ملتقى قلعة الشهيد سميح المدهون ( بيت أمر )

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أهلا وسهلا بكل أعضاء وزوار شبكة الملتقى الخاص بالشهيد سميح المدهون


    مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:00 am



    الأخطـل الكـبير
    تو. 718م
    هو غيّاث بن غوث التّغلبي، لقبه الأخطل وكنيته أبو مالك. شاعرٌ أمويٌّ، ولِد في الحيرة أيّام عشرين للهجرة، من أبٍ تغلبي فقير. اتّجه منذ صباه إلى شعر الهجاء، ولهذا اتّصل به يزيد حين أقدم شاعرٌ من الأنصار على هجائه وهجاء والده والتّشبيب بأُخته والتّحدث عن غرامياتٍ معها، وطلب إليه أن يهجوَ الأنصار. فتهيّب الأخطل ثم قَبِلَ لعدّة أسبابٍ، أهمّها إنّه أموي الهَوى وطالب شهرةٍ وطالب مال. وهكذا انفتح باب المجد أمامه، فأطلق لسانه في هجاء الأنصار ونعتهم بأنهم يهود، وبأنهم فلاّحون، يشربون الخمر، وضرَبَ على وترٍ حسّاسٍ فجعلهم دون قريش مكانةً وشرفًا، وأثار ما كان بين القحطانية والعدنانية من عداء، وجعل اللّؤم تحت عمائم الأنصار، وأَمَضّهُم في نصيحته حين ثناهم عن طلب المجد لأنهم ليسوا من أهله، ووصمهم بالجُبن في القتال:

    ذهبت قريش بالمكارم والعلا واللؤم تحت عمائم الأنصـارِ
    فذَروا المعالي لَسْتُم من أهلها وخذوا مساحيكم بني النـجارِ
    وكانت هذه المناسبة سبيله إلى الإتّصال ببني أميّة وخاصّة بعبد الملك بن مروان، حتى أصبح شاعرهم الناطق بإسمهم، والمروّج لسياستهم. والمُدافع عنهم، وكان يُمثّل قبيلته تغلب في الوقت نفسه، فيتغنّى بأمجادها، ويهجو أعداءها القيسيّة، ويشدّ النّزاع القَبَليّ بين تغلب وقبائل قيس إلى عجلة السياسة الأموية؛ وممّا سهّل عليه ذلك كون بني تغلب حلفاء للأمويين، بينما القيسية أعداء الخلافة. إلتحم الهجاء بين الأخطل وجرير حتى مات أبو مالك (الأخطل) في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة 92 هـ. وسبب هذا الهجاء أن الأخطل انحاز إلى الفرزدق ففضّل شعره على جرير، وكان من نتيجة ذلك نشوء فنّ شعريّ جديدٍ عُرِفَ بالنّقائض، مع هؤلاء الشّعراء الثلاثة المعروفين بـ "المُثلّث الأُمويّ" والذين شغلوا الناس بنقائضهم على مدى عقودٍ طويلة.
    أما شعر الأخطل، فقد تناول معظم الأغراض الشعرية المعروفة من مدحٍ وهجاءٍ ووصفٍ وفخرٍ. غير أن شهرته قامت على المديح الذي اقتصر على بني أميّة حيث نال عندهم حظوةً واحتلّ في بلاط خليفتهم عبد الملك بن مروان مكان الصّدارة، بالرّغم أنه كان نصرانيًا، فلُقِّبَ بـ "شاعر بني أمية" و"شاعر أمير المؤمنين". وأروع قصائده المدحيّة، "رائيته" في الخليفة عبد الملك. ومنها قوله:
    شمسُ العداوةِ حتى يُستقاد لهم وأعظمُ الناسِ أحلاماً إذا قدروا
    وفيها هذه الحكمة الموفّقة:
    إنّ الضغينة تلْقاها وإن قَدُمَت كالعُرِّ يكمنُ حيناً ثم ينتشِرُ
    وإلى جانب منزلته الرفيعة في المديح، فقد برع الأخطل في وصف الخمرة التي كان يُعاقرها، مُظهرًا أثرها في عقول شاربيها.
    قال أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((هو غياث بن غوث بن الصلت بن الطارقة، ويقال ابن سيحان بن عمرو بن الفدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمر بن غنم بن تغلب. ويكنى أبا مالك. وقال المدائني: هو غياث بن غوث بن سلمة بن طارقة، قال: ويقال لسلمة سلمة اللحام. قال: وبعث النعمان بن المنذر بأربعة أرماح لفرسان العرب، فأخذ أبو براء عامر بن مالك رمحاً، وسلمة بن طارقة اللحام رمحاً وهو جد الأخطل، وأنس بن مدرك رمحاً، وعمرو بن معد يكرب رمحا.
    والأخطل لقبٌ غلب عليه. ذكر هارون بن الزيات عن ابن النطاح عن أبي عبيدة أن السبب فيه أنه هجا رجلاً من قومه، فقال له: يا غلام، إنك لأخطل، فغلبت عليه. وذكر يعقوب بن السكيت أن عتبة بن الزعل بن عبد الله بن عمر بن عمرو بن حبيب بن الهجرس بن تيم بن سعد بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب حمل حمالةً، فأتى قومه يسأل فيها، فجعل الأخطل يتكلم وهو يومئذ غلام. فقال عتبة: من هذا الغلام الأخطل؟! فلقب به.
    قال يعقوب وقال غير أبي عبيدة: إن كعب بن جعيل كان شاعر تغلب، وكان لا يأتي منهم قوماً إلا أكرموه وضربوا له قبة، حتى إنه كان تمد له حبالٌ بين وتدين فتملأ له غنما. فأتى في مالك بن جشم ففعلوا ذلك به، فجاء الأخطل وهو غلام فأخرج الغنم وطردها، فسبه عتبة ورد الغنم إلى مواضعها، فعاد وأخرجها وكعبٌ ينظر إليه، فقال: إن غلامكم هذا لأخطل - والأخطل: السفيه - فغلب عليه. ولج الهجاء بينهما، فقال الأخطل فيه:
    سميت كعباً بشر العـظـام

    وكان أبوك يسمى الجعـل
    وإن مـحـلـك مـن وائلٍ

    محل القراد من است الجمل

    فقال كعب: قد كنت أقول لا يقهرني إلا رجل له ذكرٌ ونبأ، ولقد أعددت هذين البيين لأن أهجى بهما منذ كذا وكذا، فغلب عليهما هذا الغلام.
    وقال هارون بن الزيات حدثني قبيصة بن معاوية المهلبي قال حدثني عيسى بن إسماعيل قال حدثني القحذمي قال: وقع بين ابني جعيل وأمهما ذرءٌ من كلام، فأدخلوا الأخطل بينهم، فقال الأخطل:
    لعمرك إنني وابني جعيلٍ

    وأمهما لإستـارٌ لـئيم

    فقال ابن جعيل: يا غلام، إن هذا لخطلٌ من رأيك، ولولا أن أمي سمية أمك لتركت أمك يحدو بها الركبان، فسمي الأخطل يذلك. وكان اسم أمهما وأمم الأخطل ليلى. وقال هارون حدثني إسماعيل بن مجمع عن ابن الكلبي عن قومٍ من تغلب في قصة كعب بن جعيل والأخطل بمثل ما ذكره يعقوب عن غير أبي عبيدة ممن لم يسمه، وقال فيها: وكان الأخطل يومئذ يقرزم - والقرزمة: الابتداء بقول الشعر - فقال له أبوه: أبقرزمتك تريد أن تقاوم ابن جعيل! وضربه. قال: وجاء ابن جعيل على تفئة ذلك فقال: من صاحب الكلام؟ فقال أبوه: لا تحفل به فإنه غلام أخطل. فقال له كعب:
    شاهد هذا الوجه غب الحمة

    فقال الأخطل:
    فناك كعب بن جعيلٍ أمة

    فقال كعب: ما اسم أمك؟ قال: ليلى. قال: أردت أن تعيذها باسم أمي. قال: لا أعاذها الله إذاً. وكان اسم أم الأخطل ليلى، وهي امرأة من إياد، فيسمي الأخطل يومئذ، وقال:
    هجا الناس ليلى أم كعبٍ فمزقت

    فلم يبق إلا نفنفٌ أنـارافـعة

    وقال فيه أيضاً:
    هجاني المنتنان ابنا جعـيلٍ

    وأي الناس يقتله الهجـاء
    ولدتم بعد إخوتكم من استٍ

    فهلا جئتم من حيث جاؤوا

    فانصرف كعب، ولج الهجاء بينهما.
    وكان نصرانياً من أهل الجزيرة. ومحله في الشعر أكبر من أن يحتاج إلى وصف. وهو وجرير والفرزدق طبقةٌ واحدة، فجعلها ابن سلام أول طبقات الإسلام. ولم يقع إجماع على أحدهم أنه أفضل، ولكل واحدٍ منهم طبقةٌ تفضله عن الجماعة.

    أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن أبي عبيدة قال: جاء رجلٌ إلى يونس فقال له: من أشعر الثلاثة؟ قال: الأخطل. قلنا: من الثلاثة؟ قال: أي ثلاثة ذكروا فهو أشعرهم. قلنا: عمن تروي هذا؟ قال: عن عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق الحضرمي وأبي عمرو بن العلاء وعنبسة الفيل وميمون الأقرن الذين ماشوا الكلام وطرقوه. أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز قال قال أبو عبيدة عن يونس، فذكر مثله وزاد فيه: لا كأصحابك هؤلاء لا بدويون ولا نحويون. فقلت للرجل: سله وبأي شيء فضلوه؟ قال: بأنه كان أكثرهم عدد طوالٍ جيادٍ ليس فيها سقطٌ ولا فحش وأشدهم تهذيباً للشعر. فقال أبو وهب الدقاق: أما إن حماد وجناداً كانا لا يفضلانه. فقال: وما حماد وجناد! لا نحويان ولا بدويان ولا يبصران الكسور ولا يفصحان، وأنا أحدثك عن أبناء تسعين أو كثر أدوا إلى أمثالهم ماشوا الكلام وطرقوه حتى وضعوا أبنيته فلم تشذ عنهم زنة كلمة، وألحقوا السليم بالسليم والمضاعف بالمضاعف والمعتل بالمعتل والأجوف بالأجوف وبنات الياء بالياء وبنات الواو بالواو، فلم تخف عليهم كلمةٌ عربية، وما علم حمادٍ وجناد!.

    قال هارون حدثني القاسم بن يوسف عن الأصمعي: أن الأخطل كان يقول تسعين بيتاً ثم يختار منها ثلاثين فيطيرها.
    أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال أخبرنا محمد بن سلام قال سمعت سلمة بن عياش وذكر أهل المجلس جريراً والفرزدق والأخطل ففضله سلمة عليهما. قال: وكان إذا ذكر الأخطل يقول: ومن مثل الأخطل وله في كل بيت، شعرٍ بيتان! ثم ينشد قوله:
    ولقد علمت إذا العشار تروحت

    هدج الرئال تكبهن شـمـالا
    أنا نعجل بالعبيط لضـيفـنـا

    قبل العيال ونضرب الأبطالا

    ثم يقول ولو قال:
    ولقد علمت إذا العشـا

    ر تروحت هدج الرئال

    كان شعراً، وإذا زدت فيه تكبهن شمالاً، كان أيضاً شعراً من رويٍّ آخر.
    أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني أبو يحيى الضبي قال: كعب بن جعيل لقبه الأخطل، سمعه ينشد هجاءً فقال: يا غلام إنك لأخطل اللسان، فلزمته.
    أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري فال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية قال حدثنا بعض أصحابنا عن رجل من بني سعد قال: كنت مع نوح بن جرير في ظل شجرة، فقلت له: قبحك الله وقبح أباك! أما أبوك فأفنى عمره في مديح عبد ثقيف يعني الحجاج. وأما أنت فامتدحت قثم بن العباس فلم تهتد لمناقبه ومناقب آبائه حتى امتدحته بقصرٍ بناه. فقال: والله لئن سؤتني في هذا الموضع لقد سؤت فيه أبي: بينا أنا آكل معه يوماً وفي فيه لقمةٌ وفي يده أخرى، فقلت: يا أبت، أنت أشعر أم الأخطل؟ فجرض باللقمة التي في فيه ورمى بالتي في يده وقال: يا بني، لقد سررتني وسؤتني. فأما سرورك إياي فلتعهدك لي مثل هذا وسؤالك عنه. وأما ما سؤتني به فلذكرك رجلاً قد مات. يا بني أدركت الأخطل وله نابٌ واحد، ولو أدركته وله ناب آخر لأكلني به، ولكني أعانتني عليه خصلتان: كبر سن، وخبث دين.
    أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد وقال: سئل حماد الراوية عن الأخطل، فقال: ما تسألوني عن رجلٍ قد حبب شعره إلى النصرانية! قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة قال قال أبو عمرو: لو أدرك الأخطل يوماً واحداً من الجاهلية ما قدمت عليه أحداً.
    قال إسحاق وحدثني الأصمعي أن أبا عمرو أنشد بيت شعر، فاستجاده وقال: لو كان للأخطل ما زاد.
    وذكر يعقوب بن السكيت عن الأصمعي عن أبي عمرو: أن جريراً سئل أي الثلاثة أشعر؟ فقال: أما الفرزدق فتكلف مني ما لا يطيق. وأما الأخطل فأشدنا اجتراءً وأرمانا للفرائض. وأما أنا فمدينة الشعر.
    وقال ابن النطاح حدثني الأصمعي قال: إنما أدرك جريرٌ الأخطل وهو شيخٌ قد تحطم. وكان الأخطل أسنٌ من جرير، وكان جرير يقول: أدركته وله نابٌ واحد، ولو أدركت له نابين لأكلني. قال: وكان أبو عمرو يقول: لو أدرك الأخطل يوماً واحداً من الجاهلية ما فضلت عليه أحداً.
    أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: قال العلاء بن جرير: إذا لم يجيء الأخطل سابقاً فهو سكيتٌ، والفرزدق لا يجيء سابقاً ولا سكيتاً، وجرير يجيى سابقاً ومصلياً وسكيتاً.
    وقال يعقوب بن السكيت قال الأصمعي: قيل لجرير: ما تقول في الأخطل؟ قال: كان أشدنا اجتراء بالقليل وأنعتنا للحمر والخمر.
    وروى إسماعيل عن عبيد الله عن مؤرج عن شعبة عن سماك بن حرب: أن الفرزدق دخل الكوفة، فلقيه ضوء بن اللجلاج، فقال له: من أمدح أهل الإسلام؟ فقال له: وما تريد إلى ذلك؟ قال: تمارينا فيه. قال: الأخطل أمدح العرب.
    وقال هارون بن الزيات حدثني هارون بن مسلم عن حفص بن عمر قال: سمعت شيخاً كان يجلس إلى يونس كان يكنى أبا حفص، فحدثه أنه سأل جريراً عن الأخطل فقال: أمدح الناس لكريمٍ وأوصفه للخمر. قال: وكان أبو عبيدة يقول: شعراء الإسلام الأخطل ثم جرير ثم الفرزدق. قال أبو عبيدة: وكان أبو عمرو يشبه الأخطل بالنابغة لصحة شعره.
    وقال ابن النطاح حدثني عبد الله بن رؤبة بن العجاج قال: كان أبو عمرو يفضل الأخطل.
    وقال ابن النطاح حدثني عبد الرحمن بن برزج قال: كان حماد يفضل الأخطل على جرير والفرزدق. فقال له الفرزدق: إنما تفضله لأنه فاسق مثلك. فقال: لو فضلته بالفسق لفضلتك.
    قال ابن النطاح قال لي إسحاق بن مرار الشيباني: الأخطل عندنا أشعر الثلاثة. فقلت: يقال إنه أمدحهم! فقال: لا والله! ولكن أهجاهم. من منهما يحسن أن يقول:
    ونحن رفعنا عن سلول رماحنـا

    وعمداً رغبنا عن دماء بني نصر

    أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى عن أحمد بن الحارث عن المدائني قال: قال الأخطل: أشعر الناس قبيلةً بنو قيس بن ثعلبة، وأشعر الناس بيتاً آل أبي سلمى وأشعر الناس رجل في قميصي.
    أخبرني الحسن قال حدثني محمد قال حدثني الخراز عن المدائني عن علي بن حماد - هكذا قال، وأظنه علي بن مجاهد - قال: قال الأخطل لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، زعم ابن المراغة أنه يبلغ مدحتك في ثلاثة أيام وقد أقمت في مدحتك:
    خف القطين فراحوا منك أو بكروا

    سنةً فما بلغت كل ما أردت. فقال عبد الملك: فأسمعناها يا أخطل، فأنشده إياها، فجعلت أرى عبد الملك يتطاول لها، ثم قال: ويحك يا أخطل! أتريد أن أكتب إلى الآفاق أنك أشعر العرب؟ قال: أكتفي بقول أمير المؤمنين. وأمر له بجفنةٍ كانت بين يديه فملئت دراهم وألقى عليه خلعاً، وخرج به مولى لعبد الملك على الناس يقول: هذا شاعر أمير المؤمنين، هذا أشعر العرب. وقال ابن الزيات حدثني جعفر بن محمد بن عيينة بن المنهال عن هشام عن عوانة قال: أنشد عبد الملك قول كثير فيه:
    فما تركوها عنوةً عن مودةٍ

    ولكن بحد المشرفي استقالها

    فأعجب به. فقال له الأخطل: ما قلت لك والله يا أمير المؤمنين أحسن منه. قال: وما قلت؟ قال قلت:
    أهلوا من الشهر الحرام فأصبحوا

    موالي ملكٍ لا طريفٍ ولا غصب

    جعلته لك حقاً وجعلك أخذته غصباً، قال: صدقت.
    قال أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال أخبرنا عمر بن شبة قال أخبرنا أبو دقاقة الشامي مولى قريش عن شيخ من قريش قال: رأيت الأخطل خارجاً من عند عبد الملك، فلما انحدر دنوت منه فقلت: يا أبا مالك، من أشعر العرب؟ قال: هذان الكلبان المتعاقران من بني تميم. فقلت: فأين أنت منهما؟ قال: أنا واللات أشعر منهما. قال: فحلف باللات هزؤاً واستخفافاً بدينه.
    وروى هذا الخبر أبو أيوب المديني عن المدائني عن عاصم بن شنل الجرمي أنه سأل الأخطل عن هذا، فذكر نحوه، وقال: واللات والعزى.
    أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال ذكر الحرمازي: أن رجلاً من بني شيبان جاء إلى الأخطل فقال له: يا أبا مالك، إنا، وإن كنا بحيث تعلم من افتراق العشيرة واتصال الحرب والعداوة، تجمعنا ربيعة، وإن لك عندي نصحاً. فقال: هاته، فما كذبت. فقلت: إنك قد هجوت جريراً ودخلت بينه وبين الفرزدق وأنت غنيٌّ عن ذلك ولا سيما أنه يبسط لسانه بما ينقبض عنه لسانك ويسب ربيعة سباً لا تقدر على سب مضر بمثله والملك فيهم والنبوة قبله، فلو شئت أمسكت عن مشارته ومهارته. فقال: صدقت في نصحك وعرفت مرادك، وصلتك رحمٌ! فو الصليب والقربان لأتخلصن إلى كليب خاصةً دون مضر بما يلبسهم خزيه ويشملهم عاره. ثم اعلم أن العالم بالشعر لا يبالي وحق الصليب إذا مر به البيت المعاير السائر الجيد، أمسلمٌ قاله أم نصراني.
    أخبرني وكيع قال حدثني أبو أيوب المديني عن أبي الحسن المدائني قال: أصبح عبد الملك يوماً في غداةٍ باردة، فتمثل قول الأخطل:
    إذا اصطبح الفتى منها ثلاثاً

    بغير الماء حاول أن يطولا
    مشى قرشيةً لا شك فـيهـا

    وأرخى من مآزره الفضولا

    ثم قال: كأني أنظر إليه الساعة مجلل الإزار مستقبل الشمس في حانوت من حوانيت دمشق، ثم بعث رجلاً يطلبه فوجده كما ذكره.
    وقال هارون بن الزيات حدثني طائع عن الأصمعي قال: أنشد أبو حية النميري يوماً أبا عمرو:
    يا لمعدٍّ ويا للناس كلـهـم

    ويا لغائبهم يوماً ومن شهدا

    كأنه معجبٌ بهذا البيت، فجعل أبو عمرو يقول له: إنك لتعجب بنفسك كأنك الأخطل.
    أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الغلابي عن عبد الرحمن التيمي عن هشام بن سليمان المخزومي: أن الأخطل قدم على عبد الملك، فنزل على ابن سرحون كاتبه. فقال عبد الملك: على من نزلت؟ قال: على فلان. قال: قاتلك الله! ما أعلمك بصالح المنازل! فما تريد أن ينزلك؟ قال: درمكٌ من درمككم هذا ولحمٌ وخمر من بيت رأس. فضحك عبد الملك ثم قال له: ويلك! وعلى أي شيء اقتتلنا إلا على هذا!. ثم قال: ألا تسلم فنفرض لك في الفيء ونعطيك عشرة آلاف؟ قال: فكيف بالخمر؟ فال: وما تصنع بها وإن أولها لمر وإن آخرها لسكر! فقال: أما إذ قلت ذلك فإن فيما بين هاتين لمنزلةً ما ملكك فيها إلا كعلقة ماء من الفرات بالإصبع. فضحك ثم قال: ألا تزور الحجاج! فإنه كتب يستزيرك. فقال: أطائعٌ أم كاره؟ قال: بل طائع. قال: ما كنت لأختار نواله على نوالك ولا قربه على قربك، إنني إذاً لكما فال الشاعر:
    كمبتاعٍ ليركبه حـمـاراً

    تخيره من الفرس الكبير

    فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمره بمدح الحجاج؟ فمدحه بقوله:
    صرمت حبالك زينبٌ ورعوم

    وبدا المجمجم منهماالمكتوم

    ووجه بالقصيدة مع ابنه إليه وليست من جيد شعره.
    وقال هارون بن الزيات حدثني محمد بن إسماعيل عن أبي غسان قال: ذكروا الفرزدق وجريراً في حلقة المدائني، فقلت لصباح بن خاقان: أنشدك بيتين للأخطل وتجيء لجرير والفرزدق بمثلهما؟ قال: هات، فأنشدته:
    ألم يأتها أن الأراقـم فـلـقـت

    جماجم قيسٍ بين راذان والحضر
    جماجم قومٍ لم يعافـوا ظـلامةً

    ولم يعرفوا أين الوفاء من الغدر

    قال: فسكت.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:01 am



    المقنع الكندي
    تو. حوالى 70 هـ/ 960 م


    كندة من اشهر واعرق القبائل اليمينة ، موطنها حضرموت وفيها بيت الملك ولها السيادة حقبا من الدهر، لم تعبد في الجاهلية الأصنام ولم تقسم بالازلام ، وفدت وفودها على الرسول (صلى الله عليه وسلم) طائعة مسلمة ،وقال فيهم (الا أخبركم بخير قبائل العرب ؟ قالوا بلى يارسول الله ،قال :السكون سكون كندة ، والملوك ملوك ردمان

    شاعرنا محمد بن ظفر بن عمير بن ابي شمر بن فرعان بن قبس بن الأسود بن عبدالله بن الحارث بن عمرو بن معاوية بن كندة ينتهي نسبه الى يعرب بن قحطان ، لقب بالمقنع بسبب تلثمه خوفا من العين لفرط جماله وبهاء حسنه ، وهو شاعر من العصر الأموي عاصر الوليد بن يزيد وامتدحه ، ويمتاز شعر المقنع برصانة الأسلوب وانتقى الألفاظ والمفردات الشعرية بعناية فائقة تعرب عن تمكنه في صناعة الشعر وسمو مكانه بين شعراء العربية ، ولايكاد يخلو كتاب من كتب الأدب المشهورة من قصيدته الذائعة الصيت التي يرد بها على بني قومه حينما عاتبوه على كثرة أنفاقه والاستدانة في سبيل ذلك يعاتبني في الدين قومي وانما ديواني في أشياء تكسبهم حمدا.
    قال أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((المقنع لقب غلب عليه؛ لأنه كان أجمل الناس وجهاً، وكان إذا سفر اللثام عن وجهه أصابته العين.
    قال الهيثم: كان المقنع أحسن الناس وجهاً، وأمدهم قامة، وأكملهم خلقاً، فكان إذا أسفر لقع - أي أصابته أعين الناس - فيمرض، ويلحقه عنت ؛ فكان لا يمشي إلا مقنعاً.
    واسمه محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر بن فرعان بن قيس بن الأسود بن عبد الله بن الحارث الولادة - سمي بذلك لكثرة ولده - بن عمرو بن معاوية بن كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
    شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية، وكان له محل كبير، وشرف ومروءة وسؤدد في عشيرته.
    قال الهيثم بن عدي: كان عمير جده سيد كندة، وكان عمه عمرو بن أبي شمر ينازع أباه الرياسة ويساجله فيها، فيقصر عنه.
    ونشأ محمد بن عمير المقنع، فكان متخرقاً في عطاياه، سمح اليد بماله، لا يرد سائلاً عن شيء حتى أتلف كل ما خلفه أبوه من مال، فاستعلاه بنو عمه عمرو بن أبي شمر بأموالهم وجاههم.
    بنو عمه لم يزوجوه أختهم لفقره ودينه وهوي بنت عمه عمرو فخطبها إلى إخوتها، فردوه وعيروه بتخرقه وفقره وما عليه من الدين؛ فقال هذه الأبيات المذكورة.
    شاعر يفضل شعراً له تعريضاً ببخل خليفة وأخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني محمد بن زكريا الغلابي، عن العتبي، قال: حدثني أبو خالد من ولد أمية بن خلف، قال: قال عبد الملك بن مروان - وكان أول خليفة ظهر منه بخل -: أي الشعراء أفضل؟ فقال له: كثير بن هراسة، يعرض ببخل عبد الملك: أفضلهم المقنع الكندي حيث يقول:
    إني أحرض أهل البخل كلـهـم

    لو كان ينفع أهل البخل تحريضي
    ما قل مالي إلا زادنـي كـرمـاً

    حتى يكون برزق الله تعويضـي
    والمال يرفع من لولا دراهـمـه

    أمسى يقلب فينا طرف مخفوض
    لن تخرج البيض عفواً من أكفهم

    إلا على وجع منهم وتـمـريض
    كأنها من جلود الباخـلـين بـهـا

    عند النوائب تحذىبالمقـاريض

    فقال عبد الملك - وعرف ما أراد -: الله أصدق من المقنع حيث يقول: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) .
    صوت
    يابن هشام يا علـي الـنـدى

    فدتك نفسي ووقتـك الـردى
    نسيت عهدي أو تناسـيتـنـي

    لما عداني عنك صرف النوى

    الشعر والغناء لإسحاق الموصلي رمل بالبنصر.
    وهذا الشعر يقوله في علي بن هشام أيام كان إسحاق بالبصرة، وله إليه رسالة حسنة، هذا موضع ذكرها، أخبرنا بها علي بن يحيى المنجم، عن أبيه، ووقعت إلينا من عدة وجوه:
    أن إسحاق كتب إلى علي بن هشام: "جعلت فداك! بعث إلي أبو نصر مولاك بكتاب منك إلي يرتفع عن قدري، ويقصر عنه شكري، فلولا ما أعرف من معانيه لظننت أن الرسول غلط بي فيه، فما لنا ولك يا عبد الله، تدعنا حتى إذا أنسينا الدينا وأبغضناها، ورجونا السلامة من شرها، أفسدت قلوبنا وعلقت أنفسنا، فلا أنت تريدنا، ولا أنت تتركنا؛ فبأي شيء تستحل هذا! فأما ما ذكرته من شوقك إلي فلولا أنك حلفت عليه لقلت:
    يا من شكا عبثاً إلينا شـوقـه

    شكوى المحب وليس بالمشتاق
    لو كنت مشتاقاً إلي تـريدنـي

    ما طبت نفساً ساعة بفراقـي
    وحفظتني حفظ الخليل خليلـه

    ووفيت لي بالعهد والميثـاق
    هيهات قد حدثت أمور بعدنـا

    وشغلت باللذات عن إسحـاق

    وقد تركت - جعلت فداك - ما كرهت من العتاب في الشعر وغيره، وقلت أبياتاً لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد، واستقبل الشمال، وأتنسم أرواحكم فيها، ثم يكون ما الله أعلم به، وإن كنت تكرهها تركتها إن شاء الله:
    ألا قد أرى أن الثـواء قـلـيل

    وأن ليس يبقى للخليل خـلـيل
    وإني وإن مكنت في العيش حقبة

    كذي سفر قد حان منه رحـيل
    فهل لي إلي أن تنظر العين مرة

    إلى ابن هشام في الحياة سبيل؟!
    فقد خفت أن ألقى المنايا بحسرة

    وفي النفس منه حاجةوغلـيل

    وأما بعد، فإني أعلم أنك - وإن لم تسل عن حالي - تحب أن تعلمها وأن تأتيك عني سلامة؛ فأنا يوم كتبت إليك سالم البدن، مريض القلب.
    وبعد: فأنا - جعلت فداك - في صنعة كتاب مليح ظريف، فيه تسمية القوم ونسبهم وبلادهم، وأسبابهم وأزمنتهم، وما اختلفوا فيه من غنائهم، وبعض أحاديثهم، وأحاديث قيان الحجاز والكوفة والبصرة المعروفات والمذكورات، وما قيل فيهن من الأشعار، ولمن كن، وإلى من صرن، ومن كان يغشاهن، ومن كان يرخص في السماع من الفقهاء والأشراف، فأعلمني رايك فيما تشتهي لأعمل على قدر ذلك، إن شاء الله.
    وقد بعثت إليك بأنموذج، فإن كان كما قال القائل: "قبح الله كل دن أوله دردي" ، لم نتجشم إتمامه، وربحنا العناء فيه، وإن كان كما قال العربي: "إن الجواد عينه فراره" أعلمتنا؛ فأتممناه مسرورين بحسن رأيك فيه، "إن شاء الله".
    وهذا مما يدل على أن "كتاب الأغاني" المنسوب إلى إسحاق ليس له؛ وإنما ألف ما رواه حماد ابنه عنه من دواوين القدماء، غير مختلط بعضها ببعض.
    وحشة بعد ألفة وكان إسحاق يألف علياً وأحمد ابني هشام وسائر أهلهما إلفاً شديداً، ثم وقعت بينهم نبوة ووحشة في أمر لم يقع إلينا لمعاً غير مشروحة، فهجاهم هجاء كثيراًن وانفرجت الحال بينه وبينهم.
    شعره في مصعب وصباح فأخبرني محمد بن خلف وكيع ويحيى بن علي بن يحيى وغيرهما، عن أبي أيوب سليمان المديني، عن مصعب، قال: قال لي أحمد بن هشام: أما تستحي أنت وصباح بن خاقان، وأنتما شيخان من مشايخ المروءة والعلم والأدب أن شبب بذكركما إسحاق في الشعر، وهو مغن مذكور، فيقول:
    قد نهانا مصعب وصباح

    فعصينا مصعباً وصباحا
    عذلاً ما عذلاً أم مـلامـاً

    فاسترحنا منهما فاستراحا

    ويروى:
    علما في العذل أم قد ألاما

    ويروى:
    عذلا عذلهما ثم أناما

    فقلت: إن كان فعل فما قال إلا خيراً، إنما ذكر أنا نهيناه عن خمر شربها، وامرأة عشقها، وقد أشاد باسمك في الشعر بأشد من هذا، قال: وما هو؟ قلت: قوله: شعره في عيّ أحمد بن هشام
    وصافية تغشى العيون رقـيقة

    رهينة عام في الدنـان وعـام
    أدرنا بها الكأس الروية موهنـاً

    من الليل حتى انجاب كل ظلام
    فما ذر قرن الشمس حتى كأننا

    من العي نحكي أحمد بنهشام

    قال: أو قد فعل العاض بظر أمه! قلت : إي والله لقد فعل.
    إلى ها هنا رواية مصعب.
    أحمد بن هشام يتوعده ووجدت هذا الخبر في غير روايته، وفيه زيادة قد ذكرتها، قال: فآلى أحمد بن هشام أن يبلغ فيه كل مبلغ يقدر عليه، وأن يجتهد في اغتياله.
    علي بن هشام يصلح بينه وبين أخيه محمد قال إسحاق: حضرت بدار الخليفة، وحضر علي بن هشام، فقال لي: أتهجو أخي وتذكره بما بلغني من القبيح؟ فقلت: أو يتعرض أخوك لي ويتوعدني! فوالله ما أبالي بما يكون منه؛ لأني أعلم أنه لا يقدر لي على ضر، والنفع فلا أريده منه، وأنا شاغر مغن، والله لأهجونه بما أفرى به جلده، وأهتك مروءته، ثم لأغنين في أقبح ما أقوله فيه غناء تسري به الركبان. فقال لي: أو تهب لي عرضه، وأصلح بينكما؟ فقلت: ذاك إليك. وإن فعلته فلك لا له. ففعل ذلك، وما فعلته به.
    ابن عائشة يهجو مصعباً وصباحاً أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثني محمد بن يزيد النحوي، قال: كان صباح بن خاقان المنقري نديماً لمصعب الزبيري، فقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة - وكان خليعاً من أهل البصرة -:
    من يكن إبطه كآباط ذا الخل

    ق فإبطاي في عداد الفقاح
    لي أبطان يرميان جليسـي

    بشبيه السلاح بل بالسلاح
    فكأني من نتن هـذا وهـذا

    جالس بين مصعب وصباح

    ينشد الفضل بن الربيع أخبرني علي بن يحيى المنجم، قال: حدثني أبي، قال: حدثني إسحاق، قال: دخلت على الفضل بن الربيع يوماً، فقال: ما عندك؟ قلت: بيتان أرجو أن يكونا فيما يستطرف، وأنشدته:
    سنغضي عن المكروه من كل ظالم

    ونصبر حتى يصنع الله بالفضـل
    فتنتصر الأحرار ممن يصيمـهـا

    وتدرك أقصى ما تطالب منذحل

    قال: فدمعت عينه، وقال: من آذاك لعنه الله؟ فقلت: بنو هاشم، وأخبرته الخبر.
    قال يحيى بن علي: ولم يذكر بأي شيء أخبره.
    صوت
    قد حصت البيضة رأسي فما

    أطعم نوماً غير تهـجـاع
    أسعى على جل بني مالـك

    كل امرىء في شأنه سـاع
    من يذق الحرب يجد طعمها

    مراً، وتتركه بجـعـجـاع
    لا نألم القتل ونجزي به الأع

    داء كيل الصاع بالـصـاع

    الشعر لأبي قيس بن الأسلت، والغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل أول. وقيل: بل هو لمعبد.
    المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:02 am

    جـرير
    653- 733م

    هو جرير بن عطية بن كليب بن يربوع التميمي، وكنيته أبو حرزة. ولد في بادية اليمامة في بيت وضيع وقال الشعر في سن مبكرة.

    اتصل بزيد بن معاوية ومدحه كما مدح الحجاج والي العراق، وبواسطته تقرب من عبد الملك بن مروان، فمدحه ومدح غيره من خلفاء بني أمية.

    قامت بينه وبين معظم شعراء عصره أهاج تفوق فيها عليهم جميعاً ما عدا الأخطل والفرزدق، وقد عرف الثلاثة باسم المثلث الأموي، وعرفت أهاجيهم باسم "النقائض".

    بدأت معركة الهجاء وهذه عندما هجا شاعر اسمه غسان السليطي قومه، فرد عليه جرير فأسكته. فتصدى له البعيث فأفحمه فانبرى الفرزدق يناقص جريراً في معركة دامت نحواً من أربعين عاماً ما لبث أن انحاز فيها الأخطل إلى الفرزدق، لكن جريراً ثبت لكليهما ولم يثبت له غيرهما حتى ماتا.

    كان هجاؤه مقذعاً، شديد التهكم بخصمه، مما جعله يتفوق على أقرانه في الهجاء وان كان بعضهم تفوق عليه في أبواب أخرى من فخر ومدح.

    ساعدته سهولة شعره وعاطفته الجياشة في غزله ورثائه حتى فاق فيهما شعراء عصره. له ديوان شعر جمع مختلف الفنون الشعرية المعروفة من مدح وفخر وهجاء ورثاء وغزل.
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: أبو حزرة جرير بن عطية بن الخطفى، واسمه حذيفة، والخطفى لقبه، ابن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم بن مر التميمي الشاعر المشهور؛ كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وهو أشعر من الفرزدق عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن، وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل. قال محمد بن سلام: سمعت يونس يقول: ما شهدت مشهداً قط وذكر فيه جرير والفرزدق فاجتمع أهل المجلس على أحدهما.
    وقال أيضا: الفرزدق أشعر خاصة وجرير أشعر عامة؛ ويقال: إن بيوت الشعر أربعة: فخر ومديح وهجاء ونسيب، وفي الأربعة فاق جرير غيره، فالفخر قوله:
    إذا غضبت عليك بنو تميم

    حسبت الناس كلهم غضابا

    والمديح قوله:
    أستم خير من ركب المطايا

    واندى العالمين بطون راح

    والهجاء قوله:
    فغض الطرف إنك من نمير

    فلا كعبا بلغت ولاكلابـا

    والنسيب قوله:
    إن العيون التي في طرفها حـور

    قتتلننا ثم لـم يحـين قـتـلانـا
    يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

    وهن أضعف خلق اللهأركـانـا

    وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى - الآتي ذكره إن شاء اله تعالى - قال: التقى جرير والفرزدق بمنى وهما حاجان، فقال الفرزدق لجرير:
    فإنك لاقٍ بالمشاعر من منـى

    فخاراً فخبرني بمن أنت فاخر

    فقال له جرير: لبيك اللهم لبيك! قال أبو عبيدة: فكان أصحابنا يستحسنون هذا الجواب من جرير ويعجبون به.
    وحكى أبو عبيدة أيضاً: خرج جرير والفرزدق مرتدفين على ناقة إلى هشام ابن عبد الملك الأموي، وهو يومئذ بالرصافة، فنزل جرير لقضاء حاجته، فجعلت الناقة تتلفت فضربها الفرزدق وقال:
    إلام تلفتين وأنـت تـحـتـي

    وخير الناس كلهم أمـامـي
    متى تردي الرصافة تستريحي

    من التهجير والدبر الدوامـي

    ثم قال: الآن يجيئني جرير فأنشده هذين البيتين فيقول:
    تلفت أنها تحـت ابـن قـينٍ

    إلى الكيرين والفاس الكهام
    متى ترد الرصافة تخز فيها

    كخزيك في المواسم كل عام

    قال: فجاء جرلاير والفرزدق يضحك، فقال: ما يضحكك يا أبا فراس؟ فأنشده البيتين الأولين، فأنشده جرير البيتين الآخرين، فقال الفرزدق: والله لقد قلت هذا، فقال جرير: أما علمت أن شيطاننا واحد؟ وذكر المبرد في الكامل أن الفرزدق أنشد قول جرير:
    ترى برصاً بأسفل أسكتيها

    كعنفقة الفرزدق حين شابا

    فلما أنشد النصف الول من البيت ضرب الفرزدق يده على عنفقته توقعاً لعجز البيت.
    وحكى أبو عبيدة قال: كان جرير مع حسن تشبيبه عفيفاً، وكان الفرزدق فاسقا، وكان يقول: ما أحوجه إلى صلابة شعري وأحوجني إلى رقة شعره.
    وحكى أبو عبيدة أيضاً قال: رأت أم جرير في نومها وهي حامل به كانها ولدت حبلاً من شعر أسود، فلما وقع منها جعل ينزو فيقع في عنق هذا فيخنقه، حتى فعل ذلك برجال كثيرة، فانتبهت مرعوبة، فأولت الرؤيا، فقيل لها: تلدين غلاما شاعراً ذا شر وشدة شكيمة وبلاء على الناس، فما ولدته سمته جريراً باسم الحبل الذي رأت أنه خرج منها، والجرير الحبل.
    وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني في ترجمة جرير المذكور أن رجلاً قال لجرير: من أشعر الناس؟ قال له: قم حتى أعرفك الجواب، فأخذ بيده وجاء به إلى أبيه عطية وقد أخذ عنزا له فاعتقلها وجعل يمص ضرعها فصاح به: اخرج يا أيت، فخرج شيخ دميم رث الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته، فقال: أترى هذا؟ قال: نعم، قال: أوتعرفه؟ قال: لا قال: هذا أبي، أفتدري لم كان يشرب من ضرع العنز؟ قلت: لا، قال: مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه لبن، ثم قال: أشعر الناس من فاخر بمثل هذا الأب ثمانين شاعراً وقارعهم به فغلبهم حميعاً.
    وحكى صاحب الجليس والأنيس في كتابه عن محمد بن حبيب عن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير أنه قيل له: ما كان أبوك صانعاً حيث يقول:
    لو كنت أعلم أن آخر عهدهم

    يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

    فقال: كان يقلع عينيه ولا يرى مظعن أحبابه.
    وقال في الأغاني أيضاً: قال مسعود بن بشر لابن مناذر بمكة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا شئت لعب، ومن إذا شئت جد، فاذا لعب أطمعك لعبه فيه، وإذا رمته بعد عليك، وإذا حد فيما قصد له آيسك من نفسه، قال: مثل من؟ قال: مثل جرير حيث يقول إذا لعب:
    إن الذين غدوا بلبك غـادروا

    وشلا بعينك لايزال معينـا
    غيض من عبراتهن وقلن لي

    ماذا لقيت من الهوى ولقينا

    ثم قال حين جد:
    إن الذي حرم المكارم تغلـبـاً

    جعل النبوة والخـلافة فـينـا
    مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم

    يا خزر تغلب من أب كأبينـا
    هذا ابن عمي في دمشق خليفة

    لو شئت ساقكم إليقـطـينـا

    قال: فلما بلغ عبد الملك بن مروان قوله قال: مازاد ابن المراغة على أن جعلني شرطياً له، أما إنه لو قال او شاء ساقكم إلي قطينا لسقتهم إليه كما قال، قلت: وهذه الأبيات هجا بها جرير الأخطل التغلبي الشاعر المشهور.
    وقوله فيها جعل النبوة والخلافة فينا إنما قال ذلك لأن جريرا تميمي النسب، وتميم ترجع إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنبوة والخلافة وبنو تميم يرجعون إلى مضر.
    وقوله يا خزر تغلب خزر - بضم الخاء المعجمة وسكون الزاي وبعدها راء - وهو جمع أخزر مثل أحمر وحمير وأصفر وصفر وأسود وسود، وكل ما كان من هذا الباب، والأخزر: الذي عينيه ضيق وصفر، وهذا وصف العجم، فكأنه نسبه إلى المعجم وأخرجه عن العرب، وهذا عند العرب من النقائص الشنيعة.
    وقوله هذا ابن عمي في دمشق خليفة يريد به عبد الملك بن مروان الأموي، لأنه كان في عصره.
    والقطين - بفتح القاف - الخدم والتباع.
    وقول عبد الملك مازاد ابن المراغة هو بفتح الميم وبعدها راء وبعد اللف غين معجمة وهاء، وهذا لقب لأم جرير هجاء به الأخطل المذكور، ونسبها إلى أن الرجال يتمرغون عليها، ونستغفر الله تعالى من ذكر مثل هذا، لكن شرح الواقعة أحوج إلى ذلك.
    ومن أخبار جرير أنه دخل على عبد الملك بن مروان فأنشده قصيدة أولها:
    أتصحو أم فؤادك غير صاحي

    عشية هم صحبك بالـرواح
    تقول العاذلات علاك شـيب

    أهذا الشيب بمنعني مزاحي
    تعزت أم حزرة قم قـالـت

    رأيت الموردين ذوي لقـاح
    ثقي بالله ليس لـه شـريك

    ومن عند الخليفة بالنجـاح
    سأشكر إن رددت إلي ريشي

    وانبت القوادم في جناحـي
    ألستم خير من ركب المطايا

    وأندى العالمين بطون راح

    قال جرير: فلما انتهيت إلى هذا البيت كان عبد الملك متكئا فاستوى جالساً وقال: من مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت، ثم التفت إلي وقال: يا جرير، أترى أم حزرة يرويها مائة ناقة من نعم بمني كلب؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إن لم تروها فلا أرواها الله تعالى، قال: فأمر لي بها كلها سود الحدق، قلت: يا أمير المؤمنين، نحن مشايخ وليس بأحدنا فضل عن راحلته، والإبل أباق، فلو أمرت لي بالرعاء، فأمر لي بثمانية، وكان بين يديه صحاف من الذهب وبيده قضيب، فقلت: ياأمير المؤمنين، والمحلب؟ وأشرت إلى إحدى الصحاف فنبذها إلي بالقضيب وقال: خذها لا نفعتك، وإلى هذه القضية أشار جرير بقوله:
    أعطو هيدة تحدوها ثمـانـية

    ما في عطائهم من ولا سرف

    قلت: هنيدة - بضم الهاء على صورة التصغير - اسم علم على المائة، وأكثر علماء الأدب يقولون: لا يجوز إدخال اللف واللام عليها، وبعضهم يجيز ذلك، قال أبو الفتح بن أبي حصينة السلمي الحلبي الشاعر المشهور من جملة قصيدة:
    أيها القلب لم يدع لك فـيوص

    ل العذارى نصف الهنيدة عذرا

    يعني خمسين سنة التي هي نصف المائة، والله أعلم.
    ولما مات الرزدق وبلغ خبره جريراً بكى وقال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجماً واحداً وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلا وتبعه صاحبه، وكذلك كان. وتوفي في سنة عشر ومائة، وفيها مات الفرزدق كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
    وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كانت وفاة جرير في سنة إحدى عشرة ومائة، وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف: إن أمه حملت به سبعة أشهر، وفي ترجمة الفرزدق طرف من خبر موته فلينظر هناك إن شاء الله تعالى. وكانت وفاته باليمامة، وعمر نيفا وثمانين سنة.
    وحزرة: بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها هاء.
    والخطفى: بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة والفاء وبعدها ياء - وقد تقدم الكلام في أنه لقب عليه، والله أعلم.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:02 am

    عمر بن أبي ربيعة
    644 - 711م

    هو عمر بن أبي ربيعة وكنيته أبو الخطّاب. ولد يوم مقتل عمر بن الخطاب، في أسرةٍ قريشيّةٍ جَمَعت إلى مجدها العريق ثروةً ضخمةً ومكانةً في المجتمع كريمة.
    شبّ الفتى المخزومي على دلالٍ وترفٍ، فانطلق مع الحياة التي تنفتح رحبةً أمام أمثاله مِمَّن رُزِقوا الشّباب والثروة والفراغ. لهَا مع اللاّهين وعرفته مجالس الطّرب والغناء فارسًا مجليًا ينشدُ الحسن في وجوه الملاح في مكة، ويطلبه في المدينة والطائف وغيرهما.
    رأى في موسم الحجّ معرض جمال وفتون، فراح يستغله "إذ يعتمر ويلبس الحلل والوشي ويركب النجائب المخضوبة بالحناء، عليها القطوع والدّيباج". ويلقى الحاجّات من الشام والمدينة والعراق فيتعرّف بهنّ، ويرافقهن، ويتشبّب بهن ويروي طرفًا من مواقفه معهن. وشاقته هذه المجالس والمعارض فتمنّى لو أن الحجّ كان مستمرًا طوال أيام السنة:
    ليت ذا الدّهر كان حتمًا علينا كلّ يومين حجة واعتمارا
    وظلّ عمر يتقلّب في هذه الألوان من الشعر والحياة، حتى تقدّمت به السّن فأقصر عن اللهو والمجون، وأقلع عن ذكر النّساء إلى أن وافته المنية سنة 93هـ-؛ وقد ترك من نتاجه الفنّي ديوانًا عامرًا بالغزل، لا يعرض لغيره من الفخر والوصف إلاّ لمامًا.
    يُعتَبَر عمر رائد القصّة الغزلية الإباحية التي يروي فيها مغامراته مع عددٍ من النساء، وعُرِفَ بتنقّله من امرأةٍ إلى أخرى، يشدّه الجمال إلى الجنس الآخر. ويمتاز شعره بالعذوبة والرّقة والسّلاسة، حتى قيل فيه: "شعره الفُستق المُقشّر".
    أشهر قصائده الغزلية، رائيتُه التي مطلعها:
    أَمِن آل نعمٍ أنتَ غادٍ فمُكبِرُ غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمُهَجِّرُ

    وعندما سمعها جرير، أُعجِبَ بها، وقال: "ظلّ هذا المخزومي يهذي حتى قال الشعر".
    وورد في "سير أعلام النبلاء": هو أبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة القرشي المخزومي الشاعر المشهور؛ لم يكن في قريش أشعر منه، وهو كثير الغزل والنوادر والوقائع والمجون والخلاعة، وله في ذلك حكايات مشهورة. وكان يتغزل في شعره بالثريا ابنة علي بن عبد الله بن الحارث ابن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف الأموية، وقال السهيلي في " الروض الأنف ": هي الثريا ابنة عبد الله، ولم يذكر علياً، ثم قال: وقتيلة ابنة النضر جدتها، لأنها كانت تحت الحارث بن أمية، وعبد الله ولدها وهو والد الثريا، وهذه قتيلة هي التي أنشدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عقيب وقعة بدر الأبيات القافية، وكان قد قتل أباها النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، وقيل كان أخاها، ومن جملة الأبيات:
    أمحمد ولأنت ضـنء نـجـيبةٍ

    من قومها والفحل فحلٌ معرق
    ما كان ضرك لو مننت وربمـا

    من الفتى وهو المغيظ المحنق
    فالنضر أقرب من تركت وسيلةً

    وأحقهم إن كان عتق يعـتـق

    فقال عليه السلام: لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته؛ وكان شديد العداوة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسره في يوم بدر، فلما رجع إلى المدينة أمر علي بن أبي طالب، وقيل المقداد بن أسود بقتله، فقتله صبراً بين يديه بالصفراء، وهي مكان بين المدينة وبدر؛ وهذه الأبيات من جملة أبيات مذكورة في كتاب " الحماسة " في باب المراثي.
    وكانت الثريا موصوفة بالجمال، فتزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، رضي الله عنه، ونقلها إلى مصر، فقال عمر المذكور في زواجها يضرب المثل في الثريا وسهيل النجمين المعروفين:
    أيها المنكح الثريا سهيلاً

    عمرك الله كيف يلتقيان
    هي شامية إذا ما استقلت

    وسهيلٌ إذا استقل يماني

    وهذه الثريا وأختها عائشة أعتقتا الغريض المغني المشهور صاحب معبد، واسمه عبد الملك وكنيته أبو زيد، وسمي الغريض باسم الطلع، ويقال فيه الغريض والاغريض، وإنما سميلنقاء لونه، وقيل إنما سمي به لطراوته.
    يروى أن يزيد بن معاوية لما أراد توجيه مسلم بن عقبة إلى المدينة اعترض الناس، فمر به رجل من أهل الشام بترس قبيح، فقال له: يا أخا الشام، مجن ابن أبي ربيعة أحسن من مجنك، يريد قول ابن أبي ربيعة:
    وكان مجني دون من كنت أتقـي

    ثلاث شخوص: كاعبان ومعصر

    وهذا البيت من جملة قصيدة، وهي من ظريف شعره، فمن جملتها:
    فحييت إذ فاجأتها فـتـلـهـفـت

    وكادت بمكتوم التحية تـجـهـر
    وقالت وعضت بالبنان: فضحتنـي

    وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسـر
    أريتك إن هنا عليك ولـم تـخـف

    رقيباً وحولي من عدوك حضـر
    فوالله ما أدري أتعـجـيل حـاجة

    سرت بك أم قد نام من كنت تحذر
    فقلت لها: بل قادني الشوق والهوى

    إليك وما عين من الناس تنـظـر
    فلما تقضى الـلـيل إلا قـلـيلـه

    وكادت توالي نجمـه تـتـغـور
    أشارت بأن الحي قد حان منـهـم

    هبوب ولكن موعد لـك عـزور

    فما راعني إلا منـاد بـرحـلة

    وقد لاح مفتر من الصبح أشقر
    فلما رأت من قد تنور مـنـهـم

    وأيقاظهم قالت: أشر كيف تأمر
    فقلت: أباديهم فإمـا أفـوتـهـم

    وإما أسل السيف ثأراً فـيثـأر
    فقالت: أتحقيقاً لما قال كـاشـح

    علينا وتصديقاً لما كـان يؤثـر
    وإن كان ما لابد منـه فـغـيره

    من الأمر أدنى للخفاء وأستـر
    أقص على أختي بدء حـديثـنـا

    وما لي من أن يعلما متـأخـر
    لعلهما أن يبغيا لك مـخـرجـاً

    وأن يرحبا سرباً بما كنت أحصر
    فقالت لأختيها: أعينا على فتـى

    أتى زائراً والأمر للأمر يقـدر
    فأقبلتا فارتاعتـا ثـم قـالـتـا:

    اقلي عليك اللوم فالخطب أيسر
    يقوم فيمشي بيننـا مـتـنـكـراً

    فلا سرنا يفشو ولا هو يظهـر
    وكان مجني دون من كنت أتقـي

    ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

    ومن شعر عمر المذكور أيضاً:
    حي طيفـاً مـن الأحـبة زارا

    بعدما صرع الكرى السمـارا
    طارقا في المنام تحت دجى اللي

    ل ضنيناً بـأن يزور نـهـارا
    قلت ما بالنا جـفـينـا وكـنـا

    قبل ذاك الأسماع والأبصـارا
    قال إنا كما عـهـدت ولـكـن

    شغل الحلي أهلـه أنيعـارا

    وكانت ولادته في الليلة التي قتل فيها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وهي ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين للهجرة. وغزا في البحر فأحرقوا السفينة فاحترق في حدود سنة ثلاث وعشرين للهجرة وعمره مقدار سبعين سنة، رحمه الله تعالى، وقال الهيثم بن عدي: مات سنة ثلاث وتسعين للهجرة، وعمره ثمانون سنة، والله أعلم.
    وقتل والده عبد الله في سنة ثمان وسبعين للهجرة بسجستان.
    وكان الحسن البصري، رضي الله عنه، إذا جرى ذكر ولادة عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي قتل فيها عمر، رضي الله عنه، يقول: أي حق رفع؟ وأي باطل وضع؟ وكان جده أبو ربيعة يلقب ذا الرمحين، واسمه عمرو، وقيل حذيفة، وقيل اسمه كنيته.
    وكان أبوه عبد الله أخا أبي جهل ابن هشام المخزومي لأمه، وأمهما أسماء بنت مخربة، من بني مخزوم، وقيل من بني نهشل، وهما ابنا عم، يجمعهما المغيرة بن عبد الله.
    ويقظة: بفتح الياء المثناة من تحتها والقاف والظاء المعجمة.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:03 am



    الطرماح
    تو. 125 هـ/ 743م
    هو الطرماح بن حكيم بن طيء ويكنى أبا نفر، وكان جده قيس بن جحدر. اسره بعض ملوك بني جفنة فدخل عليه حاتم الطائي فاستوهبه وقال:

    فككت عدياً كلها من اسارها فافضل وشفعني بن جحدر
    أبوه أبي والأم من أمهاتنا فأنعم فدتك اليوم نفسي ومعشري
    وفد جده على النبي فأسلم وكان الطرماح يرى رأي الخوارج وكان خطيباً وشاعراً هجاءاً وله معرفة وصداقة مع الكميت الشاعر.

    هو شاعر فحل، ولد ونشأ في الشام وانتقل إلى الكوفة وعلم في مدارسها والجوامع. اعتنق مذهب (الشراة) من الأزارقة (الخوراج).
    اتصل بخالد بن عبد الله القسري فكان يستجيد شعره ويكرمه.
    قال الجاحظ عنه أنه كان قحطانياً عصبياً.
    وورد في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: نسب الطرماح وبعض أخباره: هو الطرماح بن حكيم بن الحكم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن أمان بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيءٍ. ويكنى أبا نفر. وأبا ضبينة . والطرماح: الطويل القامة. وقيل: إنه كان يلقب الطراح. أخبرني بذلك أحمد ابن عبد العزيز الجوهري قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال: كان الطرماح بن حكيم يلقب الطراح لقوله: صوت :
    ألا أيها الليل الطويل ألا ارتـح

    بصبحٍ وما الإصباح منك بأروح
    بلى إن للعينين في الصبح رحمةً

    بطرحهما طرفيهما كل مطرح

    في هذين البيتين لأحمد بن المكي ثقيل أول بالوسطى من كتابه .

    والطرماح من فحول الشعراء وفصحائهم. ومنشؤه بالشام، وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك مع من وردها من جيوش أهل الشام، واعتقد مذهب الشراة الأزارقة . أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال: قدم الطرماح بن حكيم الكوفة، فنزل في تيم اللات بن ثعلبة، وكان فيهم شيخ من الشراة له سمت وهيئة، وكان الطرماح يجالسه ويسمه منه، فرسخ كلامه في قلبه، ودعاه الشيخ إلى مذهبه، فقبله واعتقده أشد اعتقادٍ وأصحه، حتى مات عليه .

    أخبرني ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال قال رؤبة: كان الطرماح والكميت يصيران إلي فيسألاني عن الغريب فأخبرهما به، فأراه بعد في أشعارهما .
    أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال سمعت محمد بن حبيب يقول: سألت ابن الأعرابي عن ثماني عشرة مسألةً كلها من غريب شعر الطرماح، فلم يعرف منها واحدةً، يقول في جميعها: لا أدري، لا أدري .
    أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب قال حدثنا ابن قتيبة، قالا: كان الكميت بن زيد صديقاً للطرماح، لا يكادان يفترقان في حالٍ من أحوالهما. فقيل للكميت: لا شيء أعجب من صفاء ما بينك وبين الطرماح على تباعد ما يجمعكما من النسب والمذهب والبلد : هو شآمي قحطاني شاري، وأنت كوفي نزاري شيعي، فكيف اتفقتما مع تباين المذهب وشدة العصبية؟ فقال: اتفقنا على بغض العامة. قال: وأنشد الكميت قول الطرماح:
    إذا قبضت نفس الطرماح أخلـقـت

    عرى المجد واسترخى عنان القصائد

    فقال: إي والله! وعنان الخطابة والرواية والفصاحة والشجاعة. وقال عمر بن شبة: والسماحة مكان الشجاعة .
    وفد على مخلد بن زياد ومعه الكميت وقصتهما في ذلك: نسخت من كتب جدي لأمي يحيى بن محمد بن ثوابة رحمه الله تعالى بخطه قال حدثني الحسن بن سعيد عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال: وفد الطرماح بن حكيم والكميت بن زيد على مخلد بن يزيد المهلبي، فجلس لهما ودعاهما . فتقدم الطرماح لينشد؛ فقال له: أنشدنا قائماً. فقال: كلا والله! ما قدر الشعر أن أقوم له فيحط مني بقيامي وأحط منه بضراعتي، وهو عمود الفخر وبيت الذكر لمآثر العرب. قيل له: فتنح. ودعي بالكميت فأنشد قائماً، فأمر له بخمسين ألف درهم. فلما خرج الكميت شاطرها الطرماح، وقال له: أنت أبا ضبينة أبعد همةً وأنا ألطف حيلةً. وكان الطرماح يكنى أبا نفرٍ وأبا ضبينة .
    كان هو والكميت في مسجد الكوفة فقصدهما ذو الرمة فاستنشدهما وأنشدهما: ونسخت من كتابه رضي الله عنه: أخبرني الحسن بن سعيد قال أخبرني ابن علاق قال أخبرني شيخ لنا أن خالد بن كلثوم أخبره قال: بينا أنا في مسجد الكوفة أريد الطرماح والكميت وهما جالسان بقرب باب الفيل، إذ رأيت أعرابياً قد جاء يسحب أهداماً له، حتى إذا توسط المسجد خر ساجداً، ثم رمى ببصره فرأى الكميت والطرماح فقصدهما. فقلت: من هذا الحائن الذي وقع بين هذين الأسدين! وعجبت من سجدته في غير موضع سجود وغير وقت صلاة فقصدته، ثم سلمت عليهم ثم جلست أمامهم. فالتفت إلي الكميت فقال: أسمعني شيئاً يا أبا المستهل؛ فأنشده قوله:
    أبت هذه النفس إلا ادكارا

    حتى أتى على آخرها. فقال له: أحسنت والله يا أبا المستهل في ترقيص هذه القوافي ونظم عقدها ! ثم التفت إلى الطرماح فقال: أسمعني شيئاً يا أبا ضبينة؛ فأنشده كلمته التي يقول فيها:
    أساءك تقويض الخليط المباين

    نعم والنوى قطاعةللقـرائن

    فقال: لله در هذا الكلام! ما أحسن إجابته لرويتك! إن كدت لأطيل لك حسداً. ثم قال الأعرابي: والله لقد قلت بعدكما ثلاثة أشعار، أما أحدها فكدت أطير به إلى السماء فرحاً. وأما الثاني فكدت أدعي به الخلافة. وأما الثالث فرأيت رقصاناً استفزني به الجذل حتى أتيت عليه. قالوا: فهات؛ فأنشدهم قوله :
    أأن توهمت من خرقاء منـزلةً

    ماء الصبابة من عينيك مسجوم

    حتى إذا بلغ قوله:
    تنجو إذ جعلت تدمى أخشتها

    وابتل بالزبد الجعد الخراطيم

    قال: أعلمتم أني في هذا البيت منذ سنةٍ، فما ظفرت به إلا آنفاً، وأحسبكم قد رأيتم السجدة له. ثم أسمعهم قوله:
    ما بال عينك منها الماء ينسكب

    ثم أنشدهم كلمته الأخرى التي يقول فيها:
    إذا الليل عن نشزٍ تجلى رمينه

    بأمثال أبصار النساء الفوارك

    قال: فضرب الكميت بيده على صدر الطرماح، ثم قال: هذه والله الديباج لا نسجي ونسجك الكرابيس . فقال الطرماح: لن أقول ذلك وإن أقررت بجودته. فقطب ذو الرمة وقال: يا طرماح! أأنت تحسن أن تقول:
    وكائن تخطت ناقتي من مفازةٍ

    إليك ومن أحواض ماءٍ مسدم
    بأعقاره القردان هزلى كأنها

    نوادر صيصاء الهبيدالمحطم

    فأصغى الطرماح إلى الكميت وقال له: فانظر ما أخذ من ثواب هذا الشعر! قال: وهذه قصيدة مدح بها ذو الرمة عبد الملك، فلم يمدحه فيها ولا ذكره إلا بهذين البيتين، وسائرها في ناقته. فلما قدم على عبد الملك بها أنشده إياها. فقال له: ما مدحت بهذه القصيدة إلا ناقتك، فخذ منها الثواب. وكان ذو الرمة غير محظوظ من المديح فلم يفهم ذو الرمة قول الطرماح للكميت. فقال له الكميت: إنه ذو الرمة وله فضله، فأعتبه فقال له الطرماح: معذرة إليك! إن عنان الشعر لفي كفك، فارجع معتباً، وأقول فيك كما قال أبو المستهل .
    مر يخطر بمسجد البصرة فسأل عنه رجل فأنشد هو شعراً: أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى الصولي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن إبراهيم بن عباد قال حدثني أبو تمامٍ الطائي قال: مر الطرماح بن حكيم في مسجد البصرة وهو يخطر في مشيته. فقال رجل: من هذا الخطار؟ فسمعه فقال: أنا الذي يقول: صوت:
    لقد زادني حباً لنـفـس أنـنـي

    بغيض إلى كل امرئٍ غير طائل
    وأني شقي بالـلـئام ولا تـرى

    شقياً بهم إلا كريم الـشـمـائل
    إذا ما رآني قطع اللحظ بـينـه

    وبيني فعل العارف المتجاهـل
    ملأت عليه الأرض حتى كأنهـا

    من الضيق في عينيه كفة حابل

    في هذه الأبيات لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيلٍ أول بالبنصر .
    قصته مع خالد القسري حين وفد عليه بمدح: أخبرني محمد بن خلفٍ وكيع قال أخبرنا إسماعيل بن مجمع قال حدثنا هشام بن محمد قال أخبرنا ابن أبي العمرطة الكندي قال: مدح الطرماح خالد بن عبد الله القسري، فأقبل على العريان بن الهيثم فقال: إني قد مدحت الأمير فأحب أن تدخلني عليه. قال: فدخل إليه فقال له: إن الطرماح قد مدحك وقال فيك قولاً حسناً. فقال: ما لي في الشعر من حاجةٍ. فقال العريان للطرماح: تراء له. فخرج معه ، فلما جاوز دار زيادٍ وصعد المسناة إذا شيء قد ارتفع له، فقال: يا عريان انظر، ما هذا؟ فنظر ثم رجع فقال: أصلح الله الأمير! هذا شيء بعث به إليك عبد الله بن أبي موسى من سجستان؛ فإذا حمر وبغال ورجال وصبيان ونساء. فقال: يا عريان، أين طرماحك هذا؟ قال: ها هنا. قال: أعطه كل ما قدم به. فرجع إلى الكوفة بما شاء ولم ينشده. قال هشام: والطرماح: الطويل .
    سمع بيتاً لكثير في عبد الملك فقال لم يمدحه بل موه: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثني الحجاجي قال: بلغني أن الطرماح جلس في حلقةٍ فيها رجل من بني عبس، فأنشد العبسي قول كثيرٍ في عبد الملك:
    فكنت المعلى إذ أجيلت قداحهم

    وجال المنيح وسطهايتقلقـل

    فقال الطرماح: أما إنه ما أراد به أنه أعلاهم كعباً، ولكنه موه عليه في الظاهر وعنى في الباطن أنه السابع من الخلفاء الذين كان كثير لا يقول بإمامتهم؛ لأنه أخرج علياً عليه السلام منهم، فإذا أخرجه كان عبد الملك السابع، وكذلك المعلى السابع من القداح؛ فذلك قال ما قاله. وقد ذكر ذلك في موضع آخر فقال:
    وكان الخلائف بعد الرسـو

    ل لله كـلـهـم تـابـعـا
    شيدان من بعد صـديقـهـم

    وكان ابن حربٍ لهم رابعـا
    وكان ابنه بعده خـامـسـاً

    مطيعاً لمن قبله سـامـعـا
    ومروان سادس من قد مضى

    وكان ابنه بعده سـابـعـا

    قال: فعجبنا من تنبه الطرماح لمعنى قول كثير، وقد ذهب على عبد الملك فظنه مدحاً .
    فضله أبو عبيدة والأصمعي ببيتين له: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ قال: كان أبو عبيدة والأصمعي يفضلان الطرماح في هذين البيتين، ويزعمان أنه فيهما أشعر الخلق:
    مجتاب حلة برجدٍ لسـراتـه

    قددا وأخلف ما سواه البرجد
    يبدو وتضمره البلاد كـأنـه

    سيف على شرفٍ يسل ويغمد

    أثنى أبو نواس على بيت له: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ قال قال أبو نواس: أشعر بيتٍ قيل بيت الطرماح:
    إذا قبضت نفس الطرماح أخلـقـت

    عرى المجد واسترخى عنان القصائد
    مناقضة بينه وبين حميداليشكري:



    أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة قال: فضل الطرماح بني شمخ في شعره على بني يشكر؛ فقال حميد اليشكري:
    أتجعلنا إلى شمخ بن جرمٍ

    ونبهانٍ فأف لذا زمـانـا
    ويوم الطالقان حماك قومي

    ولم تخضب بها طي سنانا

    فقال الطرماح يجيبه:
    لقد علم المعذل يوم يدعو

    برمثة يوم رمثة إذ دعانا
    فوراس طييءٍ منعوه لما

    بكى جزعاً ولولاهم لحانا

    فقال رجل من بني يشكر:
    لأقضين قضاء غير ذي جـنـف

    بالحق بين حميدٍ والطـرمـاح
    جرى الطرماح حتى دقق مسحله

    وغودر العبد مقروناًبـوضـاح

    يعني رجلاً من بني تميم كان يهاجي اليشكري .
    شعر له في الشراة: أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا الرياشي قال قال الأصمعي قال خلف: كان الطرماح يرى رأي الشراة، ثم أنشد له:
    للـه در الـشـراة إنـهـم

    إذا الكرى مال بالطلى أرقوا
    يرجعـون الـحـنـين آونةً

    وإن علا ساعةً بهم شهقـوا
    خوفاً تبيت القلـوب واجـفةً

    تكاد عنها الصدور تنفـلـق
    كيف أرجي الحياة بعـدهـم

    وقد مضى مؤنسي فانطلقوا
    قوم شحاح على اعتقـادهـم

    بالفوز مما يخاف قدوثقـوا

    أنشد خالداً القسري شعراً في الشكوى فأجازه: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة عن يونس قال: دخل الطرماح على خالد بن عبد الله القسري فأنشده قوله:
    وشيبني ما لا أزال مناهـضـاً

    بغير غنىً أسمو بـه وأبـوع
    وان رجال المال أضحوا ومالهم

    لهم عند أبواب الملوك شفـيع
    أمخترمي ريب المنون ولم أنل

    من المال ما أعصى بهوأطيع

    فأمر له بعشرين ألف درهم وقال: امض الآن فاعص بها وأطع .
    قال المفضل: كأنه يوحى إليه، في الهجاء. ثم أنشد من هجائه: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا حذيفة بن محمد الكوفي قال قال المفضل: إذا ركب الطرماح الهجاء فكأنما يوحى إليه، ثم أنشد له قوله:
    لو حان ورد تميم ثـم قـيل لـهـا

    حوض الرسول عليه الأزد لم ترد
    أو أنزل الله وحـياً أن يعـذبـهـا

    إن لم تعد لقتال الأزد لـم تـعـد
    لا عز نصر امرئٍ أضحى له فرس

    على تميمٍ يريد النصر مـن أحـد
    لو كان يخفى على الرحمن خافـية

    من خلقه خفيت عنه بـنـوأسـد

    افتقده بعض أصحابه فلم يرعهم إلا نعشه: أخبرني إسماعيل بن يونس قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثني المدائني قال حدثني ابن دأبٍ عن ابن شبرمة، وأخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال أخبرني أبي قال حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي قال حدثني محمد بن عمران قال حدثني إبراهيم بن سوار الضبي قال حدثني محمد بن زياد القرشي عن ابن شبرمة قال: كان الطرماح لنا جليساً ففقدناه أياماً كثيرة، فقمنا بأجمعنا لننظر ما فعل وما دهاه. فلما كنا قريباً من منزله إذا نحن بنعش عليه مطرف أخضر، فقلنا: لمن هذا النعش؟ فقيل: هذا نعش الطرماح. فقلنا: والله ما استجاب الله له حيث يقول:
    وإني لمـقـتـاد جـوادي وقـاذف

    به وبنفسي العام إحدى الـمـقـاذف
    لأكـسـب مـالاً أو أؤول غـنــىً

    من الله يكفيني عـدات الـخـلائف
    فيا رب إن حانت وفاتي فلا تـكـن

    على شرجعٍ يعلى بخضر المطارف
    ولكن قبري بطن نـسـر مـقـيلـه

    بجو من السماء في نسورٍ عواكـف
    وأمسي شهيداً ثاوياً فـي عـصـابةٍ

    يصابون في فج من الأرض خـائف
    فوارس من شيبـان ألـف بـينـهـم

    تقى الله تزالون عنـد الـتـزاحـف
    إذا فارقوا دنـياهـم فـارقـوا الأذى

    وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف

    صوت:
    هل بالديار التي بالقاع مـن أحـدٍ

    باقٍ فيسمع صوت المدلج الساري
    تلك المنازل من صفراء ليس بها

    حي يجيب ولا أصواتسـمـار

    الشعر لبيهسٍ الجرمي. والغناء لابن محرزٍ ثاني ثقيل بالبنصر، عن عمرو وقال ذكر ذلك يحيى المكي، وأظنه من المنحول. وفيه لطياب بن إبراهيم الموصلي خفيف ثقيل، وهو مأخوذ من لحن ابن صاحب الوضوء:
    ارفع ضعيفك ولا يحر بك ضعفه


    المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:04 am



    أبو العتاهية
    747 - 826م
    هو أبو إسحق إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي بالولاء العيني المعروف بأبي العتاهية الشاعر المشهور.
    ولد بعين النمر، وهي قرية بالحجاز قرب المدينة وقيل إنها من أعمال سقي الفرات، وقيل إنها قرب الأنبار.
    نشأ بالكوفة وسكن بغداد وكان مبدأ أمره يبيع الجرار فقيل له الجرار واشتهر بمحبة عتبة جارية أمير المؤمنين المهدي وأكثر نسيبه فيها.
    أبو العتاهية شاعر مكثر، سريع الخاطر، مبدع في شعره. وكان ينظم المئة والخمسين بيتًا في يومٍ واحدٍ. ويعدّ أبو العتاهية من متقدمي المولدين الشعراء، من طبقة بشار بن برد وأبي نواس وأمثالهما.
    وجاء في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: أبو العتاهية لقب غلب عليه. واسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، مولى عنزة، وكنيته أبو إسحاق، وأمه أم زيد بنت زياد المحاربي مولى بني زهرة؛ وفي ذلك يقول أبو قابوس النصراني وقد بلغه أن أبا العتاهية فضل عليه العتابي:
    قل للمكني نفـسـه

    متخيراً بعتـاهـية
    والمرسل الكلم القبي

    ح وعته أذن واعية
    إن كنت سرا سؤتني

    أو كان ذاك علانية
    فعليك لعنة ذي الجلا

    ل وأم زيد زانـية

    مناحيه الشعرية
    ومنشؤه بالكوفة. وكان في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين، ثم كان يبيع الفخار بالكوفة، ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم. ويقال: أطبع الناس بشار والسيد أبو العتاهية. وما قدر أحد على جمع شعر هؤلاء الثلاثة لكثرته. وكان غزير البحر، لطيف المعاني، سهل الألفاظ، كثير الافتتان، قليل التكلف، إلا إنه كثير الساقط المرذول مع ذلك. وأكثر شعره في الزهد والأمثال. وكان قوم من أهل عصره ينسبونه إلى الوقل بمذهب الفاسفة ممن لا يؤمن بالبعث، ويحتجون بأن شعره إنما هو في ذكر الموت والفناس دون ذكر النشور والمعاد. وله أوزان طريفة قالها مما لم يتقدمه الأوائل فيها. وكان أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمعه من الأموال.
    سبب كنيته
    حدثني محمد بن يحيى الصولي قال أخبرني محمد بن موسى بن حماد قال: قال المهدي بن يحيى الصولي قال أخبرني محمد بن موسى بن حماد قال: قال المهدي يوما" لأبي العتاهية: أنت إنسان متحذلق مهته. فاستوت له من ذلك كنية غلبت عليه دون اسمه وكنيته، وسارت له في الناس. قال: ويقال للرجل المتحذلق: عتاهية، كما يقال للرجل الطويل: شناحية. ويقال: أبو عتاهية، بإسقاط الألف واللام.
    قال محمد بن يحيى وأخبرني محمد بن موسى قال أخبرني ميمون بن هارون عن بعض مشايخه قال: كني بأبي العتاهية إن كان يحب الشهرة والمجون والتعته.
    وبلده الكوفة وبلد آبائه وبها مولده ومنشؤه وباديته
    يقول ابنه إنها من عنزة: قال محمد بن سلامك: وكان محمد بن أبي العتاهية يذكر أن أصلهم من عنزة، وأن جدهم كيسان كان من أهل عين التمر، فلما غزاها خالد نب الوليد كان كيسان جدهم هذا يتيما" صغيرا" يكفله قرابة له من نعنزة، فسباه خالد مع جماعة صبيان من أهلها، فوجه بهم إلى أبي بكر، فوصلوا إليه وبحضرته عباد بن رفاعة العنزي بن أسد بن ربيعة بن نزار، فجعل أبو بكر رضي الله عنه يسأل الصبيان عن أنسابهم فيخبره كل واحد بمبلغ معرفته، حتى سأل كيسان، فذكر له أنهخ من عنزة. فلما سمعه عبد يقول ذلك استوهبه من أبي بكر رضي الله عنه، وقد كان خالصا" له، فوهبه له؛ فأعتقه، فتولى عنزة.
    استعداؤه مندل بن علي وأخاه علي سبه بأنه نبطي: أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن الحجاج الجلاني الكوفي قال حدثني أبو دذيل مصعب بن دؤيل الجلاني، قال: لم أر قط مندل بن علي العنزي وأخاه حيان بن علي غضبا من شيء قط إلا يوما" واحدا"، دخل عليهما أبو العتاهية وهو مضمخ بالدماء. فقالا له: ويحك ما بالك؟ فقال لهما: من أنا؟ فقالا له: أنت أخونا وابن عمنا ومولانا. فقال: إن فلانا" الجزار قتلني وضربني وزعم أني نبطي، فإن كنت نبطيا" هربت على وجهي، وإلا فقوما فخذا لي بحقي. فقام معه مندل بن علي وما تعلق نعله غضبا"؛ وقال له: والله لو كان حقك على عيسى بن موسى لأخذته لك منه؛ ومر معه حافيا" حتى أخذ له بحقه.
    أخبرني الصولي قال حدثنا محمد بن موسى عن الحسن بن علي عن عمر بن معاوية عن جبارة بن المغلي الحماني قال: أبو العتاهية مولى عطاء بن محجن العنزي.
    أبو العتاهية وصنعة أهله أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال قال أبو عون أحمد بن المنجم أخبرني خيار الكاتب قال: كان أبو العتاهية وإبراهيم الموصلي من أهل المذار جميعا"، وكان أبو العتاهية وأهله يعملون الجرار الخضر، فقدما إلى بغداد ثم افترقا؛ فنزل إبراهيم الموصلي ببغداد، ونزل أبو العتاهية الحيرة. وذكر عن الرياشي أنه قال مثل ذلك، وأن أبا العتاهية نقله إلى الكوفة.
    قال محمد بن موسى: فولاء أبي العتاهية من قبل أبيه لعنزة، ومن قبل أمه لبني زهرة، ثم لمحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكانت أمه مولاة لهم، ثقال لها أم زيد.
    أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن مهروية؛ قال قال الخليل بن أسد: كان أبو العتاهية يأتينا فيستأذن ويقول: أبو إسحاق الخزاف. وكان أبوه حجاما" من أهل ورجة؛ ولذلك يقول أبو العتاهية:
    ألا إنما التقوى هو العز والـكـرم

    وحبك للدنيا هو الفقـر والـعـدم
    وليس على عبد قـتـي تـقـيصة

    إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم

    آراؤه الدينية
    حدثني الصولي قال حدثنا محمد بن موسى عن أحمد بن حرب قال: كان مذهب أبي العتاهية القول بالتوحيد، وأن الله خلق جوهرين متضادين لامن شيء، ثم إنه بني العالم هذه البنية منهما، وأن العالم حديث العين والصنعه لامحدث له إلا الله. وكان يزعم أن الله سيرد كل شيء إلى الجوهرين المتضادين قبل أن تفنى الأعيان جميعا". وكان يذهب إلى أن المعارف واقعة بقدر الفكر والاستدلال والبحث طباعا". وكان يقول بالوعيد وبتحريم المكاسب، ويتشيع بمذهب الزيدية البترية المبتدعة، لا ينتقص أحدا" ولا يرى مع ذلك الخروج على السلطان. وكان مجبرا" مناظرته لثمامة بن أشرس في العقائد بين يدي المأمون: قال الصولي: فحدثني يموت بن المزرع قال حدثني الجاحظ قال قال أبو العتاهية لثمامة بين يدي المأمون وكان كثيرا" ما يعارضه بقوله في الإجبار-: أسألك عن مسالة. فقال له المأمون: عليك بشعرك. فقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في مسألته ويأمره بإجابتي! فقال له: أجبه إذا سألك. فقال: أنا أقول: إن كل ما فعله العباد من خير وشر فهو من الله، وأنت تأبى ذلك، فمن حرك يدي هذه؟ وجعل أبو العتاهية يحركها. فقال له ثمامة: حركها من أمه زانية. فقال: شتمني والله يا أمير المؤمنين. فقال ثمامة: ناقض الماص بظر أمه والله يا أمير المؤمنين! فضحك المأمون وقال له: ألم أقل لك أن تشتغل بشعرك وتدع ما ليس من عملك! قال ثمامة: فلقيني بعد ذلك فقال لي: يا أبا معن، أما أغناك الجواب عن السفه؟! فقلت: إن من أتم الكلام ما قطع الحجة، وعاقب على الإساءة وشفى من الغيظ، وانتصر من الجاهل.
    قال محمد بن يحيى وحدثني عون بن محمد الكندي قال: سمعت العباس بن رستم يقول: كان أبو العتاهية مذبذبا" في مذهبه: يعتقد شيئا"، فإذا سمع طاعنا" عليه ترك اعتقاده إياه وأخذ غيره خبره مع المخنثين حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني ابن أبي الدنيا قال حدثني الحسين بن عبد ربه قال حدثني علي بن عبيدة الريحاني قال حدثني أبو الشمقمق: أنه رأس أبا العتاهية يحمل زاملة المخنثين، فقلت له: أمثلك يضع نفسه هذا الموضع مع سنك وشعرك وقدرك؟ فقال له: أريد أن أتعلم كيادهم، وأتحفظ كلامهم.
    محاورته بشر بن المعتمر أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: ذكر أحمد بن إبراهيم ين إسماعيل أن بشر بن المعتمر قال يوما" لأبي العتاهية: بلغني أنك لما نسكت جلست تحجم اليتامى والفقراء للسبيل، أكذلك كان؟ قال نعم. قال له: فما أردت بذلك؟ قال: أردت أن أضع من نفسي حسبما رفعتني الدنيا، وأضع منها ليسقط عنها الكبر، واكتسب بما فعلته الثواب، وكنت أحجم اليتامى والفقراء خاصة. فقال له بشر: دعني من تذليلك نفسي بالحجامة؛ فإنه ليس بحجة لك أن تؤديها وتصلحها لما لعلك تفسد به أمر غيرك؛ أحب أن تخبرني هل كنت تعرف الوقت الذي كان يحتاج فيه من تحدجمه إلى إخراج الدم؟ قال: لا. قال: هل كنت تعرف مقدار ما يحتاج كل واحد منهم إلى أن يخرجه على قدر طبعه، مما إذا زدت فيه أو نقصت منه ضر المحجوم؟ قال لا. قال: فما أراك إلا أردت أن تتعلم الحجامة على أقفاء اليتامى والمساكين! أراد حمدوية صاحب الزنادقة أخذه فتستر بالحجامة: أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو ذكوان قال حدثنا العباس بن رستم قال: كان حمدوية صاحب الزنادقة قد أراد أن يأخذ أبا العتاهية، ففزع من ذلك وقعد حجاما".أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال قال أبو دعامة علي بن يزيد: أخبر يحيى بن خالد أن أبا العتاهية قد نسك، وأنه جلس بحجم الناس للأجر تواضعا" بذلك. فقال: ألم يكن يبيع الجرار قبل ذلك؟ فقيل له بلى. فقال: أما في بيع الجرار من الذل ما يكفيه يستغني به عن الحجامة! سئل عن خلق القرآن فأجاب أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني شيخ من مشايخنا قال حدثني أبو شعيب صاحب ابن أبي دواد قال: قلت لأبي العتاهية: القرآن عندك مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال: أسألتني عن الله أم عن غير الله؟ قلت: عن غير الله، فأمسك. وأعدت عليه فأجابني هذا الجواب، حتى فعل ذلك مرارا". فقلت له: مالك لا تجيبني؟ قال: قد أجبتك ولكنك حمار
    أوصافه وصناعته
    أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا شيخ من مشايخنا قال حدثني محمد بن موسى قال: كان أبو العتاهية قضيفا"، أبيض اللون، أسود الشعر، له وفرة جعدة، وهيئة حسنة ولباقة وحصافة، وكان له عبيد من السودان، ولأخيه زيد أيضا" عبيد منهم يعملون الخزف في أتون لهم؛ فإذا اجتمع منه شيء ألقوه على أجبر لهم يقال له أبو عباد اليزيد من أهل طاق الجرار بالكوفة، فيبيعه على يديه ويرد فضله إليهم. وقيل: بل كان يفعل ذلك أخوه زيد لا هو؛ وشئل عن ذلك فقال: أنا جرار القوافي، وأخي جرار التجارة.
    قال محمد بن موسى: وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني عبد الحميد بن سريع مولى بن عجل قال: أنا رأيت أبا العتاهية وهو جرار يأتيه الأحداث والمتأدبون فينشدهم أشعاره، فيأخذون ما تكسر من الخزف فيكتبونها فيها.
    كان يشتم أبا قابوس ويفضل عليه العتابي
    حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عون بن محمد الكندي قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال: لما هاجى أبو قابوس النصراني كلثوم بن عمرو العتابي، جعل أبو العتاهية يشتم أبا قابوس وضع منه؛ ويفضل العتابي عليه؛ فبلغه ذلك فقال فيه:
    قل للكنى نـفـسـه

    متخيرا" بعتـاهـية
    والمرسل الكلم القبي

    ح وعته أذن واعية
    إن كنت سرا" سؤتني

    أو كان ذاك علانيه
    فعليك لعنة ذي الجلا

    ل وأم زيد زانـية

    -يعني أم أبي العتاهية، وهي أم زيد بنت زياد-فقيل له: أشتم مسلما"؟ فقال: لم أشتمه، وإنما قلت:
    فعليك لعنة ذي الجلا

    ل ومن عنينا زانية

    هجاء والية بن الحباب: قال: وفيه يقول والية بن الحباب وكان يهاجي:
    كان فينا يكنى أبا إسـحـاق

    وبها الركب سار في الآفاق
    فتكنى معتوهنـا بـعـتـاه

    يالها كنية أنت بـاتـفـاق
    خلق الله لحـية لـك لاتـن

    فك معقودة بداء الـحـلاق


    قصته مع النوشجاني
    أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا النوشجاني قال: أتاني البواب يوما" فقال لي: أبو إسحاق الخزاف بالباب؛ فقلت: ائذن له، فإذا أبو العتاهية قد دخل. فوضعت بين يديه قنو موز؛ فقال: قد صرت تقتل العلماء بالموز، قتلت أبا عبيدة بالموز، وتريد أن تقتلني به لا والله لا أذوقه. قال: فحدثني عروة بن وسف الثقفي قال: رأيت أبا عبيده قد خرج من دار النوشجاني في شق محمل مسجى، إلا أنه حي، وعند رأسه قنو موز وعند رجليه قنو موز آخر، يذهب به إلى أهله. فقال النوشجاني وغيره: لما دخلنا عليه نعوده قلنا: ما سبب علتك؟ قال: هذا النوشجاني جاءني بموز كأنه أيور المساكين، فأكثرت منه، فكان سبب علتي. قال: ومات في تلك العلة.
    رأي مصعب بن عبد الله في شعره
    أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال: سمعت مصعب بن عبد الله يقول: أبو العتاهية أشعر الناس. فقلت له: بأي شيء استحق ذلك عندك؟ فقال: بقوله:
    تعلـقـت بـآمـال

    طوال أي آمــال
    وأقبلت على الدنـيا

    ملحـا أي إقـبـال
    أيا هذا تجـهـز ل

    فراق الأهل والمال
    فلا بد من المـوت

    على حال من الحال

    ثم قال مصعب: هذا كلام سهل حق لا حشو فيه ولا نقصان، يعرفه العاقل ويقر به الجاهل.
    استحسان الأصمعي لشعره أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال: سمعت الأصمعي يستحسن قول أبي العتاهية:
    أنت ما استغنيت عن صا

    حبك الـدهـر أخـوه
    فإذا احـتـجـت إلـيه

    ساعة" مـجـك فـوه.

    قول سلم الخاسر هو أشعر الجن والإنس حدثنا محمد بن العباس اليزيدي إملاء قال حدثني عمي الفضل بن محمد قال حدثني موسى بن صالح الشهرزوري قال: أتيت سلما الخاسر فقلت له: أنشدني لنفسك. قال: ولكن أنشدك لأشعر الجن والإنس، لأبي العتاهية، ثم أنشدني قوله: صوت
    سكن يبقى له سـكـن

    ما بهذا يؤذن الزمـن
    نحن في دار يخبرنـا

    ببلاها ناطق لـسـن
    دار سوء لم يدم فـرح

    لامرئٍ فيها ولا حزن
    في سبيل الله أنفسـنـا

    كلتا بالموت مرتهـن
    كل نفس عند ميتتهـا

    حظها من مالها الكفن
    إن مال المرء ليس له

    منه إلا ذكره الحسن

    فأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني رجل من أهل البصرة أنسيت اسمه، قال حدثني حمدون بن زيد قال حدثني رجاء بن مسلمة قال: قلت لسلم الخاسر: من أشعر الناس؟ فقال: إن شئت أخبرتك بأشعر الجن والإنس. فقلت: إنما أسألك عن الإنس، فإن زدتني الجن فقد أحسنت. فقال: أشعرهم الذي يقول:
    سكن يبقى له سكن

    ما بهذا يؤذن الزمن

    قال: والشعر لأبي العتاهية.
    ثناء جعفر بن يحيى على شعره حدثني اليزيدي قال حدثني محمد بن موسى قال حدثني جعفر بن النصر الواسطي الضرير قال حدثني محمد بن شيرويه الأنماطي قال: قلت لداود بن زيد بن زرين الشاعر: من أشعر هل زمانه؟ قال: أبو نواس. قلت: فما تقول في أبي العتاهية؟ فقال: أبو العتاهية أشعر الأنس والجن.
    أخبرني الصولي قال حدثني محمد بن موسى قال قال الزبير بن بكار: أخبرني إبراهيم بن المنذر عن الضحاك، قال: قال عبد الله بن عبد العزيز العمري: أشعر الناس أبو العتاهية حيث يقول:
    ماضر من جعل التراب مهاده

    ألا ينام على الحرير إذاقنع

    صدق والله وأحسن.
    مهارته في الشعر وحديثه عن نفسه في ذلك حدثني الصولي قال حدثني محمد بن موسى قال حدثني أحمد بن حرب قال حدثني المعلى بن عثمان قال: قيل لأبي العتاهية: كيف تقول الشعر؟ قال: ما أردته قط إلا مثل لي، فأقول ما أريد وأترك ما لا أريد.
    أخبرني ابن عمار قال حدثني ابن مهروية قال حدثني روح بن الفرج الرمازي قال: جلست إلى أبي العتاهية فسمعته يقول: لو شئت أن أجعل كلامي كله شعرا" لفعلت.
    حدثنا الصولي قال حدثنا العنزي قال حدثنا أبو عكرمة قال: قال محمد بن أبي العتاهية: سئل أبي: هل تعرف العروض؟ فقال: أنات أكبر من العروض. وله أوزان لا تدخل في العروض.
    نظم شعرا" للرشيد وهو مريض فأبلغه الفضل وقر به الرشيد: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا العنزي. قال حدثنا أبو عكرمة قال: حم الرشيد، فصار أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع برقعة فيها:
    لو عـلـم الـنـاس كـيف أنـت لـــهـــم

    ماتـوا إذا مـا ألـمـت أجـمــعـــهـــم
    خليفة الله أنت ترجح بالناس إذا ما وزنت أنت وهم


    قد علم الناس أن وجهك يس

    تغـنـي إذا مـا رآهمـعـــدمـــهـــم

    فأنشدها الفضل بن الربيع الرشيد؛ فأمر بإحضار أبي العتاهية، فمازال يسامره ويحدثه إلى أن برى، ووصل إليه بذلك السبب مال جليل.
    إعجاب ابن الأعرابي به وإفحامه من تنقص شعره: قال: ولم؟ قال: لأنه شعر ضعيف. فقال ابن الأعرابي - وكان أحد الناس-: الضعيف والله عقلك لا شعر أبي العتاهية، ألأبي العتاهية تقول: إنه ضعيف الشعر! فوا لله ما رأيت شاعرا" قط أطبع ولا أقدر على بيت منه، وما أحسب مذهبه إلا ضربا" من السحر، ثم أنشد له:
    قطعت مـنـك حـبـائل الآمـال

    وحططت عن ظهر المطي رحالي

    ووجدت برد اليأس بين جوانـحـي

    فأرحت من حل ومـن تـرحـال

    يأيها البطر الـذي هـو مـن غـد

    في قبره مـتـمـزق الأوصـال

    حذف المنى عنه المشمر في الهى

    وأرى مـنـاك طــويلة الأذيال

    حيل ابن آدم في الأمـور كـثـيرة

    و الوقت يقطع حيلة المـحـتـال

    قست السؤال فكان أعظم قيمة"

    من كل عافه جرت بسـؤال

    فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا"

    فابذله للمتكرم المـفـضـال

    وإذا خشيت تعذرا" في بـلـدة

    فاشدد يديك بعاجل الترحـال

    واصبر على غير الزمان فإنما

    فرج الشدائد فقال حل عقال.



    ثم قال للرجل: هل تعرف أحدا" يحسن أن يقول مثل هذا الشعر؟ فقال له الرجل: يا أبا عبد الله، جعلني الله فداءك! إني لم أردد عليك ما قلت، ولكن الزهد مذهب أبي العتاهية، وشعره في المديح ليس كشعره في الزهد. فقال: أفليس الذي يقول في المديح:
    وهارون ماء المزن يشفي به الصدى

    إذا ما لصدى بالريق غصت حناجره
    وأوسط بيت في قـريش لـبـيتـه

    وأول عـز فـي قـريش وآخـره
    وزحف له تحكي البروق سـيوفـه

    وتحكي الرعود القاصفات حوافـره
    إذا حميت شمس النهار تضاحـكـت

    إلى الشمس فيه بيضة ومغـافـره
    إذا نكب الإسـلام يومـا" بـنـكـبة

    فهارون من بـين الـبـرية ثـائره
    ومن ذا يفوت الموت والموت مدرك

    كذا لم يفت هارون ضـدينـافـره

    قال: فتخلص الرجل من شر ابن الأعرابي بأن قال له: القول كما قلت، وما كنت سمعت له مثل هذين الشعرين، وكتبهما عنه.
    قال أبو نواس لست أشعر الناس وهو حي حدثني محمد قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني ابن الأعرابي المنجم قال حدثني هارون بن سعدان بن الحارث مولى عبد قال: حضرت أبا نواس في مجلس وأنشد شعرا". فقال له: من حضر في المجلس: أن أشعر الناس. قال: أما والشيخ حي فلا. (يعني أبا العتاهية)
    حبسه الرشيد ثم عفا عنه وأجازه
    حدثني عمرو قال حدثني علي بن محمد الهشامي عن جده ابن حمدون قال أخبرني مخارق قال: لما تنسك أبو العتاهية ولبس الصوف، أمره الرشيد أن يقول شعرا" في الغزل، فامتنع؛ فضربه الرشيد ستين عصا"، وحلف ألا يخرج من حبسه حتى يقول شعرا" في الغزل. فلما رفعت المقارع عنه قال أبو العتاهية: كل مملوك له حر وامرأته طالق إن تكلم سنة أو بلا إله إلا الله محمد رسول الله. فكأن الرشيد تحزن مما فعله، فأمر أن يحبس في دار ويوسع عليه، ولايمنع من دخول من يريد إليه، قال مخارق: وكانت الحال بينه وبين إبراهيم الموصلي لطيفة، فكان يبعثني إليه في الأيام أتعرف خبره. فإذا دخلت وجدت بين يديه ظهرا" ودواة، فيكتب إلي مايريد، وأكلمه. فمكث هكذا سنة. واتفق أن إبراهيم صنع صوته:
    صوت
    أعرفت دار الحي بالحجر

    فشدوريان فقنة الغمـر
    وهجرتنا وألفت رسم بلى

    والرسم كان أحق بالهجر

    -لحن إبراهيم في هذا الشعر خفيف رمل بالوسطى. وفيه لإسحاق رمل بالوسطى -قال مخارق: فقال لي إبراهيم: اذهب إلى أبي العتاهية حتى تغنيه هذا الصوت. فأتيته في اليوم الذي انقضت فيه يمينه، فغنيته إياه. فكتب إلي بعد أن غنيته: هذا اليوم تنقضي فيه يميني، فأحب أن تقيم عندي إلى الليل؛ فأقمت عنده نهاري كله، حتى إذا أذن الناس المغرب كلمني، فقال: يامخارق. قلت: لبيك. قال: قل لصاحبك: يابن الزانية! أما والله لقد أبقيت للناس فتنة إلى يوم القيامة، فانظر أين أنت من الله غدا"! قال مخارق: فكنت أول من أفطر على كلامه؛ فقلت: دعني من هذا، هل قلت شييئا" للتخلص من هذا الموضع؟ فقال: نعم، وقد قلت في امرأتي شعرا". قلت: هاته؛ فأنشدني
    صوت
    من لقلب مـيتـم مـشـتـاق

    شفه شوقه وطول الـفـراق
    طال شوقي إلى قعيدة بـيتـي

    ليت شعري فهل لنا من تلاقي
    هي حظي قد اقتصرت عليها

    من ذوات العقود والأطـواق
    جمع الله عاجلا"بك شمـلـي

    عن قريب وفكني من وثاقـي

    قال: فكتبتها وصرت إلى إبراهيم؛ فصنع فيها لحنا"، ودخل بها على الرشيد؛ فكان أول صوت غناه إياه في ذلك المجلس؛ وسأله: لمن الشعر والغناء؟ فقال إبارهيم: أما الغناء فلي، وأما الشعر فلسيرك أبي العتاهية. فقال: أو قد فعل؟ قال: نعم قد كان كذلك. فدعابه، ثم قال لمسرور الخادم: كم ضربنا أبا العتاهية؟ قال: ستين عصا"، فأمر له بستين ألف درهم وخلع عليه وأطلقه.
    غضب عليه الرشيد وترضاه له الفضل نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى: حدثني علي بن مهدي قال حدثنا الحسين بن أبي السري قال: قال لي الفضل بن العباس: وجد الرشيد وهو بالرقة على أبي العتاهية وهو بمدينة السلام، فكان أبو العتاهية يرجو أن يتكلم الفضل بن الربيع في أمره، فأبطأ عليه بذلك؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
    أجفوتني فيمن جـفـانـي

    وجعلت شأنك غيرشأنـي
    ولطالـمـا أمـنـتـنـي

    ممـا أرى كـل الأمـان
    حتى إذا انقلـب الـزمـا

    ن علي صرت مع الزمان

    فكلم الفضل فيه الرشيد فرضي عنه. وأرسل إليه الفضل يأمره بالشخوص. ويذكر له أن أمير المؤمنين قد رضي عنه؛ فشخص إليه. فلما دخل إلى الفضل أنشده قوله فيه:
    قد دعوناه نائيا" فوجدنـا

    ه على نأيه قريبا" سميعا

    فأدخله إلى الرشيد، فرجع إلى حالته الأولى
    كان يزيد بن منصور يحبه ويقربهفرثاه عند موته:
    أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال: كان يزيد بن منصور خال المهدي يتعصب لأبي العتاهية؛ لأنه كان يمدح اليمانية أخوال المهدي فس شعره؛ فمن ذلك قوله:
    صوت
    سقيت الغيث ياقصر السلام

    فنعم محلةو الملك الهمام
    لقد نشر الإله عليك نـورا"

    وحفك بالملائكة الكـرام
    سأشكر نعمة المهدي حتى

    تدور علي دائرة الحمـام
    له بيتان بـيت تـبـعـي

    وبيت حل بالبلد الـحـرام

    قال: وكان أبو العتاهية طول حياة يزيد بن منصور يدعي أنه مولى لليمن وينتفي من عنزة؛ فلما مات يزيد رجع إلى ولائه الأول. فحدثني الفضل بن العباس قال: قلت له: ألم تكن تزعم أن ولاءك لليمن؟! قال: ذلك شيء احتجنا إليه في ذلك الزمن، ومافي واحد ممن انتميت إليه خير، ولكن الحق أحق أن يتبع. وكان ادعى ولاء اللخميين. قال: وكان يزيد بن منصور من أكرم الناس وأحفظهم لحرمة، وأرعاهم لعهدٍ، وكان بارا" بأبي العتاهية، كثيرا" فضله عليه؛ وكان أبو العتاهية منه في منعة وحصن حصين مع كثرة مايدفعه إليه ويمنعه من المكاره. فلما مات قال أبو العتاهية يرثيه:
    أنعى يزيد بن منصور إلى البـشـر

    أنعى يزيد لأهل البدو و الحـضـر
    ياساكن الحفرة المهجور ساكـنـهـا

    بعد الماقصر والأبواب والحـجـر
    وجدت فقدك في مالي وفي نشـبـي

    وجدت فقدك في شعري وفي بشري
    فلست أدري جزاك اللـه صـالـحة

    أمنظري اليوم أسوأ فيك أمخبـري

    أخبار متفرقة
    أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين ين يحيى الصوليّ قال حدّثني عبد الله بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع قال: رآني الرشيد مشغوفاً بالغناء في شعر أبي العتاهية:
    صوت
    أحـمـدٌ قـال لـــي ولـــم يدر مـــا بـــي

    أتـحـبّ الـغـــداة عـــتـــبة حـــقًّـــا
    فتنفّست ثم قلت نعم حببًّا جرى في العروق عرقاًفعرقا


    لو تجسّين يا عتيبة قلبي

    لوجـدت الـفـؤاد قــرحـــاً تـــفـــقًّـــا
    قد لعمري ملّ الطبيب وملّ الأهل منّي مما أقاسي وألقى


    ليتني متّ فاسترحت فإنّي

    أبـداً مـا حـييت مـنـهـــامـــلـــقًّـــى

    ولا سيما من مخارق، وكان يغنّي فيه رملاً لإبراهيم أخذه عنه. وفيه لحنٌ لفريدة رمل. هكذا قال الصّولي: " فريدة " بالياء، وغيره يقول: " فرندة " بالنون.
    حدّثني الصّولي قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا محمد بن صالح العدويّ قال أخبرني أبو العتاهية قال: كان الرشيد مما يعجبه غناء الملاّحين في الزّلاّلات إذا ركبها، وكان يتأذّى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال: قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعراً يغنّون فيه. قيل له: ليس أحدٌ أقدر على هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس. قال: فوجّه إليّ الرشيد: قل شعراً حتّى أسمعه منهم، ولم يأمر بإطلاقي؛ فغاظني ذلك فقلت: والله لأقولنّ شعراً يحزنه ولايسرّ به، فعملت شعراً ودفعته إلى من حفّظه الملاّحين. فلمّا ركب الحرّاقة سمعه، وهو:
    خانـك الـطّـرف الـطّـمـــوح

    أيّهـا الـقـلـب الـجــمـــوح
    لدواعي الخير والشّرّ دنـوٌّ ونـزوح


    هل لمطلوبٍ بذنبٍ

    توبةٌ مــنـــه نـــصـــوح
    كيف إصـــلاح قـــلــــوبٍ

    إنّـــمـــا هـــنّ قـــروح
    أحسن الله بنا أنّ الخطـايا لا تـفـوح


    فإذا المستور منّا

    بين ثــوبـــيه نـــضـــوح
    كم رأينـــا مـــن عـــــزيزٍ

    طويت عـنـه الـكـــشـــوح
    صاح مــنـــه بـــرحـــيلٍ

    صائح الـدّهـر الـــصّـــدوح
    موت بـعـض الـنـاس فــي الأر

    ض عـلـى قــومٍ فـــتـــوح
    سيصـير الـــمـــرء يومـــاً

    جســـداً مـــا فــــيه روح
    بين عــينـــي كـــلّ حـــيٍّ

    علــم الـــمـــوت يلـــوح
    كلّـنـا فـــي غـــفـــلةٍ وال

    موت يغــــــــــدو ويروح
    لبـنـي الـدّنــيا مـــن الـــدّن

    يا غــبـــوقٌ وصـــبـــوح
    رحـن فـي الـوشـى وأصـبـــح

    ن عـلـيهـنّ الــمـــســـوح
    كلّ نــطّـــاحٍ مـــن الـــدّه

    ر لـــه يومٌ نـــطـــــوح
    نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح


    لتموتنّ وإن عمّرت

    ما عـــمّـــر نـــــــوح

    قال: فلمّا سمع ذلك الرشيد جعل يبكي وينتحب، وكان الرشيد من أغزر الناس دموعاً في وقت الموعظة، وأشدّهم عسفاً في وقت الغضب والغلظة. فلمّا رأى الفضل بن الرّبيع كثرة بكائه، أومأ إلى الملاّحين أن يسكتوا.
    حدّثني الصّوليّ قال حدّثني الحسن بن جابر كاتب الحسن بن رجاء قال: لمّا حبس الرشيد أبا العتاهية دفعه إلى منجابٍ، فكان يعنف به؛ فقال أبو العتاهية:
    منجاب مـات بـدائه

    فاعجل لـه بـدوائه
    إنّ الإمـام أعـلّـه

    ظلماً بحدّ شـقـائه
    لا تعنفـنّ سـياقـه

    ما كلّ ذاك بـرائه
    ما شمت هذا في مخا

    يل بارقات سمـائه

    أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني أحمد بن معاوية القرشيّ قال: لمّا عقد الرشيد ولاية العهد لبنيه الثلاثة: الأمين، والمأمون، والمؤتمن، قال أبو العتاهية:
    رحلت عن الرّبع المحيل قعـودي

    إلى ذي زحوفٍ جـمّةٍ وجـنـود
    وراع يراعي اللّيل في حفـظ أمّةٍ

    يدافع عنها الشـرّ غـير رقـود
    بألويةٍ جـبـريل يقـدم أهـلـهـا

    ورايات نصرٍ حـولـه وبـنـود
    تجافى عن الدّنـيا وأيقـن أنّـهـا

    مفارقةٌ لـيسـت بـدار خـلـود
    وشدّ عرا الإسلام منـه بـفـتـيةٍ

    ثلاثة أمـلاكٍ ولاة عـهـــود
    هم خير أولادٍ، لهـم خـير والـدٍ

    له خير أبـاءٍ مـضـت وجـدود
    بنو المصطفى هارون حول سريره

    فخـير قـيامٍ حـولـه وقـعـود
    تقلّب ألحاظ المـهـابة بـينـهـم

    عيون ظباءٍ في قـلـوب أسـود
    جدودهم شمسٌ أتـت فـي أهـلّةٍ

    تبدّت لراءٍ في نـجـومسـعـود

    قال: فوصله الرشيد بصلةٍ ما وصل بمثلها شاعراً قطّ.
    ذكر لملك الروم فالتمسه من الرشيد فاستعفى هو، فكتب من شعره في مجلسه وعلى باب مدينته:
    أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأسديّ إجازةً قال حدّثنا الرّياشيّ قال: قدم رسول لملك الرّوم إلى الرشيد، فسأل عن أبي العتاهية وأنشده شيئاً من شعره، وكان يحسن العربيّة، فمضى إلى ملك الرّوم وذكره له؛ فكتب ملك الرّوم إليه، وردّ سوله يسأل الرشيد أن يوجّه بأبي العتاهية ويأخذ فيه رهائن من أراد، وألحّ في ذلك. فكلّم الرشيد أبا العتاهية في ذلك، فاستعفى منه وأباه. واتّصل بالرشيد أنّ ملك الرّوم أمر أن يكتب بيتان من شعر أبي العتاهية على أبواب مجالسه وباب مدينته، وهما:
    صوت
    ما اختلف اللّيل والنّهـار ولا

    دارت نجوم السماء في الفلك
    إلاّ لنقل السّلطان عن مـلـكٍ

    قد انقضى ملكه إلى ملـك

    مع الرشيد
    أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدّثنا الرّبيع بن محمد الختّليّ الورّاق قال اخبرني ابن أبي العتاهية: أنّ الرشيد لمّا أطلق أباه من الحبس، لزم بيته وقطع الناس؛ فذكره الرشيد فعرّف خبره، فقال: قولوا له: صرت زير نساء وحلس بيت؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
    برمت بالنّاس وأخلاقهـم

    فصرت أستأنس بالوحده
    ما أكثر النّاس لعمري وما

    أقلّهم في منتهى العـدّه

    ثم قال: لا ينبغي أن يمضي شعر إلى أمير المؤمنين ليس فيه مدحٌ له، فقرن هذين البيتين بأربعة أبيات مدحه فيها، وهي:
    صوت
    عاد لي من ذكرها نصب

    فدموع العين تنسـكـب
    وكذاك الحبّ صاحـبـه

    يعتريه الهمّ والوصـب
    خير من يرجى ومن يهب

    ملكٌ دانت له الـعـرب
    وحـقـيقٌ أن يدان لـه

    من أبوه للـنّـبـيّ أب

    أمره الرشيد أن يعظه فقال شعراً فبكى حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا عون بن محمد قال حدّثنا محمد بن أبي العتاهية قال: قال الرشيد لأبي: عظني؛ فقال له: أخافك. فقال له: أنت آمن. فأنشده:
    لا تأمن الموت في طرفٍ ولا نفس

    إذا تستّرت بالأبواب والـحـرس
    واعلم بأنّ سهام الموت قـاصـدةٌ

    لكلّ مـدّرعٍ مـنّـا ومـتّـرس
    ترجو النجاة ولم تسلك طريقتـهـا

    إنّ السفينة لا تجري علىاليبـس

    قال: فبكى الرشيد حتى بل كمّه.
    تناظر ابن أبي فنن وابن خاقان فيه وفي أبي نواس، ثم حكما ابن الضحاك ففضله:
    حّدثني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال: قال لي أحمد بن أبي فننٍ: تناظرت أنا والفتح بن خاقان في منزله: أيّما " الرجلين " أشعر: أبو نواس أم أبو العتاهية. فقال الفتح: أبو نواس، وقلت: أبو العتاهية. ثم قلت: لو وضعت أشعار العرب كلّها بإزاء شعر أبي العتاهية لفضلها، وليس بيننا خلافٌ في أنّ له في كلّ قصيدة جيّداً ووسطاً وضعيفاً، فإذا جمع جيّده كان أكثر من جيّد كلّ مجوّد. " ثم " قلت له: بمن ترضى؟ قال: بالحسين بن الضحّاك. فما انقطع كلامنا حتّى دخل الحسين بن الضحّاك؛ فقلت: ما تقول في رجلين تشاجرا، فضّل أحدهما أبا نواس وفضّل الآخر أبا العتاهية؟ فقال الحسين: أمّ من فضّل أبا نواسٍ على أبي العتاهية زانيةٌ؛ فخجل الفتح حتى تبيّن ذلك فيه، ثمّ لم يعاودني في شيءٍ من ذكرهما حتّى افترقنا.
    مع مخارق
    وقد حدّثني الحسن بن محمد بهذا الخبر على خلاف ما ذكره إبراهيم بن المهديّ فيما تقدّم، فقال: حدّثني هارون بن مخارق قال حدّثني أبي قال: جاءني أبو العتاهية فقال: قد عزمت على أن أتزوّد منك يوماً تهبه لي، فمتى تنشط؟ فقلت: متى شئت. فقال: أخاف أن تقطع بي فقلت: والله لا فعلت وإن طلبني الخليفة. فقال: يكون ذلك في غدٍ. فقلت: أفعل. فلمّا كان من غدٍ باكرني رسوله فجئته، فأدخلني بيتاً له نظيفاً فيه فرشٌ نظيفٌ، ثم دعا بمائدة عليها خبز سميذٍ وخلٌّ وبقلٌ وملحٌ وجديٌ مشويّ فأكلنا منه، ثم دعا بسمكٍ مشويّ فأصبنا منه حتى اكتفينا، ثم دعا بحلواء فأصبنا منها وغسلنا أيدينا، وجاؤونا بفاكهةٍ وريحان وألوانٍ من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك منّها؛ فاخترت وشربت؛ وصبّ قدحاً ثم قال: غنّني في قولي:
    أحمدٌ قال لي ولم يدر ما بي

    أتحبّ الغداة عتبةحـقًّـا

    فغّنيته، فشرب قدحاً وهو يبكي أحرّ بكاء. ثم قال: غنّني في قولي:
    ليس لمن ليست له حيلةٌ

    موجودةٌ خيرٌ من الصّبر

    فغنّيته وهو يبكي وينشج، ثم شرب قدحاً آخر ثم قال: غنّني، فديتك، في قولي:
    خليليّ ما لي لا تزال مضّرتـي

    تكون من الأقدار حتماً من الحتم

    فغنّيته إيّاه. وما زال يقترح عليّ كلّ صوت غنّي به في شعره فأغنّيه ويشرب ويبكي حتى صار العتمة. فقال: أحبّ أن تصبر حتّى ترى ما أصنع فجلست. فأمر ابنه وغلامه فكسرا كلّ ما بين أيدينا من النبيذ وآلته والملاهي، ثم أمر بإخراج كلّ ما في بيته من النّبيذ وآلته، فأخرج جميعه، فما زال يكسره ويصبّ النبيذ وهو يبكي حتى لم يبق من ذلك شيءٌ، ثم نزع ثيابه واغتسل، ثم لبس ثيأبا بيضاً من صوف، ثم عانقني وبكى، ثم قال: السلام عليك يا حبيببي وفرحي من الناس كلّهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده؛ وجعل يبكي، وقال: هذا آخر عهدي بك في حال تعاشر أهل الدنيا؛ فظننت أنّها بعض حماقاته، فانصرفت، وما لقيته زماناً. ثم تشوّقته فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت، فإذا هو قد أخذ قوصرتين وثقب إحداهما وأدخل رأسه ويديه فيها وأقامها مقام القميص، وثقب الأخرى وأخرج رجليه منها وأقامها مقام السّراويل. فلمّا رأيته نسيت كلّ ما كان عندي من الغمّ عليه والوحشة لعشرته، وضحكت والله ضحكاً ما ضحكت مثله قطّ. فقال: من أيّ شيءٍ تضحك؟ فقلت: أسخن الله عينك! هذا أيّ شيء هو؟ من بلغك عنه أنّه فعل مثل هذا من الأنبياء والزهّاد والصحابة والمجانين، انزع عنك هذا يا سخين العين! فكأنه أستحيا منّي. ثم بلغني أنّه جلس حجّاماً، فجهدت أن أراه بتلك الحال فلم أره. ثم مرض، فبلغني أنه اشتهى أن أغنّيه، فأتيته عائداً، فخرج إليّ رسوله يقول: إن دخلت إليّ جدّدت لي حزناً وتاقت نفسي من سماعك إلى ما قد غلبتها عليه، وأنا أستودعك الله وأعتذر إليك من ترك الالتقاء، ثم كان آخر عهدي به.
    تمنى عند موته أن يجيء مخارق فيغنيه حدّثني جحظة قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: قيل لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي؟ فقال: أشتهي أن يجيء مخارق فيضع فمه على أذني ثم يغنّيني.
    سيعرض عن ذكري وتنسى مودّتي

    ويحدث بعدي للخـلـيل خـلـيل
    إذا ما انقضت عنّي من الدّهر مدّتي

    فإنّ غنـاء الـبـاكـياتقـلـيل

    وأخبرني به أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح " بن " النطّاح قال: قال بشر بن الوليد لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي؟ فذكر مثل الأوّل.
    وأخبرني به ابن عمّار أبو العبّاس عن ابن أبي سعد عن محمد بن صالح: أنّ بشراً قال ذلك لأبي العتاهية عند الموت، فأجابه بهذا الجواب.
    آخر شعر قاله في مرضه الذي مات فيه
    نسخت من كتاب هارون بن عليٍّ: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني عبد الله بن عطيّة قال حدّثني محمد بن أبي العتاهية قال: آخر شعرٍ قاله أبي في مرضه الذي مات فيه:
    إلهي لا تعـذّبـنـي فـإنّـي

    مقرٌّ بالّذي قـد كـان مـنّـي
    فمـا لـي حـيلةٌ إلاّ رجـائي

    لعفوك إن عفوت وحسن ظنّي
    وكم من زلةٍ لي في الخطـايا

    وأنت عليّ ذو فضـلٍ ومـنّ
    إذا فكّرت في ندمي عـلـيهـا

    عضضت أناملي وقرعت سنّي
    أجنّ بزهرة الدّنـيا جـنـونـا

    وأقطع طول عمري بالتمنّـي
    ولو أنّي صدقت الزّهد عنـهـا

    قلبت لأهلها ظهر الـمـجـنّ
    يظنّ الناس بـي خـيراً وإنّـي

    لشرّ الخلق إن لم تعف عنّـي

    أمر بنته أن تندبه بشعر له
    أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثني أحمد بن حمزة الضّبعيّ قال أخبرني أبو محمد المؤدّب قال: قال أبو العتاهية لابنته رقيّة في علّته التي مات فيها: قومي يا بنيّة فاندبي أباك بهذه الأبيات؛ فقامت فندبته بقوله:
    لعب البلى بمعالمي ورسومي

    وقبرت حيًّا تحت ردم همومي
    لزم البلى جسمي فأوهن قوّتي

    إن البلى لموكّلٌبـلـزومـي

    تاريخ وفاته ومدفنه أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمّار قال حدّثنا محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني عليّ بن محمد قال حدّثني مخارق المغني قال: توفّي أبو العتاهية، وإبراهيم الموصليّ، وأبو عمروا الشّيباني عبد السلام في يومٍ واحد في خلافة المأمون، وذلك في سنة ثلاث عشرة ومائتين.
    أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه عن أحمد بن يوسف عن أحمد بن الخليل عن إسماعيل بن أبي قتيبة قال: مات أبو العتاهية، وراشدٌ الخناق، وهشيمة الخمّارة في يومٍ واحدٍ سنة تسع ومائتين.
    وذكر الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن سعد كاتب الواقديّ: أنّ أبا العتاهية مات في يوم الاثنين لثمانٍ خلون من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة ومائتين، ودفن حيال قنطرة الزيّاتين في الجانب الغربيّ ببغداد.
    أخبرني الصّوليّ عن محمد بن موسى عن أبي محمد الشّيباني عن محمد بن أبي العتاهية: أنّ أباه توفّي سنة عشرٍ ومائتين.
    الشعر الذي أمر أن يكتب على قبره أخبرني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى عن محمد بن القاسم عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن إسحاق بن عبد الله بن شعيب قال: أمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره:
    أذن حيٍّ تـسـمّـعـي

    اسمعي ثمّ عي وعـي
    أنا رهنٌ بمضجـعـي

    فاحذري مثل مصرعي
    عشت تسعـين حـجّةً

    أسلمتني لمضجـعـي
    كم ترى الحيّ ثـابـتـاً

    في ديار التـزعـزع
    ليس زادٌ سوى التّقـى

    فخذي منـه أو دعـي

    رثاه ابنه بشعر أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: لمّا مات أبو العتاهية رثاه ابنه محمد بن أبي العتاهية فقال:
    يا أبي ضمّك الثّـرى

    وطوى الموت أجمعك
    ليتني يوم مـتّ صـر

    ت إلى حفرةٍ معـك
    رحم الله مصـرعـك

    برّد الله مضجـعـك

    أنكر ابنه أنه أوصى بذلك أخبرني الحسن قال حدّثني أحمد بن زهير قال: قال محمد بن أبي العتاهية: لقيني محمد بن أبي محمد اليزيديّ فقال: أنشدني الأبيات التي أوصى أبوك أن تكتب على قبره؛ فأنشأت أقول له:
    كذبت على أخٍ لك في مماته

    وكم كذبٍ فشا لك في حياته
    وأكذب ما تكون على صديقٍ

    كذبت عليه حيًّا فيمماتـه

    فخجل وانصرف. قال: والنّاس يقولون: إنّه أوصى أن يكتب على قبره شعرٌ له، وكان ابنه ينكر ذلك.
    وذكر هارون بن عليّ بن مهديّ عن عبد الرحمن بن الفضل أنّه قرأ الأبيات العينيّة التي أوّلها:
    أذن حيٍّ تسمّعي

    على حجرٍ عند قبر أبي العتاهية.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:04 am



    ابن القيسراني
    478 - 548 هـ / 1085 - 1153 م

    محمد بن نصر بن صغير بن داغر المخزومي الخالدي، أبو عبد الله، شرف الدين بن القيسراني. . والقيسراني نسبة الى (قيسارية) في ساحل سورية، نزل بها فنسب إليها .

    تولى في دمشق إدارة الساعات التي على باب الجامع الأموي، ثم تولى في حلب خزانة الكتب. ، وانتقل عنها بعد استيلاء الإفرنج على بلاد الساحل. ورفع ابن خلكان نسبه إلى خالد بن الوليد، ثم شك في صحة ذلك لأن أكثر علماء الأنساب والمؤرخين يرون أن خالداً انقطع نسله .

    شاعر مجيد، له ديوان شعر صغير. أصله من حلب، ولد بعكا، ووفاته في دمشق.
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير بن داغر بن محمد بن خالد بن نصر بن داغر بن عبد الرحمن بن المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، الخالدي الحلبي الملقب شرف المعالي عدة الدين، المعروف بابن القيسراني، هكذا أملى علي نسبه بعض حفدته، الشاعر المشهور؛ من الشعراء المجيدين والأدباء المتفنين، قرأ الأدب على توفيق بن محمد وأبي عبد الله ابن الخياط الشاعر - المقدم ذكره - وكان فاضلا في الأدب وعلم الهيئة، سمع بحلب من الخطيب أبي طاهر هاشم بن أحمد الحلبي وغيره، وسمع منه الحافظان أبو القاسم ابن عساكر وأبو سعد ابن السمعاني، وذكراه في كتابيهما، وكذلك ابو المعالي الحظيري، وذكره في كتاب الملح أيضا.
    وكان هو وابن منير - المذكور في حرف الهمزة - شاعري الشام في ذلك العصر، وجرت بينهما وقائع وماجرايات وملح ونوادر، وكان ابن منير ينسب إلى التحامل على الصحابة، رضي الله عنهم، ويميل إلى التشيع، فكتب إليه ابن القيسراني المذكور وقد بلغه أنه هجاه:
    ابن منير هجوت منـي

    حبرا أفاد الورى صوابه
    ولم تضيق بذاك صدري

    فإن لي أسوة الصحـابة

    ومن محاسن شعره قوله:
    كم ليلة بت من كاسي وريقته

    نشوان أمزج سلسالا بسلسال
    وبات لا تحتمي عني مراشفه

    كأنما ثغره ثغر بلاوالـي

    وظفرت بديوانه وجميعه بخطبه وأنا يومئذ بمدينة حلب ونقلت منه أشياء فمن ذلك قوله في مدح خطيب:
    شرح المنبر صدرا

    لتلقـيك رحـيبـا
    أترى ضم خطيبـا

    منك أم ضمخ طيبا

    وهذا الجناس في غاية الحسن؛ ثم وجدت هذين البيتين لأبي القاسم ابن زيد ابن أبي الفتح أحمد بن عبيد بن فضل الموازيني الحلبي المعروف أبوه بالماهر، وأن ابن القيسراني المذكور أنشدهما للخطيب ابن هاشم لما تولى خطابة حلب فنسيا إليه، ورأيت الأول على هذه الصورة، وهو:
    قد زها المنبر عجبا

    إذ ترقيت خطيبـا

    وله في الغزل:
    بالسفح من لبـنـان لـي

    قمر منازله القـلـوب
    حملت تحيته الـشـمـا

    ل فردها عني الجنـوب
    فرد الصفات غريبـهـا

    والحسن في الدنيا غريب
    لم أنس لـيلة قـال لـي

    لما رأى جسـدي يذوب
    بالله قل لي مـن أعـل

    ك يافتى؟ قلت: الطبيب

    وله أيضا:
    وقالوا لاح عارضـه

    وما ولـت ولايتـه
    فقلت عذار من أهوى

    أماراتـه إمـارتـه

    ومن معانيه البديعة قوله من جملة قصيدته رائقة:
    هذا الذي سلب العشاق نومهـم

    أما ترى عينيه ملأى من الوسن

    وهذا البيت ينظر إلى قول المتنبي في مدح سيف الدولة بن حمدان:
    نهبت من الأعمار مالو حويته

    لهنئت الدنيا بأنـكخـالـد

    وكان كثير الإعجاب بقوله من جملة قصيدة:
    وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا

    ألست ترى في وجهه أثرالترب

    وحضر مرة في سماع وكان المغني حسن الغناء، فلما طربت الجماعة وتواجدت عمل:
    والله لو أنصفت العشاق انفسهـم

    فدوك منها بما عزوا وما صانوا
    ما انت حين تغني في مجالسهـم

    إلا نسيم الصبا والقومأغصـان

    وأنشدني صاحبنا الفخر إسحاق بن المختص الإربلي لنفسه دوبيت، وأخبرني أنه كان في سماع وفيه جماعة من أرباب القلوب، فلما طابت الجماعة كان هناك فرش منضود على كراسي فتساقطت، قال: فعملت في الحال:
    داعي النغمات حلقة الشوق طرق

    وهنا فأجابته شجـون وحـرق
    لو أسمع صخرة لخرت طـربـا

    من نغمته فكيف قطن وخـرق

    وكانت ولادة ابن القيسراني المذكور سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعكا. وتوفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمدينة دمشق، ودفن بمقبرة باب الفراديس، رحمه الله تعالى.
    والخالدي: بفتح الخاء المعجمة وبعد الألف لام ثم دال مهملة، هذه النسبة إلى خالد بن الوليد المخزومي، رضي الله عنه؛ هكذا يزعم أهل بيته، وأكثر المؤرخين وعلماء الأنساب يقولون: إن خالدا رضي الله عنه، لم يتصل نسبه بل انقطع منذ زمان، والله أعلم.
    والقيسراني: بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح السين المهملة والراء وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى قيسارية، وهي بليدة بالشام على ساحل البحر.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:05 am



    المتنبّـي
    303-350هـ

    هو أبو الطّيب المتنّبي، الشّاعر الأشهر. اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصّمد الجُعفي الكِنْدي الكوفي. سُمّي "المتنبّي" لأنه، على ما قيل، ادّعى النّبوة في بادية السّماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم. فخرج إليه لؤلؤ، أمير حمص نائب الإخشيديّة، فأسره وتفرّق أصحابه، وحبسه طويلاً ثم استتابه وأطلقه. وكان قد قرأ على البوادي كلامًا ذكر فيه أنّه قرآن أُنزِلَ عليه، ومن ذلك: "والنّجم السّيار، والفلك الدّوار، واللّيل والنّهار، أن الكافر لفي أخطار؛ امضِ على سُنّتِك، واقف أثر مَن كان قبلك من المُرسلين، فإن اللّه قامعٌ بك زيغ مَن ألحدَ في الدّين وضلّ عن السّبيل".
    وكان إذا جلس في مجلس سيف الدولة وأخبروه عن هذا الكلام أنكره وجحده. ولما أُطلِقَ من السّجن، التحق بالأمير سيف الدولة بن حمدان ثم فارقه. ودخل مصر سنة ست وأربعين وثلاثمائة، ومدح كافور الإخشيدي، وقصد بلاد فارس ومدح عضد الدّولة بن بويه الدّيلمي، فأجزل صلته. ولما رجع من عنده عرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في عدّةٍ من أصحابه، فقاتله فقُتِل المتنبي وابنه مجسد وغلامه مفلح بالقرب من النّعمانية في موضعٍ يُقال له الصّافية، من الجانب الغربي من سواد بغداد. نشأ المتنبي في أسرةٍ فقيرةٍ. أبوه سقّاء ماء، فشبّ متمردًا على واقعه، وغلت في عروقه دماءُ الشّباب، فأُصيب بداء الغرور وجنون العَظَمة، ورأى نفسه مدار الكون مُعتقدًا انّ الدّنيا خادم مطيع لطموحاته. وهو القائل:
    وكلّ ماخلق الله وما لم يخلق مُحتَقَرٌ في هِمتي كشعرةٍ في مفرقي
    بعد فشل المتنبّي في النّبوة، راح يسعى وراء الملك، مدفوعًا بشعورٍ قوميٍّ عربيٍّ جعله ينقم على أمراء عصره كونهم من الأعاجم. فراح ينتقل من مكانٍ إلى آخر، حتى التقى سيف الدولة الحمداني، أمير حلب، فاستقرّ عنده تسع سنوات، وقال فيه أجمل مدائحه وأصدقها لأنه رأى فيه القائد العربيّ الذي يقارع بجيشه الصّغير جيوش الرّوم وينتصر عليهم في معارك كثيرةٍ.
    عالج أبو الطّيب في شعره معظم المواضيع المعروفة، لكن المديح يحتل ثلث ديوانه، وأجمله وأكثره ما جاء في مدح سيف الدّولة. وفي الهجاء، بَرَع في هجاء كافور، وبخاصّة في قصيدته التّي مطلعها:
    عيد بأيّة حال عُدْتَ ياعيدُ بما مضى أم لأمرٍ فيكَ تجديد
    وأشهر ما فيها قوله:
    لا تشترِ العبدَ إلاّ والعصا معه إنّ العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ
    وأمّا حكمة المتنبي فقد سارت على كلّ شفةٍ ولسان، وهْي، وإن لم تكن قائمة في قصائد مستقلّةٍ، لكنها جاءت ضُمن أشعاره؛ غير أنها جاءت معبّرةً عن حقائق النّفس الإنسانية وما يعترضها في مختلف مراحل الحياة، حتى قيل في صاحبها: "ما اجتمع اثنان يتحدّثان إلاّ كان المتنبي ثالثهما".
    أبدع المتنبّي في وصف المعارك، فلامس فيها الفنّ الملحمي. وأشهر قصائده الملحمية "ميميّته" في سيف الدولة، يمتدحه في انتصاره على الرّوم، في موقعة القلعة. ومطلعها:
    على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرامِ المَكارمُ
    وحَسبُ المتنبي يقال فيه: "مالئ الدّنيا وشاغل النّاس".
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور، وقيل: هو أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار، والله أعلم.
    هو من أهل الكوفة، وقدم الشام في صباه وجال في أقطاره، واشتغل بفنون الأدب ومهر فيها، وكان من الكثيرين من نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيها، ولا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر، حتى قيل: إن الشيخ أبا علي الفارسي، صاحب الإيضاح والتكملة، قال له يوماً: كم لنا من الجموع على وزن فعلي: فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال علي أن أجد لهذين الجمعين ثالثاً، فلم أجد. وحسبك من يقول في حقه أبو علي هذه المقالة. وحجلى: جمع حجل، وهو: الطائر الذي يسمى القبج.
    والظربي: جمع ظربان - على مثال قطران - وهي دويبة منتنة الرائحة.
    وأما شعره فهو في النهاية، ولا حاجة إلى ذكر شيء منه لشهرته، لكن الشيخ تاج الدين الكندي رحمه الله كان يروي له بيتين لايوجدان في ديوانه وكانت روايته لهما بالإسناد الصحيح المتصل به، فأحببت ذكرهما لغرابتهما، وهما:
    أبيعين مفتقر إليك نظرتنـي

    فأهنتني وقد فتني من حالق
    لست الملوم أنا الملوم لأنني

    أنزلت آمالي بغير الخالـق

    ولما كان بمصر مرض، وكان له صديق يغشاه في علته، فلما أبل أنقطع عنه، فكتب إليه: وصلتني وصلك الله معتلاً، وقطعتني مبلاً، فإن رأيت أن لاتحبب العلة إلي، ولا تكدر الصحة علي، فعلت إن شاء الله تعالى.
    والناس في شعره على طبقات: فمنهم من يرجحه على ابي تمام ومن بعده، ومنهم من يرجح أبا تمام عليه، وقال أبو العباس أحمد بن محمد النامي الشاعر الآتي ذكره عقيب هذا: كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي، وكنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما ماسبق إليهما، أحدهما قوله:
    رماني الدهر بالأرزاء حتـى

    فؤادي في غشاء من نـبـال
    فصرت إذا أصابتني سـهـام

    تكسرت النصال على النصال

    والآخر قوله:
    في جحفل ستر العيون غباره

    فكأنما يبـصـرنبـالآذان

    واعتنى العلماء بديوانه فشرحوه، وقال لي أحد المشايخ الذين أخذت عنهم: وقفت له على أكثر من أربعين شرحاً ما بين مطولات ومختصرات، ولم يفعل هذا بديوان غيره، ولاشك أنه كان رجلاً مسعوداً، ورزق في شعره السعادة التامة.
    وإنما قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة، وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيدية فأسره وتفرق أصحابه وحبسه طويلاً ثم استتابه وأطلقه، وقيل غير ذلك، وهذا أصح، وقيل: إنه قال: أنا أول من تنبأ بالشعر.
    ثم التحق بالمير سيف الدولة بن حمدان في سنة سبع وثلاثين وثلثمائة، ثم فارقه ودخل مصر سنة ست وأربعين وثلثمائة، ومدح كافوراً الإخشيدي وأنوجور ابن الإخشيد، وكان يقف بين يدي كافور وفي رجليه خفان وفي وسط سيف ومنطقة ويركب بحاجبين من مماليكه وهما بالسيوف والمناطق، ولما لم يرضه هجاه وفارقه ليلة عيد النحر سنة خمسين وثلثمائة، ووجه كافور خلفه رواحل إلى جهات شتى فلم يلحق، وكان كافور وعده بولاية بعض أعماله، فلما رأى تعاليه في شعره وسموه بنفسه خافه، وعوتب فيه فقال: ياقوم، من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، أما يدعي المملكة مع كافور؟ فحسبكم.
    قال أبو الفتح ابن جني النحوي: كنت قرأت ديوان أبي الطيب المتنبي عليه، فقرأت عليه قوله في كافور القصيدة التي أولها:
    أغالب فيك الشوق والشـوق أغـلـب

    وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب

    حتى بلغت إلى قوله:
    ألا ليت شعري هل أقول قصيدة

    ولا اشتكي فيها ولاأتـعـتـب
    وبي ما يذود الشعر عني أقله

    ولكن قلبي يا ابنة القومقلب

    فقلت له: يعز عليي، كيف يكون هذا الشعر في ممدوح غير سيف الدولة؟ فقال: حذرناه وأنذرناه فما نفع، ألست القائل فيه:
    أخا الجود، أعط الناس ما أنت مالك

    ولاتعطين النـاس مـاأنـاقـائل

    فهو الذي أعطاني كافوراً بسوء تدبيره وقلة تمييزه.
    وكان لسيف الدولة مجلس يحضره العلماء كل ليلة فيتكلمون بحضرته، فوقعبين المتنبي وبين ابن خالويه النحوي كلام، فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح كان معه، فشجه وخرج ودمه يسيل على ثيابه، فغضب وخر إلى مصر وامتدح كافوراً.
    ثم رحل عنه وقصد بلاد فارس، ومدح عضد الدولة بن بويه الديلمي، فأجزل جائزته، ولما رجع من عنده قاصداً إلى بغداد ثم إلى الكوفة في شعبان لثمان خلون منه عرض له فاتك بن أبي الجهل الأسدي في عدة من اصحابه، وكان مع المتنبي أيضاً جماعة من أصحابه، فقاتلوهم، فقتل المتنبي وابنه محمد وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية، في موضع يقال له الصافية، وقيل حيال الصافية، من الجانب الغربي من سواد بغداد عند دير العاقول بينهمامسافة ميلين.
    وذكر ابن رشيق في كتاب العمدة في باب منافع الشعر ومضاره أن أبا الطيب لما فر حين رأى الغلبة قال له غلامه: لايتحدث الناس عنك بالفرار أبدا وأنت القائل:
    فالخيل والليل والبيداء تـعـرفـنـي

    والحرب والضرب والقرطاس والقلم

    فكر راجعاً حتى قتل، وكان سبب قتله هذا البيت، وذلك يوم الأربعاء ليست بقين - وقيل: لثلاث بقين، وقيل: لليلتين بقيتا - من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلثمائة، وقيل: إن قتله كان يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان، وقيل: لخمس بقين من شهر رمضان من السنة المذكورة.
    ومولده في سنة ثلاث وثلثمائة بالكوفة في محلة تسمى كندة فنسب إليها، وليس هو من كندة التي هي قبيلة، بل هو جعفي القبيلة - بضم الجيم وسكون العين المهملة وبعدها فاء - وهو جعفي بن سعد العشيرة بن مذحج، واسمه مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، وإنما قيل له سعد العشيرة لأنه كان يركب - فيما قيل - في ثلثمائة من ولده وولد ولده، فإذا قيل له: من هؤلاء؟ قال: عشيرتي، مخافة العين عليهم.
    ويقال: إن أبا المتنبي كان سقاء بالكوفة، ثم انتقل إلى الشام بولده، ونشأ ولده بالشام، وإلى هذا أشار بعض الشعراء في هجو المتنبي حيث قال:
    أي فضل لشاعر يطلب الفض

    ل من الناس بكرة وعـشـيا
    عاش حيناً يبيع في الكوفة الما

    ء، وحيناً يبيع ماءالمـحـيا

    وسيأتي في حرف الحاء نظير هذا المعنى لابن المعذل في أبي تمام حبيببن أوس الشاعر المشهور.
    ولما قتل المتنبي رثاه أبو القاسم المظفر بن علي الطبسي بقوله:
    لارعى الله سرب هذا الزمان

    إذ دهانا في مثل ذاك اللسان
    مارأى الناس ثاني المتنـبـي

    أي ثان يرى لبكر الـزمـان
    كان من نفسه الكبيرة فيجـي

    ش وفي كبرياء ذي سلطـان
    هو في شعره نبي، ولـكـن

    ظهرت معجزاته في المعاني

    والطبسي - بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة وبعدها سبن مهملة - هذه النسبة إلى مدينة في البرية بين نيسابور وإصبهان وكرمان يقال لها طبس.
    ويحكى أن المعتمد بن عباد اللخمي صاحب قرطبة وإشبيلية أنشد يوماً في مجلسه بيت المتنبي، وهو من جملة قصيدته المشهورة:
    إذا ظفرت منك العيون بنظـرة

    أثاب بها معيي المطي ورازمه

    وجعل يردده استحساناً له، وفي مجلسه أبو محمد عبد الجليل بن وهبون الأندلسي، فأنشد ارتجالاً:
    لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما

    تجيد العطايا واللها تفتح اللها
    تنبأ عجبا بالقريض ولـو درى

    بأنك تروي شعره لتـألـهـا

    وذكر الإفليلي أن المتنبي أنشد سيف الدولة بن حمدان في الميدان قصيدته التي أولها:
    لكل امرىء من دهره مـا تـعـودا

    وعادات سيف الدولة الطعن في العدا

    فلما عاد سيف الدولة إلى داره استعاده إياها، فأنشدها قاعداً، فقال بعض الحاضرين - يريد أن يكيد أبا الطيب - لو أنشدها قائماً لأسمع، فإن أكثر الناس لايسمعون، فقال أبو الطيب: أما سمعت أولها:
    لكل امرىء من دهره ماتعودا
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:05 am

    أبو البقاء الرندي
    1204 م ـ 1285 م

    هو صالح بن يزيد بن صالح بن شريف الرندي، أبو اابقاء. من شعراء العصر الأندلس .

    تختلف كنيته بين أبي البقاء وأبي الطيب وهو مشهور في المشرق بأبي البقاء وهو أديب شاعر ناقد قضى معظم أيامه في مدينة رندة واتصل ببلاط بني نصر (ابن الأحمر) في غرناطة .


    وكان يفد عليهم ويمدحهم وينال جوائزهم وكان يفيد من مجالس علمائها ومن الاختلاط بأدبائها كما كان ينشدهم من شعره أيضا .

    وقال عنه عبد الملك المراكشي في الذيل والتكملة كان خاتمة الأدباء في الأندلس بارع التصرف في منظوم الكلام ونثره فقيهاً حافظاً فرضياً له مقامات بديعة في أغراض شتى وكلامه نظماً ونثراً مدون .
    أَلثـامٌ شَـفَّ عـن وردنــد
    أبو البقاء الرندي

    أَلثـامٌ شَـفَّ عـن وردنــد
    أم غمـام ضحكـت عن بَـرَدِ
    أم علـى الأزرار مـنحُلَّتهـا
    بـدرُ تـمَّ في قضيـب أَملَـدِ
    بـأبـي ليـن لـه لـوأنـه
    نـقلـت عطفتـه للـخلــد
    لا وألحـاظ لـهـاسـاحـرة
    نفثـت في القلـب لا في العقـد
    لا طلبـت الثـأر منهـاظالمـا
    وأنـا القاتـل نفسـي بيـدي
    نظـرت عينـي لحينـينظـرة
    أخذت روحي وخلت جسـدي
    هـاتـها بالله فـيمرضـاتـها
    قهـوة فيهـا شفـاء الـكمـد
    عصرت باللطف في عصرالصبـا
    فرمـت بالـمسـك لا بالزبـد
    ما درى مديرهـا فـيكأسهـا
    وهـي مثـل البـارق الـمتقـد
    درة ضمـت علـىيـاقـوتـة
    أم لجيـن فيه ثـوب عسجـدي
    سقنـي غيـر مليـمإننـــي
    حنفـي الـرأي والـمعتقــد
    لا أرى بالسكـر إلاّ منهـوى
    أو هبـات الـملك الـمؤيـد
    مـلك الـعليـا ولـوأنصفتـه
    فـفتحـت اللام لـمأفـنـد


    لكل شيءٍ إذا ما تمنقصانُ
    أبو البقاء الرندي

    لكل شيءٍ إذا ما تمنقصانُ
    فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
    هي الأمورُ كما شاهدتهادُولٌ
    مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُأزمانُ
    وهذه الدار لا تُبقي علىأحد
    ولا يدوم على حالٍ لها شان
    يُمزق الدهر حتمًا كلسابغةٍ
    إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
    وينتضي كلّ سيف للفناءولوْ
    كان ابنَ ذي يزَن والغمدَغُمدان
    أين الملوك ذَوو التيجان منيمنٍ
    وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
    وأين ما شاده شدَّادُ فيإرمٍ
    وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
    وأين ما حازه قارون منذهب
    وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
    أتى على الكُل أمر لا مَردله
    حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا
    وصار ما كان من مُلك ومنمَلِك
    كما حكى عن خيال الطّيفِوسْنانُ
    دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه
    وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
    كأنما الصَّعب لم يسْهُل لهسببُ
    يومًا ولا مَلكَ الدُنياسُليمانُ
    فجائعُ الدهر أنواعٌمُنوَّعة
    وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ
    وللحوادث سُلوانيسهلها
    وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ
    دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَله
    هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ
    أصابها العينُ في الإسلامفارتزأتْ
    حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ
    فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً)
    وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)
    وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلومفكم
    من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
    وأين (حْمص)ُ وما تحويه مننزهٍ
    ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ
    قواعدٌ كنَّ أركانَ البلادفما
    عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ
    تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من ! ;أسفٍ
    كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ
    على ديار من الإسلامخالية
    قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ
    حيث المساجد قد صارت كنائسَما
    فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
    حتى المحاريبُ تبكي وهيجامدةٌ
    حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
    يا غافلاً وله في الدهرِموعظةٌ
    إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُيقظانُ
    وماشيًا مرحًا يلهيهموطنهُ
    أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ؟
    تلك المصيبةُ أنستْ ماتقدمها
    وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
    يا راكبين عتاق الخيلِضامرةً
    كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
    وحاملين سيُوفَ الهندِمرهفةُ
    كأنها في ظلام النقع نيرانُ
    وراتعين وراء البحر فيدعةٍ
    لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
    أعندكم نبأ من أهلأندلسٍ
    فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ؟
    كم يستغيث بنا المستضعفونوهم
    قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟
    ماذا التقاُطع في الإسلامبينكمُ
    وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟
    ألا نفوسٌ أبَّاتٌ لهاهممٌ
    أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
    يا من لذلةِ قومٍ بعدَعزِّهمُ
    أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ
    بالأمس كانوا ملوكًا فيمنازلهم
    واليومَ هم في بلاد الكفرِّعُبدانُ
    فلو تراهم حيارى لا دليللهمْ
    عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ
    ولو رأيتَ بكاهُم عندَبيعهمُ
    لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
    يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَبينهما
    كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
    وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذطلعت
    كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
    يقودُها العلجُ للمكروهمكرهةً
    والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
    لمثل هذا يذوبُ القلبُ منكمدٍ
    إن كان في القلبِ إسلامٌوإيمانُ



    يا سالب القلب منـي عندمارمقـا
    أبو البقاء الرندي

    يا سالب القلب منـي عندمارمقـا
    لم يبق حبـك لي صبـرا ولا رمقـا
    لا تسأل اليوم عما كابدتكبـدي
    ليت الفراق وليت الحـب ما خلقـا
    ما باختيـاري ذقت الحـبثانيـة
    وإنمـا جـارت الأقـدار فـاتفقـا
    وكنت في كلفي الداعـي إلىتلفـي
    مثل الفراش أحـب النـارفاحترقـا
    يا مـن تجلـى إلى سـريفصيرنـي
    دكا وهـز فـؤادي عنـدما صعقـا
    انظـر إلي فـإن النفـس قدتلفـت
    رفـقا علـي الـروح إن الروح قـدزهقـا
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:06 am

    ابـن زيـدون
    1003- 1070م


    هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله، الشّهير بابن زيدون. ولد في قرطبة من أعمال الأندلس، من أسرةٍ تنتمي إلى بني مخزوم، ونشأ فيها ودرس على أبيه وعُلماء قرطبة وأدبائها، فحفظ الكثير من الشعر واللغة والأخبار والسير والحكم والأمثال.
    كانت قرطبة في ذلك العهد غاصّة بالعلماء والأدباء، وأهلها في رخاءٍ من العيش، ميّالون إلى اللّهو والطرب. فمَثّلهم ابن زيدون في شخصه أحسن تمثيل، إذ كان خفيف الروح، كثير الدّعابة، ميالاً إلى المجون، فنال شهرةً واسعةً في مجالس قرطبة الأدبية والإجتماعية. وكان للنساء أثر عظيم في هذه المجالس، ولبعضهن منتديات أدبية، فأثّر ذلك في أخلاق الأدباء، وتسابقوا إلى نيل الحظوة عند هؤلاء النّساء. وظهرت آثار ذلك في نثرهم ونظمهم. منهم ابن زيدون، وخاصّة في مواقفه من ولادة بنت المستكفي، ومنافسة ابن عبدوس له.
    كان واسع الطّموح السياسي، شديد التأثر بالحبّ والجمال. وقد حمله طموحه على الإشتراك في ثورة ابن جهور على آخر خلفاء بَني أُميَّة، فاتّخذه بعد فوزه كاتبًا ووزيراً، ولقّبه بذي الوزارتين، وهو بعد شاب لم يبلغ الثّلاثين. وكان له حسّاده ومنافسوه حتى أَوْغروا صدر أميره عليه، فألقاه في السجن مع المجرمين، فأرهف الألم إحساسه وشاعريته، فنظم في سجنه قصائد كثيرة يستعطفه بها، ولكنه لم يستطع أن يليّن قلبه.
    هرب من السّجن واختفى، واستجار بأبي الوليد ابن أميره فشفع به؛ ولما أصبح الأمر له استوزره. ثم خشي الشّاعر من كيد الحسّاد وأن يناله من الإبن ما ناله من أبيه، ففرّ إلى بني عباد في إشبيلية فاستوزروه، واستولوا على قرطبة بإغرائه وهمته، ونقلوا مقر ّ حكمهم إليها. ولكن ثورةً حدثت في إشبيلية، فأرسلوا ابن زيدون ليهدّئها، لما له من المكانة في قلوب أهلها، وكان شيخًا مريضًا، فتوفّي فيها.
    أجمل شعر ابن زيدون قاله في ولاّدة التي أحبها بكل جوارحه، ولكنها لم تبادله هذا الحب الصّادق الصّافي، فنظم فيها قصائده الغزلية الرّقيقة الناعمة، وبثّ فيها لواعج قلبه، شاكياً إعراضها عنه، ولكن من دون جدوى.
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الندلسيالقرطبي الشاعر المشهور؛ قال ابن بسام صاحب الذخيرة في حقه: كان أبو الوليد غاية منثور ومنظوم، وخاتمة شعراء بني مخزوم. أخذ من حر الأيام حراً، وفاق الأنام طراً، وصرف السلطان نفعاً وضراً، ووسع البيان نظماً ونثراً. إلى اديب ليس للبحر تدفقه، ولا للبدر تألقه. وشعر ليس للسحر بيانه، ولا للنجوم الزهر اقترانه. وحظ من النثر غريب المياني، شعري الألفاظ والمعاني. وكان من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة، وبرع أدبه، وجاد شعره، وعلا شأنه، وانطلق لسانه. ثم انتقل عن قرطبة إلى المعتضد عباد صاحب إشبيلية في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، فجعله من خواصه: يجالسه في خلواته، ويركن إلى إشاراته. وكان معه في صورة وزير. وذكر له شيئاً كثيراً من الرسائل والنظم، فمن ذلك قوله:
    بيني وبينك ما لو شئت لم يضع


    سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع
    يا بائعاً حظه مني، ولـو بـذلـت


    لي الحياة بحظي منـه لـم أبـع
    يكفيك أنك إن حملت قلـبـي مـا


    لا تستطيع قلوب الناس يستـطـع
    ته أحتمل واستطل أصبر وعز أهن


    وول أقبل وقل أسمع ومرأطـع


    ومن شعره أيضاً:
    ودع الصبر محـب ودعـك


    ذائع من سرع ما استودعك
    يقرع السن على أن لم يكـن


    زاد في تلك الخطا إذ شيعك
    يا أخا البدر سنـاء وسـنـاً


    حفظ الله زماناً أطلـعـك
    إن يطل بعدك ليلي فلـكـم


    بت أشكو قصر الليل معك


    وله القصائد الطنانة، ولولا خوف الإطالة لذكرت بعضها.
    ومن بديع قلائده قصيدته النونية التي منها:


    نكاد حين تناجيكم ضمـائرنـا


    يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
    حالت لبعدك أيامنـا فـغـدت


    سودا وكانت بكم بيضاً ليالينـا
    بالأمس كناوما يخشى تفرقنـا


    واليوم نحن وما يرجى تلاقينا


    وهي طويلة، وكل أبياتها نخب، والتطويل يخرج بنا عن المقصود.
    وكانت وفاته في صدر رجب سنة ثلاث وستين وأربعمائة بمدينة إشبيلية، رحمه الله تعالى، ودفن بها.
    وذكر ابن بشكوال في كتاب الصلة أباه وأثنى عليه، وقال: كان يكنى أبا بكر. وتوفي بالبيرة سنة خمس وأربعمائة، وسيق إلى قرطبة فدفن بها يوم الاثنين لست خلون من شهر ربيع الآخر من السنة. وكانت ولادته سنة أربع وخمسين وثلثمائة. وكان يخضب بالسواد، رحمه الله تعالى وكان لأبي الوليد المذور ابن يقال له أبو بكر، وتولى وزارة المعتمد بن عباد، وقتل يوم أخذ يوسف بن تاشفين قرطبة من ابن عباد المذكور لما استولى على مملكته، كما سيشرح بعد هذا في ترجمة المعتمد وابن ناشفين إن شاء الله تعالى، وذلك يوم الأربعاء ثاني صفر سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وكان قتله بقرطبة.
    وزيدون: بفتح الزاي وسكون الياء المثناة من تحتها وضم الدال المهملة وعدها واو ونون.
    واما القرطبي فقد تقدم الكلام في ضبطه فلا حاجة إلى إعادته، وذلك في ترجمة أحمد بن عبد ربه، مصنف كتاب العقد، وأخذها الفرنج من المسلمين في شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:06 am

    أبـو تمـام
    788- 845م

    هو حبيب بن أوس الطائي المعروف بأبي تمام، ولد في بلدة جاسم في جنوب سوريا.

    كان أبوه مسيحياً اسمه تدوس العطار، فلما أسلم أبو تمام حرّف اسم أبيه إلى أوس. لا نعرف عن حداثته شيئا ذا أهمية، إلا أنه سافر إلى مصر وهو يافع، فأفاد من ملازمته مساجدها وخدمة أهل العلم فيها. ثم راح يتجول في الأقطار، فزار بغداد وخراسان والحجاز والموصل وبلاد الشام والعراق وغيرها، حتى استقر في سامراء عند الخليفة المعتصم، الذي قرّبه وأنعم عليه.

    برز أبو تمام في ذلك العصر شاعراً مبدعاً يتربع على عرش الشعر ويقتدي به معظم شعراء زمانه. وكان المديح أبرز الفنون التي نظم فيها، لكن له مراثي وحكماً رائعة.

    شعره كثير يمتاز بقوة السبك وحسن الإخراج، والتأنق في البيان لفظاً ومعنى، والغوص في عميق المعاني وغزيرها، وكثرة الاختراع والتوليد فيها.

    نظم في الخليفة المعتصم أجمل قصائده، خصوصاً مطوّلته البائية المشهورة التي مدحه فيها بعد فتح مدينة عمورية الرومية، وخالف في مطلعها ما كان سائداً في استهلال القصيدة العربية بالغزل التقليدي والوقوف على الأطلال، فاستهلّها بالحكمة المستوحاة من الحدث:

    السيف أصدقُ إنباءً من الكتبِ في حَدِّهِ الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ

    وفيها شنّ حملة عنيفة على المنجّمين الذين اشاروا على المعتصم بتأجيل الهجوم على عمورية حتى فصل الصيف وإلا تعرض لهزيمة نكراء، فيقول فيهم:

    والـعلمُ في شُهبِ الأرماحِ لامعةً بين الخميسَينِ(1) لا في السبعةِ الشُهبِ
    وخوّفوا الناسَ من دهياءَ مظلمةٍ إذ بـدا الكوكبُ الـغربيُّ ذو الذَنَبِ
    تخـرُّصـاً وأحاديـثاً ملفّقـةً ليست بـنبعٍ إذا عُدّتْ ولا غَـرَبِ

    ويظهر أبو تمام في القصيدة أنه فعلاً، شاعر العروبة والإسلام. فهو يعتز بهذا الفتح العظيم والانتصار الباهر.

    فتحٌ تَفتَّحُ أبوابُ السماءِ له وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشبِ
    أبقت بني الأصفرَ المُصّفّرِ كاسمهم صفرَ الوجوه وجلّت أوجهُ العربي

    ويختم أبو تمام مطولته الرائعة بهذه الحكمة الخالدة:

    بصرتُ بالراحةِ الكبرى فلم ترَها تُنالُ إلا على جسرٍ من التعبِ

    وتبدو حماسة أبي تمام للعروبة والإسلام في رائعة أخرى من روائعه، نظمها في مدح المعتصم الذي أمر بإحراق قائد جيوش الأفشين بعد أن أظهر تواطؤه مع بابك الخرمي المتمرد، فيقول في مطلعها:

    الحَقُ أبلجُ والسيوفُ عوارِ فحذارِ من أسدِ العرينِ حذارِ
    ما زال سرُّ الكفرِ بين ضلوعهِ حتى اصطلى سرَّ الزنادِ الواري

    غير أن أبا تمام الذي شغف بالصفة اللفظية حتى الغلو أحياناً، فوقع في سخاسف القول معنى ومبنى جعلت تلميذه البحتري يقول فيه: "جيدهُ خير من جَيدي، ورديئي خير من رديئه".
    وجاء في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشج بن يحيى بن مروان بن مر بن سعد بن كاهل بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الغوث بن طيىء-واسمه جلهمه-بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يشجب ابن يعرب بن قحطان الشاعر المشهور؛ وذكر أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي في كتاب الموازنة بن الطائيين ما صورته: والذي عند أكثر الناس في نسب أبي تمام: أن أباه كان نصرانياً من أهل جاسم، قرية من قرى دمشق، يقال له: تدوس العطار، فجعلوه أوساً، وقد لفقت له نسبة إلى طيىء، وليس فيمن ذكر فيها من الآباء من اسمه مسعود، وهذا باطل ممن عمله، ولو كان نسبه صحيحاً لما جاز أن يلحق طيئاً بعشرة آباء.
    قلت: وذكر الآمدي هذا في قول أبي تمام:
    إن كـان مـسـعـود ســـقـــى

    أطلالهم سبل الشؤون فلست من مسعود

    وقد سقط في النسب بين قيس ودفاقة ستة آباء.
    وقول أبي تمام: فلست من مسعود، لا يدل على أن مسعوداً من آبائه بل هذا كما يقال: ما أنا من فلان ولا فلان مني، يريدون به البعد منه والأتفة، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولد الزنا ليس منا)، و (علي مني وأنا منه).
    وقد ساق الخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد نسبه، وفيه تغيير يسير.
    وقال الصولي: قال قوم: إن أبا تمام هو حبيب بن تدوس النصراني، فغير، فصار أوساً. كان أوحد عصره في ديباجة لفظه ونصاعة شعره وحسن أسلوبه، وله كتاب الحماسة التي دلت على غزارة فضله وإتقان معرفته بحسن اختياره، وله مجموع آخر مسماه فحول الشعراء، جمع فيه بين طائفة كبيرة من شعراء الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين، وله كتاب الاختيارات من شعر الشعراء، وكان له من المحفوظ ما لا يلحقه فيه غيره، قيل إنه كان يحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع، ومدح الخلفاء وأخذ جوائزهم، وجاب البلاد، وقصد البصرة وبها عبد الصمد بن المعذل الشاعر، فلما سمع بوصوله-وكان في جماعة غلمانه وأتباعه-فخاف من قدومه أن يميل الناس إليه ويعرضوا عنه، فكتب إليه قبل دخوله البلد:
    أنت بين اثنتين تبرز للـنـا

    س وكلتاهما بوجه مـذال
    لست تنفك راجياً لوصـال

    من حبيب أو طالباً لنـوال
    أي ماء يبقى لوجهك هـذا

    بين ذل الهوى وذل السؤال

    فلما وقف على الأبيات أضرب عن مقصده ورجع، وقال: قد شغل هذا ما يليه فلا حاجة لنا فيه. وقد ذكرت نظير هذه الأبيات في ترجمة المتنبي في حرف الهمزة.
    ولما قال ابن المعذل هذه الأبيات في أبي تمام، كتبها ودفعها إلى وراق كان هو وأبو تمام يجلسان إليه ولا يعرف أحدهما الآخر، وأمر أن تدفع إلى أبي تمام، فلما وافى أبو تمام وقرأها قلبها وكتب:
    أفي تنظم قول الـزور والـفـنـد

    وأنت أنقص من لا شيء في العدد
    أشرجت قلبك من غيظ على حنـق

    كأنها حركات الروح في الجسـد
    أقدمت ويلك من هجوى على خطر

    كالعير يقدم من خوف علىالأسد

    وحضر عبد الصمد، فلما قرأ البيت الأول وقال: ما أحسن علمه بالجدل، أوجب زيادة ونقصاناً على معدوم، ولما نظر إلى البيت الثاني قال: الإشراج من عمل الفراشين ولا مدخل له ههنا، فلما قرأ البيت الثالث عض على شفته وقال: قتل.
    وقال الصولي: قد ذكر ذلك أبو الفتح محمود بن الحسين المعروف بكشاجم في كتاب المصايد والمطاردة، عند قوله فيه: وأغفل الجاحظ في باب ذكر انقياد بعض المأكولات لبعض الآكلات ذكر الحمار الذي يرمي بنفسه على الأسد إذا شم ريحه.
    ولما أنشد أبو تمام دلف العجلي قصيدته البائية المشهورة التي أولها:
    على مثلها من أربع ومـلاعـب

    أذيلت مصونات الدموع السواكب

    استحسنها وأعطاه خمسين ألف درهم وقال له: والله إنها لدون شعرك، ثم قال له: والله ما مثل هذا القول في الحسن إلا ما رثيت به محمد بن حميد الطوسي، فقال أبو تمام: وأي ذلك أراد الأمير؟ قال: قصيدتك الرائية التي أولها:
    كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر

    فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

    وددت والله أنها لك في، فقال: بل أفدي الأمير بنفسي وأهلي وأكون المقدم قبله، فقال: إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر.
    وقال العلماء: خرج من قبيلة طيىء ثلاثة، كل واحد مجدي في بابه: حاتم الطائي في جوده، وداود بن نصير الطائي في زهده، وأبو تمام حبيب بن أوس في شعره.
    وأخباره كثيرة ورأيت الناس مطبقين على أنه مدح الخليفة بقصيدته السينية، فلما انتهى فيها إلى قوله:
    إقدام عمرو في سماحة حاتـم

    في حلم أحنف في ذكاء إياس

    قال له الوزير: أتشبه أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟ فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه وأنشد:
    لا تنكروا ضربي له من دونه

    مثلاً شروداً في الندى والباس
    فالله قد ضرب الأقل لنـوره

    مثلاً من المشكاةوالنبـراس

    فقال الوزير للخليفة: أي شيء طلبه فأعطه، فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوماً، لأنه قد ظهر في عينيه الدم من شدة الفكر، وصاحب هذا لا يعيش إلا هذا القدر، فقال له الخليفة: ما تشتهي؟ قال: أريد الموصل، فأعطاه إياها، فتوجه إليها، وبقي هذه المدة ومات؛ وهذه القصة لا صحة لها أصلاً.
    وقد ذكر أبو بكر الصولي في كتاب أخبار أبي تمام، أنه لما أنشد هذه القصيدة لأحمد بن المعتصم وانتهى إلى قوله: إقدام عمرو - البيت المذكور - قال له أبو يوسف يعقوب بن الصباح الكندي الفيلسوف، وكان حاضراً: الأمير فوق من وصفت، فأطرق قليلاً ثم زاد البيتين الآخرين، ولما أخذت القصيدة من يده لم يجدوا فيها هذين البيتين، فعجبوا من سرعته وفطنته.
    ولما خرج قال أبو يوسف، وكان فيلسوف العرب: هذا الفتى يموت قريباً. ثم قال بعد ذلك: وقد روي هذا على خلاف ما ذكرته، وليس بشيء، والصحيح هو هذا.
    وقد تتبعتها وحققت صورة ولايته للموصل، فلم أجد سوى أن الحسن ابن وهب ولاه يريد الموصل، فأقام بها أقل من سنتين ثم مات بها. والذي يدل على أن القضية ليست صحيحة أن هذه القصيدة ما هي في أحد من الخلفاء، بل مدح بها أحمد بن المعتصم، وقيل أحمد بن المأمون، ولم يل واحد منهما الخلافة، والحيص بيص ذكر في رقاعة السبع اللاتي كتبها إلى الامام المسترشد يطلب منه بايعقوبا أن الموصل كانت إجازة لشاعر طائي، فإما أنه بنى الأمر على ما قاله الناس من غير تحقيق، أو قصد أن يجعل هذا ذريعة لحصول بايعقوبا له، والله أعلم وتابعه في الغلط ابن دحية في كتاب النبراس وذكر الصولي أن أبا تمام لما مدح محمد بن عبد الملك الزيات الوزير بقصيدته التي منها قوله:
    ديمة سمحة القياد سـكـوب

    مستغيث بها الثرى المكروب
    لو سعت بقعة لإعظام أخرى

    لسعى نحوها المكان الجديب

    قال له ابن الزيات: يا أبا تمام، إنك لتحلي شعرك من جواهر لفظك وبديع معانيك ما يزيد حسناً على بهي الجواهر في أجياد الكواعب، وما يدخر لك شيء من جزيل المكافأة إلا ويقصر عن شعرك في الموازاة. وكان بحضرته فيلسوف، فقال له: إن هذا الفتى يموت شاباً، فقيل له: ومن أين حكمت عليه بذلك؟ فقال: رايت فيه من الحدة والذكاء والفطنة مع لطافة الحس وجودة الخاطر ما علمت به أن النفس الروحانية تأكل جسمه كما يأكل السيف المهند غمده، وكذا كان، لأنه مات وقد نيف على ثلاثين سنة.
    قلت: وهذا يخالف ما سيأتي في تاريخ مولده ووفاته بعد هذا إن شاء الله تعالى.
    ولم يزل شعره غير مرتب حتى جمعه أبو بكر الصولي، ورتبه على الحروف، ثم جمعه علي بن حمزة الأصبهاني، ولم يرتبه على الحروف، بل على الأنواع.
    وكانت ولادة أبي تمام سنة تسعين ومائة، وقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وسبعين ومائة بجاسم، وهي قوية من بلد الجيدور من أعمال دمشق بين دمشق وطبرية، ونشأ بمصر، قيل إنه كان يسقي الناس ماء بالجرة في جامع مصر، وقيل كان يخدم حائكاً ويعمل عنده بدمشق وكان أبوه خماراً بها، وكان أبو تمام أسمر طويلاً فصيحاً حلو الكلام فيه تمتمة يسيرة ثم اشتغل وتنقل إلى أن صار منه ما صار.
    وتوفي بالموصل-على ما تقدم-في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وقيل إنه توفي في ذي القعدة، وقيل في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين، وقيل تسع وعشرين ومائتين، وقيل في المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، رحمه الله تعالى قال البحتري: وبنى عليه أبو نهشل ابن حميد الطوسي قبة، قلبت: ورأيت قبره بالموصل خارج باب الميدان، على حافة الخندق، والعامة تقول: هذا قبر تمام الشاعر.
    وحكى لي الشيخ عفيف الدين أبو الحسن علي بن عدلان الموصلي النحوي المترجم، قال: سألت شرف الدين أبا المحاسن محمد بن عنين الشاعر-الآتي ذكره في هذا الكتاب في حرف الميم إن شاء الله تعالى-عن معنى قوله:
    سقى الله دوح الغوطتين ولا ارتوت

    من الموصل الحدباء إلاقبورهـا

    لم حرمها وخص قبورها؟ فقال: لأجل أبي تمام.
    وهذا البيت من قصيدة لابن عنين المذكور يمدح بها السلطان الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك العادل بن أيوب-وسيأتي ذكره في حرف العين إن شاء الله تعالى-أولها:
    أشاقك من عليا دمشق قصورها

    وولدان أرض النيربين وحورها

    وهي من أحسن قصائده ورثاه الحسن بن وهب بقوله:
    فجع القريض بخاتم الشعـراء

    وغدير روضتها حبيب الطائي
    ماتا معاً فتجاورا في حـفـرة

    وكذاك كانا قل فيالأحـياء

    وقيل: إن هذين البيتين لديك من رثى بهما أبا تمام، والله أعلم.
    ورثاه الحسن أيضاً بقوله من قصيدة:
    سقى بالموصل القبر الغريبا

    سحائب ينتحبن له نجـيبـا
    إذا أظللنه أظلـلـن فـيه

    شعيب المزن يتبعها شعيبا
    ولطمن البروق به خـدوداً

    وشققن الرعود به جيوبـا
    فإن تراب ذاك القبر يحوي

    حبيباً كان يدعى لي حبيبـا

    ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم بقوله وهو يومئذ وزير، وقيل إنهما لأبي الزبرقان عبد الله بن الزبرقان الكاتب مولى بني أمية:
    نبأ أتى من أعظم الأنبـاء

    لما ألم مقلقل الأحـشـاء
    قالوا حبيب قد نوى فأجبتهم

    ناشدتكم لا تجعلوهالطائي

    ولأبي تمام المذكور:
    لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه

    لظل يلثم منه موطئالـقـدم

    وللبحتري أيضاً في هذا المعنى:
    ولو أن مشتاقاً تكلف فوق ما

    في وسعه لسعى إليك المنبر

    ولما سار المأمون إلى بلاد الشام يريد غزو الروم مدحه أبو تمام بقصيدتين فلم يجد من يوصلهما إليه وذلك قبل قدوم أبي تمام العراق، ثم صار إلى العراق في خلافة المعتصم، فمن ذلك قوله في المأمون قصيدة قال فيها:
    ثم انبرت أيام عجر أردفـت

    نحوي أسى فكأنهـا أعـوام
    ثم انقضت تلك السنون وأهلها

    فكأنها وكـأنـهـمأحـلام

    فأخذها حتى بلغ فيها:
    اتضعضعت عبرات عينك أن دعت

    ورقاء حين تضعضـع الإظـلام
    لا تشجين لهـا فـإن بـكـاءهـا

    ضحك وإن بكاءك اسـتـغـرام
    هن الحمام فإن كـسـرت عـيافة

    من حائهـن فـإنـهـن حـمـام

    حكي عن يموت بن المزرع قال: كان أحمد بن المدبر إذا مدحه شاعر ولم يرض شعره أمر غلمانه أن يمضوا به إلى المسجد فلا يفارقوه أو يصلي مائة ركعة، فكان هذا دأبه؛ قال: فتحاماه الشعراء غلا الأفراد المجيدون فأتاه أبو عبد الله الحسين بن عبد السلام المصري المعروف بالجعل فاستأذنه في النشيد فقال له: عرفت الشرط؟ قال: نعم، فأنشده:
    أردنا في أبي حـسـن مـديحـاً

    كما بالمدح تنـتـجـع الـولاة
    فقلنا أكرم الـثـقـلـين طـراً

    ومن كفيه دجـلة والـفـرات
    فقالوا يقبل المـدحـات لـكـن

    جوايزه عـلـيهـن الـصـلاة
    فقلت لهم وما يغنـي عـيالـي

    صلاتي إنما الشـأن الـزكـاة
    فيأمرني بكسر الـصـاد مـنـه

    فتصبح لي الصلاة هي الصلات

    فضحك ابن المدبر وقال: من أين أخذت هذا ومن أين وقع لك؟ فقال: أخذته من قول أبي تمام:
    هن الحمام فإن كسرت عيافة

    قال: فأعجبه صدقه ووصله ومن قصيدته الأخرى التي مدح بها المأمون التي أولها:
    كشف الغطاء فأوقدي أو أخمدي

    ويقول فيها:
    أولي أمة أحمد ما أحـمـد

    بمضيع ما أوليت أمة أحمد
    أما الهدى فقد اقتدحت بزنده

    للعالمين فويل من لا يهتدي

    حدث الصولي عن محمد بن يحيى قال: حدثني يحيى بن علي قال: كان محمد ابن القاسم بن مهرويه يقدم دعبلاً على أبي تمام، فقلت له: بأي شيء قدمته؟ فلم يأت بمقنع، فجعلت أنشده محاسنهما فإذا محاسن أبي تمام أكثر وأطرز وإذا عيوب دعبل أعظم وافحش، فأقام على رأيه وتعصبه لدعبل فقلت:
    يا أبا جعفر أتحكم فـي الـشـع

    ر ومـا فـيك آلة الـحـكـام
    إن نقد الدينار إلا عـلـى الـص

    رف صعب فكيف نقد الـكـلام
    قد رأيناك ليس تفرق فـي الأش

    عار بـين الأرواح والأجـسـام
    إنما يعرف العتيق مـن الـمـح

    دث قين في وقت عرض الحسام
    لا تقس دعبـلاً إذن بـحـبـيب

    ليس خف البعير مثلالسـنـام

    قال عبد الله بن المعتز: جاءني محمد بن يزيد النحوي فجرى ذكر أبي تمام فلم يوفه حقه، فقال له رجل من الكتاب كان في المجلس، ما رأيت أحداً أحفظ لشعر أبي تمام منه: يا أبا العباس، ضع يدك على من شئت من الشعراء ثم انظر أيحسن أن يقول مثل ما قاله أبو تمام لأبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافقي يعتذر إليه:
    لعمري لقد أقوت مغانيكم بعـدي

    ومحت كما محت وشائع من برد
    وأنجدتم من بعد إتـهـام داركـم

    فيا دمع أنجدني على ساكنينجد

    ثم مر فيها حتى بلغ إلى قوله في الاعتذار:
    أتاني مع الركبان ظن ظننـتـه

    لففت له رأسي حياءً من المجد
    كريم متى أمـدحـه والـورى

    معي ومتى ما لمته لمته وحدي

    حدث الصولي قال: كان أبو تمام إذا كلمه إنسان أجابه قبل انقضاء كلامه كأنه قد علم ما يقول فاعد جوابه، فقال له رجل: يا أبا تمام لم لا تقول من الشعر ما يعرف؟ فقال: وأنت لم لا تعرف من الشعر ما يقال؟ فأفحمه. وكان الذي قال له هذا أبو سعيد الضرير بخراسان، وكان هذا من علماء الناس وكان متصلاً بالطاهرية.
    قال علي بن محمد بن عبد الكريم: لما صار إلينا أبو تمام مقدمه من مصر عمل قصيدته التي أولها:
    أرامة كنت مألف كل ريم

    فاتصل خبرها بعتبة بن عصيم الذي يهجوه أبو تمام، وهو كلبي من قضاعة، وكان أديباً شاعراً، فأحب أن يسمع هذه القصيدة من أبي تمام فقال لمن حضر: ايتوني به، فجاءوا به فأنشده إياها، فلما فرغ قال: أحسنت يا غلام على صغر سنك، فسكت أبو تمام وقال: يا عم أنشدني من شعرك، فأنشده قصيدة، فلما فرغ قال: يا عم ما أحسنت على كبر سنك، فقال عتبة لبني عبد الكريم: أخرجوا هذا من بلدنا فليس يصلح أن يقيم في بلدنا.
    قال الصولي: ومن باب الجود قول أبي تمام:
    بيمن أبي إسحاق طالت يد الهوى

    وقامت قناة الدين واشتد كاهلـه
    هو البحر من أي النواحي أتيتـه

    فلجته المعروف والجود ساحله
    تعود بسط الكف حتى لـو أنـه

    دعاها لقبض لم تجبهأنامـلـه

    وللبحتري في هذا المعنى:
    لا يتعب النائل المبذول همـتـه

    وكيف يتعب عين الناظر النظر

    وهذان البيتان لا غاية وراءهما.
    قال ابن أبي داود لأبي تمام: إن لك أبياتاً أنشدتها فلو قلتها زاهداً أو معتبراً أو حاثاً على طاعة الله تعالى لكنت قد أحسنت وبالغت، فأنشدنيها، قال: ما هي؟ قال: التي قافيتها: فأدخلها. فأنشده:
    ما لي أرى الحجرة الفيحاء مقفلة

    عني وقد طال ما استفتحت مقفلها
    كأنها جنة الفـردوس مـعـرضة

    وليس لي عمل زاك فأدخلـهـا

    حدث الصولي قال: دخل أبو تمام على أحمد بن أبي داود فقال له: ما أحسن هذا فمن أين أخذته؟ قال: من قول الحاذق في الفضل بن الربيع:
    وليس لله بمسـتـنـكـر

    أن يجمع العالم في واحد

    وحدث الصولي عن الحسن بن وهب قال: لما أدخل المازيار على المعتصم وكان عليه شديد الغيظ قيل له: لا تعجل عليه فإن عنده أمولاً جمة، فأنشد بيت أبي تمام:
    إن الأسود أسود الغاب همـتـهـا

    يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

    ثم قتله؛ وكذلك جمال الدين بن رشيق أفتى ببيت المتنبي في النصراني الذي سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما ولي الملك الصالح مصر وهو:
    لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

    حتى يراق على جوانبـهالـدم

    فعمل بمقتضاه.
    وحدث علي بن يحيى بن علي بن مهدي قال: كان المنجمون حكموا لما خرج المعتصم إلى الروم بأنه لا يرجع من وجهه، فلما فتح ما فتح وخرب عمورية في شهر رمضان سنة 223 وانصرف سالماً، قال أبو تمام:
    السيف أصدق أنباء من الـكـتـب

    في حده الحد بين الجد واللـعـب
    بيض الصفائح لا سود الصحائف في

    متونهن جـلاء الـشـك والـريب
    والعلم في شهب الأرمـاح لامـعة

    بين الخميسين لا في السبعةالشهب

    وقيل إنه كرر إنشاد هذه القصيدة ثلاثة أيام فقال له المعتصم: لم تجلو علينا عجوزك؟ قال: حتى أستوفي مهرها يا أمير المؤمنين، فأمر له بمائة وسبعين ألف درهم عن كل بيت منها ألف.
    قال الحسن بن وهب: دخل أبو تمام على محمد بن عبد الملك الزيات فأنشده قصيدته التي أولها:
    لهان علينا أن نقول وتفعلا

    فلما بلغ إلى قوله:
    وواللـه لا آتـيك غـلا فـريضة

    وآتي جميع العالمـين تـنـفـلا
    وليس امرءاً في الناس كنت سلاحه

    عشية يلقى الحادثـاتبـأعـزلا

    فقال: أما والله ما أحب بمدحك مدح غيرك لتجويدك وإبداعك ولكن تنقص مدحك ببذلك له لغير مستحقه، فقال: لسان العذر معقول وإن كان فصيحاً، ومر في القصيدة فأمر له بخمسة آلاف درهم وكتب إليه بعد ذلك:
    رأيتك سهل البيع سمحاً وإنمـا

    يغالي إذا ما ضن بالشيء بايعه
    فأما الذي هانت بضائع بـيعـه

    فيوشك أن تبقى عليهبضايعه

    فأجابه أبو تمام:
    أبا جعفر إن كنت أصبحت تاجراً

    أساهل في بيعي له من أبايعـه
    فقد كنت قبلي شاعراً تاجراً بـه

    تساهل من عادت عليك منافعه

    قال الصولي: لما كلم خالد بن يزيد ابن أبي دواد في أمر أبي تمام قال أبو تمام يشكره:
    لأشكرنك إن لم أوت من أجلـي

    شكراً يوافيك عني آخـر الأبـد
    وإن توردت من بحر البحور ندى

    فلم أنل منه إلا غـرفةبـيدي

    قال محمد بن يزيد النحوي: خرج أبو تمام إلى خالد بن يزيد وهو بأرمينية فامتدحه فأمر له بعشرة آلاف درهم ونفقة لسفره وأمره أن لا يقيم إن كان عازماً على الخروج، فودعه ومضت عليه أيام فركب يزيد ليتصيد فرآه تحت شجرة وقدامه زكرة فيها نبيذ وغلام بيده طنبور فقال: حبيب؟ قال: خادمك وعبدك، فقال له: ما فعل المال؟ فقال:
    علمني جودك السماح فمـا

    أبقيت شيئاً لدي من صلتك
    ما مر شهر حتى سمحت به

    كأن لي قدرة كمقـدرتـك
    تنفق في اليوم بالهبات وفي

    الساعة ما تجتبيه في سنتك
    فلست أدري من أين تنفق لو

    لا أن ربي يمد في هبتـك

    فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى فأخذها وانصرف.
    ولأبي تمام وقد اعتل الياس صاحب عبد الله بن طاهر: فإن يكن وصب قاسيت سورته. فالورد حلف لليث الغابة الأضم
    إن الرياح إذا ما أعصفت قصـفـت

    عيدان نجد ولم يعـبـأن بـالـرتـم
    بنات نعش ونعش لا كسـوف لـهـا

    والشمس والبدر منها الدهر في الرقم
    فليهنك الأجر والنعمى التي سبـغـت

    حتى جلت صدأ الصمصامة الخـذم
    قد ينعم الله بالبلوى وإن عـظـمـت

    ويبتلي الله بعض القومبـالـنـعـم

    قال محمد بن هبيرة النحوي: حجب أبو تمام عن إسحاق بن إبراهيم المصعبي فقال:
    يا أيها الملك المرجو نـائلـه

    وجوده لمراعي جوده كتـب
    ليس الحجاب بمقص عنك آمله

    إن السماء ترجى حين تحتجب

    وقيل لأبي تمام: قد هجاك مخلد الموصلي فلو هجوته، قال: الهجاء يرفع منه إذ ليس هو شاعراً؛ لو كان شاعراً لم يكن من الموصل، يعني أن الموصل لا يخرج منها شاعر، وكان مخلد قد هجاه بقوله:
    يان نبي الله في الشـع

    ر ويا عيسى بن مريم
    أنت من أشعر خلق الل

    ه ما لـم تـتـكـلـم

    وكان لأبي تمام حبسة إذا تكلم. قرأت في كتاب المستنير، أن أبا تمام والخثعمي اجتمعا في مجلس أنس، فقام أبو تمام إلى الخلاء فقال له الخثعمي: ندخلك؟ قال: نعم وأخرجك، فتعجب الحاضرون من هذا الابتداء البديع والجواب العجيب.
    وكان لأبي تمام صديق قليل البضاعة في الشرب يسكر من قدحين، فكتب إليه يوماً يدعوه: إن رأيت أن تنام عندنا فافعل.
    ودخل على جعفر بن سليمان يعزيه بأخيه محمد بن سليمان وقد كان جزع عليه جزعاً عظيماً، فقال جعفر حين رآه: إن يكن عند أحد فرج فعند حبيب، فلما سلم قال: أيها الأمير التمس ثواب الله بحسن الجزاء والتسليم الأمر الله، واذكر مصيبتك في نفسك تنسك مصيبتك في غيرك والسلام.
    ومحاسن حبيب كثيرة.
    وجاسم: بفتح الجيم وبعد الألف سين مهملة مكسورة ثم ميم.
    وأما النسب فهو مشهور فلا حاجة إلى ضبطه.
    والجيدور-بفتح الجيم وسكون الياء المثناة من تحتها وضم الدال المهملة وسكون الواو وبعدها راء-وهو إقليم من عمل دمشق يجاور الجولان.
    والطائي: منسوب إلى طيىء القبيلة المشهورة، وهذه النسبة على خلاف القياس، فإن قياسها طيئي لكن باب النسب يحتمل التغيير، كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهري وإلى سهل سهلي-بضم أولهما-وكذلك غيرهما.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:07 am



    ابـن المـعتز
    861 – 909 م

    هو عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد العباسي، أبو العباس. ولي الخلافة يوماً وليلة ثم مات خنقاً.

    ولد في بغداد وكان يقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم. من اساتذته المبرّد (285هـ) وثعلب (291هـ).

    عبد الله بن المعتز أديب وشاعر وناقد عالم. يجيد فني النظم والشعر، واسع الثقافة بصير بصنعة الألحان.

    من كتب ابن المعتز: البديع، أشعار الملوك، طبقات الشعراء وله ديوان شعر.

    تدور موضوعات شعره على الحكمة والفخر والمدح والهجاء والوصف والنسيب والطرد والزهد. يتناول في وصله وجوه الحياة المترفة في القصور، وهو يكثر من وصف الخمر ووصف الحلي والجواهر. وله في الهلال والنجوم أوصاف بارعة.
    وجاء في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي؛ أخذ الأدب عن أبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب وغيرهما، كان أديباً بليغاً شاعراً مطبوعاً مقتدراً على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الإبداع للمعاني مخالطاً للعلماء والأدباء معدوداً من جملتهم، إلى أن جرت له الكائنة في خلافة المقتدر، واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكتّاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين، وقيل لسبعٍ بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين، وبايعوا عبد الله المذكور ولقبوه المرتضي بالله، وقيل المنصف بالله، وقيل الغالب بالله، وقيل الراضي بالله، وأقام يوماً وليلة، ثم إن أصحاب المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم، وأعادوا المقتدر إلى دسته، واستخفى ابن المعتز في دار أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن الجصاص التاجر الجوهري، فأخذه المقتدر وسلمه إلى مؤنس الخادم الخازن فقتله وسلمه إلى أهله ملفوفاً في كساء، وقيل إنه مات حتف أنفه وليس بصحيح بل خنقه مؤنس، وذلك يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين، ودفن في خرابة بإزاء داره، رحمه الله تعالى.
    ومولده لسبعٍ بقين من شعبان سنة سبع وأربعين، وقال سنان بن ثابت: في سنة ست وأربعين ومائتين، والقضية مشهورة وفيها طول، وهذا خلاصتها.
    ثم قبض المقتدر على ابن الجصاص المذكور وأخذ منه مقدار ألفي ألف دينار، وسلم له بعد ذلك مقدار سبعمائة ألف دينار، وكان فيه غفلة وَبَله، وتوفي يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمس عشرة وثلثمائة.
    ولابن المعتز من التصانيف كتاب الزهر والرياض، وكتاب البديع، وكتاب مكاتبات الإخوان بالشعر، وكتاب الجوارح والصيد، وكتاب السرقات، وكتاب أشعار الملوك، وكتاب الآداب، وكتاب حلى الأخبار، وكتاب طبقات الشعراء، وكتاب الجامع في الغناء، وكتاب فيه أرجوزة في ذم الصبوح.
    ومن كلامه: البلاغة البلوغ إلى المعنى، ولم يطل سفر الكلام، وكان يقول: لو قيل لي: ما أحسن شعر تعرفه؟ لقلت: قول العباس بن الأحنف:
    قد سحب الناس أذيال الظنون بنا

    وفرّق الناس فينا قولهم فِرقـا
    فكاذبٌ قد رمى بالظنّ غيركـم

    وصادقٌ ليس يدري أنهصدقا

    ورثاه علي بن محمد بن بسام الشاعر - الآتي ذكره - بقوله:
    لله درُّك من مـيت بـمـضـيعة

    ناهيك في العلم والآداب والحسب
    ما فيه لوٌّ ولا لولا فتـنـقـصـه

    وإنما أدركـتـه حـرفةالأدب

    ولعبد الله المذكور أشعار رائقة وتشبيهات بديعة، فمن ذلك قوله:
    سقى المطيرة ذات الظل والشجـر

    ودير عبدون هطّالٌ من المـطـر
    فطالما نبّهتني للصّـبـوح بـهـا

    في غرّة الفجر والعصفور لم يطر
    أصوات رهبان ديرٍ في صلاتهـم

    سود المدارع نعارين في السحـر
    مزنّرين على الأوساط قد جعـلـوا

    على الرؤوس أكاليلاً من الشّعـر
    كم فيهم من مليح الوجه مكتـحـل

    بالسحر يطبق جفنيه علـى حَـور
    لاحظته بالهوى حتى استقـاد لـه

    طوعاً وأسلفني الميعادبالنـظـر
    وجاءني في قميص الليل مستـتـراً

    يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
    فقمت أفرش خدّي في الطريق لـه

    ذلاًّ وأسحب أذيالي عـلـى الأثـر
    ولاح ضوء هلال كاد يفضـحـنـا

    مثل القلامة قد قدّت من الظُّـفـر
    وكان ما كان ممـا لـسـت أذكـره

    فظن خيراً ولا تسأل عنالخـبـر





    ومن ظريف شعره قوله، ولم أجدها في ديوانه، ولكن الرواة أطبقوا على أنها له، والله أعلم:
    ومقَرطَقٍ يسعى إلى النّدمـاء

    بعقـيقةٍ فـي درّةٍ بـيضـاء
    والبدر في أفق السماء كدرهم

    ملقىً على ياقـوتةٍ زرقـاء
    كم ليلةٍ قد سرّني بمـبـيتـه

    عندي بلا خوفٍ من الرّقبـاء
    ومهفهفٍ عقد الشّراب لسانـه

    فحديثه بالـرّمـز والإيمـاء
    حرّكته بيدي وقلت له انتـبـه

    يا فرحة الخلطاء والنّـدمـاء
    فأجابني والسّكر يخفض صوته

    بتلجلجٍ كتلجلـج الـفـأفـاء
    إني لأفهم ما تقـول وإنـمـا

    غلبت عليَّ سلافة الصّهبـاء
    دعني أفيق من الخمار إلى غدٍ

    واحكم بما تختار يامـولائي

    وله في الخمرة المطبوخة، وهو معنى بديع وفيه دلالة على أنه كان حنفي المذهب:
    خليليَّ قد طاب الشّراب المـورَّد

    وقد عدت بعد النّسك والعود أحمد
    فهاتا عقاراً في قميص زجـاجةٍ

    كياقـوتةٍ فـي درَّةٍ تـتـوقّـد
    يصوغ عليها الماء شبّـاك فـضّةٍ

    له حلقٌ بيضٌ تحـلُّ وتـعـقـد
    وقتني من نار الجحيم بنفـسـهـا

    وذلك من إحسانها ليسيجـحـد

    وكان ابن المعتز شديد السمرة مسنون الوجه يخضب بالسواد.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:07 am

    الطغرائي
    (453-513هـ / -1061 - -1119م)
    أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الملقب مؤيد الدين الأصبهاني المنشئ المعروف بالطغرائي. وزير وعالم كيميائي وشاعر اشتهر في القرن الخامس الهجري / الثاني عشر الميلادي. ولد في مدينة جي من مقاطعة أصبهان من بلاد فارس، بينما يمتد نسبه إلى أصول عربية فهو من أحفاد أبي الأسود الدؤلي. ولقد لقب بالطغرائي نسبة إلى استخدامه الطغراء في كتابته.
    عاش الطغرائي في أصبهان أول حياته حيث تلقى العلوم الأولى في مدارسها، ثم انتقل إلى إربيل في مقتبل شبابه حيث عمل أمينًا للسرّ. وكان طموحا للغاية فدخل في بلاط السلاجقة وخدم السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان وتولى مدة ملكه ديوان الطغراء، وكان آية في الكتابة والشعر فأصبح ينعت بالأستاذ. ثم تشوقت نفسه إلى الدولة الأيوبية فتنقل في المناصب، وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة. وتولى الوزارة في عهد الملك مسعود بن محمد في ولاية الموصل ، ولكن ما لبث أن فقدها بوفاة الملك محمود، إذ سعى السميرمي -وكان يتولى الوزارة في مملكة محمود بن مسعود في أصفهان - مع بعض أعوانه المقربين من الملك محمود أن يحرضوه على إعلان دولة السلاجقة للإقليم الغربي عام 513هـ / 1120 م. فأغاظ هذا الأمر الملك مسعود فسير جيشا تعوزه العدة وصحبه وزيره الطغرائي للقاء جيش الملك محمود بصحبة الوزير السميرمي، فدارت رحى الحرب بينهما في موقع على مقربة من همدان وانتهت المعركة بهزيمة نكراء لجيش الملك مسعود ووقع هو ووزيره الطغرائي في الأسر. فعفا الملك محمود عن أخيه مسعود بينما حكم على الطغرائي بالإعدام عام 515هـ / 1121 م.
    عرف الطغرائي كشاعر بالدرجة الأولى وأديب وخطاط، وأن قصيدته التي نظمها في رثاء زوجته التي أحبها وأخلص لها الود وكانت قد توفيت بعد الزواج منه بمدة قصيرة، تعتبر من المراثي الجيدة وأدرجها في هذا الباب كثير من الأدباء المحدثين. كما نظم اللامية في ذم زمانه وتذمره مما كان يكابده وقد لاقت هذه القصيدة شهرة كبيرة وترجمت إلى عدة لغات.
    كذلك كان الطغرائي من أشهر من عملوا في ديوان الإنشاء حتى إنه لم يكن في الدولتين السلجوقية والإمامية من يماثله في الإنشاء سوى أمين الملك أبي نصر العتبي.
    أما شهرة الطغرائي العلمية فتعود إلى براعته في الكي مياء التي تشير إلى أنه فك رموزها وكشف عن أسرارها. وقد بذل جهودا كثيرة في محاولة تحويل الفلزات الرخيصة من النحاس و الرصاص إلى ذهب و فضة وأفنى في سبيل ذلك جهدا ومالا كبيرين. وقد كتب الطغرائي عن هذه الصنعة وأجاز تحقيقها ولكنه بالغ في حكمة من يتوصل إلى الطريقة الصحيحة، فهو يتطلب ممن يمارس الصنعة أن يجيد الحكمة فكرا وعملا.
    يقول الطغرائي في ذكر الصنعة ما نصه: "إن هذا العلم لما كان الغرض فيه الكتمان، وإلجاء الأذهان الصافية إلى الفكر الطويل، استعمل فيه جميع ما سمي عند حكمائهم مواضع مغلطة من استعمال الأسماء المشتركة والمترادفة والمشككة وأخذ فصل الشيء أو عرضه الخاص أو العام مكان الشيء، وحذف الأوساط المحتاج إلى ذكرها، وتبديل المعنى الواحد في الكلام الطويل، وإهمال شرائط التناقض في أكثر المواضيع حتى يحار الذهن في أقاويلهم المتناقضة الظواهر، وهي في الحقيقة غير متناقضة، لأن شرائط التناقض غير مستوفاة فيها، واستعمال القضايا مهملة غير محصورة وكثيرا ما تكون القضية الكلية المحصورة شخصية، فإذا جاء في كلامهم تصبغ أو تحل أو تعقد كل جسد فإنما هو جسد واحد وإذا قالوا إن لم يكن مركبنا من كل شيء لم يكن منه شيء فإنما هو شيء واحد."

    ولقد ترك الطغرائي عددا من الكتب تبين نبوغه في مجال الكيمياء من أهمها كتاب جامع الأسرار ، وكتاب تراكيب الأنوار ، وكتاب حقائق الاستشهادات ، وكتاب ذات الفوائد ، وكتاب الرد على ابن سينا في إبطال الكيمياء ، وكتاب مصابيح الحكمة ومفاتيح الرحمة.
    وجاء في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو السيد فخر الكتاب أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الملقب مؤيد الدين الأصبهاني المنشئ المعروف بالطغرائي؛ كان غزير الفضل لطيف الطبع، فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر.
    ذكره أبو سعد ابن السمعاني في نسبة المنشئ من كتاب "الأنساب"، وأثنى عليه، وأورد قطعة من شعره في صفة الشمعة، وذكر أنه قتل في سنة خمس عشرة وخمسمائة.
    ومن رقيق شعره قوله:
    يا قلب مالك والهوى من بعد ما

    طاب السلو وأقصر العشـاق
    أو ما بدا لك في الإفاقة والألى

    نازعتهم كأس الغرام أفـاقـوا
    مرض النسيم وصح والداء الذي

    تشكوه لا يرجى لـه إفـراق
    وهذا خفوق البرق والقلب الذي

    تطوى عليه أضالعي خـفـاق

    وله أيضاً:
    أجما البكا يا مقلتي فـإنـنـا

    على موعد للبين لا شك واقع
    إذا جمع العشاق موعدهم غداً

    فواخجلتا إن لم تعنيمدامعي

    ومن شعره:
    ولا غرو إن أهديت من فيض بره

    إليه قليلاً لـيس يعـتـده نـزرا
    فإني رأيت الغيم يحـمـل مـاءه

    من البحر غمراً ثم يهدي له قطرا

    ومن شعره:
    لا تحقرن الرأي وهو مـوافـق

    حكم الصواب وإن بدا من ناقص
    فالدر وهو أجل شيء يقـتـنـى

    ما حط رتبته هوان الـغـائص

    وله أيضاً:
    أخاك أخاك فهو أجل ذخر

    إذا نابتك نايبة الـزمـان
    وإن رابت إساءته فهبهـا

    لما فيه من الشيم الحسان
    تريد مهذباً لا غـش فـيه

    وهل عود يفوح بلا دخان

    ومن شعره:
    ما فلان: إلا كجـيفة مـيت

    والضرورات أحوجتنا إليه
    فمن اضطر غير باغ ولا عا

    د فلا إثم في الكتاب علـيه

    وله من أبيات:
    لا غرو إن حزت المروءة والتقى

    والدين والدنيا لـم تـتـصـدع
    إن النواظر والقلوب صـغـيرة

    تحوي الكبيرة وليسبالمستبـدع

    وله:
    جامل أخاك إذا استربت بوده

    وانظر به عقب الزمان يعاد
    فإن استمر على الفساد فخله

    فالعضو يقطع للفسادالزائد

    وذكره أبو المعالي الحظيري في كتاب "زينة الدهر" وذكر له مقاطيع، وذكره أبو البركات ابن المستوفي في "تاريخ إربل" وقال: إنه ولي الوزارة بمدينة إربل مدة، وذكر العماد الكاتب في كتاب "نصرة الفترة وعصرة الفطرة"-وهو تاريخ الدولة السلجوقية-أن الطغرائي المذكور كان ينعت بالأستاذ، وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل، وأنه لما جرى المصاف بينه وبين أخيه السلطان محمود بالقرب من همذان وكانت النصرة لمحمود، فأول من أخذ الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود، فأخبر به وزير محمود، وهو الكمال نظام الدين أو طالب علي بن أحمد بن حرب السميرمي، فقال الشهاب أسعد-وكان طغرائياً في ذلك الوقت نيابة عن النصير الكاتب-: هذا الرجل ملحد، يعني الأستاذ، فقال وزير محمود: من يكن ملحداً يقتل، فقتل ظلماً.
    وقد كانوا خافوا منه، ولا قبل عليه لفضله، فاعتدوا قتله بهذه الحجة، وكانت هذه الواقعة سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وقيل إنه قتل سنة أربع عشرة، وقيل ثماني عشرة، وقد جاوز ستين سنة، وفي شعره ما يدل على أنه بلغ سبعاً وخمسين سنة لأنه قال وقد جاءه مولود:

    هذا الصغير الذي وافى على كبري

    اقر عيني ولكن زاد في فكـري
    سبع وخمسون لو مرت على حجر

    لبان تأثيرها في صفحةالحـجـر

    والله تعالى أعلم بما عاش بعد ذلك، رحمه الله تعالى.
    والطغرائي-بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة وفتح الراء وبعدها الف مقصورة-هذه النسبة إلى من يكتب الطغري، وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، وهي لفظة أعجمية.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:08 am

    أبو فراس الحمداني
    932-968م

    هو الشّاعر والأمير الحمداني، أبو فراس. ولد بالمُوصل حيث كانت أسرته. ولم يُكتَب له أن يعيش في كنف والده، فقد قُتِلَ الأب يوم كان الصبي في الثانية أو الثالثة من عمره. قتله ناصر الدولة ابن أخيه لأنه زاحمه على ولاية الموصل.
    نشأ أبو فراس في رعاية ابن عمه سيف الدّولة الذي ضمّه إلى عائلته وحمله معه إلى بلاطه في حلب، حيث اتّصل بالعلماء والأدباء فأخذ عنهم. تدرّب على الفروسية والقتال، فرافق ابن عمه في غزواته، وحارب الروم، وأخضع القبائل الثّائرة، ممّا جعل سيف الدولة يثق به فيُوليه إمارة منبج وهو دون العشرين من سنيه. وكانت هذه الإمارة أخطر ثغر من ثغور الدولة الحمدانية وأسهل طريق ينفذ منه البيزنطيّون إلى بلاد الشام، فسهر عليها يدفع عنها أطماع الروم، ويردّ عنها غارات القبائل التي ثارت على الحمدانيين بفعل دعاية القرامطة.
    ولكن النّصر الذي حالف أبا فراس في حروبه خانه ذات يومٍ فوقع أسيراً بين أيدي الرّوم الذين ساقوه إلى خرشنة ثم إلى القسطنطينية، وهناك طال أسره.
    وكان يأمل أن يسرع ابن عمه إلى افتدائه. ولكن أمير حلب أبطأ في ذلك، فضاق صدر الشّاعر ونظم في أسره أروع أشعاره التي عُرِفَت "بالرّوميات" وفيها يشكو من إبطاء سيف الدولة في افتدائه، ويتأمّل من انصرافه عنه، ويبثّ حنينه إلى أمه العجوز وأهله وأصدقائه، وإلى منبج ملاعب صباه.
    شعره من النوع الوجداني الرّقيق الذي تجاوز فيه تجربته الشّخصية الأليمة، كفارسٍ عربيٍّ، فذاق في أسره مرارة السّجن، فأرسل صرخةً ضمّّنها أعمق المشاعر الإنسانية وأنبلها مَقصدًا وأقدرها على استثارة النّفس في توقها إلى الحرية، فاستحقّ معها مرتبة الشاعر الخالد، إذ لا تزال الأجيال العربيّة المتعاقبة -وستبقى- مرددةً رائعته الغنائية الوجدانية:
    أقولُ وقد ناحت بقربي حمامةٌ أيا جارتاه هل تشعرين بحالي
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان-وسيأتي تتمة نسبه عند ذكرهما إن شاء الله تعالى-؛ قال الثعالبي في وصفه: كان فرد دهره، وشمس عصره، أدباً وفضلاً، وكرماً ومجداً، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر، بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة، ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد اشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان الصاحب بن عباد يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرأ القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيباً له وإجلالاً، لا إغفالاً وإخلالاً. وكان سيف الدولة يعجب جداً بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته وستخلفه في أعماله.
    وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها، وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه، ونقلته إلى خرشنة، ثم منها قسطنطينية، وذلك في سنة ثمان. وأربعين وثلثمائة، وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين.
    قلت: هكذا قال أبو الحسن علي بن الزراد الديلمي، وقد نسبوه في ذلك إلى الغلط، وقالوا: أسر أبو فراس مرتين، فالمرة الأولى بمغارة الكحل في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، وما تعدوا به خرشنة، وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها، وفيها يقال: إنه ركب فرسه وركضه برجله، فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات، والله أعلم، والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة إحدى وخمسين، وحملوه إلى قسطنطينية. وأقام في الأسر أربع سنين، وله في السر أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه. وكانت مدينة منبج إقطاعاً له، ومن شعره:
    قد كنت عدتي التي أسطو بهـا

    ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
    فرميت منك بضد ما أملـتـه

    والمرء يشرق بالزلال البـارد
    فصبرت كالولد التقي لـبـره

    أغضى على ألم لضرب الوالد

    وله أيضاً:
    أساء فزادته الإساءة حظـوة

    حبيب على ما كان منه حبيب
    يعد علي الواشـيان ذنـوبـه

    ومن أين للوجه الجميل ذنوب

    وله أيضاً:
    سكرت من لحظه لا من مدامته

    ومال بالنوم عن عيني تمايلـه
    فما السلاف دهتني بل سوالفـه

    ولا الشمول ازدهتني بل شمائله
    ألوى بعزمي أصداغ لوين له

    وغال قلبي بما تحوي غلائله

    ومحاسن شعره كثيرة.
    وقتل في واقعة جرت بينه وبين موالي أسرته في سنة سبع وخمسين وثلثمائة.
    ورأيت في ديوانه أنه لم احضرته الوفاة كان ينشد مخاطباً ابنته:
    أبنـيتـي لا تـجـزعـي

    كل الأنـام إلـى ذهـاب
    نوحي علـي بـحـسـرة

    من خلف سترك والحجاب
    قولي إذا كـلـمـتـنـي

    فعييت عن رد الجـواب
    زين الشبـاب ابـو فـرا

    س لم يمتع بالـشـبـاب

    وهذا يدل على أنه لم يقتل، أو يكون قد جرح وتأخر هوته، ثم مات من الجراحةوقيل إن هذا الشعر قاله وهو أسير في أيدي الروم، وكان قد جرح ثم أسر ثم خلص من الأسر، فداه سيف الدولة مع من فودي من أسرى المسلمين.
    قال ابن خالويه: لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرغويه، فأنفذ إليه من قاتله، فأخذ وقد ضرب ضربات فمات في الطريق.
    وقرأت في بعض التعاليق: أن أبا فراس قتل يوم الأربعاء لثمان خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وثلثمائة، في ضيعة تعرف بصدد.
    وذكر ثابت بن سنان الصابئ في تاريخه، قال: في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى من سنة سبع وخمسين وثلثمائة، جرت حرب بين أبي فراس، وكان مقيماً بحمص، وبين أبي المعالي بن سيف الدولة، واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية إلى أن جاءه بعض الأعراب فكفنه ودفنه.
    قال غيره: وكان أبو فراس خال أبي المعالي، وقلعت أمه سخينة عينها لما بلغها وفاته، وقيل إنها لطمت وجهها فقلعت عينها. وقيل لما قتله قرغويه لم يعلم به أبو المعالي، فما بلغه الخبر شق عليه.
    ويقال: إن مولده كان في سنة عشرين وثلثمائة، والله أعلم. وقيل: سنة إحدى وعشرين.
    وقتل أبوه سعيد في رجب سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، قتله ابن أخيه ناصر الدولة بالموصل، عصر مذاكيره حتى مات لقصة يطول شرحها، وحاصلها أنه شرع في ضمان الموصل وديار ربيعة من جهة الراضي بالله، ففعل ذلك سراً، ومضى إليها في خمسين غلاماً، فقبض ناصر الدولة عليه حين وصل إليها ثم قتله، فأنكر ذلك الراضي حين بلغه، رحمهم الله تعالى.
    وحكى ابن خالويه أيضاً قال: كتب أبو فراس إلى سيف الدولة وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج كتاباً صدره: كتابي أطال الله بقاء مولانا من المنزل وقد وردته ورود السالم الغانم مثقل الظهر والظهر وفراً وشكراً، فاستحسن سيف الدولة بلاغته ووصف براعته، وبلغ ذلك أبا فراس فكتب إليه:
    هل للفصاحة والسما

    حة والعلا عني محيد
    إذ أنت سـيدي الـذي

    ربيتني وأبي سعـيد
    في كل يوم أستـفـي

    د من العلاء وأستزيد
    ويزيد فــي إذا رأي

    تك للندى خلق جديد

    وكان سيف الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة الحروب، فوافت حضرته إحدى المحسنات من قيان بغداد، فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها ولم ير أن يبدأ باستدعائها قبل سيف الدولة، فكتب إليه يستحثه على استحضارها:
    محلك الجوزاء أو أرفـع

    وصدرك الدهناء أو أوسع
    وقلبك الرحب الذي لم يزل

    للجد والهزل به موضـع
    رفه بقرع العود سيفاً غـدا

    قرع العوالي جل ما يسمع

    فبلغت هذه الأبيات الوزير المهلبي فأمر القيان والقوالين بتحفظها وتلحينها، وصار لا يشرب إلا عليها.
    وأهدى الناس إلى سيف الدولة فأكثروا، فكتب إليه أبو فراس:
    نفسي فداؤك قد بعـث

    ت بعهدتي بيد الرسول
    أهديت نفسي إنمـا يه

    دى الجليل إلى الجليل
    وجعلت ما ملكت يدي

    صلة المبشر بالقبـول

    وعزم سيف الدولة على غزو واستخلاف أبي فراس على الشام فكتب إليه قصيدة منها:
    قالوا المسير فهز الرمح عامـلـه

    وارتاح في جفنه الصمصامة الخذم
    حقاً لقد ساءني أمـر ذكـرت لـه

    لولا فراقك لـم يوجـد لـه ألـم
    لا تشغلن بأمر الشـام تـحـرسـه

    إن الشآم على من حـلـه حـرم

    وإن للثغر سوراً من مهابـتـه

    صخوره من أعادي أهله القمم
    لا يحرمني سيف الدين صحبته

    فهي الحياة التي تحيا بها النسم
    وما اعترضت عليه في أوامره

    لكن سألت ومن عاداتهنـعـم

    وكتب إليه يعزيه:
    لابد من فقـد ومـن فـاقـد

    هيهات ما في الناس من خالد
    كن المعزى لا المعـزى بـه

    إن كان لابد مـن الـواحـد

    وله أيضاً:
    المرء نصب مصايب ما تنقضي

    حتى يوارى جسمه في رمسه
    فمؤجل يلقى الردى في أهلـه

    ومعجل يلقى الردى في نفسه

    وله أيضاً وقد سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية وهو في الأسر فقال:
    أقول وقد ناحت بقربي حـمـامة

    أيا جارتا هل بات حالك حالـي
    معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى

    ولا خطرت منك الهموم بـبـال
    أتحمل محزون الـفـؤاد قـوادم

    على غصن نائي المسافة عالـي
    أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننـا

    تعالي أقاسمك الهموم تعـالـي
    تعالي تري روحا لدي ضـعـيفة

    تردد في جسم يعـذب بـالـي
    أيضحك مأسور وتبكي طـلـيقة

    ويسكت محزون ويندب سالـي
    لقد كنت أولى منك بالدمع مقـلة

    ولكن دمعي في الحوادثغالي

    وخرشنة-بفتح ا لخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الشين المثلثة والنون-وهي بلدة بالشام على الساحل، وهي للروم.
    وقسطنطينية-بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون-من أعظم مدائن الروم بناها قسطنطين، وهو أول من تنصر من ملوك الروم.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:08 am

    ابن رشيق القيرواني
    390 - 463 هـ / 1000 - 1071 م
    أبو علي الحسن بن رشيق المعروف بالقيرواني؛ أحد الأفاضل البلغاء. أديب ونقاد وباحث، له التصانيف المليحة منها: كتاب العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه، وكتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد.
    ولد بالمسيلة وتأدب بها قليلاً، ثم ارتحل إلى القيروان سنة ست وأربعمائة. وقال غيره: ولد بالمهدية سنة تسعين وثلثمائة،، وأبوه مملوك رومي من موالي الأزد، وتوفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة. وكانت صنعة أبيه في بلدة - وهي المحمدية - الصياغة، فعلمه أبوه صنعته، وقرأ الأدب بالمحمدية، وقال الشعر، وتاقت نفسه إلى التزيد منه وملاقاة أهل الأدب، فرحل إلى القيروان واشتهر بها ومدح صاحبها واتصل بخدمته، ولم يزل بها إلى أن هاجم العرب القيروان وقتلوا أهلها وأخربوها، فانتقل إلى جزيرة صقلية، واقام بمازر إلى أن مات.
    ومن تصانيفه أيضاً: قراضة الذهب، وهو لطيف الجرم كبير الفائدة، وله كتاب الشذوذ في اللغة، يذكر فيه كل كلمة جاءت شاذة في بابها. وكتاب طراز الأدب وكتاب الممادح والمذام وكتاب متفق التصحيف وكتاب تحرير الموازنة وكتاب الاتصال وكتاب المن والفداء وكتاب غريب الأوصاف التشبيهات لما انفرد به المحدثون وكتاب أرواح الكتب وكتاب شعراء الكتاب وكتاب المعونة في الرخص والضرورات وكتاب الرياحين وكتاب صدق المدائح وكتاب الأسماء المعربة وكتاب إثبات المنازعة وكتاب معالم التاريخ وكتاب التوسع في مضايق القول وكتاب الحيلة والاحتراس. وكانت بينه وبين أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد بن أحمد المعروف بابن شرف القيرواني وقائع ومجاريات كثيرة.
    المرجع: وفيات الأعيان


    قَدْرُ المُدامَة ِ فوقَ قَدْرِالماءِ

    ابن رشيق
    قَدْرُ المُدامَة ِ فوقَ قَدْرِالماءِ
    فَارْغَبْ بِكاسِكَ عَنْ سِوَىالأَكْفاءِ
    مَا لي وَمَزْجُ کلرَّاحِ إلاَّفي فَمي
    بِالرِّيقِ مِنْ فَمِ غَادَة ٍحَسْناءِ
    ذَاكَ المِزَاجُ وَإِنْتَعَدَّاني الَّذي
    في المُزْنِ مِنْ ذِي رِقَّة ٍوَصَفاءِ
    أَشْهَى وَأَبْلَغُ فيکلْفُؤَادِ مَسرَّة ً
    مِنْ غَيْرِهِ وَأَدَبُّ فيکلأَعْضاءِ
    لي الصِّرْفُ إِنْ فَرِحَالنَّديمُ وَلَمْ أَكُنْ
    مُسْتَأْثِراً فِيها عَنِالنُّدَماءِ




    وَمُهَفْهَفٍ يَحْميهِ عَنْنَظَرِ کلْوَرَى
    ابن رشيق
    وَمُهَفْهَفٍ يَحْميهِ عَنْنَظَرِ کلْوَرَى
    غيرانُ سكنَى المُلكِ تحتَقِبابِهِ
    أَوْما إِلَيَّ أَنِ کئْتِنيفأَتَيْتُهُ
    والفجرُ يرمُقُ منْ خِلالِنِقابهِ
    وَضَمَمْتُهُ لِلصَّدْرِ حَتَّىاسْتَوْهَبَتْ
    مِنِّي ثِيابي بَعْضَ طِيْبِثِيابِهِ
    فَلَثَمْتُ خَدًّا مِنْهُضَرَّمَ لَوْعَتي
    وَجعَلتُ أُطفي حَرَّهابِرضابِهِ
    فَكَأَنَّ قَلْبي مِنْ وَراءِضُلوعِهِ
    طَرباً يُخَبِّرُ قَلبَهُعَمَّا بِهِ




    أَرَى النَّاسَ مِنْ ضِدَّيْنِ صِيغَتْ طِباعُهُمْ
    ابن رشيق
    أَرَى النَّاسَ مِنْ ضِدَّيْنِصِيغَتْ طِباعُهُمْ
    فَظاهِرُهُمْ ماءٌ وَباطِنُهُمْنارُ
    وَإِنَّ کبْنَ عَبْدِاللهقاضِيَ عَصرِهِ
    لأَفْضَلُ مَنْ يُثْنَىعَلَيْهِ وَيُخْتارُ
    كَرِيْمٌ أَرادَ کلله إِتْمامَفَضْلِهِ
    فَأَخْلاقُهُ أَرضٌ وَجَدْواهُأَمْطارُ
    لَهُ بَدَاهاتٌ حِينَ لايَنْطقُ الوَرَى
    وَرَأيٌ إذا ما استَعْجَزالسَّيْفُ بَتَّارُ
    وَلَمْ أَرَ بَحْراً قَطيُدْعَى بِجَعْفَرٍ
    سِوَاهُ وَإِلاَّ فَالْجَعافِرُأَنْهارُ





    يا مَوْضِعَي أَمَلي عَلى التَّحْقيقِ
    ابن رشيق
    يا مَوْضِعَي أَمَلي عَلىالتَّحْقيقِ
    وَسَمِيَّيِ الصِّدِّيقِوالفاروقِ
    ما زالَ رَأْيُكُما كَرَأيِأَبيكُما
    يَجْري على التَّسْديدِوالتَّوفيقِ
    لكِنْ أَمُتُّ إلَيْكُما دُونَالوَرى
    فَسَرقتُ أمنَ ما لكونفويقَ
    مِنْ أَيِّ وَجْهٍ تَنْصُرانِمُخاصِمي
    مِنْ بعدِ ما وَجَبتْ عَليهِحُقُوقي
    وَأنا أَحَقُّ بِذاكَ غَيْرُمُدافَعٍ
    في كُلِّ ناحِيَة ٍ وَكُلِّطَريقِ
    إِنْ كانَ إشْفاقاً عَلَيْهِفَإنَّهُ
    فِيما تَعَلَّى لَمْ يَكُنْبِشَفيقِ
    لا تَرْغَبا في بِرِّ مَنْ هُوَمِثْلُهُ
    فَلَرُبَّ بِرٍّ في جِوَارِعُقٌوقِ
    وَإِذا کلْفَتى لَم يَرْضَ مِنْخَلاَّقِهِ
    لَم تَلْقَهُ يَرْضَى عَنکلمَخْلوقِ
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:09 am

    بشّـار بـن بُـرد
    91-167هـ


    هو أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء، أي انّه كان رقيقًا فأعتقته امرأة عقيلية، فصارت مولاته فنُسِبَ إليها.
    هو بصريّ-ضرير، كان من فحول الشّعراء وأصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، القائد العربي المشهور.
    وُلِدَ أعمى، أكمَه، جحظ الحدقتين قد تغشاهما لحمٌ أحمر، وكان ضخمًا عظيم الخلق والوجه، مجدرًا طويلاً؛ وهو أوّل مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين.
    يروى عنه، وهو مما عزى إليه من آثار الزّندقة، أنّه كان يُفضّل طبيعة النّار على طبيعة الطّين، ويصوّب رأي إبليس في عدم السّجود لآدم. ويُنسَب إليه قوله: "الأرض مظلمةٌ والنّار مشرِقَةٌ والنار معبودةٌ مذ كانت النار".
    وفي المفاضلة بين إبليس وآدم يقول:
    إبليس أفضل من أبيكم آدم فتبصّروا يا معشر الأشرارِ
    النارُ عنصُرُه وآدم طينة والطينُ لا يسمو سـموَّ النارِ
    ورُوِيَ أنّه قد فُتِّشَت كتبه، فلم يُعثَر فيها على شيءٍ مما عزي له. ووُجِدَ له كتاب فيه قوله "إنّي أردتُ هجاء آل سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس، رضي اللّه عنهم، فذكرتُ قرابتهم من رسول اللّه فأمسكت عنهم".
    وقال المهدي في تاريخه: "كان سببُ قتل المهدي لبشّار أنّ المهدي ولّى صالح بن داود أخا يعقوب بن أود ولايةً"، فهجاه بشّار بقوله ليعقوب:
    هُمو حَمَلوا فوق المنابر صالحًا أخاك فضجّت من أخيك المنابر".
    فبلغ يعقوب هجاؤه، فدخل على المهدي وقال له: "إنّ بشار هجاك". قال: "ويلك! ماذا قال؟". قال: "يعفيني أمير المؤمنين من ذلك". فقال: "لا بُدّ". فأنشده شعرًا فيه فحش. فطلبه المهدي، فخاف يعقوب أن يدخل عليه فيمدحه فيعفو عنه. فوجّه إليه مَن ألقاه في البطيحة. ومن شعر بشار قوله:
    إذا بلغ الرّأي المشـورة فاسْتَعِن بحزم نصيح أو نصاحة حازم
    ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة فَرِيش الخوافي تابع للقوادم
    وما خير كفّ أمسك الغل أختهـا وما خير سيفٍ لم يؤيّد بقائم.
    عالج بشّار في شعره مختلف الأغراض الشعرية المعروفة، من مديحٍ إلى غَزَلٍ؛ ولكنّه برع في الهجاء، ولم يتورّع عن استخدام بذيء الكلام فيه.
    غير أنّ للشّاعر أبياتًا في الصّداقة وأصولها ما يثير الإعجاب والإستغراب، كون هذا الإنسان الفاسق يصدرُ عنه مثل هذا الموقف الإنساني النّبيل. ومن أبياته هذه قوله:

    إذا كُنتَ في كلّ الأمورِ معاتباً صديقَكَ لم تلقَ الذي لا تُعاتِبُهُ
    فَعِش واحداً أو صِل أخاك فإنهُ مُقارِفُ ذنبٍ مرّةً ومُجـانبُه
    إذا أنت لم تشرب مراراّ على القذى ظمِئتَ، وأيّ الناس تصفو مشاربُه
    ويُعتَبر بشار بن برد جسراً بين القديم والجديد، إذ كان شعره مزيجًا من قساوة البادية ونعومة الحاضرة.
    وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أ بو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء الضرير الشاعر المشهور؛ ذكر له أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ستة وعشرين جدا أسماؤهم أعجمية، أضربت عن ذكرها لطولها واستجامها وربما يقع فيها التصحيف والتحريف، فإنه لم يضبط شيئاً منها، فلا حاجة إلى الاطالة فيها بلا فائدة، وذكر من أحواله وأموره فصولا كثيرة.
    وهو بصري قدم بغداد، وكان يلقب بالمرعث، وأصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، ويقال: إن بشاراً ولد على الرق أيضا، وأعتقته امرأة عقيلية فنسب إليها، وكان أكمة ولد أعمى، جاحظ الحديقتين، قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخماً عظيم الخلق والوجه مجدراً طويلاً، وهو في أول مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين فيه، فمن شعرهفي المشورة، وهو من أحسن شيء قيل في ذلك:
    إذا بلغ الرأي المشورة فاستـعـن

    بحزم نصيح أو نصـاحة حـازم
    ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

    فريش الخوافي تابع لـلـقـوادم
    وما خير كف أمسك الغل أختهـا

    وما خير سيف لـم يؤيد بـقـائم

    وله البيت السائر المشهور، وهو:
    هل تعلمين وراء الحب منزلة

    تدني إليك فإن الحب أقصاني

    ومن شعره، وهو أغزل بيت قاله المولدون:
    أنا والله أشتهي سحر عينـي

    ك وأخشى مصارع العشاق

    ومن شعره أيضاً:
    ياقوم أذني لبعض الحي عاشـقة

    والأذن تعشق قبل العين أحيانـا
    قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم

    الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

    أخذ معنى البيت الأول لأب حفص عمر المعروف بابن الشحنة الموصلي من جملة قصيدة عدد أبياتها مائة وثلاثة عشر بيتاً يمدح بها السلطان صلاح الدين، رحمه الله تعالى، فقال:
    وإني امرؤ أحببتكم لـمـكـارم

    سمعت بها والأذن كالعين تعشق

    وشعر بشار كثير سائر، فنقتصر منه على هذا القدر.
    وكان يمدح المهدي بن المنصور أمير المؤمنين، ورمي عنده بالزندقة، فأمر بضربه فضرب سبعين سوطاً، فمات من ذلك في البطيحة بالقرب من البصرة، فجاء بعض أهله فحمله إلى البصرة ودفنه بها، وذلك في سنة سبع، وقيل: ثمان وستين ومائة، وقد نيف على تسعين سنة، رحمه الله تعالى.
    ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه وسلامه، وينسب إليه من الشعر في تفضيل النار على الأرض قوله:
    الأرض مظلمة، والنار مشرقة

    والنار معبودة مذ كانتالنـار

    وقد روي أنه فتشت كتبه فلم يصب فيها شيء مما كان يرمى به، وأصيب له كتاب فيه إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس - رضي الله عنهم - فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم والله أعلم بحاله.
    وقال الطبري في تاريخه: كان سبب قتل المهدي لبشار أن المهدي ولى صالح بن داود أخا يعقوب بن داود وزير المهدي ولايةً، فهجاه بشار بقوله ليعقوب:
    هم حملوا فوق المنابر صالحـاً

    أخاك فضجت من أخيك المنابر

    فبلغ يعقوب هجاؤه، فدخل على المهدي وقال له: إن بشارا هجاك، قال: ويلك، ماذا قال؟ قال: يعفيني أمير المؤمنين من إنشادذلك، فقال: لابد، فأنشده:
    خلـيفة يزنـي بـعـمـاتـه

    يلعب بالدبوق والصولـجـان
    أبـدلـنـا الـلـه بـه غـيره

    ودس موسى في حر الخيزران

    فطلبه المهدي، فخاف يعقوب أن يدخل عليه فيمدحه فيعفو عنه، فوجه إليه من ألقاه في البطيحة.
    ويرجوخ: بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو الساكنة خاء معجمة.
    والعقيلي - بضم العين المهملة وفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام - هذه النسبة إلى عقيل بن كعب، وهي قبيلة كبيرة.
    والمرعث - بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة المفتوحة وعدها ثاء مثلثة - وهو الذي في أذنه رعاث، والرعاث القرطة، واحدتها رعثة، وهي القرط، قلب بذلك لأنه كان مرعثاً في صغره، ورعثات الديك المتدلي أسفل حنكه، والرعث: الاسترسال والتساقط، وكأن اسم القرطة اشتق منه، وقيل في تلقيبه بذلك غير هذا، وهذا أصح.
    وطخارستان - بضم الطاء المهملة وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء مضمومة وبعدها سين ساكنة مهملة ثم تاء مثناة من فوقها وبعد الألف نون - وهي ناحية كبيرة مشتملة على بلدان وراء نهر بلخ على جيحون خرج منها جماعة من العلماء.
    وفي "الأغاني" قال أبو الفرج الأصفهاني: هو، فيما ذكره الحسن بن علي عن محمد بن القاسم بن مهروية عن غيلان الشعوبي، بشار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن بن أزدكرد بن حسيس بن مهران بن خسروان بن أخشين بن شهر داد بن نبوذ بن ماخرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكر بن أدريوس بن يستاسب" بن لهراسف". قال: وكان يرجوخ من طخارستان من سبى المهلب بن أبي صفرة. ويكنى بشار أبا معاذ. ومحله في الشعر وتقدمه طبقات المحدثين فيه بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محله. وهو من مخضرمي شعراء الدولتين العباسية والأموية، قد شهر فيهما ومدح وهجا وأخذ سني الجوائز مع الشعراء.
    أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال: قال حميد بن سعيد: كان بشار من شعب أدريوس بن يستاسب الملك بن لهراسف الملك. قال: وهو بشار بن برد بن بهمن بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز. قال: وكان يكنى أبا معاذ.
    ولاؤه لبني عقيل: وأخبرني يحيى بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي وغيرهما عن الحسن بن عليل العنزي عن خالد بن يزيد بن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال: كان بشار بن برد بن يرجوخ وأبوه برد من قن خيرة القشيرية امرأة المهلب بن أبي صفرة، وكان مقيماً لها في ضيعتها بالبصرة المعروفة " بخيرتان" مع عبيد لها وإماء، فوهبت براداً بعد أن زوجته لامرأة من بني عقيل كانت متصلة بها، فولدت له امرأته وهو في ملكها بشاراً فأعتقته العقيلية وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان برد أبو بشار مولى أم الظباء العقيلية السدوسية، فادعى بشار أنه مولى بني عقيل لنزوله فيهم.
    وأخبرني امد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثني رجل من ولد بشار يقال له حمدان كان قصارا بالبصرة، قال: ولاؤنا لبني عقيل؛ فقلت لأيهم؟ فقال: لبني ربيعة بن عقيل وأخبرني وكيع قال حدثني سليمان المدني قال قال أحمد بن معاوية الباهلي: كان بشار وأمه لرجل من الأزد، فتزوج امراة من بني عقيل، فساق إليها بشاراً وأمه في صداقها، وكان بشار ولد مكفوفاً فأعتقته العقيلية.
    أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثني محمد بن الحجاج قال: باعت أم بشار بشاراً على أم الظباء السدوسية بدينارين فأعتقته. وأم الظباء امراة أوس بن ثعلبة أحد بن تيم اللات بن ثعلبة، وهو صاحب قصر أوس بالبصرة؛ وكان أوس أحد فرسان بكر بن وائل بن بخراسان
    كان أبوه طساناً
    وقد هجاه بذلك حماد عجرد: أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن زيد العجلي قال أخبرني بدر بن مزاحم: أن برداً أبا بشار كان طياناً يضرب اللبن، وأراني أبي بيتين" لناً فقال لي: لبن هذين البيتين من ضرب برد أبي بشارٍ. فسمع هذه الحكاية حماد عجردٍ فهجاه فقال:
    يابن برد إخسأ إليك فمثـل ال


    كلب في الناس أنت لا الإنسان
    بل لعمري لأنت شر من الكل


    ب وأولى منه بكـل هـوان
    ولريح الخنزير أهون من ري


    حك يابن الطيان ذي التـبـان


    أنشد للمهدي شعراً في أنه عجمي بحضور أبي دلامة:
    أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن أبي الصلت البصري عن أبي عدنان قال حدثني يحيى بن الجون العبدي رواية بشار قال: قال: لما دخلت على المهدي قال لي: فيمن تعتذ يابشار؟ فقلت: اما اللسان والزي فعربيان، وأما الأصل فعجمي، كما قلت في شعري ياأمير المؤمنين:
    ونبئت قـومـاً بـهـم جـنة


    يقولون من ذا وكنت العـلـم
    ألا أيها السـائلـي جـاهـداً


    ليعرفني أنا أنـف الـكـرم
    نمت في الكرام بني عـامـر


    فروعي وأصلي قريش العجم
    فإني لأغني مقـام الـفـتـى


    وأصبي الفتاة فما تعتـصـم

    قال: وكان أبو دلامة حاضراً فقال: كلا! لوجهك أقبح من ذلك ووجهي مع وجهك؛ فقلت: كلا! والله مارأيت رجلاً أصدق على نفسه وأكذب على جليسه منك، والله إني لطويل القامة عظيم الهامة تام الألواح أسحج الخدين، ولرب مسترخي المذورين للعين فيه مراد قد جلس من الفتاة حجرة وجلست منها حيث أريد، فأنت مثلي يامرضعان! "قال": فسكت عني، ثم قال لي المهدي: فمن أي العجم أصلك؟ فقلت: من أكثرها في الفرسان، وأشدها على الأقران، أهل طخازستان؛ فقال بعض القوم: أولئك الصغد؛ فقلت: لا، الصغد تجار؛ فقال بعض القوم: اولئك الصغد؛ فقلت: لا الصغد تجار؛ فلم يردد ذلك المهدي
    كان كثير التلون في ولائه للعرب مرة وللعجم أخرى:
    وكان بشار كثير التلون في ولائه، شديد الشغب والتعصب للعجم، مرة يقول يفتخر بولائه في قيس:
    أمنت مضرة الفحشـاء أنـى


    أرى قيساً تضر ولاتـضـار
    كأن الناس حين تغيب عنـهـم


    نبات الأرض أخطأه القطـار
    وقد كانت بتذمر خـيل قـيس


    فكان لتدمـر فـيهـا دمـار
    بحي من بني عـيلان شـوس


    يسير الموت حيث يقال ساروا
    ومانلـقـاهـم إلا صـدرنـا


    بري منـهـم وهـم حـرار

    ورمة يتبرأ من ولاء العرب فيقول
    أصبحت مولى ذي الجلال وبعضهم


    مولى العريب فخذ بفضلك فافخر
    مولاك أكرم من تمـيم كـلـهـا


    أهل الفعال ومن قريش المشعـر
    فارجع إلى مولاك غير مـدافـع


    سبحان مولاك الأجـلالأكـبـر

    وقال يفتخر بولاء بني عقيل:
    إنني من بني عقيل بن كـعـب


    موضع السيف من طلى الأعناق


    كان يلقب بالمرعث وسبب ذلك
    ويكنى أبا بشار أبا معاذ، ويلقب بالمرعث.
    أخبرني عمي ويحيى بن علي قالا حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني محم بن سلام قال: بشار المرعث هو بشار بن برد، وإما سمي المرعث بقوله:
    قال ريم مـرعــث


    ساحر الطرف والنظر
    لست والـلـه نـائلـي


    قلت أو يغلب القـدر
    أنت إن رمت وصلنـا


    فانج، هل تدرك القمر

    قال أبو أيوب: وقال لنا ابن سلام مرة أخرى: إنما سمي بشار المرعث، لأنهه كان لقميصه جيبان: جيب عن يمينه وجيب عن شماله، فإذا أراد لبسه ضمه عليه من غير أن يدخل رأسه فيه، وإذا أراد نزعه حل أزاره وخرج منه، فشبهت تلك الجيوب بالرعاث لاسترسالها وتدليلها، وسمي من أجلها المرعث.
    أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي قال حدثني أبو حانم قال قال لي أبو عبيدة: لقب بشار بالمرعث لأنه كان في أذنه وهو صغير رعاث. والرعاث: القرطة، واحدتها رعثة وجمعها رعاث، "ورعثات". ورعثات الديك: اللحم المتدلي تحت حنكه؛ قال الشاعر:
    سقيت أب المصرع إذ أتأني


    وذو الرعثات منتصب يصيح
    شراباً يهرب الئبـان مـنـه


    ويلثغ حين يشربه الفصـيح

    قال: والرعث: الاسترسال والتساقط. فكان اسم القرطة اشتق منه.
    كان أشد الناس تبرماً بالناس
    أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن بدر العجلي قال: سمعت الأصمعي يذكر أن بشاراً كان من أشد الناس تبرماً بالناس، وكان يقول: الحمد لله الذي دهب ببصري؛ فقيل له: ولم يا أبا معاذ؟ قال: لئلا ارى من أبغض. وكان يلبس قميصاً له لبنتان، فإذا أراد أن ينزعه نزعه من أسفله، فبذلك سمي المرعث
    صفاته
    أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا قعنب بن محز عن الأصمعي قال: كان بشار ضخماً، عظيم الخلق والوجه، مجدوراً، طويلاً، جاحظ المقلتين قد تغشاهما لحم أحمر، فكان أقبح الناس عمى وأفظعه منظراً وكان إذا أراد أن ينشد صفق بيديه وتنحنح وبصق عن يمينه وشماله ثم ينشد فيأتي بالعجب ولد أعمى وهجى بذلك وشعره في العمى أخبرنا يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني عن محمد بن سلام قال: ولد بشار أعمى، وهو الأكمه. وقال في تصداق ذلك أبو هشام الباهلي يهجوه:
    وعبدي فقا عينيك في الرحم أيره


    فجشت ولم تعلم لعينيك فـاقـيا
    أأمك يابشار كانـت عـفـيفة؟


    علي إذا مشي إلى البيتحافـيا

    قال: ولم يزل بشار منذ قال فيه هذين البيتين منكرساً: أخبرنا هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قل: ولد بشار أعمى فما نظر إلى الدنيا قط، وكان يشبه الأشياء بعضها ببعض في شعره فيأتي بما لايقدر البصراء أن يأتوا بمثله؛ فقيل له يوماً وقد أنشد قوله:
    كأن مثار النقع فوق رؤوسنا


    وأسافنا ليل تهاوىكواكبـه

    ماقال أحد أحسن من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط ولاشيئاً فيها؟ فقال: إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفر حسه وتذكو قريحته؛ ثم أنشدهم قوله:
    عميت جنيناً والذكاء من العمـى


    فجئت عجيب الظن للعلم موثلا
    وغاض ضياء العين للعلم رافـداً


    لقلب إذا ماضيع الناس حصـلا
    وشعر كنور الروض لاءمت بينه


    بقول إذا ما أحزن الشعرأسهلا

    أخبرنا هاشم قال حدثنا العنزي عن قعنب بن وحرز عن أبي عبد الله الشرادني قال: كان أبو بشار أعمى طويلاً "ضخماً" آدم مجدورا.
    وأخبرني يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني قال قال الحمراني قالت لي عمتي: زرت قرابة" لي في بني عقيل فإذا أنا بشيخ أعمى ضخم ينشد:
    من المفتون بشـار بـن بـرد


    إلى شيبان كهلـهـم ومـرد
    بأن فتاتكم سـلـبـت فـؤادي


    فنصف عندها والنصف عندي

    فسألت عنه فقيل لي: هذا بشار
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:10 am

    أدونيس
    1930م-

    هو الشاعر والناقد علي أحمد سعيد المعروف بأدونيس. ولد في قرية قصابين بسوريا. درس في قريته على يد أبيه ثم التحق بالليسيه الفرنسية في طرطوس حيث أكمل دراسته الإعدادية وأنهى المرحلة الثانوية في الثانوية الرسمية باللاذقية. حاز الإجازة الجامعية في الفلسفة من الجامعة السورية في دمشق وحصل على الدكتوراه في الأدب العربي سنة 1973 من جامعة القديس يوسف في بيروت.

    أدونيس من الشعراء المجددين في الشعر العربي. وهو من رواد الشعر الحديث الذين حاولوا التحرر من الإطار التقليدي. وكان من حوله عدد من الشعراء الجدد بينهم يوسف الخال ومحمد الماغوط وأنسي الحاج وسواهم.

    من مؤلفاته: قالت الأرض، قصائد أولى، أوراق في الريح، أغاني مهيار الدمشقي، وقت بين الرماد والورد، كتاب الحصار، إلخ.. وقد جمعت إحدى دور النشر البيروتية آثاره الشعرية حتى مطلع السبعينات من القرن الماضي في مجموعة من مجلدين. وله في الدراسات: مقدمة للشعر العربي، رمز الشعر، الثابت والمتحول، الصوفية والسريالية، النظام القرآني وآفاق الكتابة.

    لم يعد غير الجنون

    أدونيس
    إنني ألمحهُ الآنَ على شبّاك بيتي

    ساهرًا بين الحجار الساهره

    مثل طفلٍ علَّمته الساحره

    أنَّ في البحر امرأه

    حمَلتْ تاريخه في خاتمٍ

    وستأتي

    حينما تخمد نارُ المدفأه

    ويذوب الليل من أحزانِه

    في رماد المدفأه...

    ... ورأيت التاريخ في رايةٍ سوداء يمشي كمنهزم

    لم أُؤرّخْ عائشٌ في الحنين في النار في الثورة في

    سحر سُمِّها الخلاَّق

    وطني هذه الشرارة, هذا البرق في ظلمة الزمان

    الباقي... .


    أول الكلام

    أدونيس
    ذلك الطّفل الذي كنتُ, أتاني

    مرّةً

    وجهًا غريبًا.

    لم يقل شيئًا. مشينا

    وكِلانا يرمقُ الآخرَ في صمتٍ. خُطانا

    نَهَرٌ يجري غريبًا.

    جمعتْنا, باسْمِ هذا الورقِ الضّارب في الرّيح, الأصولُ

    وافترقْنا

    غابةً تكتبها الأرضُ وترْويها الفصولُ.

    أيها الطّفل الذي كنتُ, تَقَدَّمْ

    ما الذي يجمعنا, الآنَ, وماذا سنقولُ? .


    لو أن البحر يشيخ

    أدونيس
    لو أنّ البحر يشيخ

    لاختار بيروت ذاكرة له.

    كلّ لحظة

    يبرهن الرماد أنه قصر المستقبل.

    يسافر,

    يخرج من خطواته

    ويدخل في أحلامه.

    كلما هذّبته الحكمة

    فضحته التجربة.

    يرسم خرائط

    لكنّها تمزّقه.

    أغلق بابه

    لا لكي يقيد أفراحه,

    بل لكي يحرّر أحزانه,

    رماده يفاجىء النار

    وناره تفاجىء الوقت.

    ينكر الأشياء التي تستسلم له

    تنكره الأشياء التي يستسلم لها.

    الماضي بحيرة

    لسابح واحد: الذكرى.

    لا وقت للبحر لكي يتحدث مع الرمل:

    مأخوذ دائمًا بتأليف الموج.

    اليأس عادة, والأمل ابتكار.

    للفرح أجنحة وليس له جسد,

    للحزن جسد وليس له أجنحة.

    الحلم هو البريء الوحيد

    الذي لا يقدر أن يحيا إلاّ هاربًا.

    الفكر دائمًا يعود

    الشعر دائمًا يسافر.

    السرّ أجمل البيوت

    لكنه لا يصلح للسكنى.

    يصدأ اللسان من كثرة الكلام,

    تصدأ العين من قلة الحلم.

    أنّى سافرت, كيفما اتّجهت:

    أعماقك أبعد الأمكنة.

    جُرحتُ باكرًا

    وباكرًا عرفت:

    الجراح هي التي خلقتني.

    قرية صغيرة هي طفولتك

    مع ذلك,

    لن تقطع تخومها

    مهما أوغلتَ في السفر .


    وطني فيّ لاجيء

    أدونيس
    وليكنْ وجهيَ فيئًا!

    دهْرٌ من الحجر العاشق يمشي حولي أنا

    العاشق الأول للنار

    تحبلُ النار أياميَ نارٌ أُنثى دَمٌ تحت

    نهديها صليلٌ والإِبطُ آبارُ دمعٍ نهَرٌ تائهٌ وتلتصق

    الشمس عليها كالثوبِ تزلقُ جرحٌ فَرَّعتْه

    وشعشعَتْهُ ببَاهٍ وبهارٍ (هذا جنينُكِ?) أحزانيَ وَرْدٌ.

    دخلتُ مدرسة العشب جبيني مُشقّقٌ ودمي يخلع

    سلطانَه: تساءلتُ ما أفعلُ? هل أحزم المدينة

    بالخبز? تناثرتُ في رواقٍ من النار اقتسمْنا

    دمَ الملوكِ وجعْنا

    نحمل الأزمنه

    مازجين الحصى بالنجومْ

    سائقين الغيومْ.

    كقطيعٍ من الأحصنَه.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:10 am

    مظفر النواب
    1934-

    مظفر عبد المجيد النواب شاعر عراقي معاصر، ولد في بغداد من أسرة ثرية أرستقراطية تتذوق الفنون والموسيقى وتحتفي بالأدب. وفي أثناء دراسته في الصف الثالث الابتدائي اكتشف أستاذه موهبته الفطرية في نظم الشعر وسلامته العروضية، وفي المرحلة الإعدادية أصبح ينشر ما تجود به قريحته في المجلات الحائطية التي تحرر في المدرسة والمنزل كنشاط ثقافي من قبل طلاب المدرسة.

    ولكن والده تعرض إلى هزة مالية أفقدته ثروته. تابع دراسته في كلية الآداب ببغداد وبعد انهيار النظام الملكي في العراق عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد.

    في عام 1963 اضطر لمغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من قبل النظام الحاكم، فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا ان المخابرات الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى روسيا و سلمته إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية- العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.

    في هذا السجن قام مظفر النواب ومجموعة من السجناء بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ثم توجه إلى الجنوب (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية. غادر بغداد إلى بيروت في البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر به المقام أخيراً في دمشق.

    كرس مظفر النواب حياته لتجربته الشعرية وتعميقها، والتصدي للأحداث السياسية التي تلامس وجدانه الذاتي وضميره الوطني.
    وللتنويه ان مظفر النواب قام قبل سنواب هو وعالم اجنبي بالتحضير لرسالة الدكتوراة في علم الباراسيكولوجيا والان مظفر النواب يعاني على فراش الموت من مرض العضال القاتل.


    يوميات عروس الإنتفاضة
    مظفر النواب
    بدأ الصمت

    والطرقات الصغيرة

    حطت على كتفها صبرها

    والدموع المباركة الرزق

    كانت تضيء البيوت

    أمام الغروب العظيم

    ورياح السموات

    تمسح رفتها بالغسل

    فما زال من بقع الدم

    نجمات عشق تضيء وتخبو

    كأن يبرق الدم شفرته عبر كل الزمان

    كأن الجريمة تمت بمدخل نابلس

    كانت جموع الأفاعي الدميمة

    تسحبهم في الظلام العظيم

    الجريمة تمت بمدخل نابلس

    تلك الجريمة تمت بمدخل نابلس

    نابلس...نابلس

    تلك الجريمة تمت بمدخل نابلس

    كانت حقول من اللوز

    تغرق في الصمغ

    لشتات .... هنا دفنوهم

    لقد بقي الطين ينبض حتى الصباح

    ولم يملأ أعينهم

    أصبح الطين ينظر من أعينهم

    وابتدأت كل عين كحبة زيتون

    تدفع الأرض

    طين رحيم كرب رحيم

    ليلتفت ولد الأفاعي

    فكل فتى في المخيم

    يعرف كيف يدوس رؤوس الأفاعي

    لكل حجارته

    فتية الوطن العربي

    حجار كثير يا وطننا

    فانهضوا للأفاعي

    بأشياء الركب قاطبة

    حجر فوق أفعى هناك

    أرادوا جحيما بمقدار ما نشتهيهم

    نعم .. وليعم الجحيم

    ارم رب الحجر

    ارم .. شلت مدرعة تحت طليات عينيك

    تلتف نابض نار رشيقا

    فما حجر طاش

    من أين هذي الرشاقة للقدر الضخم

    أم أنت مما صبرت نحت القدر وقف....

    كأنك تزلزل ظهر الزمان

    بمقلاعك الأرض ثقلا

    ووجهك بين دخان الدوالي

    اسطع من شمس تموز

    تقحم أو تتراجع مثل تخفي القمر

    لا تحدق بكل مرارة روحك

    غربا وشرقا

    فان الهزيمة ترفع أوقاتها

    نحن شعبك أنت ولسنا شعوبا لهم

    شعبك أنت بكل جمالك

    وجّه ... ولا تتوجه

    بزيف نصائحهم

    عجزوا إذا قدرت

    أزحهم وأيقظ حجار الجحيم

    فان تآمرهم ضد وعي الحجارة

    لا يغتفر


    بيان سياسي
    مظفر النواب
    ليست تسوية ... أو تسوية بل منظور رؤوس الأموال ...

    ومنظور الفقراء أعرف من يرفض حقا

    من تاريخ الغربة والجوع بعينيه وأعرف أمراض التخمة

    يمكنني أن أذكر بعض الأسماء

    لن تصبح أرض فلسطين لأجل سماسرة الأرضيين

    وان حمي الاستنماء

    لا تخشوا أحدا في الحق

    فما يلبس حق نصف رداء

    ليس مقاتل من يدخل نجد بأسلحة فاسدة

    أو يجبن

    فالثورة ليست خيمة فصل للقوات

    ولا تكية سلم للجبناء

    وإياكم أبناء الجوع فتلك وكالة غوث أخرى

    أسلحة فاسدة أخرى

    تقسيم آخر

    لا نخدع ثانية بالمحور او بالحلفاء

    فالوطن الآن على مفترق الطرقات

    وأقصد كل الوطن العربي

    فأما وطن واحد او وطن أشلاء

    لكن مهما كان فلا تحتربوا

    فالمرحلة الآن

    لبذل الجهد مع المخدوعين

    وكشف وجوه الأعداء

    المرحلة الآن لتعبئة الشعب إلى أقصاه

    وكشف الطباخين

    وأي حصاة طبخوا بالوعد وبالماء

    هذي مرحلة ليس تطول

    وأول سيف يشهر ضد الثورة

    مشبوه عن سابع ظهر

    من كل الفرقاء

    لا تنسوا أن سلاح الكحالة ضد فلسطين جميعا

    جزء أو أجزاء

    كشف البطل اللعبة

    أما التفتيش

    فما كشف شيئا في الأشياء

    تتوحم هذي الرجعية ليلا نهارا

    فلا تنسوا تزييت بنادقكم

    أيلول ما زال هنا يتربص في الأنحاء



    القدس عروس عروبتكم
    مظفر النواب
    من باع فلسطين وأثرى بالله

    سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام

    ومائدة الدول الكبرى ؟

    فإذا أجن الليل

    تطق الأكواب بان القدس عروس عروبتنا

    أهلا أهلا أهلا

    من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة ؟

    أقسمت بأعناق أباريق الخمر وما في الكأس من السم

    وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري ببيروت

    تكرش حتى عاد بلا رقبة

    أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة

    لن يبقى عربي واحد إن بقيت حالتنا هذي الحالة

    بين حكومات الكسبة

    القدس عروس عروبتكم

    فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟

    ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها

    وسحبتم كل خناجركم

    وتنافختم شرفا

    وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض

    فما أشرفكم

    أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة ؟

    أولاد القحبة

    لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم

    إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم

    تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم

    لا تهتز لكم قصبة

    الآن أعريكم

    في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي

    في كل زقاق أجد الأزلام أمامي

    أصبحت أحاذر حتى الهاتف

    حتى الحيطان وحتى الأطفال

    أقيء لهذا الأسلوب الفج

    وفي بلد عربي كان مجرد مكتوب من أمي

    يتأخر في أروقة الدولة شهرين قمريين

    تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية كي تحكم فينا

    أعترف الآن أمام الصحراء بأني مبتذل وبذيء كهزيمتكم. يا شرفاء المهزومين

    ويا حكام المهزومين

    ويا جمهورا مهزوما

    ما أوسخنا .. ما أوسخنا.. ما أوسخنا ونكابر

    ما أوسخنا

    لا أستثني أحدا. هل تعترفون

    أنا قلت بذيء

    رغم بنفسجة الحزن

    وإيماض صلاة الماء على سكري

    وجنوني للضحك بأخلاق الشارع و الثكنات

    ولحس الفخذ الملصق في باب الملهى

    يا جمهورا في الليل يداوم في قبو مؤسسة الحزن

    سنصبح نحن يهود التاريخ

    ونعوي في الصحراء بلا مأوى

    هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية ؟

    هذا وطن أم مبغى ؟

    هل أرض هذه الكرة الأرضية أم وكر ذئاب ؟

    ماذا يدعى القصف الأممي على هانوي ؟

    ماذا تدعى سمة العصر و تعريص الطرق السلمية ؟

    ماذا يدعى استمناء الوضع العربي أمام مشاريع السلم

    وشرب الأنخاب مع السافل (فورد) ؟

    ماذا يدعى تتقنع بالدين وجوه التجار الأمويين ؟

    ماذا يدعى الدولاب الدموي ببغداد ؟

    ماذا تدعى الجلسات الصوفية قي الأمم المتحدة ؟

    ماذا يدعى إرسال الجيش الإيراني إلى (قابوس) ؟

    وقابوس هذا سلطان وطني جدا

    لاتربطه رابطة ببريطانيا العظمى

    وخلافا لأبيه ولد المذكور من المهد ديمقراطيا

    ولذلك فتسامح في لبس النعل ووضع النظارات

    فكان أن اعترفت بمآثره الجامعة العربية يحفظها الله

    وأحدى صحف الإمبريالية

    قد نشرت عرض سفير عربي

    يتصرف كالمومس في أحضان الجنرالات

    وقدام حفاة (صلالة)

    ولمن لا يعرف الشركات النفطية

    في الثكنات هناك يراجع قدراته العقلية

    ماذا يدعى هذا ؟؟

    ماذا يدعي أخذ الجزية في القرن العشرين ؟

    ماذا تدعى تبرئة الملك المرتكب السفلس ؟

    في التاريخ العربي

    و لا يشرب إلا بجماجم أطفال البقعة

    أصرخ فيكم

    أصرخ أين شهامتكم..؟

    إن كنتم عربا.. بشرا.. حيوانات

    فالذئبة.. حتى الذئبة تحرس نطفتها

    و الكلبة تحرس نطفتها

    و النملة تعتز بثقب الأرض

    وأما انتم فالقدس عروس عروبتكم

    أهلا..

    القدس عروس عروبتكم

    فلماذا أدخلتم كل السيلانات إلى حجرتها

    ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب

    لصرخات بكارتها

    وسحبتم كل خناجركم

    وتنافختم شرفا

    وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض

    فأي قرون أنتم

    أولاد قراد الخيل كفاكم صخبا

    خلوها دامية في الشمس بلا قابلة

    ستشد ضفائرها وتقيء الحمل عليكم

    ستقيء الحمل على عزتكم

    ستقيء الحمل على أصوات إذاعتكم

    ستقيء الحمل عليكم بيتا بيتا

    وستغرز أصبعها في أعينكم

    أنتم مغتصبي

    حملتم أسلحة تطلق للخلف

    وثرثرتم ورقصتم كالدببة

    كوني عاقرة أي أرض فلسطين

    كوني عاقرة أي أم الشهداء من الآن

    فهذا الحمل من الأعداء

    ذميم ومخيف

    لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية

    يا أمراء الغزو فموتوا

    سيكون خرابا.. سيكون خرابا

    سيكون خرابا

    هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب !!
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:11 am



    إيليا أبو ماضي
    1889- 1957


    هو إيليا بن ظاهر أبي ماضي من كبار شعراء المهجر في أمريكا الشمالية. ولد في المحيدثة بلبنان. بدأ دراسته في قريته ثم سافر إلى الاسكندرية عام 1900م.


    أولع بالأدب والشعر حفظاً ومطالعة ونظماً ، وفي عام 1911م أصدر ديوانه الأول ( تذكار الماضي ).


    هاجر إيليا أبو ماضي إلى الولايات المتحدة وأقام في مدينة سنسناتي واحترف التجارة. وفي عام 1916 انتقل إلى نيويورك حيث انضم إلى نخبة الأدباء المهجريين الذين أسسوا الرابطة القلمية وفيها طبع ديوانه الثاني الذي قدم له الشاعر جبران خليل جبران وانصرف منذ ذلك الحين إلى الصحافة فعمل في جريدة مرآة الغرب ثم أصدر جريدة السمير أسبوعية ثم يومية عام 1929م في بروكلن إلى أن توفي بها .
    أصدر ديوانه الثالث الذي قدم له الشاعر ميخائيل نعيمة عام 1925م، وفي عام 1940م أصدر ديوانه" الخمائل " وقد نظم بعد ذلك شعر كثير نشرها في الصحف والمجلات في الوطن وفي المهجر.


    فلسطين
    إيليا أبو ماضي



    ديار السّلام ، و أرضالهنا



    يشقّ على الكلّ أن تحزنا



    فخطب فلسطين خطبالعلى



    و ما كان رزء العلى هيّنا



    سهرنا له فكأنّالسيوف



    تحزّ بأكباد ههنا



    و كيف يزور الكرىأعينا



    ترى حولها للرّدى أعينا ؟



    و كيف تطيب الحياةلقوم



    تسدّ عليهم دروب المنى ؟



    بلادهم عرضةللضّياع



    و أمّتهم عرضة للفنا



    يريد اليهود بأنيصلبوها



    و تأبى فلسطين أن تذعنا



    و تأبى المرؤة فيأهلها



    و تأبى السّيوف ، و تأبى القنا



    أأرض الخيال وآياته



    و ذات الجلال ، و ذات السنا



    تصير لغوغائهممسرحا



    و تغدو لشذّاذهم مكمنا ؟



    بفسي " أردنّها " السلسبيل



    و من جاوروا ذلك الأردنا



    لقد دافعوا أمس دونالحمى



    فكانت حروبهم حربنا



    و جادوا بكلّ الذيعندهم



    و نحن سنبذل ما عندنا



    فقل لليهود وأشياعهم



    لقد خدعتكم بروق المنى



    ألا ليت " بلفور " أعطاكم



    بلادا له لا بلادا لنا



    " فلندن " أرحب منقدسنا



    و أنتم أحبّ إلى " لندنا "



    ومنّاكم وطنا فيالنجوم



    فلا عربيّ بتلك الدنى



    أيسلب قومكم رشدهم



    و يدعوه قومكم محسنا ؟



    و يدفع للموتبالأبرياء



    و يحسبه معشر ديّنا ؟



    و يا عجبا لكمتوغرون



    على العرب " التامز و الهندسنا "



    و ترمونهم بقبيحالكلام



    و كانوا أحقّ بضافي الثنا



    و كلّ خطيئاتهمأنّهم



    يقولون : لا تسرفوا بيتنا



    فليست فلسطين أرضامشاعا



    فتعطى لمن شاء أن يسكنا



    فإن تطلبوها بسمرالقنا



    نردّكم بطوال القنا



    ففي العربيّ صفاتالأنام



    سوى أن يخاف و أن يجبنا



    و إن تحجلوا بيننابالخداع



    فلن تخدعوا رجلا مؤمنا



    و إن تهجروها فذلكأولى



    فإنّ " فلسطين " ملك لنا



    و كانت لأجدادناقبلنا



    و تبقى لأحفادنا بعدنا



    و إنّ لكم بسواهاغنى



    و ليس لنا بسواها غنى



    فلا تحسبوها لكمموطنا



    فلم تك يوما لكم موطنا



    و ليس الذي نبتغيهمحالا



    و ليس الذي رمتم ممكنا



    نصحناكم فارعووا وانبذوا



    " بلفور " ذيّالك الأرعنا



    و إمّا أبيتمفأوصيكم



    بأن تحملوا معكم الأكفنا



    فإنّا سنجعل منأرضها



    لنا وطنا و لكم مدفنا !






    فتح أورشليم
    إيليا أبو ماضي



    للّه ما أحلى البشيروقوله



    سقط الهلال إلى الحضيض ودالا



    بشرى نسينا كلّ شيءقبلها



    النّاس والدّولات والأجيالا



    ردّت على الشّيخ المسنّشبابه



    وعلى الحزين اليائس الآمالا



    وعلى الصّديق صديقه ،وعليهما



    أبويهما؛ وعلى الأب الأطفالا



    لو سلوم الخلق الّذي وافىبها



    بذلوا له الأرواح والأموالا



    من مبلغ الأبطال عنيأنّني



    أهوى القروم الصّيد والأبطالا



    بالأمس قطّعت الجزيرةقيدها



    ورمت بوجه الغاشم الأغلالا



    واليوم ودّعت المظالمأختها



    ومشيت تجر ذبولها إدلالا



    أبنات أورشليم ضمّخنالثّرى



    بالطّيب واملأن الدّروب جمالا



    حتّى يمرّ الفاتحونفإنّهم



    كشوا الأذى عنكنّ والإذلالا



    فاخلعن أثواب الكآبةوالأسى



    وألبسن من نور الضّحى سربالا



    وانفخن بالبسمات كلّسيمذع



    خاض العجاج ووجهه يتلالا



    هذا مجال للفتى أنيزدهي



    فيه ، وللحسناء أن تختالا



    يا قائد الصّيد الغطارفةالألى



    تحنى الرؤوس ، لذكرهم ، إخلالا



    ظنّ المغول جنودهمتحميهم



    والقرد يحسنه أبوه غزالا



    فتألّبوا وتهدّدواوتوّعدوا



    حتّى طلعت فأجفلوا إجفالا



    ذعر الطّيور سطا عليهمباشق



    وبنات آوى أبصرت رئبالا



    كم حجفل بعثوا إليك معالدّجى



    لاقاه جيشك ، والصّباح ، فزالا



    طاردتهم فوق الجبالوتحتها



    كالليث يطرد دونه الأوعالا



    فملأت هاتيك الأباطحوالرّبى



    بجسومهم وملأتهم أهوالا



    وحميت إلاّ السّهد عنأجفانهم



    ومنعت إلاّ عنهم الأوجالا



    ساقوا إليك مثنهموألوفهم



    فرقا وسقت إليهم الآجالا



    وصنعت من أسيافهمودروعهم



    لرقابهم وزنودهم أغلالا



    لو لم تساقطهم إليكجبالهم



    عند الضحى زلزلتها زلزالا



    إن يأمنوا وجدوا المنايايمنة



    أو يأسروا وجدوا الجيوش شمالا



    وشكت خيولك في اليادينالوجى



    فجعلت أرؤسهم لهنّ نعالا



    ورأوك قد عرّضت صدركللظّبى



    عند الحصون فعرّضوا الأكفالا



    هنّئت بالنّصر المبينفإنه



    نصر يعزّ على سواك منالا



    هذي القلوب نسجتها لكأحرفا



    لو أستطيع صنعتها تمثالا



    أرضيت موسى والمسيحوأحمدا



    والنّاس أجمع والإلهتعالى







    الدمعة الخرساء
    إيليا أبو ماضي



    سمعت عويل النائحاتعشية



    في الحيّ يبتعث الأسى و يثير



    يبكين في جنح الظلامصبيّة



    إنّ البكاء على الشباب مرير



    فتجهّمت و تلفّتتمرتاعة



    كالظبي أيقن أنّه مأسور



    و تحيّرت في مقلتيهادمعة



    خرساء لا تهمي و ليس تغور



    فكأنّها بطل تكنّفهالعدى



    بسيوفهم و حسامه مكسور



    و جمت ، فأمسى كلّ شيءواجما



    ألنور ، و الأظلال ، و الديجور



    ألكون أجمع ذاهللذهولها



    حتى كأنّ الأرض ليس تدور



    لا شيء ممّا حولنا وأمامنا



    حسن لديها و الجمال كثير



    سكت الغدير كأنّما التحفالثرى



    وسها النسيم كأنّه مذعور



    و كأنّما الفلك المنوّربلقع



    و الأنجم الزهراء فيه قبور



    كانت تمازحني و تضحكفانتهى



    دور المزاح فضحكها تفكير



    ...



    قالت وقد سلخ ابتسامتها الأسى :



    صدق الذي قال الحياة غرور



    أكذا نموت و تنقضيأحلامنا



    في لحظة ، و إلى التراب نصير ؟



    و تموج ديدان الثرى فيأكبد



    كانت تموج بها المنى و تمور



    خير إذن منّا الألى لميولدوا



    و من الأنام جلامد و صخور



    و من العيون مكاحل ومراود



    و من الشفاه مساحيق و ذرور



    و من القلوب الخافقاتصبابة



    قصب لوقع الريح فيه صفير !



    ...



    و توقّفت فشعرت بعدحديثها



    أن الوجود مشوّش مبتور



    ألصيف ينفث حرّه منحولنا



    و أنا أحسّ كأنّني مقرور



    ساقت إلى قلبي الشكوكفنغّصت



    ليلي ، و ليس مع الشكوك سرور



    و خشيت أن يغدو مع الرّيبالهوى



    كالرسم لا عطر و فيه زهور



    و كدميه المثّال حسنرائع



    ملء العيون و ليس ثمّ شعور



    فأجبتها : لتكن لديدانالثرى



    أجسامنا إنّ الجسوم قشور



    لا تجزعي فالموت ليسيضيرنا



    فلنا إياب بعده و نشور



    إنّا سنبقى بعد أن يمضيالورى



    و يزول هذا العالم المنظور



    فالحب نور خالدمتجدد



    لا ينطوي إلاّ ليسطع نور



    و بنو الهوى أحلامحهمورؤاهم



    لا أعين و مراشف و نحور



    فإذا طوتنا الأرض عنأزهارها



    و خلا الدجى منّا و فيه بدور



    فسترجعين خميلةمعطارة



    أنا في ذراها بلبل مسحور



    يشدو لها و يطير فيجنباتها



    فتهشّ إذ يشدو و حين يطير



    أو جدولا مترقرقامترنّما



    أنا فيه موج ضاحك و خرير



    أو ترجعين فراشةخطّارة



    أنا في جناحيها الضحى الموشور



    أو نسمة أنا همسها وحفيفها



    أبدا تطوّف في الذرى و تدور



    تغشى الخمائل في الصباحبليلة



    و تؤوب حين تؤوب و هي عبير



    أو نلتقي عند الكثيب ، علىرضى



    و قناعة ، صفصافة و غدير



    تمتدّ فيه و في ثراهعروقها



    و يسيل تحت فروعها و يسير



    و يغوص فيه خيالهافيلفه



    و يشفّ فهو المنطوي المنشور



    يأوي إذا اشتدّ الهجيرإليهما



    ألناسكان : الظبي و العصفور



    لهما سكينتها ووارفظلّها



    و الماء إن عطشا لديه وفير



    أعجوبتان – زبرجدمتهدل



    نام تدفّق تحته البلّور



    لا الصبح بينهما يحول و لاالدجى



    فكلاهما بكليهما مغمور



    تتعاقب الأيّام و هينضيره



    مخضرّة الأوراق ، و هو نمير



    فالدهر أجمعه لديهماغبطة



    فالدهر أجمعه لديها حبور



    ...



    فتبسّمت و بدا الرضى فيوجهها



    إذ راقها التمثيل و الصوير



    عالجتها بالوهم فهيقريرة



    و لكم أفاد الموجع التخدير



    ثمّ افترقنا ضاحكين إلىغد



    و الشهب تهمس فوقنا و تشير



    هي كالمسافر آب بعدمشقّة



    و أنا كأنّي قائد منصور



    لكنّني لمّا أويتلمضجعي



    خشن الفراش عليّ و هو وثير



    و إذا سراجي قد وهت وتلجلجت



    أنفاسه فكأنّه المصدور



    و أجلت طرفي في الكتاب فلاحلي



    كالرسم مطموسا و فيه سطور



    و شربت بنت الكرم أحسبراحتي



    فيها : فطاش الظنّ و التقدير



    فكأنّني فلك وهتأمراسها



    و البحر يطغى حولها و يثور



    سلب الفؤاد رواه و الجفنالكرى



    همّ عرا ، فكلاهما موتور



    حامت على روحي الشكوككأنّها



    و كأنّهن فريسة و صقور



    و لقد لجأت إلى الرجاءفعقّني



    أما الخيال فخائب مدحور



    يا ليل أين النور ؟ إنّيتائه



    مر ينبثق ، أم ليس عندك نور ؟



    ...



    " أكذا نموت و تنقضيأحلامنا



    في لحظة و إلى التراب نصير ؟ "



    " خير إذن منّا الألى لميولدوا



    و من الأنام جنادل و صخور "
    [center]
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:12 am

    بدر شاكر السياب
    1926 - 1964م

    قدم بدر شاكر السياب من قرية "جيكور" في جنوب العراق إلى بغداد طالبًا، فصدمته المدينة بصخبها، وتعلق بحياة الريف والقرية. تخرج في دار المعلمين العالية في بغداد سنة 1948 متضلعًا في الأدب الإنكليزي، كما تثقف بالأدب العربي وبخاصة المتنبي والجاحظ وأبو العلاء المعري، الذين كان يُلقبهم بالعمالقة الثلاثة‍‍.
    مرّ بدر بهذه الدنيا مرورًا سريعًا، على مدار تسع وثلاثين سنة، كانت مسرحًا للألم والإنفعال، فحُرم حنان الأم صغيرًا، وعاش فقيرًا، مريضًا مشردًا، يسعى وراء تيارات سياسية ثائرة، فتخبط بكثير من المحن وقد صقل شعره العذاب، فراح يذوب حنينًا لاهبًا إلى عطف أمه وإلى مسقط رأسه جيكور. كما صار يتحسس آلام الفقراء والمظلومين، منطلقًا من حدود الزمان والمكان إلى التجربة الشعرية الفذّة.
    يضعه الشعراء في المرتبة الأولى من رواد الشعر الحديث، بما فيه من تجدد وطابع خاص.
    أشهر دواوينه: "أزهار وأساطير", "المعبد الفريق", "منزل الأقنان", "أنشودة المطر"، و" شناشيل ابنة الجلبي".
    تأثر السّياب لغةً بما قرأه في الآداب العربية القديمة، فجاءت لغته قوية التراكيب، وتأثر في شعره من حيث الفكر والأسلوب بالأدب الإنكليزي وأعلامه، فقاده هذا إلى ابتكار أسلوب جديد في الشعر العربي. فكان بذلك أحد الرائدين الأولين السياب ونازك الملائكة للشعر الحديث، المعروف بالحرّ، لتحرره من قيود العروض والقوافي


    أنشودة المطر
    بدر شاكر السياب
    عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،

    أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر .

    عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ

    وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ

    يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر

    كأنما تنبض في غوريهما ، النّجومْ ...

    وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ

    كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ،

    دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،

    والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛

    فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء

    ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء

    كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر !

    كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ

    وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر ...

    وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم ،

    ودغدغت صمت العصافير على الشجر

    أنشودةُ المطر ...

    مطر ...

    مطر ...

    مطر ...

    تثاءب المساء ، والغيومُ ما تزالْ

    تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ .

    كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :

    بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ

    فلم يجدها ، ثمَّ حين لجّ في السؤال

    قالوا له : "بعد غدٍ تعودْ .. "

    لا بدَّ أن تعودْ

    وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ

    في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ

    تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛

    كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك

    ويلعن المياه والقَدَر

    وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ .

    مطر ..

    مطر ..

    أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟

    وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر ؟

    وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟

    بلا انتهاء – كالدَّم المراق ، كالجياع ،

    كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر !

    ومقلتاك بي تطيفان مع المطر

    وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ

    سواحلَ العراق بالنجوم والمحار ،

    كأنها تهمّ بالشروق

    فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ .

    أَصيح بالخليج : " يا خليجْ

    يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والرّدى ! "

    فيرجعُ الصّدى

    كأنّه النشيجْ :

    " يا خليج

    يا واهب المحار والردى .. "

    أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ

    ويخزن البروق في السّهول والجبالْ ،

    حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ

    لم تترك الرياح من ثمودْ

    في الوادِ من أثرْ .

    أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر

    وأسمع القرى تئنّ ، والمهاجرين

    يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع ،

    عواصف الخليج ، والرعود ، منشدين :

    " مطر ...

    مطر ...

    مطر ...

    وفي العراق جوعْ

    وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ

    لتشبع الغربان والجراد

    وتطحن الشّوان والحجر

    رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ

    مطر ...

    مطر ...

    مطر ...

    وكم ذرفنا ليلة الرحيل ، من دموعْ

    ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر ...

    مطر ...

    مطر ...

    ومنذ أنْ كنَّا صغاراً ، كانت السماء

    تغيمُ في الشتاء

    ويهطل المطر ،

    وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ

    ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ .

    مطر ...

    مطر ...

    مطر ...

    في كل قطرة من المطر

    حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ .

    وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة

    وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ

    فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد

    أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ

    في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة !

    مطر ...

    مطر ...

    مطر ...

    سيُعشبُ العراق بالمطر ... "

    أصيح بالخليج : " يا خليج ..

    يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "

    فيرجع الصدى

    كأنَّه النشيج :

    " يا خليج

    يا واهب المحار والردى . "

    وينثر الخليج من هِباته الكثارْ ،

    على الرمال ، : رغوه الأُجاجَ ، والمحار

    وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق

    من المهاجرين ظلّ يشرب الردى

    من لجَّة الخليج والقرار ،

    وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ

    من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى .

    وأسمع الصدى

    يرنّ في الخليج

    " مطر ..

    مطر ..

    مطر ..

    في كلّ قطرة من المطرْ

    حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ .

    وكلّ دمعة من الجياع والعراة

    وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ

    فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد

    أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ

    في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة . "

    ويهطل المطرْ ..


    إمام باب الله
    بدر شاكر السياب
    منطرحا أمام بابك الكبير

    أصرخ في الظلام أستجير

    يا راعي النمال في الرمال

    و سامع الحصاة في قرارة الغدير

    أصيح كالرعود في مغاور الجبال

    كآهة الهجير

    أتسمع النداء ؟ يا بوركت تسمع

    و هل تجيب إن سمعت ؟

    صائد الرجال

    و ساحق النساء أنت يا مفجّع

    يا مهلك العباد بالرجوم و الزلازل

    يا موحش المنازل

    منطرحا أمام بابك الكبير

    أحس بانكسارة الظنون في الضمير

    أثور ؟ أغضب

    وهل يثور في حماك مذنب
    **
    لا أبتغي من الحياة غير ما لديّ

    الهري بالغلال بزحم الظلام في مداه

    وحقلي الحصيد نام في ضحاه

    نفضت من ترابه يدي

    ليأت في الغداة

    سواي زارعون أو سواي حاصدون

    لتنثر القبور و السنابل السنون

    اريد أن أعيش في سلام

    كشمعة تذوب في الظلام

    بدمعة أموت و ابتسام

    تعبت من توقد الهجير

    أصارع العباب فيه و الضمير

    و من ليالي مع النخيل و السراج و الظنون

    أتابع القوافي

    في ظلمة البحار و الفيافي

    و في متاهة الشكوك و الجنون

    تعبت من صراعي الكبير

    أشقّ قلبي أطعم الفقير

    أضيء كوخة بشمعة العيون

    أكسوه بالبيارق القديمة

    تنث من رائحة الهزيمة

    تعبت ربيعي الأخير

    أراه في اللقاح و الأقاح و الورود

    أراه في كل ربيع يعبر الحدود

    تعبت من تصنع الحياة

    أعيش بالأمس و أدعو أمسي الغدا

    كأنني ممثل من عالم الردى

    تصطاده الأقدار من دجاه

    و توقد الشموع في مسرحه الكبير

    يضحك للفجر و ملء قلبه الهجير

    تعبت كالطفل إذا أتعبه بكاه
    **
    أود لو أنام في حماك

    دثاري الآثام و الخطايا

    و مهدي اختلاجه البغايا

    تأنف أن تمسّني يداك

    أود لو أراك من يراك ؟

    أسعى إلى سدّتك الكبيرة

    في موكب الخطاة و المعذبين

    صارخة أصواتنا الكسيرة

    خناجرا تمزّق الهواء بالأنين

    وجوهنا اليباب

    كأنها ما يرسم الأطفال في التراب

    لم تعرف الجمال و الوسامة

    تقضت الطفوله انطفا سنا الشباب

    وذاب كالغمامة

    ونحن نحمل الوجوه ذاتها

    لا تلفت العيون إذ تلوح للعيون

    و لا تشفّ عن نفوسنا و ليس تعكس التفاتها

    إليك يا مفجّر الجمال تائهون

    نحن نهيم في حدائق الوجوه آه

    من عالم يرى زنابق الماء على المياه

    و لا يرى المحار في القرار

    و اللؤلؤ الفريد في المحار

    منطرحا أصيح أنهش الحجار

    أريد أن أموت يا إله


    ابن الشهيد

    بدر شاكر السياب
    و تراجع الطوفان لملم كل أذيال المياه

    و تكشف قمم التلال سفوحها و قرى السهول

    أكواخها و بيوتها خرب تناثر في فلاه

    عركت نيوب الماء كل سقوفها و مشى الذبول

    فيما يحيط بهن من شجر فآه

    آه على بلدي عراقي : أثمر الدم في الحقول

    حسكا و خلف جرحة التتري ندبا في ثراه

    يا للقبور كأن عاليها سفلا و غار إلى الظلام

    مثل البذور تنام ظلم الثمار و لا تفيق

    يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام

    حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق

    جثث هنا ودم هناك

    وفي بيوت النمل مد من الجفون

    سقف يقرمده النجيع و في الزوايا

    صفر العظام من الحنايا

    ماذا تخلف في العراق سوى الكآبه و الجنون

    أرأيت أرملة الشهيد

    الوزج مد عليه من ترب لحافا ثم نام

    متمددا بأشد ما تجد العظام

    من فسحة سكنت يداه على الأضالع

    و العيون

    تغفو إلى أبد الإله إلى القيامة في سلام

    رمت الرداء العسكري و نشرته على الوصيد

    لثمته فانتفض القماش يرد برد الموت

    برد المظلمات من القبور

    يا فكرها عجبا ثقبت بنارك الأبد البعيد

    يا فكر شاعرة يفتش عن قواف للقصيد

    ماذا وجدت وراء أمسي و عبر يومّك من دهور

    الثأر يصرخ كل عرق كل باب

    في الدار يا لفم تفتّح كالجحيم من الصخور

    من كل ردن في الرداء من النوافذ و الستور

    من عيني ابنك يا شهيد تسائلان بلا جواب

    عنك الأسرة و الدروب و تسألان عن المصير

    مذ ألبسته الأم ثوبك في معاركك الأثير

    و يداه في الردنين ضائعتان و الصدر الصغير

    في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب

    ورنا إلى المرآة

    أبصرت فيه شخصك في الثياب

    أبني كان أبوك نبعا من لهيب من حديد

    سوراً من الدم و الرعود

    ورماه بالأجل العميل فخر واها كالشهاب

    لكن لمحا منه شع وفض اختام الحدود

    و أضاء وجه الفوضوي ينز بالدم و الصديد

    و كأن في أفق العروبة منه خيطا من رغاب

    و تنفس الغد في اليتيم و مد في عينيه شمسه

    فرأى القبور يهب موتاهن فوجا بعد فوج

    أكفانها هرئت

    و لكن الذي فيها يضم إليه أمسه

    ويصيح يا للثار يا للثار

    يصدى كل فج

    و ترنّ أقيبة المساجد و المآذن بالنداء

    و ينام طفلك و هو يحلم بالمقابر و الدماء
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:12 am

    عمر ابو ريشة
    1910 – 1990 م

    ولد الشاعر عمر ابو ريشة في عكا بفلسطين أثناء زيارة أمه لأهلها الذين كانوا يقيمون هناك . وكان والده شافع ابو ريشة يعمل قائمقاماً للسلطات العثمانية في مدينة منبج السورية . عاد الطفل مع امه الى منبج وله من العمر سبعة أشهر وظلّ فيها أقل من سنة لأن والده نقل الى مدينة سروج وبقي هناك ما يقارب اربع سنوات ، انتقل بعدها الى منطقة الباب في محافظة حلب . أقامت العائلة ثلاث سنوات في الباب قبل ان تنتقل الى جسر الشغور حيث مكثت تسعة اشهر ذهب خلالها عمر الصغير الى مدرسة المعارف . وعندما إكتشف الاتراك ان للوالد شافع اتصالات سرية مع بعض الثوار السوريين مثل شفيق مؤيد العظم وشكري القوتلي وعبد الوهاب الانكليزي اعتقلته وارسلته الى استنبول ليواجه محاكمة كانت ستؤدي حتماً الى إعدامه. إلا ان مفتي الجيش التركي الشيخ اسعد الشقيري والد احمد الشقيري والمقيم في عكا تدخل لحماية شافع ابو ريشة بضغط من جد الشاعر الشيخ ابراهيم اليشرطي .

    عاد والد عمر بعد الحرب العالمية الاولى الى حلب واقام فيها . وكانت عائلته قد سكنت في عكا طيلة سنوات اعتقاله . وفي عكا اتم عمر ابو ريشة تحصيله الابتدائي ثم انتقل الى حلب ليلتحق بالمدرسة الانموذيجية الابتدائية ويتخرج منها عام 1924 منهياً دراسته الثانوية . أرسله والده الى بيروت ليتابع تحصيله العالي في الجامعة الاميركية . وكان من بين اساتذته الجامعيين بعض فحول اللغة العربية انذاك مثل انيس المقدسي وجبرائيل جبور فاستفاد منهم كثيراً ، حتى انه بدأ يكتب الشعر مقلداً شعراء الجاهلية والعصر العباسي وبخاصة في شعر المديح والاستجداء والتقليد . وفي هذه الفترة من حياته كان يقرأ التراث الادبي القديم بنهم واستيعاب فاستقامت لغته وبدأت ادواته التعبيرية تتجه نحو الابداع والخروج عن اطار الموروث عبر التجديد والتحديث .

    حاول الاب ان يثني عمر عن الشعر والادب فأرسله الى لندن لدراسة الكيمياء وصناعة الاصبغة والنسيج . ذهب عمر الى لندن ليتعلم صناعة النسيج من دون ان يهمل الشعر ، فأقبل على دراسة الادب الانكليزي بحماس شديد . وفي العاصمة البريطانية تعرف الى فتاة جميلة واحبها وطلب الزواج منها ، الا انها ماتت بمرض التيفوئيد فحزن عليها حزناً عميقاً وسجل حزنه هذا في قصيدته " خاتمة الحب " التي كانت فاتحة شعره الغزلي .

    عاد عمر الى حلب سنة 1932 واستقر فيها ودخل معترك السياسة فانتمى الى " الشباب الوطني" الذي كان فرعاً من الكتلة الوطنية التي ضمت عدداً من كبار السياسيين السوريين المطالبين بانهاء الانتداب الفرنسي . غير ان انضمامه الى الشباب الوطني لم يطل اذ خرج من هذا التنظيم سنة 1936 بعد رفضه للمعاهدة المنقوصة التي وقعها رجال الكتلة الوطنية مع الفرنسيين. ولم ينتم الى اي حزب بعد ذلك . لكنه تحول الى الشعر الوطني والقومي مهاجماً الاستعمار ، محرضاً الجماهير .

    انتخب عمر ابو ريشة عضواً في المجمع العلمي في دمشق سنة 1940 وعيَن في السنة نفسها محافظاً لدار الكتب الوطنية في حلب . وفي سنة 1942 حكمت عليه السلطات الفرنسية بالاعدام بسبب قصيدة عنيفة هاجم فيها المستعمر . وكانت القصيدة في رثاء صديق اعدمه الفرنسيون .

    إلتحق عمر ابو ريشة بالسلك الخارجي السوري فعين سنة 1949 مفوضاً في البرازيل ثم نقل بعد ثلاث سنوات الى الارجنتين ومنها الى الهند سفيراً ومنها نقل الى فيينا فواشنطن واعيد مرة ثانية الى الهند سنة 1964 . استقال عمر من السلك الخارجي سنة 1970 وسكن في بيروت . توفي في الرياض بالمملكة العربية السعودية ودفن في منبج بسوريا .

    ترك عمر ابو ريشه شعراً مبعثراً في اكثر من مكان وجهة الى ان جُمعت قصائده في مجموعة كاملة في بيروت .


    هكذا تقتحم القدس
    عمر أبو ريشة

    صـاح يـا عبد فرفالطيب
    واستعر الكأس وضج المضجع
    مـنتهى دنـياه نـهدشرس
    وفـم سـمح وخـصر طـيع
    بــدوي أورق الـصخرلـه
    وجـرى بـالسلسبيل الـبلقع
    فـإذا الـنخوة والـكبرعلى
    تـرف الأيـام جـرح موجع
    هـانت الـخيل علىفرسانها
    وانـطوت تلك السيوف القطع
    والـخيام الـشم مالتوهوت
    وعـوت فـيها الرياح الأربع
    قال يا حسناء ما شئتاطلبي
    فـكـلانا بـالـغوالي مـولع
    أخـتك الـشقراء مـدتكفها
    فـاكتسى مـن كل نجم إصبع
    فـانتقي أكـرم مـا يهفوله
    مـعصم غـض وجـيد أتـلع
    وتـلاشى الـطيب منمخدعه
    وتــولاه الـسبات الـممتع
    والـذليل الـعبد دون البابلا
    يـغمض الطرف ولا يضطجع
    والـبطولات عـلىغـربتها
    فـي مـغانينا جـياع خـشع
    هـكذا تـقتحم الـقدسعلى
    غـاصبيها هـكذاتـسترجع



    يـا شـعب
    عمر أبو ريشة

    يـا شـعب لا تشكالشقاء
    ولا تـطل فـيه نـواحك
    لـو لم تكن بيديكمجروحا
    لـضـمـدنا جـراحـك
    أنـت انتقيت رجالأمرك
    وارتـقبت بـهم صلاحك
    فـإذا بـهم يـرخونفوق
    خـسيس دنـياهم وشاحك
    كـم مـرة خفرواعهودك
    واسـتقوا بـرضاك راحك
    أيسيل صدرك منجراحتهم
    وتـعـطـيهم سـلاحـك
    لهفي عـلـيك أهـكذا
    تـطوي عـلى ذل جناحك
    لـو لـم تُبح لهواكعلياءَ
    الـحـياة لـمااسـتباحك



    غادة من الاندلس
    عمر أبو ريشة

    وثبتْ تَستقربُ النجممجالا
    وتهادتْ تسحبُ الذيلَ اختيالا
    وحِيالي غادةٌ تلعبفي
    شعرها المائجِ غُنجًا ودلالا
    طلعةٌ ريّا وشيءٌباهرٌ
    أجمالٌ ؟ جَلَّ أن يسمى جمالا
    فتبسمتُ لهافابتسمتْ
    وأجالتْ فيَّ ألحاظًا كُسالى
    وتجاذبنا الأحاديثفما
    انخفضت حِسًا ولا سَفَّتْ خيالا
    كلُّ حرفٍ زلّ عنمَرْشَفِها
    نثر الطِّيبَ يميناً وشمالا
    قلتُ يا حسناءُ مَن أنتِومِن
    أيّ دوحٍ أفرع الغصن وطالا ؟
    فَرَنت شامخةًأحسبها
    فوق أنساب البرايا تتعالى
    وأجابتْ : أنا منأندلسٍ
    جنةِ الدنيا سهولاً وجبالا
    وجدودي ، ألمح الدهرُعلى
    ذكرهم يطوي جناحيه جلالا
    بوركتْ صحراؤهم كمزخرتْ
    بالمروءات رِياحاً ورمالا
    حملوا الشرقَ سناءًوسنى
    وتخطوا ملعب الغرب نِضالا
    فنما المجدُ علىآثارهم
    وتحدى ، بعد ما زالوا الزوالا
    هؤلاء الصِّيد قوميفانتسبْ
    إن تجد أكرمَ من قومي رجالا
    أطرق القلبُ ، وغامتْأعيني
    برؤاها ، وتجاهلتُالسؤالا
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:13 am

    يزيد بن زياد بن ربيعة
    توفي 69 هـ
    أبو عثمان يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ بن ذي العشيرة بن الحارث بن دلال بن عوف بن عمرو بن يزيد بن مرة بن مرثد بن مسروق بن يزيد بن يحصب الحميري. وإنما لقب جده ربيعة مفرغاً، لأنه راهن على أن يشرب عسا من لبن فشربه حتى فرغ فلقب بذلك وقد طعن النسابون في انتسابه إلى حمير، وهو الذي وضع سيرة تبع وأشعاره، وكان يصحب عباد بن زياد فجرت بينهما وحشة فحبسه عباد فكان يهجوه وهو في السجن، فزاد ذلك في غيظ عباد فترك هجوه وأخذ يتلطف له فكان يقول للناس إذا سألوه عن سبب حبسه: رجل أدبه أميره ليقيم من أوده، فبلغ ذلك عباداً فرق له وخلي سبيله، فخرج هارباً إلى البصرة ومنها إلى الشام وجعل يتنقل في مدنها ويهجو زياداً وولده. فطلبه عبيد الله أخو عباد طلباً شديداً وكاد يؤخذ، فجعل يتنقل في قرى الشام ويغلغل في نواحيها، ويهجو بني زياد فترد أشعاره إلى البصرة فتبلغهم، فكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد معاوية: إن ابن مفرغ نال من زياد وبنيه بما هتكه وفضحهم فضيحة الأبد، وتعدى في ذلك إلى أبي سفيان فقذفه بالزنا، وهرب من خراسان إلى البصرة، فطلبته فلفظته الأرض إلى الشام، فهو يتنقل في قراها يمضغ لحومنا بها، فأمر يزيد بطلبه فجعل يتنقل من بلد إلى بلد إلى أن أتى البصرة واستجار بالأحنف بن قيس فأبى أن يجيره على السلطان، فأتى خالد بن أسيد فلم يجره، ثم لاذ بابن معمر وطلحة الطلحات فوعداه ولم يفعلا، فلاذ بالمنذر بن الجارود العبدي وكانت ابنته تحت عبيد الله بن زياد فأجاره، فلم يرع عبيد الله جوار المنذر وأخذ ابن مفرغ وسجنه، وكتب إلى يزيد يستأذنه في قتله فحذره يزيد من الإيقاع به، وأشار إليه بحبسه وتنكيله بما يؤدبه فأمر عبيد الله أن يسقي نبيذاً خلط بشبرم حتى سلح على ثيابه، فأمر أن يطاف به في أسواق البصرة تزفه الصبيان ثم رد إلى السجن، وبقي فيه مدة طويلة إلى أن أطلق بشفاعة قومه اليمنين عند يزيد.
    أخباره مع بني زياد طويلة ومن أشعاره التي هجاهم بها قوله في عبيد الله وأخيه عباد من قصيدة طويلة:
    ومـا لاقـيت مـن أيام بـؤس ولا أمر يضيق بـه ذراعـي
    ولم تك شيمي عجزاً ولـؤمـاً ولم أك بالمضلل في المتـاع
    سوى يوم الهجين ومن يصاحب لئام الناس يغض على القـذاع

    المرجع: معجم الأدباء/ وفيات الأعيان
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:14 am



    النابِغَة الشيباني
    تو. 125هـ- 743 م


    هوعبد الله بن المخارق بن سليم بن حضيرة بن قيس، من بني شيبان . .
    شاعر بدوي من شعراء العصر الأموي كان يفد إلى الشام فيمدح الخلفاء من بني أمية، فيجذلون له العطاء .
    مدح عبد الملك بن مروان وولده من بعده، وله في الوليد مدائح كثيرة، ومات في أيام الوليد بن يزيد.
    وورد في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: هو شاعر بدوي أموي: النابغة اسمه عبد الله بن المخارق بن سليم بن حصرة بن قيس بن سنان بن حماد بن حارثة بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهب بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. شاعرٌ بدوي من شعراء الدولة الأموية. وكان يفد إلى الشأم إلى خلفاء بني أمية فيمدحهم ويجزلون عطاءه. وكان فيما أرى نصرانياً لأني وجدته في شعره يحلف بالإنجيل والرهبان وبالأيمان التي يحلف بها النصارى. ومدح عبد الملك بن مروان ومن بعده من ولده، وله في الوليد مدائح كثيرة.
    مدح عبد الملك لما هم بخلع أخيه وتولية ابنه للعهد: أخبرني عمي قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثني العمري عن العتبي قال: لما هم عبد الملك بخلع عبد العزيز أخيه وتولية الوليد ابنه العهد، كان نابغة بني شيبان منقطعاً إلى عبد الملك مداحاً له، فدخل إليه في يوم حفل والناس حواليه وولده قدامه، فمثل بين يديه وأنشده قوله:
    أشتقت وانهل دمع عينك أن

    أضحى قفاراً من أهله طلح

    حتى انتهى إلى قوله:
    أزحت عنا آل الزبـير ولـو

    كانوا هم المالكين ما صلحوا
    إن تلق بلوى فأنت مصطبـرٌ

    وإن تلاق النعمى فلا فـرح
    ترمي بعيني أقنى على شرف

    لم يؤذه عـائرٌ ولا لـحـح
    آل أبي العاص آل مـأثـرةٍ

    غرٌّ عتاقٌ بالخير قد نفحـوا
    خير قريشٍ وهم أفاضلـهـا

    في الجد جدٌّ وإن هم مزحوا

    أرحبها أذرعاً وأصـبـرهـا

    أنتم إذا القوم في الوغى كلحوا
    أما قريشٌ فـأنـت وارثـهـا

    تكف من صعبهم إذا طمحـوا
    حفظت ما ضيعوا وزنـدهـم

    أوريت إذ أصلدوا وقد قدحوا
    آليت جهداً وصادقٌ قسـمـي

    برب عبدٍ تجـنـه الـكـرح
    يظل يتلو الإنـجـيل يدرسـه

    من خشية الله قلبـه طـفـح
    لابنك أولى بـمـلـك والـده

    ونجم من قد عصاك مطـرح
    داود عدلٌ فاحكم بـسـيرتـه

    ثم ابن حرب فإنهم نصـحـوا
    وهم خيارٌ فاعمل بسنـتـهـم

    واحي بخير واكدح كما كدحوا

    قال: فتبسم عبد الملك ولم يتكلم في ذل بإنذار ولا دفع، فعلم الناس أن رأيه خلع عبد العزيز. وبلغ ذلك من قول النابغة عبد العزيز، فقال : لقد أدخل ابن النصرانية نفسه مدخلاً ضيقاً فأوردها مورداً خطراً، وبالله علي لئن ظفرت به لاخضبن قدمه بدمه.
    هنأ يزيد بن عبد الملك بالفتح بعد قتل يزيد بن المهلب: وقال أبو عمرو الشيباني: لما قتل يزيد بن المهلب دخل النابغة الشيباني على يزيد بن عبد الملك بن مروان، فأنشده قوله في تهنئته بالفتح:
    ألا طال التـنـظـر والـثـواء

    وجاء الصيف وانكشف الغطـاء
    وليس يقـيم ذو شـجـنٍ مـقـيمٍ

    ولا يمضي إذا ابتغي المـضـاء
    طوال الدهـر إلا فـي كـتـابٍ

    ومقدارٍ يوافـقـه الـقـضـاء
    فما يعطى الحريص غنًى لحرصٍ

    وقد ينمي لذي الجـود الـثـراء
    وكل شـديدةٍ نـزلـت بـحـيٍّ

    سيتبعها إذا انتـهـتالـرخـاء

    يقول فيها:
    أؤم فتًى من الأعياص مـلـكـاً

    أغـر كـأن غـرتـه ضـياء
    لأسمعه غريب الشعـر مـدحـاً

    وأثني حيث يتصـل الـثـنـاء
    يزيد الخير فـهـو يزيد خـيراً

    وينمي كلما أبتغـي الـنـمـاء
    فضضت كتائب الأزدي فـضـا

    بكبشك حين لفهمـا الـلـقـاء
    سمكت الملك مقتـبـلاً جـديداً

    كما سمكت على الأرض السماء
    نرجي أن تـدوم لـنـا إمـامـاً

    وفي ملك الوليد لـنـا رجـاء
    هشامٌ والـولـيد وكـل نـفـسٍ

    تريد لك الفنـاء لـكالـفـداء

    وفي قصيدة طويلة، فأمر له بمائة ناقة من نعم كلب وأن توقر له براً وزبيباً، وكساه وأجزل صلته.
    وفد على هشام مادحاً فطرده لغلوه في مدح يزيد: قال: ووفد إلى هشام لما ولي الخلافة، فلما رآه قال له: يا ماص ما أبقت المواسي من بظر أمه! ألست القائل:
    هشامٌ والوليد ولك نفـسٍ

    تريد لك الفناء لك الفداء

    أخرجوه عني! والله لا يرزؤني شيئاً أبداً وحرمه. ولم يزل طول أيامه طريداً، حتى ولي الوليد بن يزيد، فوفد إليه ومدحه مدائح كثيرة، فأجزل صلته.
    شعره في صفة الخمر ومدحها: حدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبيد الله بن محمد الكوفي عن العمري الخصاف عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية أنه أنشده لنابغة بني شيبان:
    أيها الساقي سقـتـك مـزنةٌ

    من ربيعٍ ذي أهاضيب وطش
    امدح الكأس ومن أعملـهـا

    واهج قوماً قتلونا بالعطـش
    إنما الكـأس ربـيعٌ بـاكـرٌ

    فإذا ما غاب عنا لم نـعـش
    وكأن الشرب قـوم مـوتـوا

    من يقم منهم لأمر يرتعـش
    خرس الألسن مما نـالـهـم

    بين مصروع وصاحٍ منتعش
    من حميا قرقـفٍ حـصـيةٍ

    قهوةٍ حوليةٍ لم تمـتـحـش
    ينفع المزكوم منها ريحـهـا

    ثم تنفى داءه إن لـم تـنـش
    كل من يشربهـا يألـفـهـا

    ينفق الأموال فيها كلهـش

    استنشده الوليد شعراً فأنشده في الفخر بقومه فعاتبه ووصله: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الجمحي - قال ابن أبي الأزهر: وهو محمد بن سلم - : غنى أبو كامل مولى الوليد بن يزيد يوماً بحضرة الوليد بن يزيد:
    امدح الكأس ومن أعملهـا

    واهج قوماً قتلونا بالعطش

    فسأل عن قائل هذا الشعر فقيل: نابغة بني شيبان، فأمر بإحضاره فأحضر، فاستنشده القصيدة فأنشده إياها، وظن أن فيها مدحاً له فإذا هو يفتخر بقومه ويمدحهم، فقال له الوليد: لو سعد جدك لكانت مديحاً فينا لا في بني شيبان، ولسنا نخليك على ذلك من حظ، ووصله وانصرف. وأول هذه القصيدة قوله:
    خل قلبي من سليمى نبلهـا

    إذ رمتني بسهام لم تطـش
    طفلة الأعطاف رؤدٌ دمـيةٌ

    وشواها بختري لـم يحـش
    وكأن الدر في أخراصـهـا

    بيض كحلاء أقرته بعـش
    ولها عينا مهاةٍ فـي مـهـاً

    ترتعي نبت خزامى ونتـش
    حرة الوجه رخيمٌ صوتـهـا

    رطبٌ تجنيه كف المنتقـش
    وهي في الليل إذا ما عونقت

    منية البعل وهم المفتـرش

    وفيها يقول مفتخراً:
    وبنو شيبان حولـي عـصـبٌ

    ومنهم غلبٌ وليست بالقـمـش
    وردوا المجد وكانـوا أهـلـه

    فرووا والجود عافٍ لم ينـش
    وترى الجرد لـدى أبـياتـهـم

    أرناتٍ بين صلصـال وجـش
    ليس في الألوان منها هـجـنةٌ

    وضح البلق ولا عيب البـرش
    فبها يحـؤوان أمـوال الـعـدا

    ويصيدون عليها كـل وحـش
    دميت أكفالها من طـعـنـهـم

    بالردينيات والخيل الـنـجـش
    ننهل الخطـي مـن أعـدائنـا

    ثم نفري الهام إن لم نفـتـرش
    فإذا العيس من المحـل غـدت

    وهي في أعينها مثل العمـش
    حسر الأوبار مـمـا لـقـيت

    من سحاب حاد عنها لـم يرش
    خسف الأعين ترعـى جـوفةٌ

    همدت أوبارها لم تنـتـفـش
    ننعش العافي ومـن لاذ بـنـا

    بسجال الخير من أيدٍ نـعـش
    ذاك قـولـي وثـنـائي وهـم

    أهل ودي خالصاً في غير غش
    فسلوا شيبان إن فـارقـتـهـم

    يوم يمشون إلى قبري بنعـش
    هل غشينا محرماً في قومـنـا

    أو جزينا جازياً فحشاًبفحـش

    بعض شعره الذي غنى به: ومما يغني فيه من شعر نابغة بني شيبان: صوت
    ذرفت عيني دموعـاً

    من رسوم بحـفـير
    موحشاتٍ طامسـاتٍ

    مثل آيات الزبـور
    وزقاقٍ متـرعـاتٍ

    من سلافات العصير
    مجلـخـدات مـلاءٍ

    بطنوهـن بـقـير
    فإذا صارت إلـيهـم

    صيرت خير مصير
    من شبابٍ وكـهـولٍ

    حكموا كأس المدير
    كم ترى فيهم نديمـاً

    من رئيس وأمــير

    ذكر يونس أن فيه لمالك لحناً ولابن عائشة آخر، ولم يذكر طريقتهما، وفيه خفيف رملٍ معروف لا أدري لحن أيهما هو.
    صوت من المائة المختارة
    يا عمر حم فراقكم عـمـرا

    وعزمت منا النأي والهجـرا
    إحدى بني أودٍ كلفـت بـهـا

    حملت بلا ترةٍ لـنـا وتـرا
    وترى لها دلاً إذا نـطـقـت

    تركت بنات فؤاده صـعـرا
    كتساقط الرطب الجني في الأ

    فنان لا بـثـراً ولانـزرا

    الشعر لأبي دهبل الجمحي. والغناء لفزار الملكي، ولحنه المختار ثقيلٌ أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:14 am

    الفرزدق
    641 - 732م
    هو همّام بن غالب بن صعصعة، من بني دارم، لُقِّب بالفرزدق، أي قطعة العجين أو الرّغيف الضخم لضخامة وجهه وعبوسه. ولد في البصرة ونشأ فيها. قال الشّعر يافعًا ومال إلى البذاءة والتّهتك. غضب عليه زياد بن أبيه، والي البصرة، فهرب لاجئًا إلى المدينة، ولكن واليها مروان بن الحكم طرده منها.
    عاش حياته متنقّلاً بين الأمراء والولاة، يمدح واحدهم ثم يهجوه ثم يمدحه. كان يتشيّع في شعره، ولكن ذلك لم يمنعه من الإتّصال بالأموييّن ومدحهم.
    إلتحَم الهجاء بينه وبين جرير طيلة نصف قرن حتى وافته منيّته.
    عمّر نيفًا وتسعين سنة قضى معظمها في الفسق والفجور، فتكشّفت له نواحي الحياة بحلْوها ومرّها، وأقبل على الدنيا يتّمتع بملذّاتها حتى في أواخر أيامه. وإذا مرّت به لمحاتٌ سريعةٌ من الزّهد فإنه لا يلبث أن يعود بعدها إلى غوايته، كما حصل له حين هجا إبليس.
    هو واحد من ثلاثةٍ قام على مناكبهم صَرح الشعر العربي في عصر بني أميّة. لم يدع فناً من فنون الشعر المعروفة إلا نظم فيه، غير أن الفخر كان أغلب ما وافق طبعه، يليه في ذلك فن الهجاء ثم المديح.
    شكّل الفرزدق مع الأخطل وجرير ما عرف بـ "المُثلث الأموي".
    أروع مدائحه قصيدته في مدح زين العابدين بن علي، يقال إنه ارتجلها، ومن أبياتها:
    هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرمُ
    هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله بجدّه أنبياءُ الله قد ختموا
    وليس قولك: من هذا بضائرهِ العُربُ تعرفُ من أنكرتَ والعجمُ
    امتاز شعر الفرزدق بمتانة التركيب واستخدام الألفاظ البدوية حتى قيل: "حفظ شعر الفرزدق ثلثيّ اللغة من الضياع". وقيل في مجال المقارنة بينه وبين جرير: "جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت من صخر".
    وفي تفوّقه على خصمه العنيد جرير في الفخر، قيل:
    ذهب الفرزدق بالفِخَارِ وإنّما حُلوُ الكلامِ ومُرُّهُ لجريرِ
    ورد عن الفرزدق في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: الفرزدق لقب غلب عليه، وتفسيره الرغيف الضخم الذي يجففه النساء للفتوت، وقيل: بل هو القطعة من العجين التي تبسط، فيخبز منها الرغيف، شبه وجهه بذلك؛ لأنه كان غليظاً جهماً. واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم.
    قال أبو عبيدة: اسم دارم بحر، واسم أبيه مالك عوف ويقال عرف. وسمى دارم دارماً لأن قوماً أتوا أباه مالكاً في حمالة فقال له: قم يا بحر فأتني بالخريطة - يعني خريطة كان له فيها مال - فحملها يدرم عنها ثقلاً، والدرمان: تقارب الخطو، فقال لهم: جاءكم يدرم بها، فسمى دارماً، وسمي أبوه مالك عرفاً لجوده.
    وأم غالب ليلى بنت حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع.
    وكان للفرزدق أخ يقال له هميم، ويلقب الأخطل، ليست له نباهة، فأعقب ابنا يقال له محمد، فمات والفرزدق حي فرثاه، وخبره يأتي بعد. وكان للفرزدق من الولد خبطة ولبطة وسبطة، وهؤلاء المعروفون، وكان له غيرهم فماتوا، ولم يعرفوا. وكان له بنات خمس أو ست. وأم الفرزدق - فيما ذكر أبو عبيدة - لينة بنت قرظة الضبية.
    جده محيي الموءودات: وكان يقال لصعصعة محي الموءودات؛ وذلك أنه كان مر برجل من قومه، وهوي حفر بئراً، وامرأته تبكي، فقال لها صعصعة: ما يبكيك؟ قالت: يريد أن يئد ابنتي هذه، فقال له: ما حملتك على هذا؟ قال: الفقر. قال: إني اشتريها منك بناقتين يتبعهما أولادهما، تعيشون بألبانهما، ولا تئد الصبية، قال: قد فعلت، فأعطاه الناقتين وجملاً كان تحته فحلاً، وقال في نفسه: إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، فجعل على نفسه ألا يسمع بموءودة إلا فداها، فجاء الإسلام وقد فدى ثلثمائة موءودة، وقيل: أربعمائة.
    أخبرني بذلك هاشم بن محمد الخزاعي، عن دماذ، عن أبي عبيدة.
    وأخبرني بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا: حدثنا أبو سعيد السكري، عن محمد بن حبيب، عن أبي عبيدة عن عقال بن شبة قال: قال صعصعة: خرجت باغياً ناقتين لي فارقتين - والفارق: التي تفرق إذا ضربها المخاض فتندّ على وجهها، حتى تنتج - فرفعت لي نار فسرت نحوها، وهممت بالنزول، فجعلت النار تضئ مرة، وتخبو أخرى، فلم تزل تفعل ذلك حتى قلت: اللهم لك علي إن بلغتني هذه النار ألا أجد أهلها يوقدون لكربة يقدر أحد من الناس أن يفرجها إلا فرجتها عنهم، قال: فلم أسر إلا قليلاً حتى أيتها، فإذا حي من بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم، وإذا أنا بشيخ حادر أشعر يوقدها في مقدم بيته، والنساء قد اجتمعن إلى امرأة ماخض، قد حبستهن ثلاث ليال. فسلمت فقال الشيخ: من أنت؟ فقلت أنا صعصعة بن ناجية بن عقال، قال: مرحباً بسيدنا، ففيم أنت يا بن أخي؟ فقلت: في بغاء ناقتين لي فارقتين عمي علي أثرهما، فقال: قد وجدتهما بعد أن أحيا الله بهما أهل بيت من قومك، وقد نتجناهما، وعطفت إحداهما على الأخرى، وهما تانك في أدنى الإبل. قال: قلت: ففيم توقد نارك منذ الليلة؟ قال: أوقدها لامرأة ماخض قد حبستنا منذ ثلاث ليال، وتكلمت النساء فقلن: قد جاء الولد، فقال الشيخ: إن كان غلاماً فوالله ما أدري ما أصنع به، وإن كانت جارية فلا أسمعن صوتها - أي اقتلها - فقلت: يا هذا ذرها فإنها ابنتك، ورزقها على الله، فقال: اقتلنها، فقلت: أنشدك الله، فقال: إني أراك بها حفياً، فاشترها مني، فقلت: إني أستريها منك، فقال: ما تعطيني؟ قلت: أعطيك إحدى ناقتي قال: لا، قلت: فأزيدك الأخرى، فنظر إلى جملي الذي تحتي، فقال: لا، إلا أن تزيدني جملك هذا، فإني أراه حسن اللون شاب السن، فقلت: هو لك والناقتان على أن تبلغني أهلي عليه، قال: قد فعلت، فابتعتها منه بلقوحين وجمل، وأخذت عليه عهد الله وميثاقه ليحسنن برها وصلتها ما عاشت، حتى تبين منه، أو يدركها الموت، فلما برزت من عنده حدثتني نفسي وقلت: إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، فآليت ألا يئد أحد بنتاً له إلا اشتريتها منه بلقوحين وجمل، فبعث الله عز وجل محمداً عليه السلام، وقد أحييت مائة موءودة إلا أربعاً، ولم يشاركني في ذلك أحد، حتى أنزل اله تحريمه في القرآن، وقد فخر بذلك الفرزدق في عدة قصائد من شعره، ومنها قصيدته التي أولها:
    أبي أحد الغيثين صعصعة الـذي

    متى تخلف الجوزاء والدلو يمطر
    أجار بنات الوائدين ومـن يجـر

    على الفقر يعلم أنه غير مخفـر
    على حين لا تحيا البنات وإذ هـم

    عكوف على الأصنام حوالمدور

    المدور: يعني الدوار الذي حول الصنم، وهو طوافهم .
    أنا ابن الذي رد المنية فـضـلـه

    فما حسب دافعت عنه بمـعـور
    وفارق ليل من نسـاء أتـت أبـي

    تمارس ريحاً ليلها غير مقـمـر
    فقالت: أجر لي ما ولدت فإنـنـي

    أتيتك من هزلي الحمولة مقـتـر
    هجف من العثو الرؤوس إذا بـدت

    له ابنة عام يحطم العظم منـكـر
    رأس الأرض منها راحة فرمى بها

    إلى خدد منها إلى شر مـخـفـر
    فقال لها: فيئي فإنـي بـذمـتـي

    لبنتك جار من أبيهـاالـقـنـور

    إسلام أبيه على يد الرسول: ووفد غالب بن صعصعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وقد كان وفده أبوه صعصعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بفعله في الموءودات، فاستحسنه وسأله: هل له في ذلك من أجر؟ قال: نعم فأسلم وعمر غالب، حتى لحق أمير المؤمنين علياً صلوات الله عليه بالبصرة، وأدخل إليه الفرزدق، وأظنه مات في إمارة زياد وملك معاوية.
    أخبرني محمد بن الحسين الكندي وهاشم بن محمد الخزاعي، وعبد العزيز بن أحمد عم أبي قالوا: حدثنا الرياشي قال: حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية، قال: حدثني عقال بن كسيب أبو الخنساء العنبري، قال: حدثني الطفيل بن عمرو الربعي، عن ربيعة بن مالك بن حنظلة، عن صعصعة بن ناجية المجاشعي جد الفرزدق قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فعرض علي الإسلام، فأسلمت، وعلمني آيات من القرآن، فقلت: يا رسول الله إني عملت أعمالاً في الجاهلية هل لي فيها من أجر؟ فقال: وما عملت؟ فقلت: إني أضللت ناقتين لي عشراوين، فخرجت أبغيهما على جمل، فرفع لي بيتان في فضاء من الأرض، فقصدت قصدهما، فوجدت في أحدهما شيخاً كبيراً، فقلت له: هل أحسست من ناقتين عشراوين؟ قال: وما نارهما؟ - يعني السمة - فقلت: ميسم بني دارم، فقال: قد أصبت ناقتيك ونتجناهما، وظأرتا على أولادهما ونعش الله بهما أهل بيت من قومك من العرب من مضر، فبينا هو يخاطبني إذ نادته امرأة من البيت الآخر: قد ولدت، فقال: وما ولدت؟ إن كان غلاماً فقد شركنا في قوتنا، وإن كانت جارية فادفنوها، فقالت: هي جارية: أفأئدها؟ فقلت: وما هذا المولود؟ قالت: بنت لي، فقلت: إني أشتريها منك، فقال: يا أخا بني تميم، أتقول لي: أتبيعني ابنتك وقد أخبرتك أني من العرب من مضر؟ فقلت: إني لا أشتري منك رقبتها، إنما أشتري دمها لئلا تقتلها، فقال: وبم تشتريها؟ فقلت: بناقتي هاتين وولديهما. قال: لا حتى تزيدني هذا البعير الذي تركبه: قلت: نعم، على أن ترسل معي رسولاً فإذا بلغت أهلي رددت إليك البعير ففعل، فلما بلغت أهلي رددت إليه البعير، فلما كان في بعض الليل فكرت في نفسي فقلت: إن هذه مكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، فظهر الإسلام وقد أحييت ثلثمائة وستين موءودة، أشتري كل واحدة منهن بناقتين عشراوين وجمل، فهل لي في ذلك من أجر يا رسول الله؟ فقال عليه السلام: هذا باب من البر، ولك أجره إذ من الله عليك بالإسلام، قال عباد: ومصداق ذلك قول الفرزدق:
    وجدي الذي منع الوائدات

    وأحيا الوئيد فـلـميوأد

    أخبرني محمد بن يحيى، عن الغلابي، عن العباس بن بكار، عن أبي بكر الهذلي قال: وفد صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد من تميم، وكان صعصعة قد منع الوئيد في الجاهلية، فلم يدع تميماً تئد، وهو يقدر على ذلك، فجاء الإسلام وقد فدى أربعمائة جارية، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال: أوصيك بأمك وأبيك وأخيك وأختك وإمائك، قال: زدني، قال: احفظ ما بين لحييك، وما بين رجليك.
    ثم قال له عليه السلام: ما شيء بلغني عنك فعلته؟ قال: يا رسول الله رأيت الناس يموجون على غير وجه، ولم أدر أين الوجه، غير أني علمت أنهم ليسوا عليه، ورأيتهم يئدون بناتهم، فعلمت أن ربهم لم يأمرهم بذلك، فلم أتركهم يئدون، وفديت من قدرت عليه.
    وروى أبو عبيدة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني حملت حمالات في الجاهلية والإسلام، وعلي منها ألف بعير، فأديت من ذلك سبعمائة، فقال له: إن الإسلام أمر بالوفاء، ونهى عن الغدر، فقال: حسبي حسبي، ووفى بها.
    وروي أنه إنما قال هذا القول لعمر بن الخطاب، وقد وفد إليه في خلافته.
    وكان صعصعة شاعراً وهو الذي يقول: أنشدنيه محمد بن يحيى له:
    إذا المرء عادى من يودك صدره

    وكان لمن عاداك خدنا مصافـيا
    فلا تسألن عمـا لـديه فـإنـه

    هو الداء لا يخفي بذلكخافـيا

    أبوه يعطي دون أن يسأل: أخبرني محمد بن يحيى، عن محمد بن زكريا؛ عن عبد الله بن الضحاك، عن الهيثم بن عدي، عن عوانة قال: تراهن نفر من كلب ثلاثة على أن يختاروا من تميم وبكر نفراً ليسائلوهم، فأيهم أعطى، ولم يسألهم عن نسبهم من هم؟ فهو أفضلهم، فاختار كل رجل منهم رجلاً؛ والذين اختيروا عمير بن السليك، بن قيس بن مسعود الشيباني، وطلبة بن قيس بن عاصم المنقري، وغالب بن صعصعة المجاشعي أبو الفرزدق، فأتوا ابن السليك فسألوه مائة ناقة، فقال: من أنتم؟ فانصرفوا عنه.
    ثم أتوا طلبة بن قيس، فقال لهم مثل قول الشيباني، فأتوا غالباً، فسألوه، فأعطاهم مائة ناقة وراعيها، ولم يسألهم من هم فساروا بها ليلة، ثم ردوها، وأخذ صاحب غالب الرهن، وفي ذلك يقول الفرزدق:
    وإذا ناحبت كلب على الناس أيهم

    أحق بتاج الماجد المـتـكـرم
    على نفرهم من نزار ذوي العلا

    وأهل الجراثيم التي لم تـهـدم
    فلم يجز عن أحسابهم غير غالب

    جرى بعنان كل أبيض خضرم

    سحيم يعجز عن مباراة أبيه في كرمه: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن جهم السليطي، عن إياس بن شبة، عن عقال بن صعصعة، قال: أجدبت بلاد تميم، وأصابت بن يحنظلة سنة في خلافة عثمان، فبلغهم خصب عن بلاد كلب بن وبرة، فانتجعتها بنو حنظلة، فنزلوا أقصى الوادي، وتسرع غالب بن صعصعة فيهم وحده دون بني مالك بن حنظلة، ولم يكن مع بني يربوع من بني مالك غير غالب، فنحر ناقته فأطعمهم إياها، فلما وردت إبل سحيم بن وثيل الرياحي حبس منها ناقة، فنحرها من غد، فقيل لغالب: إنما نحر سحيم مواءمة لك - أي مساواة لك - فضحك غالب، وقال: كلا، ولكنه امرؤ كريم، وسوف أنظر في ذلك، فلما وردت إبل غالب حبس منها ناقتين، فنحرهما، فأطعمهما بني يربوع، فعقر سحيم ناقتين، فقال غالب: الآن علمت أنه يوائمني، فقعر غالب عشراً، فأطعمها بني يربوع فعقر سحيم عشراً، فلما بلغ غالباً فعله ضحك، وكانت إبله ترد لخمس، فلما وردت عقرها كلها عن آخرها، فالمكثر يقول: كانت أربعمائة، والمقل يقول: كانت مائة، فأمسك سحيم حينئذ؛ ثم إنه عقر في خلافة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بكناسة الكوفة مائتي ناقة وبعير، فخرج الناس بالزنابيل والأطباق والحبال لأخذ اللحم، ورآهم علي رضي الله عنه، فقال: أيها الناس لا يحل لكم ، إنما أهل بها لغير الله عز وجل. قال: فحدثني من حضر ذلك قال: كان الفرزدق يومئذ مع أبيه وهو غلام، فجعل غالب يقول: يا بني، اردد علي، والفرزدق يردها عليه، ويقول له: يا أبت اعقر، قال جهم: فلم يغن عن سحيم فعله، ولم يجعل كغالب إذا لم يطق فعله.
    يقيد نفسه حتى يحفظ القرآن: حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن القاسم - يعني أبا العيناء - عن أبي زيد النحوي، عن أبي عمرو قال: جاء غالب أبو الفرزدق إلى علي بن إبي طالب صلوات الله عليه بالفرزدق بعد الجمل بالبصرة، فقال: إن ابني هذا من شعراء مضر فاسمع منه، قال: علمه القرآن، فكان ذلك في نفس الفرزدق، فقيد نفسه في وقت، وآلى: لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن.
    عريق في قرض الشعر: قال محمد بن يحيى: فقد صح لنا أن الفرزدق كان شاعراً موصوفاً أربعاً وسبعين سنة، وندع ما قبل ذلك، لأن مجيئه به بعد الجمل - على الاستظهار - كان في سنة ست وثلاثين، وتوفي الفرزدق في سنة عشر ومائة في أول خلافة هشام هو وجرير والحسن البصري وابن سيرين في ستة أشهر، وحكي ذلك عن جماعة، منهم الغلابي عن ابن عائشة عن أبيه.
    أخبرني محمد بن يحيى الصولي عن الغلابي، عن ابن عائشة أيضاً، عن أبيه قال: قال الفرزدق أيضاً: كنت أجيد الهجاء في أيام عثمان، قال: ومات غالب أبو الفرزدق في أول أيام معاوية ودفن بكاظمة فقال الفرزدق يرثيه:
    لقد ضمت الأكـفـان مـن آل دارم

    فتى فائض الكفين محض الضرائب

    أيهما أشعر، هو أو جرير؟: أخبرني حبيب المهلبي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن عمران الضبي، قال: حدثني جعفر بن محمد العنبري، عن خالد بن أم كلثوم، قال: قيل للمفضل الضبي: الفرزدق أشعر أم جرير؟ قال الفرزدق: قال: قلت: ولم؟ قال: لأنه قال بيتاً هجا فيه قبيلتين ومدح فيه قبيلتين وأحسن في ذلك فقال:
    عجبت لعجل إذ تهاجي عبيدها

    كما آل يربوع هجوا آلدارم

    فقيل له: قد قال جرير:
    إن الفرزدق والبعيث وأمه

    وأبا البعيث لشر ماإستار

    فقال: واي شيء أهون من أن يقول إنسان: فلان وفلان وفلان والناس كلهم بنو الفاعلة!.
    أخبرني عبد الله بن مالك، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: حدثني موسى بن طلحة، قال: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان الشعراء في الجاهلية من قيس، وليس في الإسلام مثل حظ تميم في الشعر، وأشعر تميم جرير والفرزدق، ومن بني تغلب الأخطل.
    قال يونس بن حبيب: ما ذكر جرير والفرزدق في مجلس شهدته قط فاتفق المجلس على أحدهما، قال: وكان يونس فردقياً.
    يغتصب بيتين لابن ميادة: أخبرني عمي، عن محمد بن رستم الطبري، عن أبي عثمان المازني قال: مر الفرزدق بابن ميادة الرماح والناس حوله وهو ينشد:
    لو أن جميع الناس كانوا بربوة

    وجئت بجدي ظالم وابن ظالم
    لظلت رقاب الناس خاضعة لنا

    سجوداً على أقدامنابالجماجم

    فسمعه الفرزدق، فقال: أما والله يا بن الفارسية لتدعنه لي أو لنبشن أمك من قبرها، فقال له ابن ميادة: خذه لا بارك الله لك فيه، فقال الفرزدق:
    لو أن جميع الناس كانوا بربوة

    وجئت بجدي دارم وابن دارم
    لظلت رقاب الناس خاضعة لنا

    سجوداً على أقدامنابالجماجم

    عود إليه هو وجرير: أخبرني عمي، عن الكراني، عن أبي فراس الهيثم بن فراس، قال: حدثني ورقة بن معروف، عن حماد الرواية قال: دخل جرير والفرزدق على يزيد بن عبد الملك وعنده بنية له يشمها فقال جرير: ما هذه يا أمير المؤمنين عندك؟ قال: بنية لي، قال: بارك الله لأمير المؤمنين فيها. فقال الفرزدق: إن يكن دارم يضرب فيها فهي أكرم العرب، ثم أقبل يزيد على جرير فقال: مالك والفرزدق؟ قال: إنه يظلمني ويبغي علي، فقال الفرزدق: وجدت آبائي يظلمون آباءه فسرت فيه بسيرتهم، قال جرير: وأما والله لتردن الكبائر على أسافلها سائر اليوم، فقال الفرزدق: أما بك يا حمار بني كليب فلا، ولكن إن شاء صاحب السرير، فلا والله ما لي كفء غيره، فجعل يزيد يضحك.
    أخبرنا عبد الله بن مالك، عن محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابي، عن حماد الراوية قال: أنشدني الفرزدق يوماً شعراً له ثم قال لي: أتيت الكلب - يعني جريراً - قلت: نعم، قال: أفأنا أشعر أم هو؟ قلت: أنت في بعض وهو في بعض، قال: لم تناصحني، قال: قلت: هو أشعر منك إذا أرخي من خناقة، وأنت أشعر منه إذا خفت أو رجوت، قال: قضيت لي والله عليه وهل الشعر إلا في الخبر والشر.
    قال: رورى عن أبي الزناد عن أبيه قال: قال لي جرير: يا أبا عبد الرحمن: أنا شعر أم هذا الخبيث - يعني الفرزدق - وناشدني لأخبرنه، فقلت: لا والله ما يشاركك ولا يتعلق بك في النسيب قال: أوه قضيت والله له علي، أنا والله أخبرك: ما دهاني، إلا أني هاجيت كذا وكذا شاعراً، فسمى عدداً كثيراً، وأنه تفرد لي وحدي.
    خبره مع النوار: أخبرني عبد الله قال: قال المازني: قال أبو علي الحرمازي: كان من خبر الفرزدق والنوار ابنة أعين بن صعصعة بن ناجية بن عقال المجاشعي - وكانت ابنة عمه - أنه خطبها رجل من بني عبد الله بن دارم فرضيته، وكان الفرزدق وليها، فأرسلت إليه أن زوجني من هذا الرجل، فقال لا أفعل أو تشهديني أنك قد رضيت بمن زجتك، ففعلت، فلما توثق منها، قال: أرسلي إلى القوم فليأتوا، فجاءت بنو عبد الله بن دارم فشحنوا مسجد بني مجاشع وجاء الفرزدق، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن النوار قد ولتني أمرها، وأشهدكم أني قد زوجتها نفسي على مائة نقاة حمراء سوداء الحدقة. فنفرت من ذلك وأرادت الشخوص إلى ابن الزبير حين أعياها أهل البصرة ألا يطلقوها من الفرزدق حتى يشهد لها الشهود، وأعياها الشهود أن يشهدوا لها اتقاء الفرزدق، وابن الزبير يومئذ أمير الحجاز والعراق يدعي له بالخلافة - فلم تجد من يحملها، وأتت فتية من بني عدي بن عبد مناة بن أد، يقال لهم بنو أم السير، فسألتهم برحم تجمعهم وإياها - وكانت بينها وبينهم قرابة - فأقسمت عليهم أمها: ليحملنها، فحملوها، فبلغ ذلك الفرزدق، فاستنهض عدة من أهل البصرة فأنهضوه، وأوقروا له عدة من الإبل، وأعين بنفقة، فتبع النوار، وقال:
    أطاعت بني أم السير فأصبحـت

    على شارف ورقاء صعب ذلولها
    وإن الذي أمسى يخبب زوجتي

    كماش إلى أسد الشرى يستبيلها

    فأدركها وقد قدمت مكة، فاستجارت بخولة بنت منظور بن زيان بن سيار الفزاري، وكانت عند عبد الله بن الزبير، فلما قدم الفرزدق مكة اشرأب الناس إليه، ونزل على بني عبد الله بن الزبير، فاستنشدوه، واستحدثوه ثم شفعوا له إلى أبيهم، فجعل يشفعهم في الظاهر، حتى إذا صار إلى خولة قلبته عن رأيه، فمال إلى النوار، فقال الفرزدق في ذلك: صوت
    أما بنوه فلم تقبل شفاعتـهـم

    وشفعت بنت منظور بن زبانا
    ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزراً

    مثل الشفيع الذي يأتيكعرياناً

    لعريب في هذا البيت خفيف رمل.
    قال: وسفر بينهما رجال من بني تميم كانوا بمكة، فاصطلحا على أن يرجعا إلى البصرة، ولا يجمعهما ظل ولاكن حتى يجمعا في أمرهما ذلك بني تميم، ويصيرا على حكمهم. ففعلا، فلما صارا إلى البصرة رجعت إليه النوار بحكم عشيرتها.
    قال: وقال غير الحرمازي: إن ابن الزبير قال للفرزدق: جئني بصداقها وإلا فرقت بينكما، فقال الفرزدق: أنا في بلاد غربة فكيف أصنع؟ قالوا له: عليك بسلم بن زياد، فإنه محبوس في السجن يطالبه ابن الزبير بمال، فأتاه فقص عليه قصته قال: كم صداقها؟ قال: أربعة آلاف درهم، فأمر له بها وبألفين للنفقة، فقال الفرزدق:
    دعي مغلقي الأبواب دون فعالهمولكن تمشي بي هبلت إلى سلم

    إلى من يرى المعروف سهلاً سبيله

    ويفـعـل أفـعـال الـرجـال الـتـيتـــنـــمـــي

    قال: فدفعها غليه ابن الزبير، فقال الفرزدق:
    هلمي لابن عمك لا تكونـي

    كمختار على الفرس الحمارا

    قال: فجاء بها إلى البصرة - وقد أحبلها - فقال جرير في ذلك:
    ألا تلكم عرس الفرزدق جامحـاً

    ولو رضيت رمح استه لاستقرت

    فأجابه الفرزدق، وقال:
    وأمك لو لاقيتـهـا بـطـمـرة

    وجاءت بها جوف استها لاستقرت

    وقال الفرزدق وهو يخاسم النوار:
    تخاصمني وقد أولجت فـيهـا

    كرأس الضب يلتمس الجراداا

    قال الحرمازي: ومكثت النوار عنده زماناً، ترضى عنه أحياناً، وتخاصمه أحياناً، وكانت النوار إمرأة صالحة، فلم تزل تشمشئز منه، وتقول له: ويحك! أنت تعلم أنك إنما تزوجت بي ضغطة وعلى خدعة، ثم لا تزال في كل ذلك، حتى حلفت بيمين مؤثة، ثم حنثت. وتجنبت فراشه، فتزوج عليها امرأة يقال لها جهيمة من بني النمر بن قاسط حلفاء لبني الحارث بن عباد بن ضبيعة وأمها الخميصة من بني الحارث بن عباد، فنافرته الخميصة، واستعدت عليه فأنكرها الفرزدق، وقال: إنها مني بريء طالق وطلق ابنتها، وقال:
    إن الخميصة كانت لي ولابنتها

    مثل الهراسة بين النعل والقدم
    إذا أتت أهلها مني مطـلـقة

    فلن أرد عليها زفرةالـنـدم

    جعل يأتي النوار وبه ردع الخلوق وعليه الأثر فقالت له النوار: هل تزوجتها إلا هدادية - تعني حياً من أزد عمان - فقال الفرزدق في ذلك:
    تريك نجوم الليل والشمس حـية

    كرام بنات الحارث بن عـبـاد
    أبوها الذي قاد النعامة بعـدمـا

    أبت وائل في الحرب غير تماد
    نساء أبوهن الأعز ولـم تـكـن

    من الأزد في جاراتهـا وهـداد
    ولم يك في الحي الغموض محلها

    ولا في العمانـيين رهـط زياد
    عدلت بها ميل النوار فأصبحـت

    وقد رضيت بالنصف بعدبعـاد

    قال: فلم تزل النوار ترققه، وتستعطفه، حتى أجابها إلى طلاقها، وأخذ عليها ألا تفارقه ولا تبرح من منزله، ولا تتزوج رجلاً بعده، ولا تمنعه من مالها ما كانت تبذله له، وأخذت عليه أن يشهد الحسن البصري على طلاقها، ففعل ذلك.
    قال المازني: وحدثني محمد بن روح العدوي عن أبي شفقل راوية الفرزدق قال: ما استصحب الفرزدق أحداً غيري وغير راوية آخر، وقد صحب النوار رجال كثيرة، إلا أنهم كانوا يلوذون بالسواري خوفاً من أن يراهم الفرزدق، فأتيا الحسن فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد، قال له الحسن: ما تشاء؟ قال: أشهد أن النوار طالق ثلاثاً، فقال الحسن: قد شهدنا، فلما انصرفنا قال: يا أبا شفقل، قد ندمت، فقلت له: والله إني لأظن أن دمك يترقرق، أتدري من أشهدت؟ والله لئن رجعت لترجمن بأحجارك، فمضى وهو يقول:
    ندمت ندامة الكسعي لـمـا

    غدت مني مطلـقة نـوار
    ولو أني ملكت يدي وقلبـي

    لكان علي للقدر الـخـيار
    وكانت جنتي فخرجت منها

    كآدم حين أخرجه الضرار
    وكنت كفاقئ عينيه عمـداً

    فأصبح ما يضيء له النهار

    يخاصم كل من يمد يده لمساعدة النوار: وأخبرني بخبره مع النوار أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أبيه يحيى بن علي بن حميد: أن النار لما كرهت الفرزدق حين زوجها نفسه لجأت إلى بني قيس بن عاصم المنقري ليمنعوها فقال الفرزدق فيهم:
    بني عاصم لا تجبوها فإنكـم

    ملاجئ للسوآت دسم العمائم
    بَني عاصمٍ لو كان حَيّا أبوكـم

    للام بنيه اليوم قيس بن عاصم

    فبلغهم ذلك الشعر، فقالوا: والله لئن زدت على هذين البيتين لنقتلنك غيلة، وخلوه والنوار وأرادت منافرته إلى ابن الزبير، فلم يقدر أحدٌ على أن يكريها خوفاً منه. ثم إن قوماً من بني عدي يقال لهم بنو أم النسير أكروها، فقال الفرزدق:
    ولولا أن يقول بنو عدي

    ألم تك أم حنظلة النوار
    أتتكم يا بني ملكان عني

    قواف لا تقسمها التجار

    وقال فيهم أيضاً:
    لعمري لقد أردى النوار وسـاقـهـا

    إلى البور أحلام خفاف عقـولـهـا
    أطاعت بني أم السير فأصـبـحـت

    على قتب يعلو الـفـلاة دلـيلـهـا
    وقد سخطت مني النوار الذي ارتضى

    به قبلها الأزواج خاب رحـيلـهـا
    وإن امرأ أمسى يخبـت زوجـتـي

    كساع إلى أسد الشرى يستبـيلـهـا
    ومن دون أبـواب الأسـود بـسـالة

    وبسطة أيد يمنع الضيم طـولـهـا
    وإن أمير الـمـؤمـنـين لـعـالـم

    بتأويل ما وصى العباد رسـولـهـا
    فدونكها يا بـن الـزبـير فـإنـهـا

    مولعة يوهي الحجـارة قـيلـهـا
    وما جادل الأقوام من ذي خصـومة

    كورهاء مشنوء إليهاحـلـيلـهـا

    فلما قدمت مكة نزلت على تماضر بنت منظور بن زيان زوجة عبد الله بن الزبير، ونزل الفرزدق بحمزة بن عبد الله بن الزبير، ومدحه بقوله:
    أمسيت قد نزلت بحمزة حاجـتـي

    إن المنوه باسـمـه الـمـوثـوق
    بأبي عمارة خير من وطئ الححصا

    وجرت له في الصالحين عـروق
    بين الحـواري الأعـز وهـاشـم

    ثم الخلـيفة بـعـدوالـصـديق

    غنى في هذه الأبيات ابن سريج رملاً بالبنصر.
    قال: فجعل أمر النوار يقوى، وأمر الفرزدق يضعف، فقال:
    أما بنوه فلم تقبل شفاعتـهـم

    وشفعت بنت منظور بن زبانا

    وجاء أيضاً في "الأغاني": لأن أخباره كثيرة جداً، فكرهت أن أثبتها ها هنا في غناء مشكوك فيه، فذكرت نسبه وخبره في هذا الشعر خاصة، وأخباره تأتي بعد هذا في موضع مفرد يتسع لطول أحاديثه نسبه: الفرزدق لقبٌ غلب عليه. واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
    هو وجرير والأخطل أشعر طبقات الإسلاميين والمقدم في الطبقة الأولى منهم. وأخباره تذكر مفردةً في موضع آخر يتسع لها، ونذكر ها هنا في هذا المعنى. فأخبرني خبره في ذلك جماعة. فممن أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة، وأخبرني به أبو خليفة إجازةً عن محمد بن سلام، وأخبرني به محمد بن العباس اليزيدي عن السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة وابن الأعرابي، قال عمر بن شبة خاصة في خبره حدثني محمد بن يحيى قال حدثني أبي: حديث الفرزدق والنوار وذمه بني قيس وزهيراً وبني أم النسير لمعاونتهم إياها: أن عبد الله بن الزبير تزوج تماضر بنت منظور بن زبان، وأمها مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة، فخاصم الفرزدق امرأته النوار إلى ابن الزبير. هكذا ذكر محمد بن يحيى ولم يذكر السبب في الخصومة، وذكرها عمر بن شبة ولم يروها عن أحد، وذكرها ابن حبيب عن أصحابه، وذكرها أبو غسان دماذٌ عن أبي عبيدة: أن رجلاً من بني أمية خطب النوار بنت أعين المجاشعية، فرضيته وجعلت أمرها إلى الفرزدق. فقال: أشهدي لي بذلك على نفسك شهوداً ففعلت، واجتمع الناس لذلك. فتكلم الفرزدق ثم قال: اشهدوا أني قد تزوجتها وأصدقتها كذا وكذا، فأنا ابن عمها وأحق بها. فبلغ ذلك النوار فأبته واستترت من الفرزدق وجزعت ولجأت إلى بني قيس بن عاصم المنقري. فقال فيها:
    بني عاصمٍ لا تلجئوها فإنكـم

    ملاجئ للسوءات دسم العمائم
    بني عاصمٍ لولا كان حياً أبوكم

    للام بنيه اليوم قيس بن عاصم

    فقالوا: والله لئن زدت على هذين البيتين لتقتلنك غيلةً. فنافرته إلى عبد الله بن الزبير وأرادت الخروج إليه؛ فتحامى الناس كراءها. ثم إن رجلاً من بني عدي يقال له زهير بن ثعلبة وقوماً يعرفون ببني أم النسير أكروها؛ فقال الفرزدق:
    ولولا أن تقول بني عدي

    أليست أم حنظلة النوار
    أتتكم يابني ملكان عنـي

    قوافٍ لا تقسمها التجار

    يعني بالنوار ها هنا بنت جل بن عدي بن عبد مناة وهي أم حنظلة بن مالك بن زيد مناة وهي إحدى جداته. وقال فيها أيضاً:
    سرى بالنوار عوهجيٌ يسـوقـه

    عبيدٌ قصير الشبر نائي الأقارب
    تؤم بلاد الأمـن دائبة الـسـرى

    إلى خير والٍ من لؤي بن غالب
    فدونك عرسي تبتغي نقض عقدتي

    وإبطال حقي باليمينالـكـواذب

    وقال أيضاً:
    ولولا أن أمـي مـن عـديٍ

    وأني كارهٌ سخط الربـاب
    إذاً لأتى الدواهي من قريبٍ

    جزاءً غير منصرف العقاب
    وصلت على بني ملكان مني

    بجيش غير منتظـر الإياب

    وقال لزهير أيضاً:
    لبئس العبء يحمله زهيرٌ

    على أعجاز صرمته نوار
    لقد أهدت وليدتنا إلـيكـم

    عوائر لا تقسمها التجـار

    وقال لبني أم النسير:
    لعمري لقد أردى النوار وسـاقـهـا

    إلى الغور أحلامٌ خفافٌ عقولـهـا
    أطاعت بني أم النسير فأصـبـحـت

    على قتبٍ يعلو الـفـلاة دلـيلـهـا
    وقد سخطت مني النوار الذي ارتضى

    به قبلها الأزواج خاب رحـيلـهـا
    وإن امرأً أمسى تحبـب زوجـتـي

    كماش إلى أسد الشرى يستبـيلـهـا
    ومن دون أبـوال الأسـود بـسـالةٌ

    وبسطة أيدٍ يمنع الضيم طـولـهـا
    وإن أمير الـمـؤمـنـين لـعـالـمٌ

    بتأويل ما أوصى العباد رسـولـهـا
    فدونكها يابـن الـزبـير فـإنـهـا

    مولعةٌ يوهي الحجـارةقـيلـهـا

    استشفعت النوار إلى ابن الزبير امرأته فاستشفع هو بابنه حمزة: فلما قدمت مكة نزلت على بنت منظور بن زبان، واستشفعت بها إلى زوجها عبد الله. وانضم الفرزدق إلى حمزة بن عبد الله بن الزبير وأمه بنت منظورٍ هذه، ومدحه فقال:
    أصبحت قد نزلت بحمزة حاجتي

    إن المنوه باسمهالـمـوثـوق

    الأبيات. وقال فيه أيضاً:
    يا حمز هل لك في ذي حاجة غرضت

    أنضاؤه بمكـانٍ غـير مـمـطـور
    فأنت أحرى قريشٍ أن تكـون لـهـا

    وأنت بين أبي بـكـر ومـنـظـور
    بين الحواري والصديق في شـعـبٍ

    نبتنا في طـيب الإسـلاموالـخـير

    هذه الأبيات كلها من رواية أبي زيد خاصةً. قالوا جميعاً: وقال في النوار:
    هلمي لابن عمك لا تكونـي

    كمختارٍ على الفرس الحمارا

    وقال فيها ايضاً:
    تخاصمني النوار وغاب فيها

    كرأس الضب يلتمس الجرادا

    قال أبو زيد في خبره خاصة: فجعل أمر الفرزدق يضعف وأمر النوار يقوى. وقال الفرزدق:
    أما بنوه فلم تقبل شفاعتـهـم

    وشفعت بنت منظور بن زبانا

    صوت
    ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزراً

    مثل الشفيع الذي يأتيكعريانا

    - غنت في هذا البيت عريب خفيف ثقيلٍ أول بالبنصر - فبلغ ابن الزبير هذا فدعا النوار فقال: إن شئت فرقت بينكما وقتلته فلا يهجونا أبداً، وإن شئت سيرته إلى بلاد العدو. فقالت: ما أريد واحدةً منهما. قال: فإنه ابن عمك وهو فيك راغب، أفأزوجه إياك؟ قالت نعم. فزوجه إياها. فكان الفرزدق يقول: خرجنا متباغضين فرجعنا متحابين.
    avatar
    إيرفن رومل
    الجنرال
    الجنرال


    عدد المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 08/06/2010

    مكتبة الشعراء.......تفضلوا - صفحة 2 Empty رد: مكتبة الشعراء.......تفضلوا

    مُساهمة  إيرفن رومل الأحد يونيو 13, 2010 12:15 am



    أبو نواس
    762-813م
    شاعر من شعراء العصر العبّاسي الأوّل. اسمه الحسن بن هانئ بن الصّباح، وكنيته أبو نواس. ولد في الأهواز في بلاد فارس سنة 145 هـ من أبٍ عربيٍّ دمشقيٍّ وأمٍ فارسيّةٍ، ولكنه لم ينعم طويلاً بحياة الأسرة الهانئة، فقد مات أبوه في البصرة وهو بعد صغير؛ ولم تحفظ الأم عهد الوفاء والأمومة، فصرفت الصّبي إلى عطّارٍ يشتغلُ عنده في أسواق البصرة.
    ولكن الحسن راح إلى جانب عمله يختلف إلى مجالس العلم، فيُخالط المسجدييّن ويتردّد على أبواب الراوية عمرو بن العلاء فيكتب لغةً وعلماً. وعاشر إلى ذلك مجان عصره وخلعائه في البصرة والكوفة، أمثال والبة بن الحبّاب ومطيع بن أيّاس، وخَلَف الأحمر، فتأثّر بهم وتخرّج على مذهبهم في التّهتك والمجون.
    ثم انتقل إلى بغداد بعد خروجه سنةً كاملةً إلى البادية ليقوّم لسانه على العربية الصّحيحة. فاتّصل بالبرامكة، وآل الربيع، ومَدَح هارون الرشيد الذي لم يلبث أن سجنه لهجائه قريشاً. فتوجّه حينئذٍ إلى مصر ومدح واليها الخصيب، ولكنّه لم يقم عنده طويلا، بل هجره وهجاه، وقفل عائدًا إلى بغداد حيث كانت تستهويه مجالسها وحياة الفسق والمجون فيها.
    ولما وصل الأمين إلى الخلافة انقطع النّواسي إليه وأصبح شاعره ونديمه المقرّب، يعتزّ بذلك ويزهو راضياً به على الزمان. ولكن هذا الرِّضا لم يدم طويلاً، فقد سجنه الأمين حقبةً عندما احتدم الخلاف بينه وبين أخيه المأمون، وذُكِرَ اسم الشّاعر في معرض الدعاوة السّيئة ضدّ الخليفة.
    انصرف عن حياة اللّهو في السّنة الأخيرة من عمره، بعد مقتل الأمين، ولم يلبث أن مات عام199هـ إثر ضعفٍ بالغٍ وتوبةٍ، يصوّرهما في آخر ما قاله:
    دبّ فيّ السقام سُفلاً وعُـلوًا وأراني أموت عضوًا فعضوا
    لهف نفسي على ليالي وأيّام تجـاوزتهـن لعبـًا ولـهوا
    وأسأنا كل الإساءة إلى ربّنا صفحـًا عنـّا إلـهي وعفوا
    ويُعتَبَر أبو نوّاس شاعر الخمرة بلا منازع. عاقرها ليلاً نهارًا، مقتفيًا في وصفها أثر الأعشى والأخطل النّصراني.غير أنه تفوّق عليهما معًا وأبدع، إذ كانت بالنسبة إليه المعبودة المكرمة، "فلم نستطع دون السجود لها صبراً". وبَزّ في خمرياته كلّ شعراء العرب، ونَظر إليها نظرةً فلسفيةً تُحدّد أسلوب التّعامل معها، ووَضَع أصول المنادمة وآدابها، ولخّصها في خمسة شروطٍ بقوله:
    أصول الشّرب والندمانِ خمسٌ فأولها التزيّن بالوقارِ
    وجعل الخمرةُ تسكن الجنائن والقصور ونزّهها عن سُكنى الخيام، محتقراً العرب وعاداتهم، مدفوعًا بالشّعوبية التي تحتقر الأعراب وتخفض من شأنهم، إذ يقول:
    لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند واشرب على الخمر من حمراء كالورد
    ويرد على لائميه لمعاقرتهما بالقول:
    دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الدّاء
    وخمريات النّواسي عرضُ لثقافيته المتشعّبة الواسعة التي شملت مختلف العلوم وشتى أنواع المعرفة، فكان في كلّ ذلك فارسًا مجلّيا لا يُشَقُّ له غبار.
    وجاء في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح المعروف بأبي نواس الحكمي الشاعر المشهور؛ كان جده مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان، ونسبته إليه.
    ذكر محمد بن داود بن الجراح في كتاب "الورقة" أن أبا نواس ولد بالبصرة ونشأ بها، ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب، ثم صار إلى بغداد. وقال غيره: إنه ولد بالأهواز ونقل منها وعمره سنتان. وأمه أهوازية اسمها جلبان، وكان أبوه من جند مروان بن محمد، آخر ملوك بني أمية، وكان من أهل دمشق، وانتقل إلى الأهواز للرباط فتزوج جلبان وأولدها عدة أولاد منهم: أبو نواس وأبو معاذ؛ فأما أبو نواس فأسلمته أمه إلى بعض العطارين، فرآه أبو أسامة والبة بن الحباب، فاستحلاه، فقال له: إني أرى فيك مخايل، أرى لك أن لا تضيعها، وستقول الشعر، فاصحبني أخرجك، فقال لهك ومن أنت؟ فقال: أنا أبو أسامة والبة بن الحباب، فقال: نعم، أنا والله في طلبك، ولقد أردت الخروج إلى الكوفة بسبب لآخذ عنك وأسمع منك شعرك؛ فصار أبو نواس معه وقدم به بغداد، فكان أول ما قاله من الشعر، وهو صبي:
    حامل الهوى تعـب

    يستخفه الـطـرب
    إن بكى يحـق لـه

    ليس ما به لـعـب
    تضحكـين لاهـية

    والمحب ينتـحـب
    تعجبين من سقمـي

    صحتي هي العجب

    وهي أبيات مشهورة.
    وروى أن الخصيب صاحب ديوان الخراج بمصر سأل أبا نواس عن نسبه فقال: أغناني أدبي عن نسبي، فأمسك عنه.
    وقال إسماعيل بن لوبخت: ما رأيت قط أوسع علماً من أبي نواس، ولا أحفظ منه مع قلة كتبه، ولقد فتشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلا قمطراً فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير.
    وهو في الطبقة الأولى من المولدين، وشعره عشرة أنواع، وهو مجيد في العشرة، وقد اعتنى بجمع شعره جماعة من الفضلاء: منهم أبو بكر الصولي وعلي بن حمزة وإبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري المعروف بتوزون، فلهذا يوجد ديوانه مختلفاً، ومع شهرة ديوانه لا حاجة إلى ذكر شيء منه.
    وكان أبو نواس قوي البديهة والارتجال؛ روي أن الخصيب قال له مرة وهو بالمسجد الجامع: أنت غير مدافع في الشعر ولكنك لا تخطب، فقام من فوره فقال مرتجلاً:
    نحلتكم يا أهل مصر نصيحتـي

    ألا فخذوا من ناصح بنصـيب
    رماكم أمير المؤمنين بـحـية

    أكول لحيات البـلاد شـروب
    فإن يك باقي إثم فرعون فيكـم

    فإن عصا موسى بكف خصيب

    ثم التفت إليه وقال: والله لا يأتي بمثلها خطيب مصقع فكيف رأيت؟ فاعتذر إليه وحلف: ما كنت إلا مازحاً.
    ورأيت في بعض الكتب أن المأمون كان يقول: لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي نواس:
    ألا كل حي هالك وابن هالك

    وذو نسب في الهالكين عريق
    إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفـت

    له عن عدو في ثياب صديق

    والبيت الأول ينظر إلى قول امرئ القيس:
    فبعض اللوم عاذلـتـي فـإنـي

    سيكفيني التجارب وانتسـابـي
    إلى عرق الثرى وشجت عروقي

    وهذا الموت يسلبنيشـبـابـي

    وقد سبق في ترجمة الحسن البصري نظير هذا المعنى.
    وما أحسن ظنه بربه عز وجل حيث يقول:
    تكثر ما استطعت من الخطايا

    إذا كان القدوم على كـريم

    وقال وهي من رواية أخرى:
    تكثر ما استطعت من الخطايا

    فإنك بالغ ربـا غـفـورا
    ستبصر إن وردت عليه عفواً

    وتلقى سيداً ملكـاً كـبـيرا
    تعض ندامة كفـيك مـمـا

    تركت مخافة النار السرورا

    وهذا من أحسن المعاني وأغربها؛ وأخباره كثيرة.
    ومن شعره الفائق المشهور قصيدته الميمية التي حسده عليها أبو تمام حبيب المقدم ذكره ووازنها بقوله:
    دمن ألم بها فقـال سـلام

    كم حل عقدة صبره الإلمام

    وأول قصيدة أبي نواس المشار إليها، وهي مما مدح به الأمين محمد بن هارون الرشيد أيام خلافته:
    يا دار ما صنعت بك الأيام

    لم يبق فيك بشاشة تستام

    يقول من جملتها في صفة ناقته:
    وتجشمت بي هول كل تنوفة

    هوجاء فيها جـرأة إقـدام
    تذر المطي وراءها فكأنهـا

    صف تقدمهن وهي إمـام
    وإذا المطي بنا بلغن محـمـداً

    فظهورهن على الرجال حرام

    وهذا البيت له حكاية سيأتي ذكرها في ترجمة ذي الرمة غيلان الشاعر المشهور.
    وقد أذكرني هذا البيت واقعة جرت لي مع صاحبنا جمال الدين محمود ابن عبد الله الإربلي الأديب المجيد في صناعة الألحان وغير ذلك، فإنه جاءني إلى مجلس الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة في بعض شهور سنة خمس وأربعين وستمائة وقعد عندي ساعة، وكان الناس يزدحمون لكثرة أشغالهم حينئذ، ثم نهض وخرج، فلم أشعر إلا وقد حضر غلامه وعلى يده رقعة مكتوب فيها هذه الأبيات:
    يا أيها المولى الذي بـوجـوده

    أبدت محاسنـهـا لـنـا الأيام
    إني حججت إلى مقامك حجة ال

    أشواق لا ما يوجـب الإسـلام
    وأنخت بالحرم الشريف مطيتي

    فتسربت واستاقـهـا الأقـوام
    فظللت أنشد عند نشداني لـهـا

    بيتاً لمن هو في القريض إمـام
    "وإذا المطي بنا بلغن محـمـداً

    فظهورهن على الرجالحرام"

    فوقفت عليها وقلت لغلامه: ما الخبر؟ فذكر أنه لما قام من عندي وجد مداسة قد سرق، فاستحسنت منه هذا التضمين. والعرب يشبهون النعل بالراحلة، وقد جاء هذا في شعر المتقدمين والمتأخرين، واستعمله المتنبي في مواضع من شعره.
    ثم جاءني من بعد جمال الدين المذكور، وجرى ذكر هذه الأبيات، فقلت له: ولكن أنا اسمي أحمد، لا محمد، فقال: علمت ذلك، ولكن أحمد ومحمد سواء، وهذا التضمين حسن ولو كان الاسم أي شيء كان.
    وكان محمد الأمين المقدم ذكره قد سخط على أبي نواس لقضية جرت له معه، فتهدده بالقتل وحبسه، فكتب إليه من السجن:
    بك أستجير من الـردى

    متعوذاً من سطو باسك
    وحياة رأسـك لا أعـو

    ذ لمثلها، وحاية رأسك
    من ذا يكون أبـا نـوا

    سك إن قتلت أبا نواسك

    وله معه وقائع كثيرة.
    حدث أحمد بن معاوية الباهلي عن عطاء الملك قال: دخلنا المسجد الجامع فإذا على السارية-مكتوب بخط جليل-التي إليها أبو عبيدة يجلس:
    صلى الإله على لوط وشيعته

    أبا عبيدة قل باللـهآمـينـا

    قال: فقال لي أبو عبيدة: امحه، قلت: لا أناله، فركع وارتفعت على ظهره حتى محوته فقلت: لم يبق إلا الطاء، فقال: الطامة في الطاء، فمحوتها، فلما جلس قال: والله ما أتهم بهذا إلا الخبيث الماجن المتهنك-يعني أبا نواس-؛ قال: فبلغ قوله أبا نواس، فحلف أنه لم يفعل ذلك، فقبل يمينه.
    وكان أبو عبيدة يحب أبا نواس ويقدمه لظرفه وأدبه، وكان أبو نواس يتعلم من أبي عبيدة ويشنأ الأصمعي ويهجوه، فقيل له: ما تقول في الأصمعي؟ فقال: بلبل في قفص؛ قيل: فما تقول في خلف الأحمر؟ قال: جمع العلم وفهمه؛ قيل: فما تقول في أبي عبيدة؟ قال: ذاك أديم طوي على علم.
    وكان بمصر رجل يعرف بالحسن بن عمر الأجهري يقول الشعر الضعيف، وكان ناقص العقل، فقيل له: إن أردت أن يعلو شأنك في الشعر فاهج أبا نواس، فأتاه وهو جالس في المجلس والناس حوله فأنشده:
    ألا قل للنواسي الض

    عيف الحال والقـدر
    خبرنا منـك أحـوالاً

    فلم نحمدك في الخبر
    وما روعت بالمـنـظ

    ر ولكن رعت بالكدر

    قال: وكان هذا الشاعر من أوحش الناس صورة، فنظر إليه أبو نواس وقال: بم أهجوك وبأي شيء أصفك وقد سبقني الله تعالى إلى توحش منظرك وتقبيح مخبرك؟ وهل أكون إن قلت شيئاً إلا سارقاً من ربي ومتكلفاً على ما قد كفاني؟ فقال له بعض من معه: اهجه على حال لا نقول إنه أفحمك، فقال من وزن شعره:
    بما أهجـوك لا أدري

    لساني فيك لا يجري
    إذا فكرت في هجـو

    ك أبقيت على شعري

    قال: فقاموا على أبي نواس فقبلوا رأسه وصفقوا الأيدي جهرا.
    حدث الصولي عن عبد الله بن محمد بن حفص قال: غلست يوماً إلى المسجد فإذا بأبي نواس يكلم امرأة عند باب المسجد، وكنت أعرفه في مجالس الحديث والآداب، فقلت له: مثلك يقف هذا الموقف بحق أو باطل? فاعتذر ثم كتب إلي ذلك اليوم هذه الأبيات:
    إن التي أبصـرتـهـا

    سحراً تكلمني رسـول
    دسـت إلـي رسـالة

    كادت لها نفسي تزول
    من واضح الخـدين يق

    صر خطوه ردف ثقيل

    متنكب قوس الصـبـا

    يرمي وليس له رسيل
    فلو أن أذنك عـنـدنـا

    حتى تسمع ما تقـول
    لرأيت ما استقبحت من

    أمري لديك هو الجميل

    وحكى الصولي عن إسماعيل بن نصر أخي محمد بن نصر الذي يقول فيه أبو نواس من جملة قصيد:
    فصلى هذه في وقت هذي

    فكل صلاته أبداً قضـاء
    وذاك محمد تفديه نفسـي

    وحق له وقل له الفـداء

    قال: رأيت أبا نواس وقد صلى الظهر وقام يتطوع فقلت له: ما بدا لك في هذا؟ قال: ليصعد إلى السماء اليوم خبر ظريف.
    حكى الصولي عن أبي العتاهية قال: لقيت أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته وقلت له: أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تزدجر؟ فرفع رأسه إلي وقال:
    أتراني يا عتاهـي

    تاركاً تلك الملاهي
    أتراني مفسداً بالنس

    ك عند القوم جاهي

    قال: فلما ألححت عليه بالعذل أنشأ يقول:
    لن ترجع الأنفس عن غيها

    ما لم يكن منها لها زاجر

    قال: فوددت اني قلت هذا البيت بكل شيء قلته.
    وقال أبو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد وددت أن لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس وهي:
    يا نواسي تـوقـر

    وتعز وتصـبـر
    إن يكن ساءك دهر

    فلما سرك أكثـر
    يا كبير الذنب عفو

    الله عن ذنبك أكبر

    وأشيع عن أبي نواس أنه رجع عما كان عليه من البطالة وشرب الخمر وزهد في اللذات، فاجتمع أصحابه وأقبلوا عليه يهنئونه بذلك، فوضع بين يديه باطية وجعل لا يدخل عليه أحد يهنئه إلا شرب بين يديه رطلاً وأنشد:
    قالوا نزعت ولما يعلموا وطـري

    في كل أغيد ساجي الطرف مياس
    كيف النزوع وقلبي قد تقـسـمـه

    لحظ العيون وقرع السنبالكـاس

    قال محمد بن نافع: كان أبو نواس لي صديقاً، فوقع بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغتني وفاته فتضاعف علي الحزن؛ فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا رأيته فقلت: أبا نواس؟ قال: لات حين كنية، قلت: الحسن بن هانئ؟ قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها في علتي قبل موتي وهي تحت الوسادة؛ فأتيت أهله فلما رأوني أجهشوا بالبكاء فقلت لهم: قال أخي شعراً قبل موته، قالوا: لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئاً لا ندري ما هو، قلت: ايذنوا لي أدخل؛ قال: فدخلت إلى مرقده فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئاً ثم رفعت أخرى فإذا أنا برقعة فيها مكتوب:
    يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة

    فلقد علمت بأن عفوك أعظـم
    إن كان لا يدعوك إلا محسـن

    فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
    أدعوك رب كما أمرت تضرعاً

    فإذا رددت يذي فمن ذا يرحـم
    ما لي إليك وسيلة إلا الـرجـا

    وجميل عفوك ثم أني مسـلـم

    وقد سبق في ترجمة أبي عرم أحمد بن دراج القسطلي ذكر بعض قصيدة أبي نواس الرائية.
    وذكره الخطيب أبو بكر في "تاريخ بغداد" وقال: ولد في سنة خمس وأربعين وقيل سنة ست وثلاثين ومائة، وتفي في سنة خمس، وقيل ست، وقيل ثمان وتسعين ومائة ببغداد، ودفن في مقابر الشونيزي، رحمه الله تعالى.
    وإنما قيل له أبو نواس لذؤابتين كانتا له تنوسان على عاتقيه.
    والحكمي-بفتح الحاء المهملة والكاف وبعدها ميم- هذه النسبة إلى الحكم بن سعد الشعيرة، قبيلة كبيرة باليمن منها الجراح بن عبد الله الحكمي، وكان أمير خراسان، وقد تقدم أن أبا نواس من مواليه فنسب إليه. وقد تقدم الكلام على سعد العشيرة في ترجمة المتنبي في حرف الهمزة.
    وأما الصولي فتأتي ترجمته في المحمدين، وعلي بن حمزة لم أقف له على ترجمة. وتوزون أخذ الأدب عن أبي عمر الزاهد وبرع فيه، وكان يسكن بغداد، وتوفي في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلثمائة، رحمه الله تعالى.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:18 pm