرت في الكتف
    رذلت في هذه الصـنـاعة أو

    أكديت أو رمتها على الخرف
    لم تخط باب الدهليز منصرفـاً

    إلا وخلخالها مع الـشـنـف

    وهي طويلة، ولم يكن مذهبي ذكرها إلا للإخبار عن مذهبه في هذا الجنس، وقصيدته في يعقوب بن الفرج النصراني، فإنها - وإن لم تكن في أسلوب هذه وطريقتها - تجري مجرى التهكم باللفظ الطيب الخبيث المعاني، وهي:
    تظن شجوني لم تعتـلـج

    وقد خلج البين من قد خلج

    وكان البحتري يتشبه بأبي تمام من شعره، ويحذو مذهبه، وينحو نحوه في البديع الذي كان أبو تمام يستعمله، ويراه صاحباً وإماماً، ويقدمه على نفسه، ويقول في الفرق بينه وبينه قول منصف: إن جيد أبي تمام خير من جيده، ووسطه ورديئه خير من وسط أبي تمام ورديئه، وكذا حكم هو على نفسه.
    هو وأبو تمام: أخبرني محمد بن يحيى الصولي: قال: حدثني الحسين بن علي الياقظاني: قال: قلت للبحتري: أيما أشعر أنت أو أبو تمام؟ فقال: جيده خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه.
    حدثني محمد بن يحيى قال: حدثني أبو الغوث يحيى بن البحتري: قال: كان أبي يكنى أبا الحسن، وأبا عبادة، فأشير علي في أيام المتوكل بأن أقتصر على أبي عبادة، فإنها أشهر، فاقتصرت عليها.
    حدثني محمد قال: سمعت عبد الله بن الحسين بن سعد يقول للبحتري - وقد اجتمعنا في دار عبد الله بالخلد، وعنده المبرّد في سنة ست وسبعين ومائتين، وقد أنشد البحتري شعراً لنفسه قد كان أبو تمام قال في مثله - : أنت والله أشعر من أبي تمام في هذا الشعر، قال: كلا والله، إن أبا تمام للرئيس والأستاذ، والله ما أكلت الخبر إلا به، فقال له المبرد: لله درك يا أبا الحسن، فإنك تأبى إلا شرفاً من جميع جوانبك.
    حدثني محمد: قال: حدثني الحسين بن إسحاق: قال: قلت للبحتري: إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام، فقال: والله ما ينفعني هذا القول، ولا يضر أبا تمام، والله ما أكلت الخبز إلا به، ولوددت أن الأمر كان كما قالوا، ولكني اوالله تابع له آخذ منه لائذ به، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه.
    حدثني محمد بن يحيى: قال: حدثني سوار بن أبي شراعة، عن البحتري: قال: وحدثني أبو عبد الله الألوسي، عن علي بن يوسف، عن البحتري: قال: كان أول أمري في الشعر ونباهتي أني صرت إلى أبي تمام، وهو بحمص، فعرضت عليه شعري، وكان الشعراء يعرضون عليه أشعارهم، فأقبل علي، وترك سائر من حضر، فلما تفرقوا قال لي: أنت أشعر من أنشدني، فكيف بالله حالك؟ فشكوت خلة فكتب إلى أهل معرة النعمان، وشهد لي بالحذق بالشعر، وشفع لي إليهم وقال: امتدحهم، فصرت إليهم، فأكرموني بكتابه، ووظفوا لي أربعة آلاف درهم، فكانت أول مال أصبته. وقال علي بن يوسف في خبره: فكانت نسخة كتابه: "يصل كتابي هذا على يد الوليد أبي عبادة الطائي، وهو - على بذاذته - شاعر، فأكرموه".
    يعشق غلاماً فيلتحي: حدثني جحظة: قال: سمعت البحتري يقول: كنت أتعشق غلاماً من أهل منبج يقال له شقران، واتفق لي سفر، فخرجت فيه، فأطلت الغيبة، ثم عدت، وقد التحى، فقلت فيه، وكان أول شعر قلته:
    نبـتـت لـحـــية شـــقـــرا

    ن شـقـيق الـنـفـس بـعـــدي
    حلقت، كيف أتته قبل أن ينجز وعدي!



    وقد روى في غير هذه الحكاية أن اسم الغلام شندان.
    بدء التعارف بينه وبين أبي تمام: حدثني علي بن سليمان: قال: حدثني أبو الغوث بن البحتري عن أبيه، وحدثني عمي: قال: حدثني علي بن العباس النوبختي، عن البحتري، وقد جمعت الحكايتين، وهما قريبتان: قال: أول ما رأيت أبا تمام أني دخلت على أبي سعيد محمد بن يوسف، وقد مدحته بقصيدتي:
    أأفاق صب من هوى فأفيقـا

    أو خان عهداً أو أطاع شفيقا؟

    فسر بها أبو سعيد، وقال: أحسنت والله يا فتى وأجدت، قال: وكان في مجلسه رجل نبيل رفيع المجلس منه، فوق كل من حضر عنده، تكاد تمس ركبته ركبته، فأقبل علي ثم قال: يا فتى، أما تستحي مني! هذا شعر لي تنتحله، وتنشده بحضرتي! فقال له أبو سعيد: أحقاً تقول! قال: نعم، وإنما عَلقه مني، فسبققني به إليك، وزاد فيه، ثم اندفع فأنشد أكثر هذه القصيدة، حتى شككني - علم الله - في نفسي، وبقيت متحيراً، فأقبل علي أبو سعيد، فقال: يا فتى، قد كان في قرابتك منا وودك لنا ما يغنيك عن هذا، فجعلت أحلف له بكل محرجة من الأيمان أن الشعر لي ما سبقني إليه أحد، ولا سمعته منه، ولا انتحلته، فلم ينفع ذلك شيئاً، وأطرق أبو سعيد، وقطع بي، حتى تمنيت أن سخت في الأرض، فقمت منكسر البال أجر رجلي، فخرجت، فما هو إلا أن بلغت باب الدار حتى خرج الغلمان فردوني، فأقبل علي الرجل، فقال: الشعر لك يا بني، والله ما قلته قط، ولا سمعته إلا منك، ولكنني ظننت أنك تهاونت بموضعي، فأقدمت على الإنشاد بحضرتي من غير معرفة كانت بيننا، تريد بذلك مضاهاتي ومكاثرتي، حتى عرفني الأمير نسبك وموضعك، ولوددت ألا تلد أبداً طائية إلا مثلك، وجعل أبو سعيد يضحك، ودعاني أبو تمام، وضمني إليه، وعانقني، وأقبل يقرظني، ولزمته بعد ذلك، وأخذت عنه، واقتديت به، هذه رواية من ذكرت.
    إشاد له بأبي سعيد محمد بن يوسف الثغري: وقد حدثني علي بن سليمان الأخفش أيضاً قال: حدثني عبد الله بن الحسين بن سند القطربلي: أن البحتري حدثه أنه دخل على أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري، وقد مدحه بقصيدة، وقصده بها، فألقى عنده أبا تمام وقد أنشده قصيدة له فيه، فاستأذنه البحتري في الإنشاد وهو يومئذ حديث السن، فقال له: يا غلام أنشدني بحضرة أبي تمام؟ فقال: تأذن ويستمع، فقام، فأنشده إياها، وأبو تمام يسمع ويهتز من قرنه إلى قدمه استحساناً فلما فرغ منها قال: أحسنت والله يا غلام، فممن أنت؟ قال: من طيئ، فطرب أبو تمام وقال: من طيئ، الحمد لله على ذلك، لوددت أن كل طائية تلد مثلك، وقبل بين عينيه، وضمه إليه وقال لمحمد بن يوسف: قد جعلت له جائزتي، فأمر محمد بها، فضمت إلى مثلها، ودفعت إلى البحتري، وأعطى أبا تمام مثلها، وخص به، وكان مداحاً له طول أيامه ولابنه بعده، ورثاهما بعد مقتليهما، فأجاد، ومراثيه فيهما أجود من مدائحه، وروى أنه قيل له في ذلك فقال: من تمام الوفاء أن تفضل المراثي المدائح لا كما قال الآخر - وقد سئل عن ضعف مراثيه فقال - : كنا نعمل للرجاء، نحن نعمل اليوم للوفاء. وبينهما بعد.
    كان بخيلاً زري الهيئة: حدثني حكم بن يحيى الكنتحي قال: كان البحتري من أوسخ خلق الله ثوباً وآلة وأبخلهم على كل شيء، وكان له أخ وغلام معه في داره، فكان يقتلهما جوعاً، فإذا بلغ منها الجوع أتياه يبكيان، فيرمي إليهما بثمن أقواتهما مضيقاً مقتراً، ويقول: كلا، أجاع الله أكبادكما وأعرى أجلادكما وأطال إجهادكما.
    قال حكم بن يحيى: وأنشدته يوماً من شعر أبي سهل بن نوبخت، فجعل يحرك رأسه، فقلت له: ما تقول فيه؟ فقال: هو يشبه مضغ الماء ليس له طعم ولا معنى.
    وحدثني أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهاني الكاتب، قال: دخلت على البحتري يوماً فاحتبسني عنده، ودعا بطعام له، ودعاني إليه، فامتنعت من أكله، وعنده شيخ شامي لا أعرفه، فدعاهخ إلى الطعام، فتقدم، وأكل معه أكلاً عنيفاً، فغاظه ذلك، والتفت إليّ، فقال لي: أتعرف هذا الشيخ؟ فقلت: لا، قال: هذا شيخ من بني الهجيم الذي يقول فيهم الشاعر:
    وبنو الهجيم قبيلة ملـعـونة

    حص اللحى متشابهو الألوان
    لو يسمعون بأكلة أو شـربة

    بعمان أصبح جمعهم بعمان

    قال: فجعل الشيخ يشتمه، ونحن نضحك.
    ماء من يد حسناء: وحدثني جحظة: قال: حدثني علي بن يحيى المنجم: قال: اجتازت جارية بالمتوكل معها كوز ماء، وهي أحسن من القمر، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: برهان، قال: ولمن هذا الماء؟ قالت: لستي قبيحة، قال: صبيه في حلقي، فشربه عن آخره، ثم قال للبحتري: قل في هذا شيئاً، فقال البحتري:
    ما شربة من رحيق كأسهـا ذهـب

    جاءت بها الحور من جنات رضوان
    يوماً بأطيب من ماء بلا عطش

    شربته عبثاُ من كفبرهـان

    أخبرني علي بن سليمان الأخفش، وأحمد بن جعفر جحظة: قالا: حدثنا أبو الغوث بن البحتري: قال: كتبتُ إلى أبي يوماً أطلب منه نبيذاً، فبعث إلي بنصف قنينة دردي، وكتب إلي: دونكها يا بني، فإنها تكشف القحط، وتضبط الرهط. قال الأخفش، وتقيت الرهط.
    قصته مع أحمد بن علي الإسكافي: حدثني أبو الفضل عباس بن أحمد بن ثوابة قال: قدم البحتري النيل على أحمد بن علي الإسكافي مادحاً له، فلم يثبه ثواباً يرضاه بعد أن طالت مدته عنده، فهجاه بقصيدته التي يقول فيها:
    ما كسبنا من أحمد بن علي

    ومن النيل غير حمى النيل

    وهجاه بقصيدة أخرى أولها:
    قصة النيل فاسمعوها عجابه

    فجمع إلى هجائه إياه هجاء أبي ثوابة، وبلغ ذلك أبي، فبعث إليه بألف درهم وثياب ودابة بسرجها ولجامها، فرده إليه، وقال: قد أسلفتكم إساءة لا يجوز معها قبول رفدكم، فكتب إليه أبي: أما الإساءة فمغفورة وأما المعذرة فمشكورة، والحسنات يذهبن السيئات، وما يأسو جراحك مثل يدك. وقد رددت إليك ما رددته علي، وأضعفته، فإن تلافيت ما فرط منك أثبنا وشكرنا، وإن لم تفعل احتملنا وصبرنا. فقبل ما بعث به، وكتب إليه: كلامك والله أحسن من شعري، وقد أسلفتني ما أخجلني، وحملتني ما أثقلني، وسيأتيك ثنائي. ثم غدا إليه بقصيدة أولها:
    ضلال لها ماذا أرادت إلى الصد

    وقال فيه بعد ذلك:
    برق أضاء العقيق من ضرمه

    وقال فيه أيضاً:
    دان دعا داعي الصبا فأجابه

    قال: ولم يزل أبي يصله بعد ذلك، ويتابع برّه لديه حتى افترقا.
    شعره في نسيم غلامه: أخبرني جحظة قال: كان نسيم غلام البحتري الذي يقول فيه:
    دعا عبرتي تجري على الجور والقصد

    أظن نسيماً قارف الهم من بـعـدي
    خلا ناظري من طيفه بعد شخـصـه

    فيا عجبا للدهر فقد عـلـىفـقـد

    خبره مع محمد بن علي القمي وغلامه: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: كتب البحتري إلى أبي محمد بن علي القمي يستهديه نبيذاً، فبعث إليه نبيذاً مع غلام له أمرد، فجمشه البحتري، فغضب الغلام غضباً شديداً، دل البحتري على أنه سيخبر مولاه بما جرى، فكتب إليه:
    ابا جعفر كان تجمـيشـنـا

    غلامك إحدى الهنات الدنية
    بعثت إلينا بشمس الـمـدام

    تضيء لنا مع شمس البرية
    فليت الهدية كان الرسـول

    وليت الرسول إليناالهـدية

    فبعث إليه محمد بن علي الغلام هدية، فانقطع البحتري عنه بعد ذلك مدة، خجلاً مما جرى، فكتب إليه مححمد بن علي:
    هجرت كأن البر أعقب حـشـمة

    ولم أر وصلاً قبل ذا أعقب الهجرا

    فقال فيه قصيدته التي أولها:
    فتى مذحج عفواً فتى مذحج غفرا

    كان موته بالسكتة: أخبرني علي بن سليمان الأخفش: قال: سألني القاسم بن عبيد الله عن خبر البحتري، وقد كان أسكت، ومات من تلك العلة، فأخبرته بوفاته، وأنه مات في تلك السكتة، فقال: ويحه رمي في أحسنه.
    أبو تمام يلقن البحتري درساً في الاستطراد: أخبرني محمد بن يحيى: قال: حدثني محمد بن علي الأنباري: قال: سمعت البحتري يقول: أنشدني أبو تمام ويماً لنفسه:
    وسابح هطل الـتـعـداء هـتـان

    على الجراء أمـين غـير خـوان
    أظمي الفصوص ولم تظمأ قوائمـه

    فخل عينيك فـي ظـمـآن ريان
    فلو تراه مشيحاً والـحـصـى زيم

    بين السنابك من مثنـى ووحـدان
    أيقنت إن لم تثـبـت أن حـافـره

    من صخر تدمر أو من وجه عثمان

    ثم قال لي: ما هذا الشعر؟ قلت: لا أدري، قال: هذا هو المتسطرد، أو قال الاستطراد. قلت: وما معنى ذلك؟ قال: يريك أنه يريد وصف الفرس وهو يريد هجاء عثمان، وقد فعل البحتري ذلك، فقال في صفة الفرس:
    ما إن يعاف قذى ولو أوردته

    يوماً خلائق حمدويه الأحول

    وكان البحتري من أبغض الناس إنشاداً، يتشادق ويتزاور في مشيه مرة جانباً، ومرة القهقري، ويهز رأسه مرة، ومنكبيه أخرى، ويشير بكمه، ويقف عند كل بيت، ويقول: أحسنت والله، ثم يقبل على المستمعين، فيقول: ما لكم لا تقولون أحسنت؟ هذا والله ما لا يحسن أحد أن يقول مثله: فضجر المتوكل من ذلك وأقبل علي، وقال: أما تسمع يا صيمري ما يقول؟ فقلت: بلى يا سيدي، فمرني فيه بما أحببت، فقال: بحياتي أهجه على هذا الروي الذي أنشدنيه، فقلت: تأمر ابن حمدون أن يكتب ما أقول، فدعا بداوة وقرطاس، وحضرني على البديهة أن قلت:
    أدخلت رأسك في الرحم

    وعلمت أنك تنـهـزم
    يا بحتـري حـذار ويح

    ك من قضاقضة ضغم
    فلقد أسـلـت بـواديي

    ك من الهجا سيل العرم
    فبأي عرض تعتـصـم

    وبهتكه جف القـلـم؟
    والله حـلـفة صـادق

    وبقبر أحمد والـحـرم
    وبحق جعـفـر الإمـا

    م ابن الإمام المعتصـم
    لأصـيرنـك شـهـرة

    بين المسيل إلى العلـم
    حي الطلول بذي سـلـم

    حيث الأراكة والخـيم
    يا بن الثقيلة والثقـيل ع

    لى قلوب ذوي النـعـم
    وعلى الصغير مع الكبي

    ر من الموالي والحشم
    في أي سلح تـرتـطـم

    وبأي كف تلـتـقـم؟
    يا بن المباحة لـلـورى

    أمن العفاف أم التـهـم
    إذ رحل أختك للعـجـم

    وفراش أمك في الظلم
    وبـبـاب دارك حـانة

    في بيته يؤتى الحـكـم

    قال: فغضب، وخرج يعدو، وجعلت أصيح به:
    أدخلت رأسك في الرّحم

    وعلمت أنك تنـهـزم

    والمتوكل يضحك، ويصفق حتى غاب عن عينه.
    هكذا حدثني جحظة عن أبي العنبس.
    ووجدت هذه الحكاية بعينها بخط الشاهيني حكاية عن أبي العنبس، فرأيتُها قريبة اللفظ، موافقة المعنى لما ذكره جحظة، والذي يتعارفه الناس أن أبا العنبس قال هذه الأبيات ارتجالاً، وكان واقفاً خلف البحتري، فلما ابتدأ وأنشد قصيدته:
    عن أي ثغر تبتسـم

    وبأي طرف تحتكم

    صاح به أبو العنبس من خلفه:
    في أي سلح ترتـطـم

    وبأي كف تـلـتـقـم
    أدخلت رأسك في الرحم

    وعلمت أنك تنـهـزم

    فغضب البحتري، وخرج، فضحك المتوكل حتى أكثر، وأمر لأبي العنبس بعشرة آلاف درهم والله أعلم.
    وأخبرني بهذا الخبر محمد بن يحيى الصولي، وحدثني عبد الله بن أحمد بن حمدون عن أبيه: قال: وحدثني يحيى بن علي عن أبيه: إن البحتري أنشد المتوكل - وأبو العنبس الصيمري حاضر - قصيدته:
    عن أي ثغر تبتسـم

    وبأي طرف تحتكم؟

    إلى آخرها، وكان إذا أنشد يختال، ويعجب بما يأتي به، فإذا فرغ من القصيدة رد البيت الأول، فلما رده بعد فراغه منها. وقال:
    عن أي ثغر تبتسـم

    وبأي طرف تحتكم

    قال أبو العنبس وقد غمزه المتوكل أن يولع به:
    في أي سلح ترتـطـم

    وبأي كف تـلـتـقـم
    أدخلت رأسك في الرحم

    وعلمت أنك تنـهـزم

    فقال نصف البيت الثاني، فلما سمع البحتري قوله ولى مغضباً، فجعل أبو العنبس يصيح به:
    وعلمت أنك تنهزم

    فضحك المتوكل من ذلك حتى غلب، وأمر لأبي العنبس بالصلة التي أعدت لللبحتري.
    قال أحمد بن زياد: فحدثني أبي قال: جاءني البحتري، فقال لي: يا أبا خالد أنت عشيرتي وابن عمي وصديقي، وقد رأيت ما جرى علي، أفتأذن لي أن أخرج إلى منبج بغير إذن، فقد ضاع العلم، وهلك الأدب؟ فقلت: لا تفعل من هذا شيئاً، فإن الملوك تمزح بأعظم مما جرى، ومضيت معه إلى الفتح، فشكا إليه ذلك، فقال له نحواً من قولي، ووصله، وخلع عليه، فسكن إلى ذلك.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:16 am

    أبو العلاء المعري
    972-1058م

    هو أحمد بن عبد اللّه بن سليمان التّنوخي، من أهل معرّة النعمان.
    حكيم الشعراء وشاعر الحكماء. لم ينبغ في الإسلام شاعر أعلى منه همّةً ولا أكرم منه نفسًا، وأجدَر بنا أن نحشره في زُمرة الحكماء والعلماء من أن نحشره في طائفة الشّعراء، لأنه ما قال الشّعر كاسبًا، ولا مَدَح أحدًا راغبًا، وهو مع علو كعبه في الشعر، كان مُلمًّا باللّغة، مُتبحّرًا في فنونها.
    أُصيب المعرّي بداء الجدري في سنته الثّالثة، فذهب ببصره وكان يقول "لا أعرف من الألوان إلاّ الأحمر لأني أُلبسْت في الجدري ثوبًا مصبوغًا بالعصفر، لا أعرف غيره". وكان يقول "أنا أحمد اللّه على العمى كما يحمده غيري على البصر".
    وهو من بيت علمٍ وفضلٍ ورياسة. تولّى قوم من أقاربه القضاء وكان منهم العلماء الأعلام والشعراء المطبوعون.
    قال الشعر وهو ابن إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة ورحل إلى بغداد ثم رحل إلى المعرّة. أقام ببغداد سنة وسبعة أشهر. فلمّا كان بها دخل على أمير المؤمنين المُرتضى فعثر برجل، فقال: "من هذا الكلب؟" فأجابه أبو العلاء على الفور: "الكلبُ من لا يعرف للكلب سبعين إسمًا"، فأدناه المُرتضى واختبره، فوجده عالمًا مشبّعًا بالفطنة والذّكاء. فأقبل عليه وأكرمه .
    لما رجع المعرّي إلى بلده سَمّى نفسه "رهين المحْبَسين"، يعني حبس نفسه في منزله وحبس بصره بالعمى، واستعاض عن البصر ذكاءً حاداً وبصيرةً نفّاذةً.
    كان أبو العلاء عجيبًا في الذّكاء المفرط والحافظة. ذكر تلميذه أبو زكريا التبريزي أنه كان قاعدًا في مسجده بمعرّة النعمان بين يديّ أبي العلاء، يقرأ شيئًا من تصانيفه، قال "وكنتُ قد أقمتُ عنده سنين ولم أر أحدًا من أهل بلدي، فدخل المسجد بعض جيراننا للصّلاة فرأيته وفرحتُ، فقال لي أبو العلاء "أيّ شيء أصابك؟" فحكيت له أني رأيت جاراً لي بعد أن لم ألق أحدًا من أهل بلدي سنين. فقال لي "قم فكلّمه". فقلتُ حتى أُتمّم النّسق. فقال لي "قم وأنا أنتظرك". فقمتُ وكلّمته بلسان الأذربيجانية شيئا كثيرًا إلى أن سألتُ عن كل ما أردتُ؛ فلمّا رجعت وقعدت بين يديه قال لي "أيّ لسان هذا؟" قلت له هذا لسان أذربيجان. فقال لي "ما عرفت اللّسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتُما"؛ ثم أعاد على اللّفظ بعينه من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه، بل جميع ما قلتُ وما قال جاري، فتعجّبتُ غاية العجب من حُفظ ما لم يفهمه!"
    كان أبو العلاء قد رحل إلى طرابلس حيث كان بها خزائن كتبٍ موقوفةٍ. فأخذ منها ما أخذ من العلم واجتاز باللاّذقية، ونزل ديراً كان به راهب له علم بأقاويل الفلاسفة، فسمع كلامه وأخذ عنه.
    النّاس في حيرةٍ من أمر أبي العلاء من جهة اعتقاده. فقد أورد له الرّازي في الأربعين قوله: "قلتُم لنا صانع قديمٍ، قُلْنا صدقتم كذا نقول، ثم زعمتم بلا مكان ولا زمان، ألا فقولوا هذا كلام له خبئ، معناه ليست لنا عقول". ثم قال الرازي:"كان المعرّي متّهمًا في دينه، يرى رأي البراهمه ولا يرى إفساد الصورة ولا يأكل لحمًا ولا يؤمن بالرُّسل ولا البعث ولا النّشور.
    وروى أبو زكريا الرازي، قال: "قال لي المعرّي يومًا "ما الذي تعتقد؟" فقلتُ في نفسي "سيتبيّن لي اعتقاده"، فقلت "ما أنا إلا شاك". فقال لي "هكذا شيخك".
    وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يقول عنه "هو في حيرة".
    قال صلاح الدين الصّفدي -وهذا أحسن ما يقال في أمره- لأنه قال: "خُلِقَ الناس للبقاء فَضلّت أمة يحسبونها للنّفاد، إنما يُنقَلون من دار أعمال إلى دار شقوة أو رشاد".
    قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني: "قال المعرّي: لم أهج أحدًا قط. قلت صدقت، إلاّ الأنبياء عليهم السّلام. فتغير لونه".
    والحقيقةُ أنّ أبا العلاء كان متشائمًا، يشكّ في الأديان؛ وهو القائل:
    كلُّ يمجد دينَه يا ليت شعري ما الصّحيح؟
    وهو يرى أن الدّين والعقل لا يلتقيان.
    للمعري ديوان شعر "اللّزوميات"، وفي النثر "رسالة الغفران". تأثّر في شعره بالمتنبي، وكان متحمّسًا له، وقد قيل فيهما: "إذا كان المتنبّي شاعراً يتفلسفُ، فالمعرّي فيلسوف يتشاعر".
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن أنوربن أسحم بن أرقم بن النعمان بن عدي بن غطفان بن عمر بن بريح بن جديمة بن تيم الله ابن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قصناعة التنوخي المعري للغوي الشاعر؛ كان متضلعاً من فنون الأدب، قرأ النحو واللغة على أبيه بالمعرة، وعلى محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب، وله التصانيف الكثيرة المشهورة والرسائل المأثورة، وله من النظم لزوم ما لايلزم وهو كبير يقع في خمسة أجزاء أوما يقاربها، وله سقط الزند أيضاً، وشرحه بنفسه، وسماه ضوء السقط، وبلغني أن له كتباً سماه الأيك والغصون وهو المعروف بالهمزة والردف يقارب المائة جزء في الأدب أيضاً، وحكى لي من وقف على المجلد الأول بعد المائة من كتاب الهمزة والردف وقال: لا أعلم ما كان يعوزه بعد هذا المجلد. وكان علامة عصره.
    وأخذ عنه أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، والخطيب أبو زكريا التبريزي وغيرهما.
    وكانت ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلثمائة بالمعرة، وعمي من الجدري أول صسنة سبع وستين، غشى يمنى عينيه بياض وذهبت اليسرى جملة، قال الحافظ السلفي: أخبرني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الإيادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره، فرآه قاعداً على سجادة لبد وهو شيخ، قال: فدعا لي ومسح على رأسي وكنت صبيا، قال: وكأني أنظر إليه الساعة وإلى عينيه غحداهما نادرة والأخرى غائرة جدا، وهو مجدر الوجه، نحيف الجسم.
    ولما فرغ من تصنيف كتاب اللامع العزيزي في شرح شعر المتنبي وقرىء عليه أخذ الجماعة في وصفه فقال أبو العلاء: كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب حيث يقول:
    أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

    وأسمعت كلماتي من بهصمم

    واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه ذكرى حبيب وديوان البحتري وسماه عبث الوليد وديوان المتنبي وسماه معجز أحمد وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم، وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم، والتوجيه في أماكن لخطئهم.
    ودخل بغداد سنة ثمان وتسعين وثلثمائة، ودخلها ثانية سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى المعرة ولزم منزله، وشرع في التصنيف وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراءوأهل الأقدار، وسمى نفسه رهين المحبسين للزومه منزله ولذهاب عينيه، ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تديناً لأنه كان يرى رأي الحكماء المتقدمين وهم لايأكلونه كي لايذبحوا الحيوان ففيه تعذيب له وهم لايرون الإيلام في جميع الحيوانات.
    وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ومن شعره في اللزوم قوله:
    لاتطلبن بـآلةٍ لـك رتـبـهً

    قلم البليغ بغير جد مـغـزل
    سكن السماكان السماء كلاهما

    هذا له رمح وهـذا أعـزل

    وتوفي يوم الجمعة ثالث - وقيل: ثاني - شهر ربيع الأول، وقيل: ثالث عشره، سنة تسع وأربعين واربعمائة بالمعرة، وبلغني أنه اوصى أن يكتب على قبره هذا البيت:
    هذا جناه أبي علـي

    وما جنيبت على أحد

    وهو أيضا متعلق باعتقاد الحكماء، فانهم يقولون: إيجاد الولد وإخراجه إلى هذا العالم جناية عليه، لأنه يتعرض للحوادث والآفات.
    وكان مرضه ثلاثة أيام، ومات في اليوم الرابع، ولم يكن عنده غير بني عمه فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا عني، فتناولوا الدوي والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال القاضي أبو محمد عبد الله التنوخي: أحسن الله عزاءكم في الشيخ فإنه ميت؛ فمات ثاني يوم. ولماتوفي رثاه تلميذه أبو الحسن علي بن همام بقوله:

    إن كنت لم ترق الدماءزهـادة

    فلقد أرقت اليوم من جفني دماً
    سيرت ذكرك في البلاد كأنـه

    مسك فسامعة يضمخ أو فمـا
    وأرى الحجيج إذا أرادوا لـيلة

    ذكراك أخرج فدية من أحرما

    وقد أشار في البيت الأول إلى ما كان يعتقده ويتدين به من عدم الذبح كما تقدم ذكره.
    وقبره في ساحة من دوار اهله، وعلى الساحة باب صغير قديم، وهو على غاية ما يكون من الإهمال وترك القيام بمصالحه، وأهله لايحتفلون به.
    والتنوخي - بفتح التاء المثناة من فوقها وضم النون المخففة وبعد الواو خاء معجمة - وهذه النسبة إلى تنوخ، وهواسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين، وتحالفوا على التناصر، وأقاموا هناك فسموا تنوخاً. والتنوخ: الإقامة، وهذه القبيلة إحدى القبائل الثلاث التي هي نصارى العرب، وهم: بهراء، وتنوخ، وتغلب.
    والمعري - بفتح الخميم والعين المهملة وتشديد الراء - وهذه النسبة إلى معرة النعمان، وهي: بلدة صغيرة بالشام بالقرب من حماة وشيزر، وهي منسوبة إلى النعمان بن بشير الأنصاري، رضي الله تعالى عنه، فإنه تديرها، فنسبت إليه، وأخذها الفرنج من المسلمين في محرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ولم تزل بأيدي الفرنج من يومئذ إلى أن فتحها عماد الدين زنكي بن آق سنقر الآتي ذكره إن شاء الله تعالى سنة تسع وعشرين وخمسمائة، ومن على أهلها بأملاكهم.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:16 am



    ابن هانئ الأندلسي
    326 - 362 هـ / 938 - 973 م
    محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي، أبو القاسم يتصل نسبه بالمهلب بن أبي صفرة.
    أشعر المغاربة على الإطلاق وهو عندهم كالمتنبي عند أهل المشرق، وكانا متعاصرين.
    ولد بإشبيلية وحظي عند صاحبها، واتهمه أهلها بمذهب الفلاسفة وفي شعره نزعة إسماعيلية بارزة، فأساؤا القول في ملكهم بسببه، فأشار عليه بالغيبة، فرحل إلى أفريقيا والجزائر.
    ثم اتصل بالمعز العبيدي (معدّ) ابن إسماعيل وأقام عنده في المنصورية بقرب القيروان، ولما رحل المعز إلى مصر عاد ابن هانئ إلى إشبيلية فقتل غيله لما وصل إلى (برقة).
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو القاسم وأبو الحسن، محمد بن هانىء الأزدي الأندلسي الشاعر المشهور؛ قيل إنه من ولد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وقيل بل هو من ولد أخيه روح بن حاتم - وقد تقدم ذكر يزيد وأخيه روح في ترجمة روح في حرف الراء -؛ وكان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بأفريقية، وكان شاعرا أديبا، فانتقل إلى الأندلس، فولد له بها محمد المذكور بمدينة إشبيلية ونشأ بها واشتغل، وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر فمهر فيه، وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم، واتصل بصاحب إشبيلية وحظي عنده، وكان كثير الانهماك في الملاذ متهما بمذهب الفلاسفة، ولما اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل إشبيلية وساءت المقالة في حق الملك بسببه، واتهم بمذهبه أيضا، فأشار الملك عليه بالغيبة عن البلد مدة ينسى فيها خبره، فانفصل عنها وعمره يومئذ سبعة وعشرون عاما.
    وحديثه طويل، وخلاصته أنه خرج إلى عدرة المغرب ولقي جوهرا للقائد مولى المنصور - وقد تقدم ذكره وما جرى له عند توجهه إلى مصر وفتحها للمعز -فامتدحه ثم ارتحل إلى يحيى ابني علي - وقد تقدم ذكر جعفر - وكانا بالمسيلة وهي مدينة الزاب، وكانا والييها، فبالغا في إكرامه والإحسان إليه، فنمي خبره إلى المعز أبي تميم معد بن المنصور العبيدي - وسيأتي ذكره في هذا الحرف إن شاء الله تعالى - فطلبه منهما، فلما انتهى إليه بالغ في الإنعام عليه.
    ثم توجه المعز إلى الديار المصرية فشيعه ابن هانئ المذكور ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به، فتجهز وتبعه، فلما وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها، فأقام عنده أياما في مجلس الأنس، فيقال إنهم عربدوا عليه فقتلوه، وقيل خرج من تلك الدار وهو سكران فنام في الطريق وأصبح ميتا ولم يعرف سبب موته، وقيل إنه وجد في سانيه من سواني برقة مخنوقا بتكة سراريله، وكان ذلك في بكرة يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من رجب سنة اثنتين وستين وثلثمائة، وعمره ست وثلاثون سنة، وقيل اثنتان وأربعون، رحمه الله تعالى، هكذا قيده صاحب كتابأخبار القيروان وأشار إلى انه في صحبة المعز، وهو مخالف لماذكرته أولا من تشييعه للمعز ورجوعه لأخذ عياله. ولما بلغ المعز وفاته وهو بمصر تأسف عليه كثيرا وقال: هذا الرجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك.
    وله في المعز المذكور غرر المدائح ونخب الشعر، فمن ذلك قصيدته النونية التي أولها:
    هل من أعقـه عـالـج يبـرين

    أم منهما بقر الحدوج الـعـين
    ولمن ليال ما ذككنا عـهـدهـا

    مذ كـن إلا أنـهـن شـجـون
    المشرقات كأنـهـن كـواكـب

    والناعمات كأنهـن غـصـون
    بيض وما ضحك الصباح، وإنها

    بالمسك من طرر الحسان لجون
    أدمى لها المرجان صفحة خـده

    وبكى عليها اللؤلؤ المـكـنـون
    أعدى الحمام تأوهي من بعدهـا

    فكأنه فيما سـجـعـن رنـين
    بانوا سراعا للـهـوادج زفـرة

    مما رأين وللمـطـي حـنـين
    فكأنما صبغوا الضحى بقبابـهـم

    أو عصفرت فيه الخدود جفـون
    ماذا على حلل الشقيق لوأنـهـا

    عنلابسيها في الخـدود تـبـين
    فلأعطشن الروض بعدهـم ولا

    يرويه لي دمع علـيه هـتـون
    أأعير لحظ العين بهجة منـظـر

    وأخونهم؟ إنـي إذن لـخـؤون
    لا الجو جو مشرق ولواكتـسـى

    زهرا، ولا الماء المعين معـين
    لايبعدن إذ العـبـير لـه ثـرى

    والبان دوح والشموس قـطـين
    أيام فيه العـبـقـري مـفـوف

    والسابري مضاعف موضـون
    والزاغبية شرع والمـشـرفـي

    ةلمع والمقـربـات صـفـون
    والعهد من ظمياء إذ لاقومـهـا

    خزر ولا الحرب الزبون زبون
    حزني لذاك الجـو وهـو أسـنة

    وكناس ذاك الخشف وهوعرين
    هل يدنيني منه أجـرد سـابـح

    مرح وجائله النـسـوع امـون
    ومهند قـيه الـفـرنـد كـأنـه

    ردء له خلف الغرار كـمـين
    عضب المضارب مقفر من أعين

    لكنه من أنـفـس مـسـكـون
    قد كلن رشح حديده أجلا، ومـا

    صاغت مضاربه الرقاق قـيون
    وكأنما يلقى الـضـريبة دونـه

    بأس المعز أو اسمهالمخـزون

    ومنها في صفة الخيل:
    وصـواهـل لا الـهـضـب يوم مـغــارهـــا

    هضـب ولا الـبـيد الــحـــزون حـــزون
    عرفـت بـسـاعة سـبـقـهـا، لا أنـــهـــا

    علـقـت بـهـا يوم الـــرهـــان عـــيون
    وأجل علم البرق فيها أنها مرت بجانحتيه وهي ظنون


    في الغيث شبه من نداك كأنما

    مسـحـت عـلـى الأنـواء مـنـــكيمـــين

    وهذه القصيدة من قصائده الطنانة، ولولا طولها لأوردتها كلها.
    وله أيضا:
    والله لولا أن يسفهني الـهـوى

    ويقول بعض القائلين تصابـى
    لكسرت دملجها بضيق عناقـه

    ورشفت من فيها البرود رضابا

    وفي هذا الأنموذج دلالة على علو درجته وحسن طريقته. وديوانه كبير، ولولا ما فيه من الغلو في المدح والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من احسن الدواوين، وليس في المغاربة من هو في طبقته:لا من متقدميهم ولا من متأخريهم، بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين، وإن كان في المتنبي مع أبي تمام من الاختلاف مافيه.
    وما زلت أتطلب تاريخ وفاة ابن هانيء المذكور من التواريخ والمظان التي يطلب منها فلا أجده، وسألت عنه خلقا كثيرا من مشايخ هذا الشأن فلم أجده، حتى ظفرت به في كتاب لطيف لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني سماه قراضة الذهب فألفيته كما هو مذكور هاهنا،ونقلت مدة عمره من موضع آخر رأيت بعض الأفاضل قد اعتنى بأحواله فجمعها وكتبها في أول ديوانه، وذكر مدة العمر، ولم يذكر تاريخ الوفاة لأنه ماعثر عليه.
    ويقال إن أبا العلاء المعري كان إذا سمع شعر ابن هانئ يقول: ما أشبهه إلا برحى تطحن قرونا، لأجل القعقعة التي في ألفاظه، ويزعم أنه لاطائل تحت تلك الألفاظ، ولعمري ما أنصفه في هذا المقال، وما حمله على هذا فرط تعصبه للمتنبي، وبالجملة فما كان إلا من المحسنين في النظم، والله أعلم.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:17 am

    حـافظ إبـراهيم
    1871 - 1932م

    وُلِد في مصر. مات أبوه وهو في الرّابعة من عمره، فكفله خاله. تعاطى المحاماة ثم دخل المدرسة الحربيّة وتخرّج فيها ضابطًا. أُرسِلَ في حملةٍ عسكريّةٍ إلى السّودان حيث اشترك في ثورةٍ انتهت بالإخفاق، فأُحيلَ على أثرها إلى الإستيداع ثم على التّقاعد. لكنّه لم يلبث أن عُيِّن رئيسًا للقسم الأدبي في دار "الكُتُب المصريّة".
    تأثّر حافظ إبراهيم بأحداث عصره وبيئته، يوم كانت تخضع للنّفوذ الإنكليزي؛ فكان شعره خير سِجِلٍّ زاخرٍ بالصّدق والوطنيّة والإنفعال، في أسلوبٍ شيّقٍ مطبوعٍ على الجزالة وقوة السّبك. وقد عاصر أحمد شوقي وخليل مطران، ولُقِّبَ بـ " شاعر النيل".
    ألَمَّ بالفرنسيّة وترجم "البؤساء" لـفِكْتُور هُوجو، ومختارات لـِرُوسّو. أسهم مع خليل مطران في ترجمة كتاب "موجز الإقتصاد".
    خلّف ديوانًا شعريًّا حافلاً يجلّ الأغراض القديمة، من المديح والهجاء والخمرة وما إليها، بالإضافة إلى الموضوعات المستجدّة في عصر النّهضة والمناسبات السّياسية والإجتماعية التّي مرّت على مصر والبلاد العربية المجاورة.
    توفّي في القاهرة.
    كان حافظ إبراهيم شاعرًا مجيدًا ومُصلحًا اجتماعيًا حريصًا على استنهاض الأُمَم الشّرقية، داعيًا إلى محاربة الجهل، مُرجعًا سبب تخلّف الشّرقييّن إلى إهمالهم تربية النّساء؛ فجاءت قصيدته الرّائعة صرخةً في الضّمائر تحثُُّ على ضرورة إعداد المرأة الشّرقية لتقوم بدورها في تربية جيلٍ مُستَنيرٍ، فيقول:
    مَن لي بتربية النّساء فإنّها في الشّرق علّةُ ذلك الإخفـاق
    الأمُ مـدرسـةٌ إذا أَعْـدَدْتَــها أعدَدْتَ شــعبًا طـيّب الأعــراق



    العلم والأخلاق

    حافظ إبراهيم
    إني لتطربني الخلال الكريمة" " طرب الغريب بأوبة وتلاقي
    وتهزني ذكرى المروءة والندى" " بين الشمائل هزة المشتاق
    فإذا رزقت خليقة محمودة" " فقد إصطفاك مقسم الأرزاق
    فالناس هذا حظه مال وذا" " علم وذاك مكارم الأخلاق
    والمال إن لم تدخره محصناً" " بالعلم كان نهاية الأملاق
    والعلم إن لم تكتنفه شمائل" " تعليه كان مطية الأخفاق
    لاتحسبن العلم ينفع وحده" " ملم يتوج ربه بخلاق
    من لي بتربية النساء فإنها" " في الشرق علة ذلك الأخفاق
    الأم مدرسة إذا أعددتها" " أعددت شعباً طيب الأعراق
    الأم روض إن تعهده الحيا" " بالري أورق أيماً إيراق
    الأم أستاذ الأساتذة الألى" " شغلت مآثرهم مدى الآفاق

    لا تلم كفى إذا السيف نبا

    حافظ إبراهيم
    لا تلم كفى إذا السيفنبا
    صح منى العزم و الدهر أبى
    رب ساع مبصر فىسعيه
    أخطأ التوفيق فيما طلبا
    مرحبا بالخطب يبلونىإذا
    كانت العلياء فيه السببا
    عقنى الدهر و لولاأننى
    أوثر الحسنى عققت الأدبا
    إيه يا دنيا اعبسى أوفابسمى
    ما أرى برقك إلا خلبا
    أنا لولا أن لى منأمتى
    خاذلاً ما بت أشكو النوبا
    أمة قد فت فىساعدها
    بغضها الأهل و حب الغربا
    تعشق الألقاب فى غيرالعلا
    و تُفدى بالنفوس الرتبا
    و هى و الأحداثتستهدفها
    تعشق اللهو و تهوى الطربا
    لا تبالى لعب القومبها
    أم بها صرف الليالى لعبا
    ليتها تسمع منىقصةً
    ذات شجو و حديثا عجبا
    كنت أهوى فى زمانىغادة
    وهب الله لها ما وهبا
    ذات وجه مزج اللهبه
    صفرة تنسى اليهود الذهبا
    حملت لى ذات يومنبأً
    لا رعاك الله يا ذاك النبا
    و أتت تخطر و الليلفتى
    و هلال الأفق فى الأفق حبا
    ثم قالت لى بثغرباسم
    نظم الدرّ به و الحببا
    نبئونى برحيل عاجل
    لا أرى لى بعده منقلبا
    و دعانى موطنى أنأغتدى
    علنى أقضى له ما وجبا
    نذبح الدب و نفرىجلده
    أيظن الدب ألا يغلبا
    قلت و الالام تفرىمهجتى
    ويك ما تفعل فى الحرب الظبا
    ما عهدناها لظبىمسرحا
    يبتغى ملهى به أو ملعبا
    ليست الحرب نفوساتشتهى
    بالتمنى أو عقولا تستبى
    أحسبت القد منعدتها
    أم حسبت اللحظ فيها كالشبا
    فسلينى إننىمارستها
    و ركبت الهول فيها مركبا
    و تقحمت الردى فىغارة
    أسدل النقع عليها هيدبا
    قطبت ما بين عينيهالنا
    فرأينا الموت فيها قطبا
    جال عزرائيل فىأنحائها
    تحت ذاك النقع يمشى الهيذبى
    فدعيها للذى يعرفها
    و الزمى يا ظبية البان الخبا
    فأجابتنى بصوتراعنى
    و أرتنى الظبى ليثا أغلبا
    إن قومى استعذبوا وردالردى
    كيف تدعونىَ ألا أشربا
    أنا يابانية لاأنثنى
    عن مرادى أو أذوق العطبا
    أنا إن لم أحسن الرمى ولم
    تستطع كفاى تقليب الظبا
    أخدم الجرحى و أقضىحقهم
    و أواسى فى الوغى من نُكبا
    هكذا الميكاد قدعلمنا
    أن نرى الأوطان أماً و أبا
    ملك يكفيك منه أنه
    أنهض الشرق فهز المغربا
    و إذا مارستهألفيته
    حُوّلا فى كل أمر قلبا
    كان و التاج صغيرينمعاً
    و جلال الملك فى مهد الصبا
    فغدا هذا سماءللعلا
    و غدا ذلك فيها كوكبا
    بعث الأمة منمرقدها
    و دعاها للعلا أن تدأبا
    فسمت للمجد تبغىشأوه
    و قضت من كل شئمأربا
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:18 am

    ميخائيل نعيمة
    1889 - 1988م

    أديب لبناني، ولد في بسكنتا. تلقى علومه الأولى في لبنان ثم تابع دروسه في الناصرة في فلسطين، وفي روسيا. هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، فالتقى هناك عددًا من الأدباء اللبنانيين منهم: جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، رشيد أيوب ونسيب عريضة. وأسسوا معا الرابطة القلمية.
    عاد إلى بسكنتا وفيها اعتزل صارفًا كلً همه إلى الأدب، فأعطى نتاجًا غزيرًا جليلاً، شمل جميع الفنون الأدبية من مقالات اجتماعية وخطب وقصص وسيرة.
    ترك نعيمة أربعة وثلاثين كتابًا، من أبرزها: "الغربال"، "المراحل"، "كان يا ما كان"،"الأوثان"،"سبعون"، "البيادر"،"جبران خليل جبران"، "من وحي المسيح".
    يمتاز أدبه بأنه إنساني النزعة، يصوّر واقع الحياة، مع ميل شديد إلى المثل، وتطلع إلى الحرية، واعتبار الإنسان قيمة في ذاته...
    في أسلوبه كثير من السلاسة والسهولة، على متانة في السبك، وبلاغة في التّعبير، ووضوح في الأفكار، مما جعل لميخائيل نعيمة مركزًا مميزا بين كبار أدباء عصره.
    ومن المشهور عن نعيمة ميله إلى الروحانيات، أي إنه يغلّب الجانب الروحي على الجانب الجسديّ أو الماديّ في سلوك الإنسان، ويميل إلى إضعاف الرغبات الجسدية، سعيًا إلى سموّ الإنسان في آفاق القيم العليا التي تؤدي إلى راحة النفس ومتعة الروح ولذة التأمل.
    ونعيمة يحترم الأديان كافة بتعاليمها الروحية؛ من هنا يبدو الأديب الكبير شرقيُ الهوى، يرجّح كفة الشرق الروحاني على كفة الغرب العقلانيّ الماديّ.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:19 am



    أبو القاسـم الشّـابي
    1909-1934م

    قّلة هم الشعراء الذين ما إن تشبّثت جذورهم بالأرض حتى حلقوا، فكانوا أشبه بالشّهب التي يكفيها من الحياة أن تلمع في جبين السُّحب ثم تنطفئ، مُرسلين في الأرض ألحان السّماء، مثبّتين غلبة العبقرية على الأيّام. هؤلاء في الشّعراء أشبه شيء بالعنادل في عالم الطير‍.
    مات الشّابي وهو في ربيع العمر، في العقد الثالث من حياته القصيرة الزّاخرة بالعطاء.
    في مطلع هذا القرن، وُلِدَ أبو القاسم في بلدة الشابية، في جنوب تونس. فتشبّعت عيناه بجمالها الطّبيعي الفتّان. وإذ كان أبوه قاضيًا وشيخًا، فقد أخذ عنه أصول العربية والدّين. ولما بلغ الحادية عشرة من عمره، أُدخِلَ إلى مدرسةٍ دينيّةٍ. وفي مدى سبع سنين تخرّج شيخًا مثقفًا، ثم التحق بكليّة الحقوق التونسية فنال إجازتها سنة 1930. إلاّ أن الأدب في قلبه زحمَ الحقوق فمال إليه واتّصل بجماعةٍ من الأدباء والمفكّرين، وراح ينظم الشّعر، ويكتب المقالات، ويلقي المحاضرات؛ وكان شديد الإعجاب والتّأثر بأدب المهاجرة، وعلى رأسهم جبران. وكان شديد الإخلاص في حُبّ وطنه، داعياً إلى تحريره من الإحتلال الفرنسي، إلى جانب إيمانه الراسخ بقدرة شعبه على تحقيق الإستقلال، وهو القائل في قصيدته الوطنية المعروفة:
    إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بُدّ أن يستجيب القدر
    ولا بُـدّ للّيل أن ينجلـي ولا بُدّ للقيد أن ينكسـر
    تأثّر جدًا لوفاة أبيه سنة 1929، وتسلّل المرض إلى قلبه فأسكته في عنفوان الشّباب.
    للشّابي طائفة من الآثار، أهمّها ديوان "أغاني الحياة"، ودراسة أدبيّة بعنوان " الخيال الشّعري عند العرب".



    إذا الشعب يوماً أراد الحياة
    أبو القاسم الشابي

    إذا الشعبُ يوماً أرادالحياة
    فلا بدَّ أن يسجيبَ القدرْ
    ولا بد لليل أنينجلي
    ولا بد للقيد أن ينكسر
    وفي ليلة ٍ من لياليالخريفِ
    ويدفنها السيّلُ، أنَّى عَبَرْ»
    ومن لم يعانقه شوقُالحياة
    تبخَّرَ في جوِّها، واندثر
    ْفويلٌ لمن لم تَشقُهُ الحياةُ
    منْ لعنة ِ العَدَمِ المنتصرْ!»
    كذلك قالتْ ليَالكائناتُ
    وحدَّثَنِي رُوحُهَاالمُستَتِرْ
    وَدَمْدَمَتِ الرِّيحُ بينالفِجاجِ
    وفوقَ الجبالِ وَتَحْتَالشَّجرْ:
    «إذا ما طَمحْتُ إلى غَايةٍ
    ركبت المنى ، ونسيتُ الحذر
    «وجاء الرَّبيعُ،بأنغامِهِ،
    ولاكبة اللَّهَب المستعرْ
    «وَمَنْ لا يحبُّ صُعُودَالجبالِ
    يَعِشْ أبَدَ الدَّهْرِ بينَالحُفَرْ»
    فَعَجَّتْ بقلبي دماءُالشَّبابِ
    وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ..
    «ويفنى الجميعُ كحلْمٍ بديعٍ، تألّقَ في مهجة ٍواندَثَرْ»
    «ويفنى الجميعُ كحلْمٍ بديعٍ، تألّقَ في مهجة ٍ واندَثَرْ»


    ياربَّة َ الشّعرِ والأحلامِ، غنِّيتي
    أبو القاسم الشابي

    ياربَّة َ الشّعرِ والأحلامِ،غنِّيتي
    فقد سئمت وجومَ الكَوْنِن منحينِ
    إن اللَّيالي اللَّواتي ضمَّختْكَبِدي
    بالسِّحْر أضْحتْ مع الأيَّامِترميني
    ناخت بنفسي مآسيها، وماوجدتْ
    قلباً عطوفاً يُسَلِّيها،فَعزِّيني
    وَهَدّ مِنْ خَلَدِي نَوْحٌ،تُرَجِّعُه
    بَلوى الحياة ِ، وأحزانُالمساكينِ
    على الحياة أنا أبكيلشقوتِها
    فَمَنْ إذا مُتُّ يبكيهاويبكيني؟
    يا ربة السِّعرِ، غنِّني، فقدضجرت
    نفسي من النّاس أبناء الشياطين
    تَبَرَّمَتْ بَيْنيَ الدُّنيا،وَأَعوزَهَا
    في مِعزفِ الدَّهرِ غرِّيدُالأَرانينِ
    وَرَاحَة ُ اللَّيل ملأى مِنْمَدَامِعِهِ
    و غادة ُ الحُبّ ثكلى ، لاتغنِّنيني
    فهل إذا لُذت بالظلماءمنتحباً
    أسلو؟ وما نفعُ محزونٍلمَحزونِ؟
    يا ربة َ الشعر! إن يائسٌ،تعسٌ
    عَدِمْتُ ما أرتجي في العالَمالدُّونِ
    وفي يديكِ مزاميرٌيُخَالِجُها
    وحي السَّما فهاتيها وغنّيني
    ورتِّلي حولَ بيتِ الحُزْنأغْنِيَة ً
    تجلُو عن النَّفسِ أحوانَالأحايينِ
    فإن قلبي قبرٌ،مظلمٌ،قُبرتْ
    فيه الأمانِي، فما عادتْتناغيني
    لولاك في هذه الدنيا لمالمست
    أوتارَ رُوحِيَ أَصْواتُالأفَانينِ
    ولا تغنَّيتُ مأخوذاً..، ولاعذُبتْ
    لي الحياة ُ لدى غضِّ الرياحينِ
    ولا ازدهى النَّفْسَ فيأشْجَانَها شَفَقٌ
    يُلوِّنُ الغيمَ لهواً أيَّتلوينِ
    ولا استخفَّ حياتي وهي هائمةٌ
    فجرُ الهوى في جفون الخُرَّدِالعِينِ



    أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً
    أبو القاسم الشابي

    أيْها الشعبُ! ليتني كنتُحطَّاباً
    فأهوي على الجذوعِ بفأسي!
    ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ماسالَتْ
    تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!
    ليتَني كنتُ كالريّاح،فأطوي
    ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
    ليتني كنتُ كالسّتاء،أُغَشِّي
    كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!
    ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، ياشعبي
    فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي!
    ليت لي قوة َ الأعاصيرِ! إنضجَّتْ
    فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي!
    ليت لي قوة َ الأعاصيرِ..! لكْ
    أنتَ حيٌّ، يقضي الحياةبرمسِ..!
    أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكرهالنّور،
    وتقضي الدهور في ليل مَلْس...
    أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إنطافتْ
    حواليكَ دون مسّ وجسِ...
    في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُأكوابي
    وأترعتُها بخمرة ِ نفسي...
    ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ،فأهرقْتَ
    رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي!
    فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّآلامي،
    وكفكفتُ من شعوري وحسّي
    ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِقلبي
    باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّإِنْسِي...
    ثم قدّمْتُها إليكَ،فَمزَّقْتَ
    ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ
    ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِثوباً
    وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي
    إنني ذاهبٌ إلى الغابِ،ياشَعْبي
    لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي
    إنني ذاهبٌ إلى الغابِ،علَّي
    في صميم الغابات أدفنُ بؤسي
    ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فماأنت
    بأهْلِ لخمرتي ولكَأسي
    سوف أتلو على الطُّيورأناشيدي،
    وأُفضي لها بأشواق نَفْسي
    فَهْي تدري معنى الحياة ،وتدري
    أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَة ُحِسِّ
    ثم أقْضي هناك، في ظلمةالليل،
    وأُلقي إلى الوجود بيأسي
    ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر،النَّاضر، الحلو،
    تَخُطُّ السُّيولُ حُفرة َ رمسي
    وتظَلُّ الطيورُ تلغو علىقبْرِي
    ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمس
    وتظَلُّ الفصولُ تمْشيحواليَّ،
    كما كُنَّ في غَضارَة أمْسي
    أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌصغيرٌ،
    لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُمُغْسِ..!
    أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لمتَنسْسها
    فكرة ٌ، عبقريَّة ٌ، ذاتُ بأسِ
    أنتَ في الكَوْنِ قوةٌ،كبَّلتْها
    ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمسأمسِ..
    والشقيُّ الشقيُّ من كانمثلي
    في حَسَاسِيَّتي، ورقَّة ِ نفسي
    هكذا قال شاعرٌ، ناولَالنَّاسَ
    رحيقَ الحياة ِ في خير كأسِ
    فأشاحُوا عنْها، ومرُّواغِضابا
    واستخفُّوا به، وقالوا بيأس:
    "قد أضاعَ الرشّادُ في ملعبالجِنّ
    فيا بؤسهُ، أصيب بمسّ
    طالما خاطبَ العواصفَ فيالليلِ
    ويَمْشي في نشوة ِ المُتَحَسِّي
    طالما رافقَ الظلامَ إلىالغابِ
    ونادى الأرواحَ مِن كلِّ جِنْس»
    طالما حدَّثَ الشياطينَ فيالوادي،
    وغنّى مع الرِّياح بجَرسِ»
    إنه ساحرٌ، تعلِّمُهالسحرَ
    الشياطينُ، كلَّ مطلع شمسْ
    فکبعِدوا الكافرَ الخبيثَ عنالهيكلِ
    إنّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ»
    «أطردوه، ولا تُصيخواإليه
    فهو روحٌ شريِّرة ٌ، ذات نحْسِ
    هَكَذا قَال شاعرٌ،فيلسوفٌ،
    عاشَ في شعبه الغبيِّ بتَعْسِ
    جَهِلَ الناسُ روحَه،وأغانيها
    فساموُا شعورَه سومَ بخْسِ
    فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِنبيٌّ
    وَهْوَ في شعبهِ مُصَابٌ بمسِّ
    هكذا قال، ثمّ سَار إلىالغابِ،
    ليَحْيا حياة شعرٍ وقُدْسِ
    وبعيداً، هناك..، في معبدالغاب
    الذي لا يُظِلُّه أيُّ بُؤْسِ
    في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ،والزّيتونِ
    يقْضي الحياة َ: حرْساً بحرْسِ
    في الصَّباح الجميل، يشدو معالطّير،
    ويمْشي في نشوة ِ المنحسِّي
    نافخاً نايَه، حوالْيهتهتزُّ
    ورودُ الرّبيع منْ كلِّ فنسِ
    شَعْرُه مُرْسَلٌ- تداعُبهالرّيحُ
    على منكبْيه مثلَ الدُّمُقْسِ
    والطُّيورُ الطِّرابُ تشدوحواليه
    وتلغو في الدَّوحِ، مِنْ كُلِّجنسِ
    وترا عند الأصيل، لدىالجدول،
    يرنو للطَّائرِ المتحسِّي
    أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ، أويرنو
    إلى سُدْفَة الظَّلامِ الممسّي
    فإذا أقْبَلَ الظلامُ،وأمستْ
    ظلماتُ الوجودِ في الأرض تُغسي
    كان في كوخه الجميل،مقيماً
    يَسْألُ الكونَ في خشوعٍوَهَمْسِ
    عن مصبِّ الحياة ِ، أينَمَدَاهُ؟
    وصميمِ الوجودِ، أيَّان يُرسي؟
    وأريجِ الوُرودِ في كلِّوادٍ
    ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي
    وهزيمِ الرِّياح، في كلِّفَجٍّ
    وَرُسُومِ الحياة ِ من أمس أمسِ
    وأغاني الرعاة ِ أينيُواريها
    سُكونُ الفَضا، وأيَّانتُمْسي؟؟
    هكذا يَصْرِفُ الحياة َ،ويُفْني
    حَلَقات السنين: حَرسْاً بحرْسِ
    يا لها من معيشة ٍ في صميمالغابِ
    تُضْحي بين الطيور وُتْمْسي!
    يا لها مِنْ معيشة ٍ، لمتُدَنّسْهَا
    نفوسُ الورى بخُبْثٍ ورِجْسِ!
    يا لها من معيشة ٍ، هيَ فيالكون
    حياة ٌ غريبة ٌ، ذاتُقُدسِ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:19 am



    مصطفى وهبي التل (عرار)
    25 أيار 1899- 24 أيار 1949

    ولد شاعرنا في مدينة إربد شمال الأردن. والده صالح المصطفى معلم سابق، رجل ذكي سديد الرأي، خفيف الروح قوي الأخلاق. عاش حتى ناهز المائة عام أو تجاوزها بقليل.

    ورث عن والده ذكاءه وخفة روحه ولكنه لم يرث نشاطه أو صلابة عوده، فعاش نحيفاً عصبياً مسرفاً على نفسه ثائراً قلقاً لا يعرف الاعتدال ولا يطيق الاستقرار.

    بدأ حياته معلماً ثم تجول في مدينة حماة والناصرة ثم دمشق حيث انتسب فيها إلى جمعية البنائين الأحرار. وفي عام 1923 عين حاكماً إدارياً لبلدة وادي السير قرب مدينة عمان وشغل هذا المنصب لأربعة أشهر ثم انتهت بعزله ونفيه إلى جدة، ومكث بضعة أشهر في سجن مدينة معان قبل أن يرسل إلى العقبة ومنها إلى جدة.

    لم يطل نفيه أكثر من سنتين عاد بعدها إلى الأردن وعين حاكماً إدارياً في الشويك ووادي موسى ثم عزل من وظيفته هذه بعد أقل من عام إبان الاضطرابات التي حدثت في وادي موسى، وما كان من ثورة الأهالي هنالك على الحكومة.

    إن إقامته في الشويك كما في وادي السير على قصرها، تركت آثاراً قوية في شعره، فهو لا يفتأ يردد ذكر وادي السير حيث كانت له معرفة ببعض الفتيات فتغزل بهن في شعره، أما في الشويك فكان شعره يتسم بطابع المرح وخفة الروح.

    وفي عام 1927 اعتقل شاعرنا مرة أخرى وكفت يده عن العمل بتهم ثلاث: رفع شارة البلشفية، السكر في حانة عامة وهجاؤه أمير البلاد ورئيس النظار وحكومته والقانون "على ملأ من الناس".

    وعاد عرار إلى مهنة المحاماة إلى أن عين "كبير المفتشين" بوزارة المعارف عام 1939، وفي عام 1942 عين متصرفاً لمنطقة البلقاء ومركزها مدينة السلط فقضى فيها أشهراً انتهت بعزله وسجنه.

    وتكرر التعيين والفصل من الخدمة والسجن والإفراج طوال حياته ومات فقيراً معدماً عن خمسين عاماً بالتمام والكمال.

    عمل أيضاً في الصحافة إذ اشترى عام 1928 جريدة "الأنباء" من صديق له مقابل مائة جنيه حررها سنداً. وكانت الجريدة تتألف من صفحة واحدة كتب في أعلاها:

    "جريدة تصدر مرة في الأسبوع إذا أتاحت لها الأقدار ذلك".

    وقد نشر في العدد الأول منها قصيدة الرصافي المشهورة والتي مطلعها:

    يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم

    قيل أن مصطفى وهبي اختار لنفسه اسم "عرار" لقول الشاعر:

    أرادوا عراراً بالهوان ومن يرد عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم
    وأن عراراً ان يكن ذا شكيمة يخافونها منه فما أروع الشيم

    عاش حياته كلها متنقلاً بين "خرابيش" النور والغجر، غير آبه لاحتجاجات العائلة وانتقادات المجتمع ومستقراً في عالمهم يريد لهم الحرية والعدالة الاجتماعية التي لم تتوفر لمجتمعه، فكأنه انفصل عن محيطه الطبيعي ليكتب عنه من خارجه.

    كان شعره بأكثره ثورة على الاضطهاد والظلم، لا فرق إن أتى من "القصر" أو "الحكومة" أو معتمدي دول الانتداب.



    أحقا قد قضى نحبه
    مصطفى وهبي التل

    أحقا قد قضى نحبه
    وفارقنا ولم يأبه
    كأنّا ما عرفناه
    ولا سبقت لنا صحبه
    وأن " عريب" تبكيه
    " وفدوى " دأبها ندبه



    توبة عن التوبة
    مصطفى وهبي التل
    وهمت فليس ما سميته الإيمان إيمانا

    ولا هذا الذي قد خلته تقواك فحوانا

    أتهذي بالسلو وقد غرام الغيد أضنانا

    وقد للكأس تهفو نفس من يسلوه أحيانا

    وذو الشوق القديم إذا تذكر عاد ولهانا

    فدع عنك الهراء وقم نذع للناس إعلانا

    ألا من يشتري بالحان والألحان تقوانا !

    بسعر صلاة اسبوع ببعض الكأس ملآنا

    وأجود صنف تسبيح بذكر الله ريانا !

    يباع وجملة ( بالكمش ) لا يحتاج ميزانا

    بنظرة شبه حسناء تطلع في محيانا

    فهل وبهذه الأسعار شارية " بعمانا " ؟

    *

    لو أني أرأس الوزراء أو قاض كمولانا

    لألغيت العقاب ولم أدع للنفي إمكانا

    أما وانا من اتخذوه للإرهاق ميدانا

    فمن سجن الى منفى لآخر شط ابوانا

    فهات الكأس مترعة من الصهباء ألوانا

    يطالعنا بها حبب كعين الديك يقظانا

    وهب ( عمان ) ماثلة وظن حميد حمدانا

    وهذا الكوخ ديوان الأميـر وذاك ( رغدانا )

    وقل للهبر يا باشا وسم هديب شوشانا

    وعش رغم القوانين التي آذتك سلطانا

    فمثلك من تمرد كلما ساموه إذعانا

    لعمر الحق لن يتنكب الإخلاص خذلانا

    وسوف يظل سيف النصر للأحرار معوانا

    وسوف نهير من هذي الصروح " الهلس "بنيانا

    فلا يخدعك ظاهرها ولا تهويل مولانا

    وقل ان قيل لا عفو لعل العفو لا كانا

    فعين العزم ترمقنا وعين الحزم ترعانا

    ولطف الكاس إثر الكاس نشربها تولانا

    فحسبي بالنخيل الباسق الفينان جيرانا

    وبالنورية الحسناء والصحراء ندمانا
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 3 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:20 am

    محمد الماغوط
    1934م- 2006

    ولد الشاعر والكاتب المسرحي محمد الماغوط في السلميّة بسوريا. تعلم في المدرسة الابتدائية هناك فالمدرسة الزراعية في السلميّة أيضا من غير أن ينهي تعليمه.

    يتكلم الماغوط عن طفولته فيقول إن أجمل ما فيها "إنها انتهت بسرعة، وأقسى ما فيها إنها لن تعود أبدا". ويصف نفسه بأنه "إنسان عادي، ليس عندي أموال أستثمرها أو مزارع أشرف عليها أو معاملات أوقعها.. أو هدايا أعتز بها، أو جياد أمتطيها.. ليس عندي سوى هذا الحزن المنتشر فوق رأسي كمخالب النسر.. الأحلام ميتة في عيني. ففي طفولتي حاولت أن أصير لحاماً ففشلت وحاولت أن أصير خياطا ففشلت أيضا".

    هذا الفشل وهذا التشاؤم قاده إلى أن يتربع بتواضع كبير فوق كرسي مميز في عالم الشعر الحديث. فهو في بيروت كان صديقا لجماعة شعر أي الشعراء المتجددين فأصبح من أبرزهم، وفي دمشق أغنى مسرح دريد لحام وسواه بعدد من المسرحيات الشعبية البارزة.

    عمل محمد الماغوط في الصحافة بين دمشق وبيروت والخليج العربي. وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب بدمشق.

    من أعماله الشعرية: حزن في ضوء القمر 1959، غرفة بملايين الجدران 1964، الفرح ليس مهنتي 1970، أسميك زمن الخوارج وأنتمي 1990.

    ومن المسرحيات: العصفور الأحدب 1967، المهرج 1974، المرسيلياز العربي 1975، آخر العنقود 1975.
    توفي في الثالث من نيسان عن عمر يناهز السبعين عاماً.





    تحت الاحتلال
    محمد الماغوطإنني في رعاية دائمة لا بأس بها

    الشمس تحميني من المطر

    والمطر من التجول

    والتجول من اللصوص

    واللصوص من التبذير

    *

    أزمة المواصلات تحميني من المسرح

    والمسرح من الشعر

    والشعر من الصحافة

    والصحافة من الإهمال

    والإهمال من الوحدة

    والوحدة من القراء

    والقراء من الحب

    المرض الوحيد الذي أريد أن أقع فيه دون إسعاف

    لأنه يحميني من الوحدة والجوع والعطش والسجون والسياط

    والدبابات وكل جيوش العالم.. بعد تسريحها طبعاً!





    خريف درع
    محمد الماغوطاشتقت لحقدي النهم القديم

    وزفيري الذي يخرج من سويداء القلب

    لشهيقي الذي يعود مع غبار الشارع وأطفاله ومشرّديه

    *

    في الشتاء لا أشرب أيّة زهور أو أعشاب برية في درجة الغليان

    بل أنفثها بعيداً إلى ربيع القلب

    *

    واشتقت لذلك الحنين الفتيّ المشرّد وقد ضاقت به السبل

    فيبكي كسيف عجز ولم يشهره أحد ولو للتنظيف منذ آخر معركة

    أو استعراض

    *

    ولتلك الأيام التي كانت الموجة فيها تقترب من البحارة الأغراب

    ملثمة كالبدوية المهدور دمها.

    *

    ولو كان الأمر بيدي لقدمت وسام الأسرة

    للصخور، والمشانق، والمقاصل، وساحات الرجم وسياط التعذيب

    لاعتقادي بأنها من عائلة واحدة فرّقتها الأيام

    *

    والدموع الغريبة لا أصدّها

    بل أفتح لها عينيّ على اتساعهما

    لتأخذ المكان الذي تريد حتى الصباح

    وبعد ذلك تمضي في حال سبيلها

    فربما كانت لشاعر آخر!.



    سرير تحت المطر
    محمد الماغوطالحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب

    والضجرُ خريفٌ بين النهدين

    أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحبر في قلبي

    من نافذة المقهى ألمح عينيك الجميلتين

    من خلال النسيم البارد

    أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر .

    ظالمٌ أنت يا حبيبي

    وعيناك سريران تحت المطر

    ترفق بي أيها الالهُ الكستنائي الشعر

    ضعني أغنيةً في قلبك

    ونسراً حول نهديك

    دعني أرى حبك الصغير

    يصدحُ في الفراش

    أنا الشريدُ ذو الأصابع المحرقه

    والعيونُ الأكثر بلادة من المستنقع

    لا تلمني إذا رأيتني صامتاً وحزيناً

    فإنني أهواك أيها الصنمُ الصغير

    أهوى شعرك ، وثيابك ، ورائحة زنديك الذهبيتين .

    . . .

    كن غاضباً أو سعيداً يا حبيبي

    كن شهياً أو فاتراً ، فإنني أهواك .

    يا صنوبرةً حزينة في دمي

    من خلال عينيك السعيدتين

    أرى قريتي ، وخطواتي الكئيبة بين الحقول

    أرى سريري الفارغ

    وشعري الأشقر متهدلاً على المنضده

    كن شفوقاً بي أيها الملاك الوردي الصغير

    سأرحلُ بعد قليل ، وحيداً ضائعاً

    وخطواتي الكئيبه

    تلتفت نحو السماء وتبكي .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:08 pm